الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
فضيلة الوعي
الناصر لعماري
2013 / 4 / 10الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
سيدهارتا يصل إلي الإستنارة
كان سيدهارتا غوتاما يتجول عبر الريف دون أن يعرف أين تتجه قدماه, فلمدة ستة أعوام منذ أن ترك قصره و ملك أبيه و زوجته و طفله الصغير باحثا عن الإستنارة, إلي أن راح يتجول و يشاهد و يتأمل فعاني خلالهم كثيراً من أجل توسيع حدود عقله و مداركه, إلا أنه لم يصل بعد إلى السلام الداخلي الذي ينشده, حالة تحقق الحكمة الكاملة و الخلاص الأبدي و التى تسمي بالاســــتنارة. لم يكن سيدهارتا يعلم حين وصل إلى بودا جايا أن هنا ستنتهي رحلة شقاؤه, لقد جلس في ظل شجرة و عاهد نفسه على عدم تركها حتى يصل إلى الاستنارة قائلا : ليتعفن جسدي ولتصبح عظامي رماداً و لكن لن أغادر هذه الشجرة حتى أصل إلى الاستنارة. انه لا يعذب نفسه كما كان يفعل من قبل, لا يضع نفسه تحت ضغوط نفسية و جسدية كما كان يفعل من قبل, لقد فكر قائلاً أليست الحياة مؤلمة بالقدر الكافي لكي نزيدها إيلاما, سأفكر الآن بشكل هادئ لأكتشف كيف تسير الحياة.
أصبح الآن بإمكان عقل سيدهارتا الولوج بنجاح إلى أعماق المناطق المظلمة في ضميره, انه الآن يواجه التحدي الأقوى و الأعظم, انه الشيطان مارا سيد الأنانية و أوهامه التى يظهرها له و التي تمكنه من أن يحول أي أوهام إلى رعب حقيقي داخل عقل سيدهارتا. لقد أطلق مارا شياطينه لمهاجمة سيدهارتا, أطلقوا أسهم ملتهبةَ عليه, و لكن ضمير سدهارتا حولها إلى أزهار من اللوتس فسقطت بردا وسلاما من حوله. و بعد أن فشل مارا حاول إغراء سيدهارتا ببناته الفاتنات, لقد كان ملك الشياطين هو نفسه ملك الهلاك, أغواه بالرغبات الجنسية ليقوده للهلاك, و قدم له بناته الثلاث اللاتي يمثلن العاطفة و الشهوة و الحقد, و هي كلها من الرذائل التي إذا حاولت الابتعاد عنها متعللاً بأنها مقززة فهذا يعني سقوطك أيضاً فريسة لمشاعرك. لكن سيدهارتا كان هادئ جدا و غير مبال, حدق فيهم فقط دون أن تكون لديه مشاعر انجذاب لهن أو نفور منهن, فذبلت وجوه بنات مارا أمام عيون سيدهارتا ثم اختفين فى أعماق الأرض, فارتجت الأرض عندما طرد الشيطان.
لقد أصبح عمر سيدهارتا خمسة وثلاثون عاما, مر خلالها بأربعة مراحل للوصول إلى الاستنارة و أصبح بعدها بوذا المستنير .. ظل سبعة أيام تحت الشجرة في حالة من التأمل التام حتى وصل إلى حالة مدهشة من النقاء العقلي, مثل بحيرة ساكنة تستطيع كبح حتى حشرة على سطحها, وهذا يعني أن عقله أصبح بالغ القوة و كأنه آلة حساسة للمعارف. و فى ظل هذه الحالة المتناغمة وجد بوذا طريق الهروب من التخبط و الجهل و الظلام, لقد وجد طريق الإستنارة .. طريق الوعي.
الوعي البشري
تفترض كل الأنظمة البشرية أن الجنس البشري كله واعي و عاقل و ذكي و رشيد حتى أن العلماء يسمون الجنس البشري بالـ Homo Sapiens أو الإنسان العاقل. لذلك نجد في الديموقراطية ان كل مواطن له صوت واحد مهما زاد علمه او ذكاؤه, على أساس أن كل البشر متساوون في الوعي, و لذلك نجد في الرأسمالية ان كل مواطن يستطيع الشراء و البيع كما يريد لأن العنصر الأساسي في الرأسمالية هو المستهلك الرشيد الذي يستطيع أن يعي احتياجاته و رغباته و يستطيع أن يعرف الفروق بن السلع و الخدمات كما يستطيع ان يعرف تبعات و تاثيرات دعمه لأي سلعة و أي خدمة بالمال الذي يملكه. كذلك نجد ان هناك ما يسمى حقوق الإنسان و حرية العقيدة لكل الناس و هي حقوق و حريات لا تكتسب باي عمل او موهبة أو ذكاء بل يولد المرء بهذة الحقوق و الحريات, فيستطيع أي إنسان أن يتعبد لإله افتراضي أو لحجر أسود او لخبز و خمر أو بقرة أو صرصار لأنه انسان واعي يحق له ان يعتقد ما يشاء .. كما يحق للنازيين و الفاشيين و أنصار الأصوليات الدينية بانواعها كل حقوق الإنسان ابتداءا من الحق في الحياة و العمل و ليس انتهاءا بالحق في الإنتخاب و الترشح للحكم.
و لو عرفنا أن الديماجوجية هي إستراتيجية لإقناع الآخرين بالاستناد إلى مخاوفهم وأفكارهم المسبقة, و أنها إستراتيجية سياسية للحصول على السلطة و الكسب من خلال مناشدة التحيزات الشعبية, بحيث يعتمد الديماجوجي على مخاوف وتوقعات الجمهور المسبقة، عادة عن طريق الخطابات و الدعاية الحماسية فيستخدم المواضيع القومية و الشعبية محاولا استثارة عواطف الجماهير. لو عرفنا ذلك فلا حاجة للقول بان كل الأنظمة التي تتحكم في حياتنا هي سخافات ديماجوجية بلا معنى و خرافية بالكامل, و بغض النظر عن الديموقراطية و الرأسمالية و الدين, و مبادئهم الهدامة و تحالفهم ضد تطور الوعي البشري, فالغرض من هذة الامثلة هو الإشارة إلي أن المعرفة الخاطئة و الفهم المغلوط يستطيعان افساد و تدمير كل شيء, و كان أبسط و أهم مثال على ذلك هو فكرة الوعي المتساوي التي يتمتع بها كل كائن بشري. بالطبع ليس الجنس البشري واعيا, ليس الجميع واعيين على أي حال, و بالتالي فتسمية الجنس البشري كله بالإنسان العاقل او الإنسان الواعي (Homo Sapiens) تمييزا عن بقية الكائنات الحية الغير عاقلة أو واعية فيه من العجرفة و الكبرياء و المغالطة اكثر مما فيه من علم أو حقيقة.
لكن يبدو ان الجميع يتفق على أن ما يميز الإنسان عن الحيوان هو العقل أو الوعي, يتفق في هذا المؤمن و الملحد, الليبرالي و الشيوعي, الروسي و البرازيلي, الرجل و المرأه, الكبير و الصغير .. كل الناس تؤكد أن الوعي فقط هو ما يميز الإنسان, ليس فقدان الذيل لان هناك حيوانات ليس لها ذيل أيضا (قرد الجيبون و بعض الضفادع و بعض القطط و بعض الكلاب), و ليس السير على قدمين لأن هناك حيوانات تسير على قدميها أيضا (النعامة و البطريق و الكنغر و بعض الفئران و قرد الجيبون).
المشكلة أن الكائن البشري ليس واعيا و لا عاقلا, و هو حتى ليس الحيوان الذكي الوحيد أيضا و لا الناطق الوحيد ولا المستخدم الوحيد للأدوات, و لو تجاهلنا أن الكثير من الناس هم أقرب في ذكاءهم للحيوانات البدائية .. فإنسان الغاب أو أورانغوتان مثلا يستخدم أدوات بطريقة بدائية (أعواد خشب أو حجارة او بعض الأشياء التي يجدها في بيئته) اما البونوبو أو شيمبانزي گراسيل فذكي جدا و لديه وعي بذاته و يتعرف على نفسه في المرآة و يستخدم أصوات في التواصل مع جنسه بطريقة أشبه باللغة البدائية بل ان الإنسان العادي يستطيع أن يفهم تعبيرات وجهه .. و عموما كل الحيوانات تتواصل بأساليبها فلا يمكننا ان ندعي أن استخدام اللغة العربية مثلا في التواصل هو العلامة الوحيدة أو الرئيسية على الذكاء. و بغض النظر عن أن الشيمبانزي المتحضر أو المدرب قد يكون أذكى من بعض الناس و بالتأكيد أذكى من الأطفال حتى سن معين و من الناس الذين يعانون من التخلف العقلي الوراثي أو الطبيعي, فإمكانية إختراع كمبيوتر أذكى من الإنسان في أكثر من الحسابات المعقدة و لعب الشطرنج أصبح مسألة قريبة جدا و بالتالي فبأي حجة وقتها يمكن أن يكون الكائن البشري هو الذكي الوحيد او الأذكى.
قرد البونوبو يشترك مع البشر في 99% من جيناتهم
بالطبع لو جمعنا كل الصفات الموجودة في الإنسان فلن تنطبق إلا عليه : يعني هناك الكثير من الكائنات الحية التي تطير لكن لو بحثنا عن حيوان ثديي يطير مثلا فلن نجد إلا الخفاش (بأنواعه طبعا) و هناك الكثير من الكائنات التي تمشي على قدمين لكن لو حددنا بحثنا في طائر يمشي على قدمين فستنحصر الخيارات في البطريق و النعام, و هكذا .. فنحن لو أردنا تحديد الكائن البشري يجب أن نبحث عن قرد يمشي على قدمين و يستطيع الكلام (كلام تافه في أغلبه) و يصنع أدوات معقدة (أسلحة و ملابس و أدوات طعام في معظمها) : ربما لو وصفنا كائن حي بأنه حيوان مغرور فلن نحتاج لقول المزيد حتى نعرف أنه الكائن البشري, ذلك الحيوان التافه الذي يدعي أنه إله و ابن إله و خالد لا يموت و أقوى كائن حي في العالم و أذكى الأذكياء و أجمل الكائنات الحية و الأهم و الأفضل على الإطلاق, هذة الصفات لا تنطبق على الفيل أو الحوت الأزرق بل هو الكائن البشري فقط.
لذلك يمكن تحديد الكائن البشري بوصف تفصيلي أو بالتصنيف العلمي : مملكة الحيوانات, شعبة الحبليات, طائفة الثدييات, رتبة الرئيسيات, فصيلة القردة العليا, قبيلة أشباه البشر, جنس الإنسان, نوع الإنسان العاقل. هذا تصنيف ينفرد به الإنسان فقط لو أكملت التصنيف للنهاية لأن هناك اعداد ضخمة من الحيوانات و اعداد أقل من الحبليات و أعداد أقل من الثدييات .. و هكذا يتم الحصر و التحديد حتى نصل إلي نوعنا “الإنسان العاقل” بغض النظر عن هذة التسمية السخيفة التي تحتوي من الغرور و الكبرياء أكثر مما تحتوي على حقائق علمية موضوعية. هذا ليس تحاملا على الجنس البشري طبعا, الموضوع ليس شخصيا بل واقعي و له أسباب وجيهة جدا و لا يمكن الرد عليها. فنحن جنس البشر لم نتطور أبدا بل نعيش كأي حيوان آخر وفق نفس منطقه في العيش محاولين بإستماتة التأكيد على أننا متحضرين و جبابرة, سارحين في وهم التحضر و الوعي و الروعة : رافضين أي نقد للطبيعة الإنسانية أو النفس البشرية, بل و عدوانيين جدا ضد أي مراجعة لنظامنا و أسلوبنا في العيش و الإجتماع .. و ضد أي مراجعة لأهدافنا في الحياة كجنس يفترض أنه عاقل و واعي.
همجية الجنس البشري
كل الحيوانات تتقاتل على الغذاء و الجنس و السيطرة حتى الموت, تجد هذا في الكائنات الحية الأكثر بدائية كما تجدها في الأكثر تعقيدا أيضا. فحين يشاهد أي واحد التليفزيون و يرى الضباع تتقاتل على جيفة في أحد برامج عالم الحيوان يعرف جيدا انهم كائنات حية بدائية غير واعية و غير متحضرة و غير أخلاقية و غير سعيدة, لكنه لا يجد غضاضة في أن يعيش بنفس الأسلوب تماما ثم يدعي أنه كبشري اكثر وعيا و تحضرا من بقية الحيوانات الهمجية البدائية !!
من قال ان الضباع لو تصارعت بخناجر أو مسدسات أو حتى بطائرات و دبابات و غواصات نووية و صواريخ بعيدة المدى موجهة بالأقمار الصناعية .. او حتى بروبوتات و سيوف ليزر و بنادق أشعة ستكون أكثر رقيا و تحضرا و وعيا ؟!! من قال ذلك ؟!!! و هل المشكلة في الأداة التي تحقق بها نفس الهدف البدائي و تعبر بها عن نفس الهمجية و الوحشية أم أهدافك و أساليبك أصلا ؟! هل المسدس و الدبابة هي التي تجعلنا متحضرين و أكثر وعيا من الحيوانات التي تستخدم أنيابها و مخالبها ؟!! يعني غالبية الحيوانات تقتل لكي تأكل و لكي تعيش فالأسد مثلا لا يهاجم حيوانا ما لم يكن جعانا, لكن البشر المتحضرين الراقيين يقتلون للسطو و السرقة و يقتلون للسيطرة و النفوذ و يقتلون للحقد و الغيرة و يقتلون للتسلية و للذة القتل و يقتلون بلا سبب أيضا .. فهل هذة الكائنات البشرية هي أكثر تحضرا من أسد يقتل فقط لكي يجد ما يأكله ؟!!
العنف ليس همجية و بربرية بسبب الكلفة المادية و الإقتصادية و الأمنية و الإجتماعية فقط, المشكلة أكبر من ذلك بكثير .. السبب الأساسي في أن العنف سلوك همجي و حيواني أنه تصرف طبيعي و غريزي. يعني ليس العنف وحده هو الهمجي الحيواني بل كل سلوك غريزي نابع من إحتياجات الإنسان البيولوجية أيضا, فالجوع و العطش و الشهوة الجنسية و عشق الذات و عشق السيطرة و كل غريزة حيوانية يسعى الإنسان لإشباعها هي سلوك همجي حيواني بهيمي و ليس الميل للعنف و القتل فقط.
نحن أبدا لم نكن أكثر من “حيوانات ترتدي ثياب” مهما أدعينا من العظمة و مهما أعمانا الغرور و تمادينا في الوقاحة : لقد تصادف ان نحصل نحن على الذكاء بدلا من قوة الأسد أو سرعة الفهد او طيران النسر أو خياشيم السمك .. الذكاء كان الموهبة الوحيدة التي تميز بها البشر و ساعدته على التكيف و الإستمرار لكنها أبدا لم تجعله أفضل من أي حيوان و إلا فمن يستطيع أن يجيب على سؤال, الإنسان أذكى أم الفيل أكبر أم الفهد أسرع ؟ ببساطة كل حيوان تكيف بطريقته و نحن حتى لسنا أفضل الحيوانات الحية تكيفا مع البيئة أو سيطرة على كوكب الأرض لأن الصراصير و الميكروبات و الفيروسات هي الاكثر انتشارا و الأفضل تكيفا و الأكثر عمرا في كوكب الأرض كله بدون طب و بدون زراعة و بدون أسلحة نووية, بل و تعتبر عمليا و حسب أي مقياس هي الانجح و الأقوى من أي أجناس أخرى.
المسألة أصلا ليست بالذكاء و لا بالحجم .. ميكروب تافه أو فيروس حقير طليق يستطيع ليس أن يقتل بشريا واحدا بل أن يقود وباء يقتل الجنس البشري كله. يسهل ملاحظة أن القوة و السرعة و الذكاء و التعقيد ليسوا هم الأفضل و الأكثر دعما للتكيف و الحياة و التفوق دائما .. و خصوصا في الحروب الحديثة. الدبابة الألمانية الجبارة في الحرب العالمية الثانية و التي برزت في معركة كورسك (أكبر معركة دبابات في التاريخ) على وجه الخصوص كانت الدبابة “النمر” و كانت تعد من أقوى دبابات الحرب بسبب قوة مدفعها و تحصينها و كبرها, و رغم أن هذة الدبابة القوية الكبيرة كانت فخر لذكاء و عبقرية الألمان إلا أنها انهزمت أمام الدبابة السوفيتية T-34 التي كانت أقل قوة و تعقيد و لكنها أخف و أسرع و يمكن انتاج العديد منها في وقت أسرع. فبرغم أن التايجر كانت تستطيع تدمير ثلاث أو أربع دبابات سوفيتية إلا أن السوفيت كانوا يستطيعون انتاج عشر دبابات T-34 امام كل دبابة تايجر بسبب تعقيد هذة الأخيرة. الآن يمكن للمرء أن يتخيل الإنسان بكل قوته و ذكاؤه و غروره هو الدبابة تايجر بينما الدبابة T-34 هي أي ميكروب تافه تقدر أعداده بالبلايين ..
ثم إن حتى مقدار الذكاء المحدود الذي يميز الجنس البشري هو لا يميز الجنس البشري كله, فليس كل البشر متساويين في الذكاء : مجرد ان يكون أينشتاين كائن بشري و أن يكون أديسون كائن بشري لا يعني أن مجرد كوني بشري فهذا يعني انني ذكي أو عبقري أو عالم أو مخترع مثل أينشتاين أو أديسون. غالبية البشر يعانون من الغباء و التخلف بدرجات متفاوتة .. أما زيادة معدل الذكاء و الإحتكام للتفكير المنطقي المستقل و القدرة على الإبداع و الإختراع فليست مواهب أصيلة في الجنس البشرية بل إن المجتمع ربما يحتاج لإنتاج مئة فرد مستقل و متعلم بشكل جيد لكي يحصل على خمس علماء و مخترعين مثلا, و النسبة تتهاوى كثيرا بالنسبة للدول المتخلفة بحيث أن غالبية البشر على كوكب الأرض هم كائنات حيوانية غريزية مقلدة و ببغائية تقوم بأعمالها بطريقة آلية رتيبة مكررة و لا تمتلك أي قدرة على الإكتشاف أو الإختراع أو الفهم أو الإبداع أكثر من أي سلحفاة أو سمكة.
الميزة في الذكاء البشري أنه أكبر من حيث الكم لا الكيف, و أن الذكاء أكثر إحتمالا في البشر منه في بقية القردة العليا أو الدلافين مثلا .. يعني لو قلنا ان الأذكياء في الجنس البشري هم 5% و هؤلاء يتمتعون بذكاء يقدر بــ 3 (من إمكانية لانهائية لمضاعفة الذكاء) فالأذكياء من قرد البونوبو مثلا هم 1% و يتمتعون بذكاء يقدر بــ 1 .. الفارق لو تم حسابه بصورة موضوعية سنعرف أننا لا نستحق كل هذا التمجيد و النفخ الذي نعطيه لنوعنا و جنسنا, لان الحكاية كلها هي فارق بسيط في الذكاء تمت مراكمة نتائجه عبر حوالي عشرة آلاف عام فقط من عمر الحياة على الأرض و التي تقدر بــ 3.3 ألف مليون سنة.
و بالإضافة لمشكلة الذكاء تأتي مشكلة المعرفة : فعن طريق أكثر مناهج المعرفة فعالية و تأثيرا في حياة الناس و هو العلم التجريبي يجد المرء نفسه أنه حين يتعرف على معلومة واحدة جديدة يكتشف تلقائيا مئات أو آلاف المساحات المجهولة من المعرفة. و بالتالي فالإنسان البدائي الجاهل لو كان يظن أنه يعرف معلومة واحدة أكيدة عن عشر ظواهر يقابلها في حياته, فخلال الوقت الذي يصل فيه بمعرفته إلي معلومة أخرى لا تصبح معرفته تساوي 2/10 بل 2/100 لأنه سيكون قد اصطدم بتسعين ظاهرة أخرى غامضة و مجهولة بالنسبة له, ثم حين يتعرف على نظرية علمية ثورية تأكد من صحتها و ثبتت فعاليتها تجد معارفة لم تعد 5/100 مثلا من كل الظواهر التي يتعامل معها بل لقد أصبحت 5/10000. و بالتالي فإن أفضل مناهج المعرفة و أكثرها كفاءة و فعالية لا تكشف لنا عن الكون أو العالم من حولنا بقدر ما تكشف لنا عن ضآلة معارفنا و قلة وعينا. هذا فضلا عن التعرف المستمر على أخطاء جديدة في معارفنا القديمة و لذلك و شيئا فشيئا نكتشف أن الوعي الإنساني إجمالا قد تم المبالغة في تقديره عبر العصور أو كما قال سقراط منذ مئات السنين أنه أعلم واحد في اليونان لأنه الوحيد الذي يعرف أنه جاهل.
لكل ذلك تبقى مشكلة الوعي عويصة على الحل بشكل يفند أي ادعاء بتميز خارق للإنسان, فالمرء لا يمكنه إدعاء أن الوعي يبدأ عند مستوى معين من الذكاء فضلا عن صعوبة تحديد الذكاء نفسه و هو معنى أكثر تحديدا و قربا من علوم كالبيولوجيا و الطب الفسيولوجي و النفسي منه إلي الفلسفة كما هو الحال مع معنى مثل الوعي. و بالتالي لا يمكن للمرء ربط الوعي بحجم المخ مثلا أو بالقدرة على التكيف او حتى بالقدرة على حل المشاكل أو استخدام الأدوات. لا يمكننا ربط الوعي بمعرفة معلومات معينة مثلا كوجود آلهة او عدم وجودها أو حدوث التطور أو الخلق, كذلك لا يمكن اعتبار الوعي هو الثقة في مناهج معينة للمعرفة كالإيمان أو العقلانية أو التجريبية أو البراجماتية.
ما الوعي إذن ؟
في القواميس نجد أن الوعي بالشيء يعني معرفته و فهمه و قبوله, فهو واع و فلان أوعى من فلان أي اكثر منه علما و فهما و استيعابا. و في غير القواميس يعرف الناس الوعي بأنه معرفة و فهم و قبول الذات و المجتمع و الواقع كما هم و كما هي حقيقتهم, و يتضمن أيضا معرفة و فهم و استيعاب العلاقات بين الأشياء و معرفة أصول الأشياء و منابعها, و كذلك معرفة و فهم و استيعاب كيفية التأثير على الأشياء و تغييرها و تشكيلها و تحويلها. لكن للأسف هذة التعاريف و المفاهيم خاطئة تماما, أو على الأقل ينقصها الكثير.
فالوعي ليس حالة ساكنة نهائية مطلقة بالطريقة التي كان بوذا يبحث عنها و كما حاولت الأساطير البوذية أن تصور لنا الوعي و كما يظنها الناس, الوعي هو حالة بحث ديناميكية و نسبية دائمة لا تنتهي أبدا. الوعي ليس معرفة كل شيء بل هو السعي لمعرفة كل شيء, لأن لا أحد يعرف كل شيء أبدا و كل من يدعي معرفته لكل شيء هو مخطئ بالتأكيد. الوعي هو حالة بحث و شك و تساؤل و تجريب و تحليل و صراع و تضحية و تطهر و تسامي و تذاكي و تعلم و التزام و تكامل, هو حالة دائمة و أبدية لا تنتهي ابدا و لا تقف عن حد معين. الوعي ليس حالة يقين و إيمان عقائدي, أيا كان موضوع الإيمان أو المعلومة التي نتيقن منها .. على العكس نجد ان حالة اليقين الإيماني العقائدي هي حالة جهل و غباء و تعبر عن الكسل و التراخي و اليأس تعفي الإنسان من الوعي و من مجهود و تعب و بحث و شك و صدمة الوعي, هي موقف يعفي صاحبه من التساؤل لأنه يوهمه بانه يعرف كل شيء بالفعل فيكون مصيره هو الجمود و التحجر و الإبتعاد عن الواقع و الإنعزال عن الحقيقة.
مثل من يحفر باحثا عن أعمق عمق ممكن كان بوذا, ظل يبحث و يشك و يقارن و يتراجع و يعدل و يعاود البحث حتى طاله التعب و الإرهاق و وجد انه قد وصل لعمق جيد لم يصل إليه أحد من قبل فقرر ان يتوقف عن الحفر معلنا أنه وصل لأعمق عمق ممكن .. نعم هو عرف الناس بعمق جيد للنظر إلي الأمور لكن ربطه للوعي و الإستنارة بحقائق محددة سماها الحقائق الأربعة كان نهاية لوعيه و لإستنارته و ليس بدايتها, و فيه من الأنانية الشيء الكثير لأنه حين أوهم الناس بوصوله لأعمق عمق ممكن منعهم من الحفر أعمق, كان من الممكن ان يدفعهم لإكمال حفر حفرته او الحفر في منطقة أخرى للوصول إلي فهم أعمق و معرفة أشمل. حالة الإستنارة التي وصل إليها تحت الشجرة إذن لا تعبر عن إنتصاره على الجهل بل تعبر عن حالة استسلام في مواجهة الواقع الغامض الغريب و تمجيد لحالة الهزيمة و الإستكانة التي تعرض لها بوذا. و رغم ان بوذا و البوذية قد يعتبروا أفضل ما أنتجته الثقافة الشرقية من نواحي كثيرة إلا أن هناك ما هو أفضل.
سقراط مثلا, غالبًا ما كان سقراط يذكر أن حكمته مقصورة على إلمامه بما يتصف به من جهل, و كان يؤمن بأن ارتكاب الأخطاء هو نتيجة للجهل و أن من يرتكبون الأخطاء يفتقرون إلى معرفة ما هو صحيح. و الشيء الوحيد الذي ادعى سقراط باستمرار أن لديه معرفة به هو “فن الحب” والذي ربط بينه و بين مفهوم “حب الحكمة”، أي الفلسفة أو الوعي أو الإستنارة. إنه لم يدع قط أنه حكيم، و لكنه أدرك المسار الذي لا بد أن يسلكه محب الحكمة في سعيه وراء الحكمة. و لقد كان التوصل إلى ما إذا كان سقراط يؤمن بأن البشر (في مواجهة الآلهة مثل الإله أبولو) بإمكانهم بالفعل أن يصبحوا حكماء أم لا أمرًا محل جدال : فمن ناحية فرق سقراط بين الجهل البشري و المعرفة المثلى, و من ناحية أخرى، وصف أفلاطون في كل من حوار “المأدبة” و “الجمهورية” منهجًا يمكن به الوصول إلى الحكمة.
سقراط كان يعتقد أن أفضل طريقة يحيا بها البشر هي أن يركزوا على تطوير الذات بدلاً من السعي وراء الثروة المادية, و ذلك من خلال البحث عن الحكمة و إكتساب المزيد من الفضائل الأخلاقية. و فكرة أن البشر يملكون فضائل معينة كانت تشكل ميزة مشتركة في كل تعاليم سقراط. و تمثل هذه الفضائل السمات التي يجب أن يحظى بها كل إنسان، وعلى رأسها الفضائل الفلسفية أو العقلية. و قد أكد سقراط على أن الفضيلة هي أقيم ما يملكه الإنسان, و الحياة المثالية هي تلك الحياة التي تنقضي في البحث عن الحقيقة و الخير. و تكمن الحقيقة وراء ظلال الوجود، و مهمة الفيلسوف هي أن يوضح للآخرين مدى ضآلة ما يعرفون بالفعل.
سقراط : ليس من من الضروري أن يكون كلامي مقبولا، بل من الضروري أن يكون صادقا
و سقراط يبدو أنه أصح و أوعى من بوذا لأسباب تجلت لنا في العصر الحديث, فبرغم كل جهود العلماء لا نستطيع حتى الآن أن نصل إلي نهاية للكون بالتليسكوبات أو بالحسابات, و في عالم لانهائي في اتساعه على المستوى الكوني بما فيه من مجرات و شموس و ثقوب سوداء و كواكب و مادة سوداء غامضة, لانهائي في عمقه على المستوى الذري و دون الذري بما فيه من اليكترونات و كواركات و ليبتونات, لا نهائي في تغيراته عبر الزمان, و قد يكون لا نهائي في أبعاده المكانية بما بدأ بتبدى لنا من نظرية الأوتار. في عالم بهذا الإتساع و العمق و التعقيد و الغنى و التنوع يصير الجهل حالة مؤبدة و دائمة و لا مفر منها على أي ذكاء في العالم. فمهما تراكم لدى الإنسانية كلها من العلم و المعرفة سيظل هناك مكان في الكون لم نصل إليه أو ظاهرة بالغة التعقيد لا نستطيع تفسيرها أو زمن لا نستطيع ان نعرف ما حدث فيه أو سيحدث.
لهذا لا يستطيع عالم عبقري كائنا من كان و مهما بلغ من الذكاء و العلم أن يلم بكل شيء, لو كان عالم فيزياء و كونيات يصعب أن يكون ملما بالعالم البيولوجي و الهندسة و غيره, و لو كان أسطورة في العلوم الكيميائية لن يكون ملما بالعلوم الأخرى أيضا. بل لا يوجد طبيب لديه المام شامل بكل شيء في الطب نفسه أو عالم فيزياء يعرف كل شيء في الفيزياء لأن البشرية قد راكمت من العلوم و المعارف ما لا يستطيع عقل واحد أن يلم به و يستوعبه. و لذلك فكل عالم كلما تعرف على اكتشاف واحد جديد كان مجهولا ورطه في عشر مسائل جديدة غامضة و مجهولة, و كما تتضاعف مساحات المعرفة الإنسانية أكثر تتضاعف معها مساحات الجهل الإنساني أكثر و أكثر.
و لذلك يبدو ان سقراط المتسائل دائما الباحث دائما الجاهل دائما بإعترافه هو شخصيا هو شخص أكثر وعيا و واقعية من بوذا الذي إكتفى بما عرفه و صادر على بحثه و تساؤله و أعلن وصوله لحالة الإستنارة في شكلها النهائي المطلق. و على هذا الأساس يمكن القول أن الشخص الواعي او العاقل او المستنير هو شخص باحث و متسائل و شكاك و واسع الأفق لا يقدس معلومة معينة أو فهم محدد لانه يبحث عن الحقيقة و عن توظيف الحقيقة للخير الإنساني و للسعادة الشخصية و لا يتمسك بأي شيء مهما عز عليه في سبيل ذلك.
بعد الإشارة إلي الفارق بين الوعي كمفهوم ديناميكي سقراطي لا ينتهي و الوعي كمفهوم استاتيكي بوذي نهائي يجدر الإشارة إلي موضوعات الوعي, و هي ربما تكون بديهية معروفة لا تحتاج إلي التأكيد عليها بل الإشارة فقط. فالوعي (او الإستنارة أو الحكمة) ليس فقط هو معرفة الشيء في ذاته او معرفة الحقيقة فقط, لو كان موضوع الوعي هو الحقيقة باوسع معانيها فهي مفهوم سلبي فقط. فالحقيقة بمعنى انها طبيعة الأشياء و الواقع و طبيعة العلاقات بين الأشياء و طبيعة الأشخاص و أحياء و الذكاء و طبيعة العلاقة بين كل هذة الأشياء هي مفهوم سلبي مكتفي بالمعرفة و الفهم و الإستيعاب فقط. لكن الوعي له موضوع آخر يسعى إليه و هو توظيف الحقيقة لإحداث تغيير في الواقع, تغيير إيجابي لصالح الجماعة البشرية و تغيير إيجابي لصالح الفرد الواعي.
الوعي إذن هو حالة سعي دائم لإستيعاب الحقيقة الموضوعية كما هي ثم كيفية توظيفها لمصلحة الخير الإنساني و السعادة الشخصية, سعي مخلص و دؤوب و دائم ضد الخرافة و الزيف, ضد الشر و الأذى, ضد الإنحطاط و التعاسة .. إن الوعي كما يسميه الفلاسفة المعاصرون أو الإستنارة كما سماها بوذا أو الحكمة كما سماها سقراط هي بالتأكيد الفضيلة الأولى و الأكثر أهمية بين كل الفضائل و التي برغم أنها ليست الوحيدة إلا ان كافة الفضائل الأخرى تعتمد عليها كليا.
لكل ذلك لا يحق لنا القول بأن كل بشري واعي أو أن كل واعي بشري, الفهم الصحيح للوعي سيدفع المرء للفصل بين مفهوم البشرية المادي البيلوجي و مفهوم الوعي القيمي الفلسفي. الآن يمكن تحديد الوعي بشكل أكثر موضوعية بأنه أي ذكاء في الكون يكون لديه الإرادة و القوة لمواصلة التعرف على الحقيقة الموضوعية و تحقيق الخير المشترك و مطاردة سعادته الفردية .. أي ذكاء في الكون يفعل ذلك هو ذكاء واعي و يمكن أن نسميه إنسانا واعيا أو إنسان عاقلا و يستحق كل حقوق الإنسان. لكن أن نصف كل كائن بشري بأنه إنسان واعي فهو موقف متعسف و مغالط و ديماجوجي لأن ليس كل بشري هو إنسان و لا كل إنسان هو بشري في هذا الكون الواسع اللانهائي, الإنسان الواعي بالتأكيد و بحسب التعريف السابق قد يكون بشريا و قد يكون كائنات فضائية من كواكب بعيدة و قد يكون كمبيوتر و قد يكون كائنات غريبة لا نعرف عنها شيئا و لكن لديها هذا الوعي بالقيم الإنسانية و تسعى دائما نحو الحقيقة و الخير و السعادة.
الإنسان العاقل .. التطور القادم
الجنس البشري بدأ من خلال بعض الطفرات الطبيعية في بعض أفراد أسلافنا من الكائنات الشبيهة بالقردة الحالية, يعني كان هناك وقت كانت فيه الفصيلة كلها قرود ما عدا بعض أزواج من أسلاف البشر الذين بدأوا في الوقوف على قوائمهم الخلفية, و الذين بتراكم الإختلافات عبر الزمن صاروا جنسا مختلفا. و في هذا التوقيت بالذات كان أوائل البشر يمثلون شذوذا و إختلافا عن الطباع السائدة للقردة بحيث أنه لو كان المشي على القائمتين الخلفيتين قد جعلهم أقل سرعة أو ان هذا التطفر العشوائي لم ينفعهم لكانوا قد إنقرضوا في وقت قليل. بل إنه لولا الإنفلات الذي يعيش به الحيوانات حيث أن كل حيوان هو على طبيعته بكل جموحها لكان أوائل البشر قد تم قتلهم مثلا بسبب إختلافهم عن بقية القرود و لكن التطفر العشوائي يحدث بإستمرار في كل الأجناس الحية و هو السبب في كل هذا التنوع الكبير في الحياة على كوكب الأرض.
لذلك فالفكرة المطروحة هنا هي أنه في عالم متغير لا يمكن إعتبار الكائنات البشرية أنها كل واحد فكما كان أوائل البشر يعيشون كقرود وسط القرود إلا أنهم كانوا طليعة أجناس بشرية أكثر حيلة و ذكاء. طبيعي أن الكائنات الحية تتفاوت, ممالك فوق ممالك و طوائف فوق طوائف و رتب فوق رتب و فصائل فوق فصائل و أجناس فوق أجناس و في النهاية شعوب فوق شعوب و أفراد فوق أفراد .. و في كل مرة ظهر تطفر ناجح في أحد أجناس الكائنات الحية يجعلها تصير مختلفة و تستقل عن جنسها الأصلي كان من خلال طليعة من أوائل الجنس الجديد و يمكن أيضا بنفس القياس تصور أن هناك طليعة لجنس آخر متفوق تعيش بيننا و هم إخوتنا و أبناؤنا و إسم الفرد من هذا الجنس القادم : إنسان. و لفظ إنسان هو لفظ إخترعه البشر لكي يطرحوا شكل و خصائص الجنس المتفوق القادم أو المرحلة القادمة من التطور البشري, بالتأكيد الإنسان لن يكون بشريا فالبشر سيكونون هم أصل الإنسان و السلف المباشر له, و لكن هذا الجنس الجديد سيكون أكثر ذكاءا و وعيا و قوة و إمكانيات .. جنس أفضل من الجنس البشري من جميع النواحي.
من يفكر و يعرف و يخترع هم قلة قليلة من البشر الذين يمكن ان ندعو كل واحد منهم إنسانا فهم أذكياء و أخلاقيين, لكن بقية الجنس البشري هم ناس مستهلكين و أغبياء و غير قادرين على الإبداع أو الإختراع او حتى فهم الواقع بشكل سليم و لكنهم مع ذلك لديهم هذا الفخر و الكبرياء لكونهم بشر على أساس أن هؤلاء العباقرة و المخترعين ينتمون لنفس الجنس البشري الذي ينتمون هم إليه .. في الواقع لا, العباقرة و الأذكياء من البشر هم من جنس آخر نشأ بسبب التطفر العشوائي من الجنس البشري بنفس الطريقة التي نشا بها البشر من جنس القرود, و حق هؤلاء الناس العاديين في الفخر بإنجازات العباقرة و الأذكياء هو نفس حق الأسماك و الميكروبات في الفخر بنفس هذة الإنجازات.
لا يمكن أن يحسب كل كائن بشري إنسانا بل يجب أن تكون هناك مواصفات معينة أو معايير واضحة لتحديد الإنسان و فرزه عن قطيع الحيوانات البشرية .. معايير مثل معدل الذكاء و القدرة على معالجة المشاكل, يعني إنتقاء لأعلم العلماء و أذكى المخترعين لتحديد من الإنسان و من البشري. و بعد فرز هؤلاء الذين يمثلون الطفرة الجديدة في الجنس البشري يتم تسليمهم قيادة الكوكب كله بحيث تكون له قيادة ذكية مؤهلة بدلا من القيادات الشعبية الجماهيرية التي تتمتع بكل غباء و فساد و عشوائية عامة الشعب. يعني تكوين أرستقراطية جديدة لا تعتمد على المال أو الإنتماء لعائلات معينة بل أرستقراطية من الأذكياء و العلماء و المخترعين و العباقرة المؤهلين لفهم الواقع بشكل سليم و حل مشكلاته و من ناحية أخرى إعطاءهم الفرصة لإنشاء جنس جديد من البشر يتصف بالمواصفات التي تميز هؤلاء القلة و التي يعتقد البشر أنهم يملكونها فعلا و هي مواصفات جنس الإنسان العاقل.
هذا لا يعني أن كل ذكي هو واعي, الفكرة فقط هي في زراعة و دعم الوعي في الجنس البشري عن طريق التركيز على إكتشاف العباقرة و مساعدتهم على تطوير و حسن استغلال ذكاءهم و إطعام هذا الذكاء بالمعارف و المعلومات و من ثم نحصل في النهاية على ثمار هذا الدعم و هذة الرعاية بجني علماء و عباقرة و فلاسفة, و بعد ذلك الدفع بهم لقيادة الجنس البشري نحو مستقبل أفضل. بالإضافة طبعا لتكريس الموارد المتاحة لتوعية و تطوير ذكاء الجماهير على أساس أن العالم لن يتحول إلي ملكية خاصة لمحتكري الذكاء و العلم بل سيكون على الدولة و المجتمع دعم أوسع إنتشار ممكن للذكاء بحيث لا يتطور الوعي بطريقة رأسية فقط (تعظيم القدرات العقلية) بل يتطور أيضا بطريقة أفقية (أكبر نشر ممكن للقدرات العقلية بين البشر) بحيث يتم في النهاية إنتاج جنس جديد من العبقرية الخالصة.
بالطبع يجب أن نستخدم الذكاء أولا في تحقيق واقع أفضل لنا جميعا : فلا أحد يستطيع أن يجادل أو يعلم الجوعان أو الهايج, لا يمكن للمرء أن يسعى للحقيقة و للخير و للسعادة و هو ينخرط في عمل شاق كل يوم لمدة 16 ساعة أو 12 ساعة من أجل ملاليم. لا يمكن لشخص يعاني من الفقر و المرض و يقضي كل وقته في صراع يائس و بائس مع الحياة أن يدخل طواعية في صراع آخر سيراه حتما رفاهية و ادعاء هو الصراع ضد الجهل أو الغباء. إن لم يحقق الإنسان حد أدنى من ارضاء الغرائز الحيوانية بداخله و حد أدنى من التكيف مع الواقع و مع ندرة الموارد في الطبيعة (التكيف و ليس السعادة لأن لا سعادة بدون وعي) فلن يسعى لشيء له قيمة و لن يهتم برعاية او إنضاج الطاقة الإنسانية بداخله. المشكلة فقط أن الجنس البشري لن يقضي على الفقر و الجهل و المرض و العنف و الظلم و غيره إلا بحد أدنى من الوعي و هو ما لن يحصل عليه إلا بتحرير و لو جزء من الذكاء البشري من مجرد خدمة الأغراض الحيوانية الغرائزية من أجل إيجاد فائض من الوقت و من المجهود و من النقاء الذهني و الإستقلالية الفكرية لدى أعداد متزايدة من البشر. يعني الحالة هي حالة نمو لولبي حلزوني : المزيد من التكيف يؤدي للمزيد من الوعي يؤدي للمزيد من التكيف .. و هكذا.
لكن مراكمة الذكاء من أجل زيادة القدرة على التكيف البيولوجي و الحصول على السعادة (ارضاء المشاعر الحيوانية البشرية) فقط تعتبر شيء عقيم و سخيف جدا, لأن صنع الرفاهية و تحقيق السعادة الإنسانية هو اتفه ما يستطيعه الذكاء و هو أبعد ما يكون عن الإمكانيات و القدرات الكامنة لهذة الظاهرة الفريدة. مجرد إطعام الإنسان و الإعتناء به ليس هو الهدف المنطقي للذكاء و لا يعبر عن إمكانياته الجبارة, بنفس الطريقة التي قد يحاول بها شخص قتل ذبابة بواسطة قنبلة هيدروجينية .. يعني الذكاء يقوى على الكثير فكيف يمكن حصره في مجرد السخرة للبشر و للإحتياجات الحيوانية البشرية و النزوات العاطفية البشرية. الجنس البشري مجبر على الإختيار و سيختار يوما قريبا, إما أن يظل حيوي و حيواني و عشوائي و غبي, و إما أن يتعرف على قدره الحقيقي و يختار التحول لوجود ذكي و عقلاني و واعي فعلا, يجب أن نقرر أننا عقول و لسنا أشخاص أو حيوانات نحيا عبيد لغرائزنا و طبائعنا البهيمية.
إن الذكاء يؤدي إلي المعرفة, و الذكاء مع المعرفة هما قوة خارقة و قدرة متزايدة على التحرر من عبودية الطبيعة و تحقيق الحلم النرجسي للبشري البدائي في أن يصير إلها و خارقا. نحن نستطيع أن نصير آلهة و خارقين لو تخلينا عن طبيعتنا الحيوانية و وعاءنا الجسدي لكي نستجيب لمصيرنا الممكن و قدرنا المحتمل في أن نكون أذكياء و آلهة. المسألة تحتاج إلي تضحية طبعا لأننا لا يمكن أن نصير أذكياء و آلهة ما لم نتخلى عن غباءنا و حيوانيتنا و عاطفيتنا التي تعطل وعينا عن الوصول لآفاق أوسع و سماوات أرحب, التحول و التطور و الترقي يحتاج إلي تضحيات و إلي التخلي عن كل ما هو معوق و مانع. نحن الآن بذكاءنا الحالي و إمكانياتنا العقلية البسيطة قد قمنا بتدشين هامش بسيط و ضيق جدا من الحرية و من الإستقلال عن الطبيعة و عبوديتها عن طريق إشباع غرائزنا الحيوانية و من ثم بدء الإلتفات لإمكانيات الذكاء و التعلم و تطوير الذكاء و التعلم, و نستطيع مواصلة توسيع هذا الهامش لو تخلينا عن رغباتنا الغرائزية في العيش كالحيوانات عبيد للطعام و الشراب و الجنس و الأمن و المعاملة الطيبة.
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - تعقيب
عبدالغني زيدان
(
2013 / 4 / 11 - 09:14
)
نسيت اسمك وانا اقرا مقالك الكبير بالحجم من ناحية الكلمات لن ارجع هذه المسافة الكبيرة لاعرف اسمك واخاطبك به فانت لم تدع مجالا للاحترام اصلا
موضوعك هذا لو قراه دارون نفسه لن يعجبه وهو مكتوب لشيوعي بحت يتعبد بالشيوعية ويعتبرها الهته وشريعته يستقيها من دارون لهذا نراك ترفع من مستوى الحيوان والشامبنزي اكثر من الانسان
استاذي جوهر موضوعك واضح وكان ملفت للانتباه فقط لو تكلمت في جوهره لا بالتفصيل فالتفصيل اعاب رؤيتك له وسفه الوعي الانساني
لكنك نسيت جانبا هاما غير موجود باي موجود في الوجود وهو ان الانسان لديه من القوانيين النفسية والذكاء العاطفي الوجداني ما لا تؤثر به رؤاك وله مرجعيات داخلية موجود في اعماقه وهذا ما اكد عليه فرويد في نظرياته وخصوصا الانا والهو
وايضا القوانيين الروحية التي يعيش عليها بعضا من الديانات في الهند وكتاب الفيدا وهنا ارجو منك قراءة كتابات كامل السعدون
ثم انك لم تطرق باب الوعي واللاوعي الموجود والمثبت علميا بداخل كينونة الانسان هنالك فراغات ونقاط ضعف كبيرة حتى يصل موضوعك لمستوى المقال العقلاني على الاقل مع فائق احترامي لحضرتك
.. ماذا وراء استئناف الخطوط الجوية الجزائرية رحلاتها الجوية من
.. مجلس الامن يدعو في قرار جديد إلى فرض عقوبات ضد من يهدّدون ال
.. إيران تضع الخطط.. هذا موعد الضربة على إسرائيل | #رادار
.. مراسل الجزيرة: 4 شهداء بينهم طفل في قصف إسرائيلي استهدف منزل
.. محمود يزبك: نتنياهو يريد القضاء على حماس وتفريغ شمال قطاع غز