الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نحن -ماضويين- والتقدم لا يكون -بالماضوية -

احمد داؤود

2013 / 4 / 7
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الماضي ـ ماضي اي انسان ،امة،شعب او مجتمع ـ قد يكون ذاخرا بالانجازات والتطورات .بل ويحوي العديد من الافكار والابتكارات والتعاليم الايجابية .ولكن هذا الماضي لايصلح لأن يكون اداة لمعالجة ازمات وقضايا الراهن والمستقبل .

كلنا نطمح او يحدونا الامل في التغيير والتقدم .ولكن هذا التغيير والتقدم لا يتم بالركون للماضي .هذا الماضي وان كان جيدا في فترة زمنية سابقة فانه بالضرورة قد لا يكون جيدا بل وقد يعجز في اشباع الحاجات الانسانية المعاصرة .

حاولنا كثيرا ان نلحق بركب التقدم والتطور بيد اننا فشلنا ،لماذا : لسبب بسيط ؛هو اننا ماضويين ،اي نعيش في الماضي ونتجاهل الحاضر والمستقبل .نحدث الاخرين كيف كنا لا ما نحن عليه الان .ونتجاهل ماهو كائن وما سيكون في المستقبل .

نخبر الاخرين عن حضارتنا وانجازاتنا السابقة .نخبرهم كيف كان ابائنا واجدادنا ولكنا بالضرورة نرفض اي حديث عن اوضاعنا المعاصرة . والازمة الكبري اننا نرفض اي فكرة او ابتكار حديث قد ينزع المشروعية والقداسة عن الماضي او عما هو قديم .بل ونحاربه ونسعي بكافة الاشكال علي استئصاله .

الاجيال السابقة علي سبيل المثال تكرر باستمرار بانها الصواب .وان قيمها الثقافية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية هي الصائبة .اما تلك الخاصة بالاجيال الحالية فهي ليست سوي هبوط وانحدار . ويتباهي افراد هذا الجيل بانجازات الماضي بينما يبخسون انجازات الحاضر ويوصمونها بالتفسخ .

الكثير من افراد مجتمعاتنا يحاربون كلما هو جديد بحجة الحفاظ علي مكتسبات الماضي .يقولون بان كل المعالجات الخاصة بازماتنا الحالية تكمن في داخل تلك المكتسبات وبالتالي علينا الركون لها .

انا اؤيد فكرة ان جزء من مكتسبات الماضي قد تكون جيدة .بيد انها قد لا تصلح او قد تعجز في اشباع احتياجاتنا المعاصرة .كما اناصر في ذات الوقت فكرة الحفاظ علي مكتسبات الماضي اعتمادا علي المثل الشائع "الماعندو قديم ما عندو جديد " ولكن هذا لايعني ان نرفض الجديد .بل الافضل لنا ان ناخذه بشرط ان نميز الصالح من الطالح منه .

الماضي الذي نتغني بامجاده ونسعي للعيش فيه قد يحوي العديد من الافكار والقيم السالبة .والاخذ بتلك الاشياء السالبة يمكن ان يؤثر علينا في المستقبل .لذلك فالاولي ان ناخذ ما هو جيد منه مع وضع الاعتبار بضرورة الاخذ مما هو جيد من الافكار الحديثة .

وهذا يعني ان نتجاوز او نستأصل كل الاشياء السالبة التي يضج بها الماضي . وهذا ما فعلته اروبا التقدم .فهي وصلت الي ما هي عليه الان عندما احدثت عملية القطيعة التي تم بموجبها تجاوز كافة الافكار والقيم والنظم السالبة التي كانت تهيمن علي المجتمع في فترة سابقة .

نحن اكثر الشعوب التي تطمح او يحدوها الامل في التقدم باعتبار اننا الاكثر تضرر من الجهل والخرافة والاسطورة . كل الادلة تشير الي اننا نرضخ للجهل والخرافة والحروب .ولكن هذا لا يتم حسب ما اشرت سابقا الا بتجاوز الماضي وخاصة السالب منه .وحتي الجيد خاصة اذا ما عجز في معالجة قضايانا وازماتنا الراهنة ؛ هنالك الكثير من الافكار الجيدة في فترة زمنية بعينها الا انها قد لا تكون جيدة في الفترة الزمنية التي تليها والشواهد علي ذلك كثيرة . الدين علي سبيل المثال كان جيدا بل واشبع جزء من حاجات الانسان القديم .ولكن هذا بالضرورة لا يعني بانه جيد في العصر الراهن او قد ينجح في اشباع حاجات الانسان المعاصر . لنوضح اكثر ؛المسلمين يقولون بان الحكمة من اعطاء المراة نصف حصة الرجل في الميراث يرجع الي ان هذا الاخير كان راعيا للاسرة كما انه الاكثر استهلاكا .ولكن اذا ما قسنا ذلك علي انسان العصر الراهن نجد ان المراة قد تكون هي رب الاسرة او الاكثر استهلاكا من الرجل وهذا يعني بان فكرة الميراث الاسلامية قد تعجز في اشباع حاجات العصر الراهن حتي وان كانت تلك الفكرة ايجابية في فترة زمنية سابقة .

اذا ما تخلصنا من الماضوية تواجهنا مشكلة عدم الاعتراف او الاستفادة من خبرات وافكار الاخرين وخاصة اؤلئك الذين يختلفون معنا في العرق او المعتقد او التوجه الثقافي والسياسي . بعضنا يزعم بان الاعتماد علي خبرات الاخرين لمعالجة قضايانا قد يطمس هوياتنا او يتم تذويبها في ذاتيتهم .

كما انهم يقولون بان تلك الافكار والابتكارات قد تتعارض مع قيمنا ومنظوماتنا .ولكن مثل هذا القول خاطي .فنحن عندما ناخذ من الاخرين لانتسبب في تذويب ذواتنا او نطمس هوياتنا وانما قد ننجح في المحافظة عليها بل وتطويرها .

كما ان ليس كلما هو خاص بالاخرين قد يتعارض بالضرورة بما هو خاص بنا "الديمقراطية مثلا " فكرة غربية ولكنها رغم ذلك لا تتعارض مع قيمنا بل اننا تمكنا من تبئيتها وتوطينها .قد يتعارض جزء من قيم ومكتسبات وافكار الاخرين مع تلك الخاصة بنا ولكن ذلك لا يعني بانها تتعارض معها كليا . وعدم تعارضها كليا يشير الي احتمالية نجاحها في استيعاب او معالجة بعض اشكالاتنا .

العالم يتقدم ،والانسانية في تطور مستمر .وكل الدلائل تشير الي ان اكثر المجتمعات عرضة للتخلف والجهل والنكوص هي تلك التي رفضت الانفتاح علي الاخرين وحبذت ان تنغلق حول ذاتها .

كل المجتمعات التي فعلت ذلك اما ان اندثرت او انهارت او انها في طور الانهيار والاندثار او انها لازالت تعيش في الماضي . واذا ما تاملت احوالنا قليلا تجد بان ذلك ينطبق علينا . وهنا يبرز السؤال :مالذي ينبغي ان نفعله او ما ينبغي ان يكون ؟

حسب ما اشرت سابقا فان ما هو كائن اننا نعيش في الماضي ونعاني من الجهل والتخلف ونطمح الي التغير كما اننا نرفض الانفتاح علي الاخرين او اخذ ما هو صالح منهم بحجة انه قد يتعارض مع قيمنا ومنظوماتنا .

اذاً الواجب يلزمنا بان نتجاوز الماضي وخاصة السالب منه مع الاخذ من ابتكارات وافكار الاخرين .ولكن الاهم هو ان ننشر ثقافة العقلانية والتفكير الحر .

كثيرا ما كنا نلجأ الي معالجة قضايانا وازماتنا بالركون الي الماضي الذي هو بالضرورة قد يكون اسطوريا ولا عقلانيا .وهذا لا يساعدنا في احداث عملية التقدم والتطور .وانما قد يرتد بنا الي عصور ساحقة وموغلة في التخلف والجهل .عصور الغيب والاسطورة والخرافة .

العقل والعلم هما معيار لقياس مدي تقدم الانسان او المجتمع .بالتالي فنحن في اشد الحوجة اليهما .الي مجتمع وانسان عقلاني .مجتمع يعتمد علي العلم في تفسير ومعالجة كافة القضايا والازمات التي تواجهه . مجتمع يستطيع ان يقنع الاخرين بصحة ما يذهب اليه باستخدام العلم والمنطق لا الاسطورة والغيب .

علينا ان ننشر ثقافة العقلانية . العقلانية التي ترفض القبول باي شي طالما انه يتعارض مع العقل والعلم . العقلانية التي ترفض الماضي طالما انه يحوي الافكار والتعاليم والسالبة . العقلانية التي تحث للتقدم والتطور ،لا عقل ماضوي يتغني بامجاد الماضي ويسعي للذوبان فيه .

اضافة الي ذلك لابد من نشر ثقافة السلام والتسامح . السلام مع الذات والاخرين ؛ مع الذات عن طريق اشباع كافة حاجاتها ومع الاخرين عن طريق احترام ارادتهم وتوجهاتهم سواء كانت سياسية او دينية او جنسية ..

السلام الذي يجعلنا جميعا ان نعمل بكل ما اوتينا من قوة في الاسهام في تطوير وتقدم البشرية .السلام الذي يشجع للبحث والانجاز والابتكار .

السلام الذي يساعدنا في عرض وجهات نظرنا دون ان يقوم احدنا بفرض وجهة نظره علي الاخرين او يكرههم ليؤمنوا بما يكون ضد ارادتهم .

التسامح الذي يجعلنا نرفض الظلم والاضطهاد وكلما هو سالب ضد الاخرين مثلما نرفضه علي ذواتنا . التسامح الذي يجعل كل القوميات والمكونات والشعوب الاجناس واصحاب المعتقدات والافكار المختلفة يعيشون في سلام دون ان تعتدي احداها علي الاخريات .
عندما نفعل ذلك ..عندها فقط سنلحق بركب التقدم .عندها فقط سنكون مثل كافة المجتمعات او الامم التي سطرت اسمائها من ذهب في سماء الانسانية .

عندها فقط سننتج ،ونضيف شيئاً يذكر للبشرية التي لطالما ظللنا عالة عليها . عندها فقط سنكون جديرين بالاحترام ،ونستحق لقب الانسان او المجتمع الراشد . المجتمع الذي صنع وحقق ذاته من العدم وساعد الاخرين في صناعة وتحقيق ذواتهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ما سبب الاختلاف بين الطوائف المسيحية في الاحتفال بعيد الفصح؟


.. نشطاء يهود يهتفون ضد إسرائيل خلال مظاهرة بنيويورك في أمريكا




.. قبل الاحتفال بعيد القيامة المجيد.. تعرف على تاريخ الطائفة ال


.. رئيس الطائفة الإنجيلية يوضح إيجابيات قانون بناء الكنائس في ن




.. مراسلة الجزيرة ترصد توافد الفلسطينيين المسيحيين إلى كنيسة ال