الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشريعة والشرعية. وظاهرة العنف

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2013 / 4 / 8
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ظاهرة العنف أو الإيلام الجسدى للعبيد والنساء هى عقوبة بدائية وحشية استمرت فى التاريخ تحت اسم الشرعية القانونية أو الشريعة الالهية، وأصبحت تتخفى فى عصرنا الحديث تحت كلمات براقة مثل الهوية والديمقراطية وقيم العائلة والقرية. وتم اكتشاف زيف هذه الكلمات بعد رؤية الدماء تراق فى الشوارع والسجون والبيوت.
التخلص من العنف يقتضى التخلص من أسبابه الراسخة فى نظام الحكم والدولة والعائلة، والكامنة فى العقل والشعور واللاشعور منذ الطفولة الأولي، منذ تلقين القيم التى تفرق بين البشر على أساس الجنس والدين والطبقة والجنسية وغيرها لابد من اعلاء الهوية الانسانية المكتسبة بالعمل المبدع الصادق على الهويات البيولوجية الموروثة ان أردنا القضاء على العنف هل نفرق بين الناس على أساس لون البشرة أو الدين؟ أليست هى عودة الى العنصرية؟
الواضح أن العنف ينتشر فى بلادنا والعالم بسبب تصاعد الفكر الدينى السياسى القائم على التناقض والازدواجية والتفرقة بين البشر. وفى المدرسة الابتدائية عام 1942 ضربنى المدرس على أصابعى حتى نزفت الدم لأنى سألته سؤالا بديهيا: هل يكون بالجنة ورق وأقلام لمن يريد أن يكتب؟، كان المدرس قد قال لنا إن الجنة سيكون بها عسل ولبن وكنت أحب الكتابة أكثر من أكل العسل أو شرب اللبن. وفى مشرحة كلية الطب عام 1952 رأيت جثة طفلة فى الثالثة عشرة مقتولة بيد أبيها تحت اسم الشرف، وطفل عمره ثمانية أيام نزف حتى الموت بعد عملية ختان، وخادمة فى العاشرة من عمرها ضربتها حتى الموت سيدتها ربة البيت، وشاب فقير تم سحله فى مظاهرة سلمية ضد الملك والانجليز. هذه أمثلة قليلة لأنواع العنف المشروع التى شهدتها فى المدرسة والجامعة.
العنف هو قانون القوة فوق الحق، والرئيس فوق الشعب، والرجل فوق المرأة، وسلطة الأب المطلقة من سلطة الرب وتحت اسم الشريعة يمكن للزوج أن يتزوج ويطلق عدة مرات وينكر أطفاله كما يشاء ويمكن لعجوز عمره مائة عام أن يتزوج طفلة. والبعض جعل الشريعة تكيل بمكيالين فيما يخص قانون الأسرة، وتتعرض الزوجات والأطفال للضرب تحت اسم التأديب، فان ثارت النساء والاطفال تم اتهامهم بالعنف تحت اسم الشرعية الدولية. فى وقت من الأوقات أمسك جورج بوش بكتاب الانجيل وأعلن عن غزو العراق، وتم سحل الشعب العراقى والاستيلاء على موارده دون أن تنطق محكمة العدل الدولية أو مجلس الأمن. ولا تكف الدول الكبرى عن البطش بالدول الصغرى تحت اسم الشرعية الدولية، التى تكيل بمكيالين، تطبق فقط على الضعفاء من الدول الصغيرة، وتخرقها كل يوم الدول القوية المالكة للسلاح النووى ومنها اسرائيل. ولنلاحظ بطش البوليس الأمريكى بالمظاهرات الشعبية السلمية (احتلوا وول ستريت) والتى قامت ضد عنف القانون الأمريكى الذى يسبب الفقر لأغلبية النساء والشباب.
تحت اسم الشرعية يصبح عنف الأقوياء المسلحين مشروعا، وتحت اسم الشريعة يصبح عنف الرجال هو القانون. وتحت اسم الشرعية قام نظام مبارك بقتل الآلاف فى المظاهرات الشعبية السلمية ونهب الأموال المصرية وتحويلها للخارج، ولا تزال مصر عاجزة عن استرداد هذه الأموال. ومازال مبارك وأعوانه بعيدين عن أى عقاب رغم سيل الاتهامات ضدهم والمحاكمات المتكررة دون أحكام، وتحت اسم الشرعية يقوم حكم الاخوان المسلمين بما قام به الحكم السابق، إلا أن كلمة الشريعة تغيرت فأصبحت الشريعة، والقانون البشرى أصبح القانون الالهي. والكل يتحدث عن العنف، والكل يتفادى الكشف عن جذور العنف فى القوانين السائدة فى الدولة والأسرة، وحين يعجز الدستور أو الطبقة أو الدين، فان العنف ينتشر يقع العنف فى صمت على النساء والأطفال. وحين يقع العنف على الآباء يرتفع الصراخ العنف ضد النساء هو شرع الله، فالله رفع الرجال فوق النساء. والعنف ضد الفقراء مشروع، فالله خلق الغنى والفقير وخلق الناس درجات. يغرق العالم فى الدماء والحروب والفتن والنهب. وتعيش الأمهات والأطفال وراء الأبواب المغلقة فى الحزن والغم. لقد فشلت مفاوضات السلام بين اسرائيل والفلسطينيين لأكثر من ستين عاما، لأن السلام لا يحدث بغير عدل، وينال مجرمو الحرب جوائز نوبل لأن جوهر القانون العبودى لم يتغير.
الثقافة فى بلادنا تنبع من الفكر الرأسمالى الأبوى الذى يختزل الديمقراطية فى الانتخابات ونتائج الصندوق، ويختزل العدالة الاقتصادية فى معاشات للعاطلين ومساعدات للمعاقين، ويختزل تحرير النساء فى حرية التغطية حسب أمر الله أو التعرية حسب أوامر السوق الحرة، وقد تم اجهاض الثورة المصرية خلال العامين الماضيين بالحوار التوافقى التراجعى خطوة وراء خطوة، والفكر الانتهازى الانهزامى الذى يشيع أن نظرية الثورة لم تنجح فى بناء نظام ديمقراطى فى أى بلد فى العالم. واختزال أهداف الثوره فى حشد الجماهير أمام صناديق الانتخاب بالخداع الاعلامي، والرشاوى فى الدنيا والآخرة.
كانت طوابير النساء والفقراء أطول الطوابير فى أعراس الديمقراطية المتكررة، مع ذلك تم استبعادهم من غنائم الصناديق ومن صياغة مواد الدستور، وتم حرمانهم من نصيبهم فى الدوائر ومقاعد الحكم والبرلمان والشوري. ويتم الخداع بشتى الكلمات البراقة: الديمقراطية، الصندوق، الهوية الاسلامية، الوطنية المصرية، الخصوصية الثقافية، قيم التراث والعشيرة والجماعة. وسادت القيم الذكورية واللغة السوقية التى تهين كرامة المرأة تحت اسم الرجولة طالت اللحى والشوارب وغلظت الأصوات، وانكسفت النساء مختفيات وراء الحجاب والنقاب. وانتشر التحرش الجسدى بالفتيات فى المظاهرات لطردهن من صفوف الثورة، واعادتهن الى حظيرة البيت وقانون الطاعة. وهذا العنف كله ليس عنفا بل تأكيد الهوية الاسلامية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - القط بيحب خناقة
Amir Baky ( 2013 / 4 / 8 - 08:47 )
العنف البدنى هو جريمة لأى عاقل و لكن أن يحب الشخص من يعذبة هى المشكلة الحقيقية. أم تبرر ضرب إبنتها المتزوجة بحجة أن زوجها يؤدبها و تتحجج بحجج دينية. فالمرأة تقبل أن يعذبها الرجل لأن ربنا قال من حق الرجل أن يؤدب زوجتة. الأقليات تقبل الذل و تصمت لأن ربنا قال لا تقاوموا الشر. يتم المفاضلة بين دكتاتورية العسكر أو فاشية الإخوان لأن الشعب لا يريد أن يذوق الحرية و يعشق العبودية لأى طرف. ينزل أتباع العسكر حبا فى ذل البيادة. و يقتل الشاب الإخوانى نفسة من أجل مشروع الإسلام الوهمى الذى يروج له تجار الدين من قادة جماعة الإخوان. والعجيب أن نسمع أن الشعب لا يصلح معة سوى الحكم العسكرى أو الدينى و كأن الشعب لابد أن يكون مهدد بكرباج البندقية أو تحت تهديد سلاح التكفير. فصدق المثل المصرى الذى يقول القط بيحب خناقة


2 - شريعة باي مذهب
salma mohamad ( 2013 / 4 / 8 - 11:27 )
مشكلة الاسلاميين اللذين يريدون تطبيق الشريعة هم انفسهم لا يجتمعون على اي مذهب يطبقون الشريعة

http://www.youtube.com/watch?v=tlwX40cwTKU


3 - تحت اسم القدسية والدبن
فؤاده العراقيه ( 2013 / 4 / 8 - 11:43 )

لا نشبع من نهر افكارك التي لا تنبض ولا تلين وجميعها رائعة واروع ما فيها الربط , فمزيدا منها ولكن ارجو ان لا يكون على حساب صحتكِ فهي عزيزة علينا واكثر

تحت اسم الدين ومن ثم السلطة والقانون تنتهك حرمة الأنسان , وتسبى النساء بأسم مؤسسة الزواج , حيث مصلحة السلطات تعلو فوق الأنسانية جمعاء
يسرق الازواج اعمار زوجاتهم وينتهكون اجسادهن وعقولهن ومن ثم يذهبون للصلاة التي تعودوها عليها منذ الصغر , يبيح الزوج لنفسه فساد اخلاقه بتعدد زوجاته تحت اسم الشرع والقانون , ويمنع زوجته من رؤية الضياء ويحتكرها مسنود بهذا بالقانون الفاسد المرتبط بالشرع الألهي
يتقوى باسم الله لتأديب زوجته وضربها
هم لا زالوا يحاولون حجب الحقيقة برغم الدماء المراقة في الشوارع علنا , وفي البيوت سراً

نحن ممنونين لكِ كل الممنونية






4 - حكام وملوك يديرون العالم بميزان الكذب والنفاق
أشورية أفرام ( 2013 / 4 / 8 - 20:18 )
جورج بوش الكذاب... هو الأرهابي الدموي الذي وضع رقاب أصلاء العراق المسيحيين(الأشوريين والسريان والأرمن والكلدان والأخوة الصابئة) وبأسم الأنجيل فوق موائد القتلة الملتحيين الأرهابيين الأسلاميين,وتم ترهيبهم وقتلهم وتهجيرهم من وطنهم الأم,وطبعا وفق أجندة وخطة مدروسة فيما بينهم وبين السياسيين الأكراد والعرب الشيعة... مافيا الحكومات الأمريكية البريطانية الغربية والقطرية السعودية الكويتية التركية,هؤلاء هم الرؤوس النوويـة التي دمرت وخربت أوطاننا وشرقنا الأوسـط وبجانبهم الكثير من الخونة السياسين من العرب والأكراد. أنتم لصوص ومجرمين ودمويين أكثر من الملتحيين العفنيين من القاعدة والأخوان المسلمين المجرمين والسلفين,ولكنكم مقنعين ومتخفين بمناصبكم وكراسيكم المزيفة الحاكمة..كيف ستواجهون الديان العادل يوم الدينونة يا سفاكي ومصاصي دماء الأبرياء؟؟؟ أنتم من بذرتم وزرعتم أبليس الشر الأرهابي الأسلامي الدموي الملتحي في الشرق الأوسط ,ليس لخدمة وكرامة الأنسان,ولكن لتشبعوا بطونكم وجيوبكم وطمعكم وجشعكم...-الغبي يصدق كل كلمة والذكي ينتبه إلى خطواته- (أم14: 15).


5 - الشريعة والشرعية وظاهرة العنف
ناس حدهوم أحمد ( 2013 / 5 / 1 - 17:11 )
نحن في العالم العربي متخلفون ومهزومون وشعوبنا منحطة لأنها أمية
وجاهلة وجائعة
إذن كيف يمكن لهذه الأمة أن ترتقي إلى مصاف الدول التي توجد
شعوبها في القمة ؟ حكامنا ليست لهم ذرة واحدة من الوطنية والكرامة
حتى يكونوا في مستوى الحكم وتوجيه الأمة نحو التقدم
مصر مثلا كان لها قائد إسمه جمال عبد الناصر وكان زعيما مخلصا
ووفيا للوطن ولشعبه ومع ذلك لم يكن له العقل الراجح والصائب
والمعرفة الرائدة لينقذ مصر بل أبلى نفسه بمعاداة إسرائيل وأمريكا
والمنتظم الغربي وهذا هو الخطأ الذي وقع فيه
فقد كان عليه أن يهتم ببناء مصر أولا وأخيرا وكان عليه أن يفهم
بأن قضية اليهود مسألة مستعجلة وبأن اليهود والعرب هم أحفاد لجد واحد
فلما لا يكونوا كلاهما من فلسطين ؟ غير أن العرب لا يريدون فهم
المعادلة ولهذا فالعالم والمجتمع الدولي يحمي اليهود ولن يكون معهم نازيا
فالأمور متشابكة لأننا لا نستطيع أن نتكلم بحرية وكل شيء لدينا جاهز
والشريعة خربت عقولنا ومع ذلك نقتل بعضنا من أجلها

اخر الافلام

.. د. حامد عبد الصمد: الإلحاد جزء من منظومة التنوير والشكّ محرك


.. المجتمع اليهودي.. سلاح بيد -سوناك- لدعمه بالانتخابات البريطا




.. رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك يزور كنيسا يهوديا في لندن


.. -الجنة المفقودة-.. مصري يستكشف دولة ربما تسمع عنها أول مرة




.. وجوه تقارب بين تنظيم الاخوان المسلمين والتنظيم الماسوني يطرح