الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قراءة في محاضرات المؤرخ والانتربولوجي أحمد المكاوي حول تاريخ الكوارث تقاطعاته والكتابات المغربية والأوربية حول الكوارث بالمغرب

العثماني والغازي

2013 / 4 / 9
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


تقديم عام
إن التاريخ علم يحتاج إلى تأمل نظري عميق ، وترسانة مفاهيمية تفتح أفاقا للربط بين مختلف المناهج والعلوم الإنسانية ، فبين العلوم الإنسانية كلها وبدون استثناء يأخذ التاريخ مركز الصدارة شريطة أن يكون المؤرخ عالما اقتصاديا أولا ، وعالما اجتماعيا ثانيا....
إن إعادة كتابة التاريخ يتطلب تجاوز التاريخ الحدثي إلى التاريخ الإشكالي، الذي يقر بأهمية العوامل التركيبية،وهنا نتحدث عن التاريخ الإجتماعي. ولفهم ظاهرة معينة وتحليلها كباحثين جغرافيين يفرض علينا دراستها بتفاعل الزمان مع المكان، يعني أن الدراسات والبحوث الجغرافية أصبحت ملزمة بالتاريخ .
في هذا المنحى تندرج محاضرات قام بها الأستاذ أحمد المكاوي معنا- طلبة ماستر الجغرافيا - متناولا تاريخ الكوارث ، وأهم الكتابات التي دارست الكوارث في المغرب .
من خلال هذا التقرير سأحاول الإجابة على مجموعة من الإشكاليات المؤطرة لتاريخ الكوارث وتتعلق بعلاقة تاريخ الكوارث بالعلوم الأخرى ، والكتابات الأجنبية والمحلية حول موضوع الكوارث بالمغرب. وذلك للخروج بخلاصة عن مدى أهمية تاريخ الكوارث، معتمدا بدرجة كبيرة على محاضرات الأستاذ ، وأهم المراجع التي وجهنا بها.










المحور الأول: تاريخ الكوارث : تقاطعاته مع مجالات أخرى وأهم مفاهيمه
1ـ تقاطعات تاريخ الكوارث مع المجالات العلمية الأخرى
إن أي علم كيفما كان نوعه، يتشرب من علوم أخرىويتقاطع معها ، وهذا هو شأن تاريخ الكوارث .
مما لا ريب فيه أن الكوارث منها ما هو ثابت كالزلازل والبراكين ...وهناك ما هو منقول كالطواعين والتفويد... كوارث طبعا تنقسم إلى طبيعية وبشرية ، رغم ذلك فهي متداخلة فيما بينها ويصعب الحسم والفصل في ذلك، فالجفاف كارثة طبيعية ولها عوامل بشرية مساهمة فيه، والزلازل كارثة طبيعية محضة، إلا أنها لها علاقة بالعامل البشري، فزلزال أكادير لسنة 1961 الذي وصلت درجته إلى 5,6 حسب سلم ريختر ، أدى إلى موت الألاف وتدمير المنشأت، أي أن العامل البشري المتمثل في الناء والعمران هشا.
إن الكوارث محركة التاريخ وتغير مجراه، إذ يكون لها انعكاس على تكوين الدول وتفسخها ، فهذا التناسق والترابط بين العامل البشري والطبيعي لتفسير تاريخ الكوارث ، له ارتباط وثيق مع مجالات وعوم أخرى، إذ أن السياسة رهينة بالكوارث الطبيعية والبشرية، أو ما يمكن تسميته بدبلوماسية الكوارث، حيث يتم استغلال الكوارث الطبيعية والبشرية في السياسة، ويمكن ذكر لا الحصر، هدية الشاي اتي قامت بها إنجلترا للسلطان اسماعيل ، في الوقت الذي لا يعرفه المغرب، وديبلوماسية الباندا حيث أهدت حكومة الطايوان لحكومة اسكتلاندا" باندا" ودبلوماسية الشاي أثناء زيارة راخوي للمغرب ولقاءه بنكيران وتناول الشاي، فبغض النظر عن طبيعة العلاقة التي تجمع بلدين معينين ( صراع ، تحالف...)، فتعرض أي بلد لكارثة طبيعية وبشرية ،يقوم البلد الاخر بتقديم مساعدات له ، وهنا نستحضر الخلاف والتوثر الذي كان قائما بين الحسن الثاني وجمال عبد الناصر، لكن عندما تعرض المغرب لزلزال 1961 ، تم تخصيص مداخيل سهرة صوت العرب لمساعدة المغرب ، وكذلك الشأن بين المغرب والجزائر ، فالمغرب قدم مساعدات لها في زلزال مدينة الأصنام (شلف) سنة 1980، الذي صادف عيد الأضحى ، فتم جمع جلود الأضاحي وتقديمها كمساعدات للجزائر...
إن الكوارث ترتبط كذلك بالتفسير الديني، وقد كان ذلك على مر التاريخ ، كبيع صكوك الغفران ، وانحباس المطر يعني أداء صلاة الإستسقاء في كل الديانات ، ولكل ديانة طريقتها الخاصة في ذلك، فالتفسير الديني لهذه الكوارث يعتبرها غالبا لعنة إلهية، كخطابات الرهوني في المغرب، والكوارث تؤدي إلى ظهور فتاوى دينية جديدة ، إذ أن أزمة بوهيوف (1939ـ1942) قرر من خلالها الفقهاء بفتوى إخراج الزكاة نقدا في عيد الفطر، كما ان السلطان عبد الله يذكر الرباطي في كتابه "تاريخ الدولة السعيدة والتكمارتية" منع الرعية من صلاة الإستسقاء بعدما تم صلاتها خمس مرات ولم يسقط المطر . وهذا المنع نجده كذلك في مغرب ما بعد الإستقلال ، إذ أن جفاف 1982 وما قبلها ، خرج الحسن الثاني بقرار يمنع الذبح في عيد الأضحى حفاظا على القطيع .
ارتباطا بالكوارث كذلك نجد مجموعة من الطقوس الأخرى أثناء انحباس المطر، كعروسة المطر، كما يتم إصدار الظواهر السلطانية أحيانا عندما تكون كارثة معينة، إذ من خلال كارثة الزيوت المسمومة في فاس ومكناس سنة 1959 ، قام محمد الخامس بإصدار ظهير ينص على إعدام كل من صنع او روج في مواد تسمم المواطنين.
مما لا ريب فيه أن الكوارث تخلف هلعا في نفوس الناس، مما يجعل تاريخ الكوارث له ارتباط مع علم النفس ، وعلم الطب والتشريح ، كدراسة كيفية انتقال الأمراض ، كما يتقاطع كذلك مع السوسيولوجيا والانتربولوجيا وعلم الجيولوجيا ، وكذلك علم المناخ ، إذ أن الغزو النازي لروسيا
إن الكوارث التي ضربت المغرب متنوعة وتساعدنا في التأريخ ، كعام البقول سنة 1578 حيث أقبل المغاربة على تناول البقول لقلة الزرع ، كما سمي بعام كحيكيحة، وفي فاس 1750 سمي بعام اللوبيا إثر تعويض المغاربة الخبز باللوبيا ، عام يرني ، عام بوهيوف ، عام الثلجة، عام خيزو...
2ــ شرح لبعض المفاهيم المهيكلة للتقرير
إن المفهوم يبقى عام ومجرد ، وقد زودنا الأستاذ بمجموعة من المفاهيم المهيكلة لتاريخ الكوارث بالمغرب ، نذكر منها:
ـــ الكرنتينة:كلمة" كرنتينة " مأخوذة من الكلمة الإيطالية quarantina، وهي المكان الذي يحجر فيه المصابون من مسافرين وتجار وغيرهم بأمراض سارية ، ومدتها محصورة مبدئيا في 40 يوما ، وقد ظهرت الكلمة بمعنى الحجر الصحي لأول مرة سنة 1636 (أحمد المكاوي "المجاعات والأوبئة في تاريخ المغرب".
ـــ الجراد: سمي بالجراد لكونه يجرد النباتات والأشجار في مرحلة زحفه يقطع 20كلم ، وفي الطور الذي يصبح فيه طائرا يمكن أن يقطع 500 كلم في اليوم، ويصل إلى 3000 متر في العلو ،وفي هذا الصدد نشير أن المغرب عرف خلال القرن العشرين هجومين خطيرين ، فالأول في الخمسينات والثاني في الثمانينات ، فالهجوم الأول تصدتله فرنسا عن طريق التدخل في كل البلدان التي تقع في سلطتها ، أما الثاني فنظرا للصراعات السياسية التي كانت تعرفها شمال إفريقيا فقد كانت الأضرار كثيرة ، إذ قام المغرب بالإستنجاد بفرنسا وإسبانيا لمحاربته نظرا لقلة الوسائل المستعملة لمحاربته، ومن أهم الدراسات ، نذكر دراسة محمد بن عابد الجابري ، حيث يقدم لنا صورة عن إقبال سكان فكيك على تناول الجراد وهو إبن المنطقة.
ــ التيفوس:كلمة تيفوس مشتقة من الكلمة اليونانية Typhon، وتفيد معنى الخمول والفتور.وظل مصطلح تيفوس ، لفترة طويلة يجمع عددا من الأمراض المعدية ، حتى تمكن بواسيي دي سوفاج من فرز التيفوس الطفحي كداء مستقل إكلينيكيا في القرن الثامن عشر.
ـــ الجوائح:مجموع ما يتعرض له المرء من مهلكات، مثل القحط.
ــ داء الحبة: هو الطاعون
ــ المساغب: من فعل سغب أي جاع، والمساغب هي المجاعات.
ــ القواصم: هي المكسرات
ــ داء بوكليب: هو داء الهيضة، الكوليرا، هذا الداء يحتاج إلى خبرة طبية لاكتشافه.
إن عرض هذه المفاهيم والأمراض ما هو إلا لتبيان أن المغرب عرف أوبئة وأمراض متنوعة وخطيرة( رغم عدم جردها كاملا)، كانت تؤدي إلى موت الملايين.

خلاصة
إن استعراضنا لتقاطع تاريخ الكوارث بالعلوم الأخرى ، هو إظهار أهمية التاريخ الإجتماعي ، لذا فالملم بالتاريخ ،ملزم بالتطلع على الكتابات السياسية والدينية والطبية... وهنا نتساءل كيف تناولت الكتابات المغربية تاريخ الكوارث؟
المحور الثاني: الكتابات المحلية حول تاريخ الكوارث
نقصد بالكتابات المحلية، الكتابات الوطنية التي تناولت موضوع الكوارث، وما نسجله في محاضرات الأستاذ أحمد المكاوي هو مناقشته معنا هو تنوع المادة المصدريةالتي تناولت موضوع الكو ارث رغم محدوديتها ( رسائل جامعية، ندوات، كتب تاريخية وجغرافية...)
1 ـ الرسائل والأطروحات الجامعية
في السنوات الأخيرة تم إيلاء الاهتمام للبحث التاريخي في موضوع الكوارث بالمغرب ، وخاصة لأساتذة علم التاريخ، وسنقتصر هنا على بعض الدراسات .
تعد الدراسة التي قام بها محمد الأمين البزاز أهم الدراسات التي غطت القرنين 18 و19 بعنوان"تاريخ المجاعات والأوبئة بالمغرب في القرنين 18 و 19 "، وفي الباب الأول من كتابه قام بتتبع ورصد لجميع الأوبئة والمجاعات التي ضربت القرنين 18 و 19 ، أما في الباب الثاني فقد تناول فيه كيفية تفاعل المخزن والعلماء مع الكوارث الطبيعية ، كما تطرق إلى أدبيات الطواعين والحجر الصحي ، ونذكر أن المادة التي اعتمد عليها البزاز متنوعة( كتب إخبارية ، وثائق أجنبية...).
أما دراسة موضوع الزلازل في المغرب فهي نادرة ولا توجد إلا دراسة واحدة لأزروال و امرابط "تاريخ الزلازل بالمغرب " سنة 1960 ، وباعتبارها دراسة واحدة ، فقد تم تغيير عنوانها قصد النشر والتعميم ، الذي حمل إسم " الزلازل الكبرى بالمنطقة المغاربية ومخلفاتها على الإنسان"
هناك دراسة أخرى مهمة جدا لمحمد ستيتو " الكوارث الطبيعية في القرن 19 "، هذا المرجع بدوره ساهم في التأريخ للكوارث حول الفقر والفقراء في المغرب"
وعموما فالأطروحات والرسائل الجامعية حاولت إعادة كتابة التاريخ الإجتماعي اعتمادا على الوثائق الأجنبية والمصادر والمراجع الماضية التي تناولت الكوارث بصفة عرضية ( كتاب الإستقصاء لأخبار دول المغرب الأقصى لمحمد بن خالد الناصري...)
2ـ كتب الحوليات
أحدث مؤرخوا الحوليات قطيعة ابستمولوجية مع التاريخ الكلاسيكي الذي يعتمد على الحدث ودعوا إلى التاريخ الإجتماعي الذي تختلف مواده المصدرية وأولت الإهتمام للتاريخ الحديث بشكل خاص.
سأركز هنا على نموذجين قدمهم لنا الأستاذ في محاضراته ، "تاريخ الدولة السعيدة " للضعيف الرباطي، وكتاب عبد لجراري" شذرات تاريخية".
كتاب الضعيف الرباطي ذو أهمية بالغة في تاريخ الدولة العلوية،وقد اعتمد فيه على أسلوب بسيط ، وركز فيه على الجانب السياسي ، إذ يعالج القسم الأول الصراعات المتنوعة حول السلطة ، والقسم الثاني يتناول فيه تاريخ الكوارث الطبيعية ، إذ حاول رصد كل الظواهر الطبيعية التي عرفها المغرب ، حيث ّأرخ للزلازل ، الجراد، المجاعات والأوبئة...وقد بدأ لتأريخ الكوارث الطبيعية منذ 1660 ، وأشار إلى أزمة الثلاثين سنة (1727ـ1757) والكوارث المتفشية التي عرفتها هذه المرحلة، كما أشار إلى طاعون 1742و 1749 ، حيث اجتمع الجفاف والمجاعة( عام اليبسة)، وما يؤكد خطورة الكارثة خروج الناس لصلاة الاستسقاء خمس مرات دون سقوط المطر ، مما دفع السلطان يمنع صلاة الاستسقاء في هذا العام، كما يشير كذلك إلى كارثة بشرية عرفها المغرب سنة 1788 ، حيث قام السلطان محمد بن عبد الله بحركة إلى الشاوية والنتيجة قطع 700 رأس من الرعية المتمردة عن سلطة المخزن.
عرف المغرب مجموعة من الكوارث الطبيعية والبشرية في القرن العشرين ، ويزودنا عبد الله الجراري بالمحن والمآسي التي تعرض لها المغرب خلال الثلاثينات والأربعينيات ، حيث عايشها ، كما يصف كذلك أعوام بوهيوف ( 1939ـ 1942)، وإنزال القوات الأمريكية بالمغرب 1942 ( Torch)، رغم مساهمة أمريكا من التخفيف من معاناة المغاربة ( توزيع الخبز...)، كما يشير إلى فرض سلطات الحماية الفرنسية سنة 1944 مليار سنتيم ، وذلك من أجل الإسهام في الحرب العالمية الثانية .
3ـ كتب المناقب والتراجم
ـ كتب المناقب هي فرع من ما يسمى بالتاريخ الديني الذي يمجد حياة الصلحاء والأولياء ، ويمكن الرجوع إليها لإعادة كتابة التاريخ، ويعتبر كتاب العربي المشرفي من أهما " نزهة الأبصار لذوي المعرفة والإستبصار" من أصل جزائري ، وهاجر إلى المغرب وتوفي ف مدينة فاس ، كتابه يتحدث فيه عن مجموعة من الأوبئة من التي ضربت المغرب ، ومن أهم ما يذكرنا به انعكاسات الجراد على المجال الفلاحي الذي ضرب المغرب سنة 1866 ، وما تسببه ذلك من مجاعة كبيرة ، كما تحدث عن داء بوكليب في مدينة فاس.
ـ كتب التراجم: هي أعمال مرجعية تعرف حياة مجموعة كبيرة من الأفراد البارزين في المجتمع،ومن أهم كتابات التراجم التي تتناول موضوع الكوارث بالمغرب ، كتاب رشيد العلوي الحسيني (فقيه وإمام ومؤرخ)" الأزمة العسيرة في تاريخ المغرب الحديث"، يتحدث فيه عن معاناة المغاربة بعد الحرب العالمية الثانية في 1945 و 1946 ، حيث القحط والجوع الهالك، كما تحدث عن الجراد ووباء التيفوس.
عبد السلام بن سودة كذلك يزودنا بمعلومات مهمة في كتابه "إتحاف المطالع"حيث يضم مجموعة من الأخبار المهمة تتعلق بتاريخ الكوارث الطبيعية بعد الحرب العالمية الثانية ، حيث ان المطر لم ينزل سنة 1945 ، مما جعل الناس يستأذنون بمحمد الخامس للقيام بصلاة الإستسقاء، وقد منعت الحكومة صلاة الإستسقاء بعد خمس مرات فاشلة ، كما يتحدث عن التيفوس والموت...
4 ــ الأدبيات الجغرافية( الجغرافية التراثية) وأدبيات الطواعين
ــ الأدبيات الجغرافية: يعتبر كتاب " الترجمانة الكبرىفي أخبار المعمور برا وبحرا" لصاحبه أبو القاسم الزياني( مؤرخ الدولة العلوية من مدينة خنيفرة)، حيث يقول"هذه الترجمانة الكبرى التي جمعت أخبار العالم برا وبحرا لم تقتصر...على ما جمعه ابن عبد المنعم في الروض المعطاف..." فكتابه رغم الأخطاء الجغرافية التي وقع فيها فهو يتضمن فيبقى مهما حول بعض الكوارث التي تحدث عنها، وهناك كتاب أخر لأحمد شهبون " الجغرافية المغربية "سنة 1900 وأورد معلومات كثيرة حول الأمراض التي ضربت مجموعة من الأماكن التي مر منها ( حول الجزائر والدولة العثمانية).
ــ أدبيات الطواعين : ويقصد به الإنتاج الأدبي المتعلق بالطاعون، فهي كتابات متعددة طالها النسيان سواءا النصوص التي تعود إلى الشرق أو الغرب الإسلاميين، حتى أخرجها المستشرقون.
من الكتابات المهمة التي تطرقت للتاريخ الحديث رسالة مشهورة للعربي المشرفي"أقوال المطاعين في الطعن والطواعين" وفي السياق ذاته هناك رسالة لمحمد الفيلالي " فيمن حل بأرضهم الطاعون"، ويعتبر الرهوني كذلك من كتب عن الطاعون(شيخ السلطان سليمان) وكانت له رسالة " جواب في أحكام الطاعون" وكذلك "بذل الماعون في فوائد الطاعون"لصاحبه شهاب الدين العسقلاني،إضافة إلى كتاب "المعسول" للمختار السوسي الذي يتحدث بدوره عن الأوبئة والأمراض التي ضربت المغرب...
5ــ الصحف والمجلات
إن الصحف والمجلات حديثة العهد بالمغرب ، وقد دخلت المطبعة الحجرية للمغرب سنة 1860 ، بعد حرب تطوان،و بدأ تراكم الصحافة في سنة 1904 ، ويعتبر المهدي بنونة من أسس وكالة المغرب العربي للأنباء، وقد حولها الحسن الثاني تابعة للدولة، وعموما فالصحافة في القرن التاسع عشر بالمغرب كانت شبه غائبة، إلا بعض الصحف الأوربية ك جيبرال طار البريطانية التي كانت تكتب على الأوبئة بالمغرب وتصدر من جبل طارق،وخلال فترة الحماية تكاثرت الصحف والدوريات في المغرب ، وأصبحت الصحف تغطي الكوارث الطبيعية بالمغرب ، كصحيفة السعادة سنة 1904 بطنجة، كان رئيسها لبنانيا، ولكنها تراجعت مع نهاية الحماية ، ونشرت ملف حول المجاعة والتيفوس بالمغرب سنة 1937 ،علاوة على ملفات في الجانب الثقافي، كما كتبت كذلك صحيفة الحياة( صحيفة الحركة الوطنية) ، عن مجاعة الثلاثينات " الجاعة في المغرب فهل من منقد؟"
مجلة Maroc medical ستنشر بدورها مجموعة من المقالات حول الأمراض التي عرفها المغرب ،إضافة إلى صحيفة الإستقلال ...
قصارى القول فالصحف والجرائد عرفت توسعا كبيرا في حقبة الحماية ، وأغلبها توقفت مع الإستقلال.
خلاصة
من خلال جرد لأهم الكتب المغربية التي اهتمت بموضوع الكوراث فهي تبقى قاصرة، لكون أغلبها تبقى عرضية ووصفية، ولم تقدم معطيات رقمية وأبعادها التاريخية ومدى تأثيرها على الدينامية التاريخية للمغرب،وكذا ندرة الدراسات المتخصصة في تاريخ الكوارث. فكيف تعاطت الدراسات الأوربية لتاريخ الكوارث بالمغرب؟
المحور الثالث: الكتابات الأوربية على الكوارث بالمغرب
إن الكتابات الأوربية التي ناقشها معنا الأستاذ المتناولة لموضوع الكوارث بالمغرب ( مقالات، أرشيف القنصليات، جرائد...) متنوعة ومن مجالات أخرى ، وتغطي بالخصوص فترة التهافت الاستعماري حول المغرب.
1ـ مذكرات القناصل
إن القناصل كتبوا حول الأوبئة والمجاعات التي ضربت المغرب ويعتبر النائب القنصلي لهولندا ben delac
حيث كان مقيما بمدينة طنجة، هذه المذكرات تغطي فترة زمنية من 1820 إلى 1830 ، وسيغطي واحدة من الأزمات التي عرفها المغرب سنة 1825.
إن مذكراته تدل على دقة المذكرات الأجنبية ، حيث ركز على مدينة طنجة، وفي كتابه نجد إشارات إلى قضايا مختلفة ، كقضية القرصنة البحرية والسجون والنظافة والعادات الإستهلاكية للمغرب وعلاقته الخارجية...
ويذكر ben delac أن سنتي 1825 و 1826 كانتا رهيبتين في تاريخ المغرب ، ومن مؤشرات بداية الأزمة سنة 1825 ، شراء الحبوب بسبب النقص الحاصل في المغرب ، وتاخر نزول المطر، ويتحدث أن جبل طارق كان مركزا أساسيا في الصفقات المتعلقة بشراء الحبوب وتوجيهها نحو المغرب،حيث أن مدينة فاس عرفت غلاءا في الأسعار ، واضطر السلطان إلى شرائها وتوجيهها من طنجة إلى فاس، حيث أمر ببيعها بدون فائدة ، كما يقارعنا ben delac اعتمادا على صحيفة بريطانية "la gigraltar "وعلى ملاحظته أن المغرب اضطر إلى شراء الحبوب ، لا سيما من إيطالبا ، وكذلك غزو الدقيق الأمريكي خلال هذه الفترة مستغلة الأزمة التي كان يعرفها المغرب ، هذه الازمة ستزداد حدتها مع حلول فصل الصيف ، حيث ان أسعار الحبوب والشعير ارتفعت بالثلث وبعض المواد بالضعف، وما يدل على بلوغ الأزمة أقصى درجاتها، ما كان يقوم به القنصل الفرنسي ، حيث كان يوزع الخبز على الفقراء مجانا، واختفاء الكلاب، وكذلك الهجرات الجماعية من كروان وتادلة في اتجاه طنجة، مما جعل الهيئة الديبلوماسية لطنجة تتخذت قرار طرد جميع الفقراء من المدينة، ورغم انتعاش الهواطل في بداية 1826 ، فالقنصل الفرنسي سجل أن عدد الوفيات بالجوع والمرض كان يتراوح العشرات، كما أن القنصليات قدمت معدلات رقمية على الوباء فكانت 1800 حسب القنصلية الفرنسية بسبب الجوع ، وهو ما أكدت عليه القنصلية الأمريكية.
إن ما يسجل ل ben delac انه لم يعتمد على المعاينة فقط ، وإنما عزز ملاحظاته بتقارير القناصل.
من اهم المذكرات كذلك مذكرة Aguste brunssentit ، فهو طبيب وقنصل فرنسي في الصويرة ، تحدث عن المجاعات والأوبئة ، وقد دخل إلى المغرب قبل الوباء الذي ضرب طنجة في 1799 ، وهنا يذكرنا أن السلطان سليمان طلبه بتقديم الخدمة الصحية له ، وقد درس Aguste brunssentit كذلك الغطاء النباتي عند مصب أبي رقراق، والغطاء النباتي للأركان، ثم دراسة الزواحف.
إن من أهم إنجازاته في التاريخ ، ترجمة وثيقة تاريخية تعود للعهد السعدي، وترجمة منشور نابليون بونابارت حول غزوه لمصر ، وكان الهدف من ورائه اطمئنان المغاربة على أن نابليون لا يريد أداء شعوب شمال إفريقيا ، هذا طبعا ما يوحي كذلك أن المخزن كان ضعيفا عسكريا. ولا غرو أن المغرب كان يقوم بتبادل الهدايا مع الأوربيين ، يعني أن وراء ذلك أهداف سياسية واقتصادية ، ونؤكد هذا القول باللقاء الذي جمع السلطان سليمان وبروسني ، حيث قدم له الأخير ساعة ذهبية ، والهدف من وراء ذلك سماح السلطان بتصدير القمح والصوف... (كان السلطان ينهج سياسة الإحتراز)، وما دمنا نتحث عن الهدايا نشير ان محمد الخطيب تلقى هدية من بريطانيا سنة 1856 ، وهي الذهاب إلى الحج على حساب بريطانيا ، مقابل الإتفاقية التجارية التي أبرمت في نفس السنة بين المخزن وبريطانيا، ومحمد الشجعي أخذ الرشوة من الفرنسيين حول الحدود بين المغرب والجزائر في معاهدة لالة مغنية سنة 1845، وفي المقابل كانت الهدايا التي يقدمها المغرب عبارة عن حيوانات.
بروسني طبعا كان يعرف الأوضاع جيدا في المغرب ، حيث أن كتب تقريرا لفرنسا سنة 1797 من أجل احتلال المغرب، وتأكيده أن 25 ألف إلى 30 الف جندي كافيا لاحتلال المغرب في هذه المرحلة، وذلك إذا أرادت فرنسا الحفاظ على مكانها في حوض الأبيض المتوسط ، إلا أن المشاكل التي كانت تعاني منها فرنسا حالت دون ذلك، وقد كتب بروسني كذلك حول الطاعون الذي ضرب المغرب سنة 1941 ، وفي أواخر التسعينيات من القرن الثامن عشر قرر الهجرة إلى جزر الكناري خوفا من الوباء.
في السياق ذاته تندرج كذلك أعمال Themso ، قنصل مملكة سردينيا ، وكان يتقن اللغة العربية، وتعلم الدارجة المغربية والأمازيغية، وألف مجموعة من الكتب من أهمها : "الرعي والراعي بالأرياف المغربية"، " المحراث الخشبي"، وقد كتب على الطاعون الذي ضرب المغرب في 1818 و 1819 ، وما نأخذ من كتاباته أن تخطي الوباء بعض المناطق في المغرب ناتج عن استعمال المغاربة زيت الزيتون للعلاج ، وهو زيت الترياق ( أصل الكلمة إغريقية وتعني الجرعة المضادة)، وزيت الترياق ناتج عن تحول زيت الزيتون مع مرور سنوات عليه إلى شكل عجيني.
2 كتابات الأطباء الأوربيين حول الكوارث بالمغرب
إن كتابات الأطباء الأوربيين حول تاريخ الكوارث بالمغرب مهمة جدا نظرا لما تقدمه من معلومات دقيقة عليه، ونذكر كتابات الطبيب Leard ، الذي وضع خطاطة لمرض الجذام ، ونشير أن هذا الداء لم يكن معروفا بأوربا ، والبحث الذي قام به سنة 1875 ستتبعها دراسات أخرى ، قام بها طبيبان فرنسيان بداية القرن العشرين وهما: Wers gerber و Rayaud.
إن من أهم الدراسات كذلك، دراسة حول وباء الكوليرا ل Auguste beaumier، التي نشرت سنة 1871 فهذاا لطبيب كان قنصليا ومهتما بقضايا التطبيب بالعالم، كما نجد دراسات أخرى لا تقل أهمية وهي للطبيب Reauneaut الذي سيكون له دور مهم في دراسة الأمراض في المغرب ، ناقش أطروحته بعنوان " الإضطرابات التي تسببها الملاريا على العين"، وعمل طبيبا في مصلحة الصحة البحرية بالجزائر، هاجرمنها إلى المغرب ، ودرس مجموعة من الأوبئة من أهمها : داء الكلب بالمغرب التي انتجها سنة 1901 ، وقام بدراسة أخرى وهي الإدمان على الكحول ، كما أنتج كتابا أخر يحمل عنوان:
"Etude sur l’egiène et la medcine au Maroc ".
إن الدراسات الأوربية عرفت توسعا كبيرا في عهد الحماية ، وقد تم تأسيس معهد باستور بطنجة كخطوة أولى لتنظيم القطاع الصحي والفلاحي بالمغرب، وما عرضه أن طنجة كانت منطقة دولية ، مما جعل فرنسا تؤسس معهدا أخر بالدار البيضاء سنة 1929 ، وما ساعد على نشر مقالات الأطباء ، تأسيس مجلة "Maroc medical " وهي مجلة دولية صدرت أول نسخة منها سنة 1920 ، فنشرت فيها مجموعة من مقالات الأطباء الأوربيين حول الأمراض في المغرب ، حيث كانت تصدر بانتظام ، لكن بعد الإستقلال عرفت تراجعا كبيرا .
من أهم الدراسات كذلك ، دراسة قام بها Marle Boin ، حول سنوات الجفاف والسنوات الممطرة ، كما نجد من اهتم بمرض انتفاخ الغدة الدرقية ، وبوحمرون وداء السعفة والتيفوس.
هناك دراسات لأطباء اشتغلوا على الجانب التاريخي للأوبئة والأمراض بالمغرب ، ونخص بالذكر H .P Renaud ، وغطت دراساته القرنين 15و 16 ، والقرنين 18 و19 .
إن كتابات الأطباء الأوربيين تبقى مهمة جدا في إعادة إيلاء الإهتمام للتاريخ الإجتماعي .
3 ـ كتابات الأسرى
سجل مجموعة من الأسرى الأوريين مذكراتهم حول الكوارث التي حلت بالمغرب، وتعد Maria T.Meetelen ، من أهم الأسيرات التي كتبت عن المغرب ، وقد قامت به من 1731 إلى 1742 ، وتقدم معلومات مهمة حول الأمراض و الأوبئة التي ضربت خلال هذه المغرب ، خاصة وأن هذه المرحلة صادفت الحرب الأهلية ( 1727ـ1757)، وتحدثت عن طاعون 1742 و 1743 ، والحرب الأ هلية ، ومن أهم الأسرى الذين كتبوا كذلك عن المغرب السويدي Marcos Berdi ، حيث قدم وصفا حول الزلزال الذي ضرب مدينة فاس سنة 1758 على الساعة العاشرة و النصف صباحا .
إن ما نؤكد عليه هو غياب شبه تام لكتابات الأسرى المغاربة ، وهنا يمكن القول أن الإنسان الأوربي تشرب من الإزدهار الفكري ا لذي عرفته أوربا منذ عصر النهضة، في حين ان المغرب كان يعرف انتشارا واسعا للأمية.
4 ـ أهم الكتابات الأوربية في تاريخ الكوارث حول باقي جنوب حوض المتوسط
ـ في تونس: إن اول من اعتنى بدراسة الأوبئة فيها هما الفرنسيون والإيطاليون ، وهنا نشير إلى كتاب
E . Bloch " La piste hestorique à Tunisie"، وهناك كذلك دراسات Pol sebay، الذي درس الطاعون في تونس خلال القرنين 18 و 19 ، ونشرت دراسته سنة 1965 ، كما توجد دراسة أخرى لا تقل أهمية للمؤرخة الفرنسية L.valance، التي درست الأوبئة قبل سقوط الجزائر في الإحتلال الفرنسي ، وهذه الدراسة ظهرت سنة 1969 .
ـ مصر: إن أول من درس بدقة موضوع الكو ارث فيها Atoine.B ، الذي سينشأ مدرسة مستشفى قصب العين سنة 1827 ، وقد كان الطاعون ضرب مصر سنة 1830 وألف رسالة في علاج الطاعون .
وعلى غرار مصر نجد دراسة عامة حول وباء أسيا و أوربا لجاك ميشان ، وقد جمع في كتابه الطاعون الأسود الذي ضرب العالم في القرن 14 ، وهي وثائق كنسية التي كانت تعطي أرقاما كمية حول ضحايا الكوارث ، هذا الكتاب نشر سنة 1860.
خلاصة
من خلال جرد لأهم الدراسات الأوربية التي درست تاريخ الكوارث بالمغرب، نخلص أنها أعطت معطيات رقمية دقيقة عن الكوارث التي ضربت المغرب ، إضافة إلى تنوعها، رغم أن أغلبها اقتصر التاريخ على التاريخ الحديث والمعاصر، وهي فترة تحول موازين القوى في حوض المتوسط لصالح أوربا، و يذهب جمال الحيمر (أستاذ التاريخ بجامعة مولاي اسماعيل بمكناس) أبعد من ذلك ويعتبر بعض الكتابات الأوربية في جنوب المتوسط بمثابة تأسيس للغزو الأوربي .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في ظل التحول الرقمي العالمي.. أي مستقبل للكتب الإلكترونية في


.. صناعة الأزياء.. ما تأثير -الموضة السريعة- على البيئة؟




.. تظاهرات طلابية واسعة تجتاح الولايات المتحدة على مستوى كبرى ا


.. تصاعد ملحوظ في وتيرة العمليات العسكرية بين حزب الله وإسرائيل




.. اقتحام قوات الاحتلال الإسرائيلي مدينة الخليل لتأمين اقتحامات