الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تشييئ الهوية أكذوبة وكذب

الحايل عبد الفتاح

2013 / 4 / 7
المجتمع المدني


تشييئ الهوية أكذوبة وكذب
لقد كتب العديد من المثقفين في موضوع الهوية. كتب في موضوعها مانييل كستل وكرام شي، ودوركايم وغيرهم ...Manuel Castells dans son ouvrage « Le pouvoir de l’ide,tité »، Antoine Gramsci ، ...Durkheim...
في البداية لابد من القول والجزم أن لكل مجتمع حد أعلى وأدنى في ( في) التفكير. فالحد الأعلى في التفكير هو المعرفة-الثقافة الذي اكتسبته وامتلكته النخبة عبر تجربتها الإقليمية أو الإنسانية. وهو المستوى الذي تناقش فيه مختلف الموضوعات بما فيها المشاكل المطروحة وحلولها الممكنة...وهذا الحد الأعلى هو الذي يفرز ويكشف ويوضح مفهوم الطبقية الفكرية والاجتماعية والاقتصادية...
أما الحد الأدنى في التفكير فتمثله طائفة العوام ممن لم تتح لهم فرصة استقبال المعرفة-الثقافة لسبب أو لآخر؛ وهو المستوى الفكري الذي يستهلك الواقع كما يصوره أو يخيل له تصوره للحد الأعلى في التفكير...
فهل النخبة كالعوام في معرفة وإدراك معنى الهوية ؟
جوابا عن هذا السؤال، وفي نظرنا ومنطقنا وفهمنا، فمفهوم الهوية من المواضيع التي لها ارتباط وثيق بالثقافة وبالتاريخ والسياسة والإقتصاد وغيرها من العلوم الإنسانية ... والعديد من المثقفين وغير المثقفين يتحدث عن مفهوم الهوية كمعطى طبيعي، لصيق بالذات الفردية أو الجماعية، لا يمكن التنازل عنه ولا مناقشته او التشكيك في حقيقته، بل أصبحت الهوية مفهوما "مشيئا"( برفع حرف الميم) قابلا للتملك لا يمكن لا التنازل عنه ولا المساس به ولا استسغار من قيمته أوقدسيته...
قد يتساءل البعض من القراء : وما هي مناسبة بحثنا في "ماهية الهوية"؟ فنجيب بوضوح وبدون مراوغة أن الداعي للكتابة في هذا الوضوع هو :
- نجدة شقوة الفكر العربي الإسلامي وما يتخبط فيه من انحسار إبداعي... أو المساهمة في إنقاذ الفكر العربي الإسلامي من الإنحسار الإبداعي...
- عجز خلفاء الثورات العربية الإسلامية أو "الفالتين منها" عن إدارة واحتواء الواقع المر بتجلياته الإقتصادية والسياسية والإجتماعية والثقافية...
- تصحيح الفهم الخفي وراء تسييس الدين وتديين السياسة...
- التحدير من مقايضة الإحباط الفكري الإبداعي لدى المثقف العربي الإسلامي بخدمة السلطة القائمة أو المنتصرة أو الحادة "الشوكة" والغلبة ...
- توعية الخاص والعام بمعملية استغفال الجمهور من العامة في المجتمع العربي الإسلامي عبر ثقافة ثراثية بائرة وعاقرة وعبر وسائل إعلام جائرة...
- فرز المقدس بالتعود وبالتردد وبالألفة عن غيره من المفاهيم المصطنعة والمفبركة...
- إرجاع بعض المصطلحات المتداولة إلى مستواها الإقناعي عوض تركها تزيد في تهويل الوضع الفكري...
ومن خلال العنوان المقترح وقبل التعمق في التحليل والدراسة وجب علينا أن نتساءل أولا : هل الهوية شيء يحتوي على حقيقة أم أنه مجرد تخيل إنساني مغلوط ومغلط للفهم الصحيح للواقع الماضي والحاضر والمستقبل؟
جوابنا واضح : الهوية ليست حقا بل تخيل يؤجج الأنا ويلفظ الغير...إنه حق موهوم...بل شعور ينتاب الفكر حين تشتد أزمة الواقع أمام الإعتداء والتسلط والدونية التي يفرضها الغير على الحق بالقوة أو الشوكة...
الحق في الهوية غطاء أو ستار أو قل حاجز مقولب، قابل للإستهلاك ( في ظل الثقافة السائدة) يحجب الموقع الذي آل له الواقع المر...فهو إديلوجية المصلحة المعروفة والمحددة سياسيا واقتصاديا واجتماعيا...جعله البعض حقا لإبعاد المنافسة المصلحية...فاقتنع به العامي والمثقف لنجاعته في حفظ المصلحة الشخصية أو الجماعية... الهوية قناع يحمي البنية السياسية والإقتصادية والإجتماعية والفكرية القائمة، المفروضة بطريقة أو أخرى...الهوية في الحقيقة ليست سوى سلاحا يقي به المثقف وغير المثقف ضعف تمركزه في مستويات الحضارة الإنسانية...
فكلما اشتدت أزمة الفكر في إيجاد حل للمشاكل الواقعية إلا وتلتها أزمة معرفة ماهية الهوية...بعبارة أخرى، كلما اشتدت عواقب أزمة تلتها تساؤلات سديدة أو مغلوطة عن الهوية...
فكلما اشتدت الأزمة السياسية والإقتصادية والإجتماعية إلا وثارت مشكلة الهوية. وكلما ازدهر وانسجم المجتمع اقتصاديا وسياسيا وثقافيا إلا وصاحبت فكره المبادئ الإنسانية الكونية...
الهوية في آخر المطاف ليست سوى تشخيصا مرضيا للمجتمع...
ومثال ذلك ما يحدث بين الفينة والأخرى داخل مجتمع...
مثلا، فمناقشة الهوية الفرنسية من طرف المجتمع الفرنسي في مطلع القرن الواحد والعشرين الميلادي وعلى رأسهم الساسة الفرنسيين هي إشكالية واقعية تخفي ورائها ظواهر مستعصية على الفهم والتنظيم... فحين يطرح مشكل مجتمعي أو اقتصادي أو ثقافي أو غيرها من المعضلات والمشاكل يجند السياسيون طاقاتهم لوجود الحل أو الحلول الممكنة. وحين يعجز العقل والمنطق عن تدبير وتصريف مشكل فهو يبحث عن حلول قد تتجاوزهما بل تعبث بمبادئهما. وهذا ما حصل بفرنسا حين مناقشة الهوية الفرنسية...
وسنناقش مناسبة مناقشة موضوع الهوية لدى الفرنسيين في إبانه...
تصبح الهوية في آخر المطاف هي "اللصقة" أو الرابط الذي يربط بين الفكر والواقع، بين الماضي والحاضر، بين المحب ( بفتح الحاء) والمنبوذ، بين التنظيم والفوضى بين الخوف وبالطمأنينة بين الأنا والآخر، بين نحن وهم، بين مصلحتنا ومصالحهم، بين حق الأنا وحق الآخر...
وحين يتحدث المثقف عن الهوية يخيل له أنه يمتلك من خلالها حالة مدنية تميزه عن باقي المجموعات البشرية...ومن ثم فهو يتحدث عن الهوية الثقافية مثلا كمعطى حقيقي وكأن للثقافة هوية أو أن للهوية ثقافة...
والغريب في الأمر أن هناك من يتحدث عن "أزمة الهوية" كمعطى حقيقي...ويخوض في المجاز والتصوير اللغوي التهويلي...عوض أن يتحدث عن مكانته وموقفه وإنتاجه وعطائه داخل التجمعات الإنسانية...
الحقيقة هي أن لا وجود للهوية إلا في المخيلة كالخوف من مجهول لا وجود له أو شجاعة لا طائل منها...فهي سلاح المنهزم والمحبط والمتدني بقوة العقل والمنطق زيادة على الواقع... الهوية لا وجود لها كشيء طبيعي بل "تشيأت" لاعتبارات سياسية واقتصادية وثقافية...
وشعور الإنسان بإنسانيته والحقوق المرتبطة بها، وفهم الإنسان لمعنى الديمقراطية كحل منطقي محليا ودوليا ينسفان مفهوم الهوية...
الهوية تذوب البعد الإنساني وتجره إلى الإحساس المفرط بالذات الشوفينية...بل هناك من المتشبثين بهوية ما من يصبح عنصريا...وفوق ذلك فافتراض وجود هوية يفرض احتمال وجود عدة هويات متصارعة...
ففي نظرنا فالهوية الوحيدة الجديرة بالتباهي هي الهوية الإنسانية الكونية لكونها طبيعية لا تنفي الآخرين ولا تستصغرهم ولا تنتقص من قيمتهم...وهذا المفهوم هو العلاج الناجع لغسل الفكر والثقافة الإنسانية ( والعربية الإسلامية) من الطوبا والوهم والتخيل والتواكل.
الحايل عبد الفتاح، الرباط، 05/04/2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مفوض الأونروا: إسرائيل رفضت دخولي لغزة للمرة الثانية خلال أس


.. أخبار الساعة | غضب واحتجاجات في تونس بسبب تدفق المهاجرين على




.. الوضع الا?نساني في رفح.. مخاوف متجددة ولا آمل في الحل


.. غزة.. ماذا بعد؟| القادة العسكريون يراكمون الضغوط على نتنياهو




.. احتجاجات متنافسة في الجامعات الأميركية..طلاب مؤيدون لفلسطين