الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رئاسة المام والتصالح مع الذات كرديا وعربيا

دارا كيلو

2005 / 4 / 13
القضية الكردية


قد نتفق مع السيد جلال الطالباني رئيس جمهورية العراق الاتحادي أو نختلف معه, ولكن لا يمكننا إلا أن نقول أن رئاسته للعراق علامة بارزة في تحول نوعي تاريخي تسير في سياقه منطقة الشرق الأوسط.وهنا لا أريد أن أقيّم الرجل أو أوجه له الأمنيات والتمنيات فهذا أمر طبيعي وقام به الكثير من الناس, فجلال الطالباني ليس بحاجة للتعريف من جهة دوره السياسي على المستوى الكردي والشرق أوسطي فهو علم بارز في هذا المجال منذ نصف قرن, ولديه المؤهلات الشخصية والعلمية المناسبة للموقع الذي أسند إليه. وهذا هو بيت القصيد أن يتم اختيار رئيس ذو مؤهلات مناسبة في دولة تصنف عربية وهو من القومية الثانية الكردية, وبالانتخاب الحر.
وينبغي التشديد هنا على الفرق الهائل بين كردي يتولى منصبا في دولة عربية كعربي,أو في تركيا كتركي, أو في إيران كفارسي, وهؤلاء "أكثر من الهم على القلب" كما يقال, وهم تعبير عن المرض وليس الصحة, والكردي الذي يتولى المنصب ككردي وهذه هي حالة رئاسة المام جلال, فهو معروف كمناضل في سبيل الحقوق الكردية.
قد يكون أمرا طبيعيا في دول أخرى ديمقراطية , متقدمة ومتخلفة, أن يتولى المنصب السياسي الأول شخص من الأقلية (رئيس الهند مسلم والمسلمون أقلية في الهند), ولكن في منطقة الشرق الأوسط والعربية منها هذا أمر غير طبيعي في ظل الظروف التي كانت سائدة ومازالت مستمرة. الذي كان سائدا وما زال هو السعي إلى بناء الدول ذات القومية الواحدة إما عربية تمتد من المحيط إلى الخليج أو تركية أو فارسية ...وضمن هذه الدول, مثلا, من "عاش على الأرض العربية فهو عربي" أما غير العربي فهو أما لاجئ أو مواطن من الدرجة العاشرة, هذاإذا افترضنا أنه تم الاعتراف بوجوده, أو هو غير موجود. وعليه فإن الحضارة عربية والأدب عربي والعلوم عربية واللغة عربية والرئيس عربي, أما غير العربي فهو خارج الجغرافيا السياسة العربية. وبالتالي لم يكن ممكنا الحديث عن رئيس غير عربي إذا لم يكن هناك اعتراف بوجود غير العرب. وهذا ليس حال الكرد فقط, بل إننا مؤخرا بدأنا نسمع الأصوات ترتفع متحدثة عن مشكلات الأمازيغ والفوريين والقبط وغيرهم.
هذا النمط من التفكير والممارسات السياسية الناتجة عنه وضعت المنطقة على هامش التطور التاريخي, وجعلت شعوب المنطقة تعيش حالة من انفصام الشخصية والبعد عن الواقع بدرجة مَرَضية, مع ما يرافق ذلك من عقد النقص وتضخم الذات والاضطهاد وغيرها. فالعربي ينكر وجود الكردي رسميا ,مع أنه يحتك به يوميا, لمجرد أنه مختلف عنه, ويطلب من الكردي أن ينكر كرديته لكي يعترف به كإنسان كامل, مستعينا في ذلك بأجهزة القمع السلطوية المادية والمعنوية, مع تنوع في درجات هذه الممارسة هنا وهناك. (وأركز هنا على الحالة العربية لقربي منها والأمر ينطبق على الترك والفرس). والكردي مضطر إما أن يكذب على ذاته يوميا وينكر كرديته أو يتعرض للاضطهاد وتستلب حقوقه.
لاشك أن رئاسة الطالباني تمهد الطريق مبدئيا للكردي والعربي وغيرهم من شعوب الشرق الأوسط لإعادة النظر بتفكيرهم, بنمط رؤيتهم لذاتهم وللآخرين. من أجل إعادة اكتشاف الذات والتصالح معها من خلال اكتشاف الأخر والتصالح معه. إن الفرق بين الإنسان والحيوان في جانب مهم منه يمكن في أن الحيوانات نسخ متشابهة, بينما البشر غير قابلين للتطابق مهما كانت درجة الشبه بينهم, ويكتسب الأفراد مشروعية وجودهم المختلف والمتميز عن الآخرين من خلال معرفة الآخرين وإدراك اختلافهم عنه واعترافهم بمشروعية هذا الاختلاف. فالإنسان عندما يعترف بالآخر يكون قد بدء بالاعتراف بذاته بشكل حقيقي فالذات لا يبرزها إلا الآخر الذي هو غير الذات. و إلا فما الذي سيميز الذات إن لم يكن هناك آخر؟ حيث يصبح الجميع هو الذات, ولنا أن نتصور عبثية ذلك.
إن قبول العرب لفكرة رئاسة كردي, يمهد لقبول فكرة المختلف بدرجاتها المتعددة, ومن ثم التعرف على الواقع , واقعهم كما هو , لا كما يتمنون, ومن ثم بناء مشاريع وتطلعات المستقبل على ذلك بعيدا عن الأوهام والإقصاء, اعتمادا على كافة الطاقات المتوفرة بغض النظر عن انتمائها. والكردي الذي كان متهما بأنه قاصر ولا يصلح إلا للقتال وأن يخسر في المفاوضات ما يكسبه حربا. الكردي الذي اعتاد أن الكردية قد تكون على رأس الجبل أو في القرية البعيدة, أما في المدينة , في العلم والحضارة فإما الفارسية أو العربية أو التركية, لاشك أنه سيكتشف أنه يستطيع أن يخرج من هذه الشرنقة التي خيطت حوله وخاطها حول نفسه, ويكون على قدم المساواة مع الآخرين.
لا شك أن النقلة كبيرة جدا جدا, وليس من مبالغة أبدا في ذلك, ففي بداية ثمانيات القرن الماضي, كنا عندما نسمع كلمة كردي ككنية لشخص ما في التلفزيون كنا نشعر بفرحة ما بعدها فرحة, وفي المدرسة كان من لا ينكر كرديته منا عندما يسأله المدرس يعتبر نفسه من الأبطال, كنا نداوم على شراء مجلتي "الهدف والحرية" الفلسطينيتين لأنها كانت أحيانا تنشر في بريد القراء كلمات تتعلق بالأكراد.
إن الحدث بحد ذاته سترتتب عليه النتائج , بغض النظر عن الشكل الذي سيؤدي به السيد جلال الطالباني مهامه الجديدة, وإذا كان أداء السيد الطالباني مرضيا, وهو المتوقع, فإن النتائج ستكون أفضل. فتعرف شعوب المنطقة على بعضها واعترافها بمشروعية وجودها المختلف المتبادل, سيكون خطوة كبيرة إلى الأمام. سيترتب على ذلك اختصار الكثير من تكاليف الصراع والاستفادة من طاقات التنوع, رغم أنه قد تبرز بعض حالات التشنج ورد الفعل المعاكس هنا وهناك , ولكنها لن تكون سوى علامات نهاية حقبة وبداية أخرى أكثر تقدما وتحضرا. لقد اكتشفت أوربا بعد قرون من الصراعات والحروب الدينية والقومية, التي أهدرت حياة ملايين البشر, أن لا طريق سوى الاعتراف بالآخرين والتعاون معهم ومن ثم الوحدة الطوعية معهم.
آن لنا كشعوب شرق أوسطية أن نتعلم الدروس ونستفيد من تجارب من هم أكثر تقدما منا, وليس من هم أكثر تخلفا, مختصرين آلام وتكاليف إعادة نفس التجارب والأخطاء التي مروا بها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. في اليوم العالمي لمناهضة رهاب المثلية.. علم قوس قزح يرفرف فو


.. ليبيا.. المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان تصدر تقريرها حول أوضاع




.. طلاب جامعة السوربون يتظاهرون دعما لفلسطين في يوم النكبة


.. برنامج الأغذية العالمي: توسيع العملية العسكرية في رفح سيكون




.. الأونروا: الرصيف البحري المؤقت لا يمكن أن يكون بديلا للمعابر