الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إعادة بناء المجال السياسي في الفكر العربي - ضد التضاد-

زهير مبارك

2013 / 4 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


" حين يحدث التلاعب بالدين، يتحول إلى قوة مخيفة" محمد أركون
تتوخى النصوص المتضمنة في هذه الدراسة، انجاز عمليات تفكير في واحد من أكثر مفاهيم الفكر السياسي العربي التباساً سواء على مستوى اللفظ و الرسم والجذر اللغوي، أو على مستوى الدلالة المباشرة أو الدلالات المختزنة ضمن تلافيف طبقات معانيه العديدة المترسبة بفعل الزمن، ينطبق ذلك على العلمانية كمفهوم.
ورغم الصعوبات العديدة التي يثيرها المفهوم في مجال الخطاب السياسي العربي المعاصر، وذلك بحكم استعمالاته المتحزبة والمشحونة بالاحكام المسبقة، فإن هذه الدراسة نهضت من خلال المقاربة الفكرية بالاستناد الى السياقات الفكرية والتاريخية التي ساهمت في تشكله وتطوره، وتساهم اليوم في محاولات تطوير معانيه ودلالاته في ضوء السياسة والتاريخ.
لقد درج القول وربط الفكر بمفهوم العلمانية وتبعاتها باراء مسبقة لتقابل بالضد الديني وهو الامر بعيد عن الدقة، وخلق حالة من التوتر والتشنج ذلك ان علاقات السياسي بالديني ليست بالعلاقة الرياضية، ولا يمكن تحويلها الى علاقة حسابية مغلقة، إنها مجال قابل للتفجير والتشظي بصور واشكال لا يمكن حصرها، كما أن معانيها المتناقضة قابلة للاستثمار الرمزي من طرف القوى السياسية المتصارعة، وفي وقائع التاريخ من الادلة ما يثبت ويؤكد ما نحن بصدده.
إن ما يتعلق بمجال النظر السياسي في الفكر العربي، فإنه يتطلب بدوره التفكير في نقد المنظومات المرجعية المهيمنة، منظومات الحداثة، ومنظومات التراث، إضافة الى مواصلة العناية والاهتمام بعلاقات التصورات السياسية بالوقائع، وعلاقات الوقائع بالتصورات والمفاهيم السياسية، وكل ذلك بهدف بناء الفكر السياسي المستوعب لتجارب التاريخ الواقعية والحية، والمستوعب في الان نفسه لأسئلة المحلي والخصوصي في ارتباطه بوقائع التاريخ.
وداخل هذه الدائرة ينبغي التفكير في علاقات السياسي بالديني، علاقة المقدس بالتاريخ في أبعاده المختلفة ، علاقة الانسان بالطبيعة والمجتمع، حيث يتم فصل السياسي في مستويات معقدة، مستويات نفترض أنها مثلها في ذلك مثل كل حوادث وظواهر التاريخ موصولة بمختلف ثورات المعرفة والسياسة والتقنية، كما حصلت وتحصل في عالمنا المعاصر.
لا يمكن التفكير في العلمانية في الفكر السياسي العربي خارج اطار التفكير في الاشكاليات النظرية التاريخية، المرتبطة بموضوع كيفيات انغراص الحداثة السياسية في واقعنا وفي فكرنا، ففي هذا الاطار بالذات وخلاله نستطيع تعميق النظر في المفهوم.
نحن والانوار" من إيديولوجية التنوير الى فلسفة الأنوار :
لا تسعى هذه الدراسة في هذا المحور الى التأريخ لمواقف الفكر العربي من فلسفة الانوار، بقدر سعيها للتعرف على نماذج من المواقف الفكرية العربية التي حاورت جوانب من فكر عصر الانوار. وذلك في اطار محاولة أعم وأشمل هي التفكير في علاقة الفكر العربي بتاريخ الفلسفة، من أجل أن نتمكن من معاينة أنماط التأويل التي قارب الفكر الفكر العربي من خلالها فلسفات معينة في تاريخ الفلسفة.
لا بد من التسليم الاولي بوجود كثير من العسر في تمثل الفكر العربي لأطروحات ومفاهيم فلسفة الانوار، ويفسر ذلك بالملابسات التاريخية والنظرية التي احاطت وما زالت تحيط بالدرس الفلسفي على وجه العموم، في محيط الثقافة العربية الاسلامية، منذ عصورنا الوسطى والى يومنا هذا.
يأتي ما سبق من خلال مقدار الاستيعاب النقدي المركب لدروس التاريخ والفلسفة، والمقصود هنا التمثل المركب والتركيبي المخصب لتاريخ الفلسفة، ولهذا نرى عبد الله العروي يحاول فك الاشتباك وتبعاته السلبية من خلال توضيح صعوبات المثقافة الحاصلة في الفكر العربي بحكم التراكم المعرفي الغربي المرتبط بثورات معرفية وصيرورات تاريخية طويلة ومعقدة، فإن الاستيعاب المركب والنقدي لمنتوج الفكر الغربي، يتيح لنا تجاوز الانتقائية والتبعية الحاصلة في دائرة الفكر العربي ويمكننا من محاورة اشكالات هذا الفكر، بتوسيعها وتعميق النظر فيها، في ضوء الخصوصيات السياسية والفكرية ذات الطابع المحلي. فتتمكن من اعادة انتاجها بالصورة التي تمنحها خصوبة، وتطبعها فعلاً بالطابع الموسع لدائرة شمولها، وتمنح فكرنا ميزة الخلق والابتكار.
العلمانية من منظور فلسفي:
يمكن القول باختصار مركز أن العلمانية تشكل في دائرة الصراع السياسي الديني في أوروبا، وأنه استقر في صورة محددة في أدبيات فلسفة الانوار، حيث كان يعني الفصل بين السلطة السياسية والسلطة الدينية. ان تباشيره وملامحه النظرية الأولى برزت في بدايات الفلسفة السياسية الحديثة، مع مارسيل وربادو وميكافيلي وهوبز، إلا أنه تحصل في فلسفة الانوار على تشعبه المعرفي، القاضي بضرورة التمييز في السياسة بين مجال الدين ومجال الدنيا، مجال الكنيسة ومجال المجتمع المدني.
وقد ارتكز المفهوم في سياق تطوره الفكري الى قاعدة فلسفية كبيرة هي قاعدة المعتقد الليبرالي، هذه القاعدة التي تسلم بأولوية الانسان الفرد في الوجود، كما تسلم بالقيمة المطلقة للحرية وتعتقد بالاهمية اللانهائية لقدرات العقل الانساني.
مفهوم العلمانية في الخطاب السياسي العربي الحدود والافاق:
نستطيع القول بأن الكتابة السياسية التي تنتج اليوم في دائرة الفكر العربي المعاصر، والتي تنحو منحى تنظيرياً، تحتمي بإطارين مرجعيين رئيسيين هما الإسلام والليبرالية بجانب وجود كتابات سياسية تدور في فلك الخطاب السياسي الاشتراكي بمختلف تياراته.
من الملاحظ عمق الجدل الكامن بين اختبارات سياسية متناقضة، فما أكثر الأنظمة السياسية التي تتشبث ببعض قواعد المعتقد الليبرالي تحت غطاء الإسلام والانظمة التي تمارس القهر الاجتماعي باسم العدالة والاجتماعية، الا أن تأمل الممارسات السياسية السائدة في الوطن العربي على وجه العموم، ينبئ بوجود ثنائية فكرية موجهة تنعكس على الخطاب المواكب للممارسات، والمدعم لها، يتعلق الامر في نهاية التحليل بتأويلات مختلفة للإسلام، كما يتعلق بأشكال الليبرالية والليبراليات الجديدة.
الفكرة :
إن الأمر الذي يتبلور بشكل جلي بعيداً عن التنظير والولوج لمرحلة المطابقة على الأرض تكمن في تنامي الدعوة الى " الحاكمية" بإسم الأسلام وارتفاع شعارات الديمقراطية وحقوق الانسان داخل دائرة المعتقد الليبرالي، وذلك إزاء كل مظاهر القهر السياسي التي تهيمن بصورة واشكال مختلفة ومتفاوته داخل كل البلاد العربية.
وبالعودة الى الجانب النظري في ما يتعلق بالواقع الملتبس بجانبي التاريخ والفكر، فإنه لم يتم حتى الان ضمن منظومة خطاب النهضة العربية الاصلاحية ( فرح انطون، محمد عبده ، علي عبد الرازق .....) من صياغة أسئلة التنظير السياسي، ولهذا أسبابه أهمها أن الفكر ظل يلهث وراء مستجدات الخطاب السياسي دون أن يتمكن من بناء مشروع في النظر السياسي، المفكك لنظامه في النظر، والمعبر في الوقت نفسه عن عمق وعيه بإشكالات السياسة كما يمارسها الفاعلون ويتمثلها المنظرون للسلطة وللإصلاح السياسي في حاضره.
وستظل هذه المسألة، مسألة التنظير السياسي النقدي الهادف الى القطع من اللغة السياسية العتيقة ضمن أولويات جدول أعمالنا في الفكر السياسي العربي المعاصر، طال الزمان أو قصر. ذلك أنه لا يمكن القفز على أسئلة النظر السياسي بالاكتفاء بالعمل السياسي الصرف، فالعفوية السياسية تعني التبعية العمياء، والتبعية العمياء لا تنتج النظر الكاشف عن معالم الطريق، طريق إعادة بناء المشروع السياسي المطابق للتاريخ، والدولة الوطنية المعبرة عن الإرادات الجماعية، والتصورات المستقاة من ينابيع الواقع، وممكنات التاريخ.
الرؤية :
إن مسألة إعادة كتابة التاريخ السياسي العربي، تاريخ الوقائع وتاريخ النظر، فلم يعد التاريخ المتداول يفي بالغرض، بل إنه مارس ويمارس عمليات تضليل تجعلنا أبعد ما نكون عن معرفة صيرورة ذاتنا التاريخية، والذين لا يملكون تصوراً عن صيرورتهم في الزمان لا يستطيعون التفكير في مصيرهم السياسي، الكتابة التاريخية هنا تشكل مناسبة للتفكير في المستقبل.
_ كمال عبد اللطيف، التفكير في العلمانية "إعادة بناء المجال السياسي في الفكر السياسي العربي" ، ط1 ( القاهرة : رؤية للنشر ، 2007)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد الجامعات الأميركية.. عدوى التظاهرات تنتقل إلى باريس |#غر


.. لبنان وإسرائيل.. ورقة فرنسية للتهدئة |#غرفة_الأخبار




.. الجامعات التركية تنضم ا?لى الحراك الطلابي العالمي تضامنا مع


.. إسرائيل تستهدف منزلا سكنيا بمخيم البريج وسط قطاع غزة




.. غزة.. ماذا بعد؟ | جماعة أنصار الله تعلن أنها ستستهدف كل السف