الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصر الجديدة - الرابع والخامس من ديسمبر 2012

مجاهد الطيب
(Megahed Al-taieb)

2013 / 4 / 12
المجتمع المدني



( الميرغني ، الأهرام ، إبراهيم اللقاني ، …….. ) بالنسبة لي ليست مجرد شوارع ، هي تمشية العصرية ، وملابس العيد ، الطفولة ، الذهاب إلى المدرسة والهروب منها ، بها أقصى طموحاتنا لـ " فاست فود " تلك الأيام : " شيش كباب عادل " ، و " أبو حيدر " ، وفقط .
في هذه الشوارع سارت – فعلا ؟ - الألوف المؤلفة ؟.هتفت وغنت ورسمت ؟ أربكني هذا . كيف أتي كل هؤلاء إلى حيِّنا ، والأدهي كيف خرج أبناء دولة مصر الجديدة عن صمتهم ؟! هل يجوز أن تسير في مظاهرة تحت بيتك ؟ المظاهرات يُذهَب إليها .
عند قصر الاتحادية تعرفت على الجيران القدامي . لم يسيروا في مظاهرة من قبل . في الرابع من ديسمبر كانت طلعتهم الأولى . الثوارغير المتخصصين لهم شمخة .اللحظة التي يقرر عندها أهالينا أن يضمُّوا علينا يستحيل تحديدها . نزول الثوار غير المتفرغين أمارة الأمارات على الخطر؟
في شارع الأهرام كانا إلى جواري ، الزوج : شعره أبيض ، قديم في البياض ، يمشي بأقصي سرعة ممكنة - بالنسبة إليه ، يناضل ضد البطء ، امرأته تماثله سنا إلا أنها أخف ؛ تراجعت خطوتين ووقفت على حافة الرصيف ، ظهرها لـ " شيش كباب عادل " ووجهها لإحدى بوابات الاتحادية ، أخذت تهتف : يسقط يسقط حكم المرشد ، هتفت أيضا: ثورتنا ثورة شباب ..
نظرة الزوج إليها ليست- بالذات - مستغربة ، ولا نستطيع أن نقول سلبية ، نظرته فيها إنَّ ، تقدم خطوة ليردد خلفها النداء ، سعيد لأنها نجحت في اجتذاب عدد كبير من المرددين لشعاراتها ، سعادته تنبع من كونه مسئولا بطريقة ما عن النجاح الذي أحرزته ، يعرفها شخصيا . الهتافات كالماء والهواء ، لكن لها إيقاعا داخليا يحتاج إلى بعض التمرس ، ما قالته السيدة شعارات قديمة استهلكتها الثورة في سنتين ، وأصاب بعضها العجز ، إلا أن المرأة تقولها للمرة الأولى ، إذن هي جديدة . لم تجد في البداية تفاعلا كبيرا ، لكنها أصرت ؛ فنالت 0 الدليل توافد مرددين جدد 0 العلامة الفارقة على نجاح صانع الهتاف واعتماده يتبدى بوضوح عندما تضبط نفسك كمتظاهر تردد بكل حماس نصف شعار لا تستريح له ؛ ثقة في صانع الهتاف ، ثقة عن تجربة ، أن بالنصف الثاني من الشعار سيحدث المراد 0 السيدة الفاضلة استجلبت كل ما رأته على شاشات التليفزيون ، بخبرة سنتين . الكنبة ليست لهوا صُراحا . أنا أعرف الزوج وهو يعرفني ، سلم عليَّ وسلمت بحرارة ، لا يعرف اسمي ، وأنا لا أتذكر لا الشكل ولا الاسم . لكني أعرف أهل مصر الجديدة الأصليين بطريقة ما .
ذهبت وصديقي إلى الكُرْبة في زيارة خاطفة ؛ لنشرب الشاي ، ونرى ما كنا فيه على الشاشات ، فرحتنا بما كنا فيه كان محدودا أو معقولا . نعم ، نحب يناير، وإن أتى في ديسمبر ، لكن العواطف تعلمتْ . الفرح ليس لحظة .بعد هذه الفسحة عدت إلى شارع الأهرام أبحث عن صديقي القديم وزوجته . حدث الفرج ، تذكرت الوجه جيدا وساعدني هو في الاسم ، هو جار قديم ، تعارفنا فعليا ، وأخذ يعرفني على بعض جيراننا ، دون أن يغيب عن وجهه أنه في مهمة ! " هذا ابن فلان ، هذا فلان نفسه .. كبرنا مش كده ؟ لم أسترح لهذه العبارة 0.
حدث أن نزلت جموع من أهل مصر الجديدة إلى الاتحادية ، ومن وافته المنية أرسل الورثة الشرعيين . بدا لي أن الراحلين من أهالي مصر الجديدة ( الأربعينيات والخمسينيات ) هم الأكثر تفاعلا مع المظاهرة ، من حملوا جنسيتها في وقت مبكر ، الأفندية الذين يُبعثون مساء ويملأون المقاهي التي لا تنتهي . ينط في ذهني الآن ، المقهى الأفرنجي الكبير الشيك عند ناصية دمشق مع إبراهيم اللقاني ( إم إم حاليا ) .الهوانم اللاتي يخرجن بعد العصر ، يبدأن من الخليفة المأمون أو إبراهيم اللقاني ، دون مِحرم ، بملابس ملونة ، يمشين ببطء لذيذ ، لهن وللحياة ، يأخذن شارع دمشق . عن اليمين وعن اليسار عمارات ذات فراندات واسعة ، عمارات عالية ، عالية لكن بالمعقول ، بعضها ينتهي بقباب ، القباب تعلوها أهلَّة ، يستمر المشي حتى ميدان الجامع ؛ ليشترين التوابل والبن وبعض المستلزمات المنزلية ، في الغالب سيتوقفن قليلا عند مقلة الجامع .
فعلا ؟ نزلت مظاهرات حاشدة في مصر الجديدة في ذات الشوارع التي أعرفها0 .


في أفراح الشارع تتغير معالم المكان ، تصبح البيوت المجاورة مقصورات مميزة لمتابعة فقرات الحفل الساهر ، يصير الشارع نفسه أوسع ، أقدر على الاحتمال ، السرادق ذو الألوان المبهجة – الكراسي – اللمبات الملونة – المسرح المرتفع عن الأرض ، في طفولتي كنت أحب هذا التغيير الطارئ الذي ينسيني الشارع والحي ، أرض واحدة تشيل كل أفراد الحي والأحياء المجاورة وغير المجاورة لساعات متأخرة من الليل أو متقدمة من الصباح . أحاول أن ستيقظ مبكرا رغم السهر ؛ لألحق ، لأرى ذات الشارع بعد أن غادره الفرح . ، بعد قليل ، عندما تستأنف معايش الناس يكون الأسى ؛ سينمحي تماما مشهد الفرح ، بات ذكرى في وقت قياسي . أما في لحظة الاستيقاظ الباكر نفسها فالفرح قائم ، لكن بلا رواد ، بلا زينات ، العمال يتنقلون بخفة على سلالم عالية ، ليستيعيدوا الأفرع الطويلة ذات اللمبات ؛ لتذهب إلى شوارع أخرى تنتظر . الفرح يقف في المنتصف ، وقبله وبعده الشارع العادي غير المنير باستثنائية .

في صباح الخامس من ديسمبر قلت : من العبث أن أذهب إلى العمل ، ما حدث بالأمس ليس هينا ، لا بد أن أذهب إلى هناك بعدما انفض السامر، ولم ينفض في نفسي ، وصلت في العاشرة تقريبا ، ثمة خيمات قليلة للغاية ، لكن سكان مصر الجديدة العابرين في شارع الميرغني يتوقفون بسياراتهم ؛ ليقولوا بالكلكسات - نعم للمعتصمين ، وبعضهم يركن سيارته على مقربة من الخيام ، ويشارك بالهتافات ثم ينطلق 0 يضاف الى الجمع مواطنون جدد وينسحب آخرون ،وهكذا . في كل الأوقات كان هناك أفراد ( يستطلعون ؟ ) يقتربون صانعين حلقات نقاشية حولهم ، أول كلماتهم " أنا مش إخوان " ، ثم أنا معاكو فعلا الإعلان الدستوري سقطة كبيرة لكن ما يصحش الحاجات اللي مكتوبة على الحيط دي . ده رأيي ! وهناك من قال : " المشكلة إنه منتخب ، أنا رأيي ياخد الأربع سنين بتوعه ولو على أعصابنا " احتد أحدهم على أحد المتحدثين : فما كان من المتهم إلا أن أخرج بطاقتته قائلا "ياعم آدي البطاقة بتاعتي ، بص بنفسك ، أنا راجل سواق تاكسي " ، وكأن مهنته ستخرجه قطعا من الجنسية الإخوانية ! سارعه شاب قائلا " شغال سواق تاكسي - سواق قطر مش دي المشكلة ، المشكلة إنك عمَّال تهبَّط في الناس - ما تروَّح أحسن لك!
في حوالي الثانية ظهرا تقريبا قررت أن أنصرف . أخذت شارع الأهرام حتى إبراهيم اللقاني ، لمحت الأمفتريون ، فكرت أن أشرب قهوة ، لكن انحرفت يمينا مع سور القصر . هذا الجانب من السور يقع قبالة شركة مصر الجديدة للإنشاء والتعمير ، وفروت سلاط ماجيك– كان هادئا – وجدت ثلاثة من الشباب يقومون على استحياء بدهان السور أو لنقل إزالة العبارات ( البذيئة ) التي طالت وكالت لساكن القصر 0 فسألتهم بهدوء لا يخلو من خفة : انتو بتعملوا إيه ؟ " بنشيل العبارات اللي ما تصحش دي " أضفت : إوعي تقولوا إحنا مش إخوان ، قالوا " فعلا إحنا مش إخوان ، كل الموضوع إنه ما يصحش كده " كانوا يتكلمون بصوت واطئ للغاية كأنهم يوزعون منشورات !! أو كأنهم هم من كتبوا العبارات (البذيئة ) !! ، كانوا ، في وقفتهم هذه في حذاء السور الموازي لسور بعيد بجانبه الخيام ، كأنهم يعيشون في بلد آخر ، بينهم وبين الفريق الآخر قصر ، ورئيس ليس به .

في المساء ظهر اسم صديقي على شاشة الموبايل . انت فين ؟ الإخوان نزلوا على الاتحادية ، مصرالجديدة مولعة .
قابلته على قهوة السوايسة ، كان مذهولا مما رأى ، قال بحرقة وهو يجذّ على أسنانه : الإخوان زبالة ، كان كمن يتكلم عن حقيقة من حقائق الكون . لم أقل له نعم ، يبدو أنه كان يخفي عليَّ ( وأنا صديقه !) بقايا ثقة فيهم. ما رأه من أفراد ( قوة عزيمة إيمان !) ضمن مسيرة كانت آتية من محطة سراي القبة إلى الاتحادية ، أصابه بذهول أسكته ، لكن الأمور مشت بعد ذلك .
ما يذاع على التليفزيون مرعب ، قمنا ومشينا ؛ لنرى ما نراه الآن على التليفزيون . كانت الكربة موطأ أقدام من ليسوا إخوانا ، الذعر هو سيد الموقف . عربات إسعاف كثيرة تصرخ ساريناتها ، آتية من صلاح سالم عبر شارع الثورة 0 عند تقاطع الثورة وبغداد قرر مجموعة من الشباب أن يوقفوها ويفتشوها " قد يكون بها إخوان أو سلاح !! لم نجد شيئا ، لكن إحدى العربات كانت تحمل مصابا ممن ليسوا إخوانا ، أصر أحدنا على إيقافها وإنزال الجريح " الإسعاف بيسلمهم للإخوان" .
الكُرْبَة حاليا أشبه بمدينة أخليت لتوها ، إلا أن العمارات الفخيمة الدافئة على الصفين تسرب حسا أخف وطأة . تحت البواكي على مقربةمن الشبراوي المغلق قال رجل لسامعيه " ما حدش يروح " المماليك ولا شفيق غربال ولا السلحدار 0 الشوارع دي بتاعتهم دلوقتي !
تفتيش سيارات الإسعاف صارت لعبة مملة ، أصبح الموقف كأننا هاربون من معركة على مرمى حجر، فلا نحن من الناجين ولا من المحاربين . أعلنها رجل أربعيني صريحة " ياللا ياجماعة " ، وهتف يسقط يسقط حكم المرشد وتابعناه سائرين في شارع إبراهيم ، بعد عبور شريط المترو( تقاطع الأهرام) صار الجمع معقولا ، عند تقاطع دمشق انحرفنا يسارا مارين بموقف أتوبيس روكسي ، فُتحت البلكونات وظهر ناس من نوافذ الأبنية العتيقة ، عند الخليقة المأمون إذا نظرت جهة اليمين سترى ربما الجانب الأكبر من المعركة ، آخر المحتجين ظهره لسينما روكسي ، وأولهم عند بنزينة مصر للبترول – الخليفة المأمون . كان خط التماس يتغير ، في مرة أصبح على بعد أمتار قليلة من السينما ، شباب الصفوف الأولى كانوا يحركون خط التماس بعد كل هجمة إخوانية مدعومة بغاز الداخلية ، يرفعون مصدات من الصاج ( تنتمي لمشروع قيد الإنشاء ) ؛ حتى يكسبوا أرضا .
هنا في الصفوف الأخيرة – وأنا بينهم – متابعون عن كثب ، يستنشقون الغاز بأريحية ، لكنهم لا ينضمون للأوائل .
هذه الشوارع أعرفها كما أعرف أصدقاء الثانوي 0 كنت أتابع النظر إليها ليس متحسرا ، لكن مستغربا . آلاف من قطع الطوب الصغيرة على الأرض ، الظلام شامل وتام ، الظلام في غير مكانه ، ومع ذلك هناك حياة وأنس وحوارت على السريع و "ألش " ! ، ومقاهٍ ليست بعيدة ، هناك جو متكامل ، لم نكن لنكتشفه لو ظللنا في قلب الكربة نتابع عربات الإسعاف 0
الصفوف المواجهة للإخوان والداخلية بها أصناف من الناس ، منهم من نزل ليرى ، من يريد أن يستوثق أن ما فكر فيه ليس بدعا ، ممكن . لن يرمي حجرا إلا لو تراجع خط التماس ليمسه ، هدفه جزء من الأرض على الجانب الآخر ، نزل ليعلِّم عليه ؛ حتى لا تختلط الأمور .
ثمة محاربون أوائل بنات و" بنين " يتحركون بخفة ؛ شنط الظهر لا تعوقهم ، هي جزء لايتجزأ . وهناك جموع قريبة للغاية من السينما ، يمارسون نوعا من المخاطرة الآمنة ، كل ماهنالك ( ليس كل ) أن جلوسهم في البيت في هذه الظروف ، يعني إمكانية تصنيفهم ( دون رأي منهم ) إلى أحد الفريقين المتناحرين، للأسف إلى فريق بالتحديد ؛ لأن الكياسة – للأسف أيضا - في أبرز تعريفاتها تعني التزام السلامة!
فيما عدا بعض التحركات التكتكية ، و إعادة الانتشار ، المخاطرون بقَدَرٍ اختاروا ملعبهم المفتوح على رصيف سينما روكسي ، والبعض أبعد قليلا أمام نادي هليوليدو أو قرب سينما الحمراء 0
هل نزل المخاطرون بقدر ليقولوا صراحة ( ويا روح ما بعدك روح ) من مكانهم القريب ، البعيد نسبيا الطحن أن " هذه الأرض ليست ملكا للغير "؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. وسائل إعلام إسرائيلية تتناول مخاوف نتنياهو من الاعتقال والحر


.. تونس.. مظاهرة في مدينة العامرة تدعو لاجلاء المهاجرين غير الن




.. إخلاء مركز للمهاجرين في تونس ومظاهرة لترحيلهم ورفض توطينهم


.. الأمم المتحدة: دارفور معرضة لخطر المجاعة والموت




.. آلاف الإسرائيليين يتظاهرون للمطالبة بإبرام صفقة تبادل فورية