الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من يزرع الشر في أنفسنا ( 2 - 2 )

ناهده محمد علي

2013 / 4 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


إن أسباب نوازع الشر لدى الإنسان ربما تكون بسبب التربية الأُسرية أو النماذج القدوة في العائلة وبين الأقران ونوع الثقافة الذاتية ودور وسائل الإعلام والتي قد تنمي عامل الشر وتجمله وتوجد المبررات له كما تلعب الهوايات والإتجاهات دوراً واضحاً في تحديد نسبة تراكم الشر في النفس الإنسانية , ويلعب الأدب والفن في إثارة هذه النوازع أو خفضها الى الحد الأدنى فالإتجاهات الفنية للرسم والموسيقى قد تنمي الصخب والفوضى وقد تهذب النفس الإنسانية وترققها , فالموسيقى الهادئة والموسيقى الكلاسيكية تهديء الجهاز العصبي وتهذب المشاعر الإنسانية وتجعلها أكثر ميلاً الى السلام والهدوء , وهذا ينطبق تماماً على الفنون التشكيلية , أما الموسيقى التي تعتمد على الصخب تمركز الإحساس بالعنف والرغبة فيه وتستنفذ الطاقة الإنسانية المنتجة وترفع مستوى التشنج العصبي وتدفعه دفعاً الى العنف لذا يخرج الكثير من الشباب من أجواء الملاهي والموسيقى الصاخبة الى الشارع لممارسة العدوانية والفوضوية . ينطبق هذا وبحدة على دور فن السينما حيث تعتبر السينما حالياً كما وصفها أحد المخرجين الفرنسيين وهو ( كلود ليولوش ) بأنها ( أدب القرن الحادي والعشرين ) فهي قد تسمو بالنفس الإنسانية وقد تجعلها عنيفة ومدمرة , وما تفعله السينما في الغالب هو تنمية النوازع العُنفية والإنتقامية , وتصبح فكرة الإنتقام هي العقدة الأساسية في كل الحبكة السينمائية وتدور الكثير من القصص السينمائية والتي ينفذها الممثلون ويلعب الصوت والصورة واللون والحركة الجزء الفاعل في تحريك الرغبة الى العنف والإنتقام , وتؤثر خاصة في الأطفال والمراهقين حيث تُطبع أفعال وحركات الممثلين في ذاكرة الطفل والمراهق وفي مخيلته , ويساعد السيناريو المحبوك مع التجسيم الصوري واللوني على قوة الإقناع , كما يساهم أشكال الممثلين ووسامتهم والفوز الذي يحصل عليه المنتقم في النهاية على إقتناع المراهق بصحة ومبررات هذا العمل العنفي , ويقاس نجاح الفلم تكنيكياً وفنياً بمدى قدرته على إقناع المشاهد . وهذا ما تعتمد عليه معظم الدراما السينمائية والمسرح المعاصر والتقليدي وتبقى فيهما فكرة الإنتقام والثأر ولأسباب مختلفة إبتداءاً من مسرح ( شكسبير ) في مسرحية ( ماكبث ) أو ( الملك لير ) , وأفضل ما أنتجته السينما العالمية الكلاسيكية والمعاصرة تحمل فكرة الإنتقام وتروجها بغض النظر عن مدى رقي القصة المطروحة إبتداءاً من ( الأخوة الأعداء ) الى نماذج من السينما المعاصرة مثل :
Freaks
والذي يتحدث عن تشويهات خلقية للأقزام وفكرة الإنتقام المتأججة فيهم حتى أُصيبت بعض المشاهِدات بالإحهاض بسبب التشنج العصبي , وهناك الكثير من أسماء الأفلام التي تدور حول فكرة العنف والإنتقام مثل :
Dark man, Die hard , Marked for death , Bullet in the head , blood Fist
وهناك الكثير من الأسماء والتي لا حصر لها ولا جنسية لها , فهي تشمل كافة الجنسيات من الدراما الهندية والصينية الى الدراما الأمريكية والتركية .
لقد أثبتت التجارب العلمية على أن دماغ المراهق يختزن التجارب العنفية المُشاهَدة وقد يحولها الى فعل وتجارب حقيقية مطبقة إذا توفرت له الظروف والأسباب المشابهة لظروف البطل متصوراً بأنه سيفلت من العقاب أو سيُكافأ من قِبل المجتمع كما حدث للبطل .
إن الدراما السينمائية السيئة قد تؤثر على مستويات مختلفة كما حدث لبعض المثقفين والممارسين للعنف من السياسيين وحتى على بعض رجال الدين , فقد حدث أن قام بعض الرهبان بقتل عوائلهم بالكامل بحجة إنقاذ أرواحهم وتنقيتها , وكما يحدث ايضاً لكثير من الطلاب من مدمني أفلام ( الآكشن ) حيث يمارسون القتل الجماعي لزملائهم من الطلاب والمدرسين وقد يقوم بعضهم بالإنتحار بعد ذلك ولهذا قطعاً أسباب مساعدة وظروف إجتماعية وإقتصادية دافعة .
إن الدراما الأمريكية والأُوربية والتركية تعتمد على كشف صور وحالات مشوهة وإستثنائية وخطرة ثم تعممها فتصبح ظواهر إجتماعية فيصدق بها من يصدق من العقول الشابة والتي تفتقد الى الخبرة والمعلومات والتجارب الحياتية , ولو إطلعنا على مسيرة الدراما التركية لوجدنا أنها تصور المجتمع التركي على أنه مجتمع عنفي متخلخل لكنه في الحقيقة مجتمع تقليدي ومحافظ رغم التطور الحاصل في المجال الإقتصادي , ولرفع إيرادات هذه الدراما يظهر فيها الكثير من المنتقمين والكثير من اللقطاء والكثير ايضا من الضياع والفساد الإجتماعي وتجلب هذه الظواهر الإجتماعية للنفس الإنسانية وتجعلها تلهث وراءها لإكتشاف المجهول والإستمتاع بالتوفز العصبي والغريزي بسبب أحداث الفلم . إن عامل الإثارة هو عامل مهم من عوامل النجاح المادي في تجارة السينما . وتتبع الدراما العربية هذا الأسلوب ايضاً ولكن بشكل مخفف , فتكشف جوانب السوء والمظاهر الإجتماعية السلبية , ولا أدري لماذا لا يتم تسليط الضوء على الجوانب الخيرة والنبيلة في السلوك العربي لكي يجري تقمصها والإقتداء بها من قِبل الأطفال والشباب , ولست ضد كشف الظواهر الإجتماعية السيئة والمتخلفة في العالم العربي , لكن تسليط الضوء على الجانب الإيجابي والبديل لهذه الظواهر هو مدرسة بذاتها للشباب العربي , وخاصة إذا كان السيناريو محبوكاً ومقنعاً .
إن الظروف الموضوعية والأوضاع الإقتصادية والإجتماعية المحيطة بالفرد والجو السياسي العام كثيراً ما يدفع الى السلوك الإجرامي والسلبي , وإزدياد نسبة الفقر في العالم العربي والجهل وإنتشار البطالة قد يدفع بالكثير من الشباب الى ممارسة الإجرام واللصوصية , وتصبح الحالات الإستثنائية ظواهر عامة وهذا ما حدث في العراق ومصر وسوريا في العقود الأخيرة , فأين ما وجد الفقر تواجد الغضب , وأينما وجدت البطالة تواجدت اللصوصية وحالات السلب والنهب , وأينما وجد القهر الجسدي والنفسي تواجدت حالات الإغتصاب والتحرش الجنسي , كما أن إنعدام الديمقراطيات يؤدي الى تنفيس لممارسات وتجمعات إرهابية وعنفية , حينها يبتلع الشر الخير ويجذبه كقطب المغناطيس فتتهشم الكثير من القيم الخيرة وتنفصل عن النفس الإنسانية وتأتي حينها البدائل المشوهة , وتفقد في هذه الحالة مظاهر الخير قوتها لأن الإنسان ضعيف بطبعه أمام قوة السلاح والكسب السهل ويترافق هاذان الإثنان ولا يعود الإنسان السوي مقاوماً لقوة السلوك السلبي إذا أصبح ظاهرة عامة مدعوماً بالقوة إلا إذا إمتلك هذا الفرد القوة الذاتية للتمسك بالمباديء الطيبة والنبيلة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أكثر من 50.000 لاجئ قاصر في عداد المفقودين في أوروبا | الأخب


.. مدينة أسترالية يعيش سكانها تحت الأرض!! • فرانس 24 / FRANCE 2




.. نتنياهو يهدد باجتياح رفح حتى لو جرى اتفاق بشأن الرهائن والهد


.. رفعوا لافتة باسم الشهيدة هند.. الطلاب المعتصمون يقتحمون القا




.. لماذا علقت بوركينا فاسو عمل عدة وسائل أجنبية في البلاد؟