الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفلسفة بصيغة المؤنث

ادرس الغزواني

2013 / 4 / 12
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


شذرة البدء : » نحن لا نولد نساء، بل نصبح نساء »
إن هاته الأسطر ليست محاولة للملمة شمل هذا الموضوع، بقدر ما هي محاولة للإشارة إلى مناقشة هذا الموضوع الرنان جدا و الدعوة إلى التفكر فيه متسلحا بآليات الغربلة و التحليل ، في الوقت الذي يستحيل فيه على المرأة أن تترأس دولة في بلداننا العربية. إن الهاجس الذي سيطر علي خلال هذا الأسدس الثاني من هذه السنة، حينما علمت أنني سأدرس مادة دراسية حول "سوسيولوجيا النوع" في إطار تخصصي (علم الاجتماع)، كان في خلخلة الثابت و المتحول و كذا اكتشاف مدى قدرة ليس الهامش الضحية فقط، بل المركز المهيمن على نقد السائد وزعزعة مفاهيم المتن، حين يتاح لهاذا المركز هو الأخر امتلاك الأدوات المعرفية المناسبة واللازمة للتحليل، إضافة إلى خصوصية موقعه، أي خصوصية كونه مركزا. إن حديثنا عن سوسيولوجيا النوع، هو حديث عن الدراسة السوسيولوجية العلمية للعلاقة المتداخلة، و المعقدة، التي تربط الرجل بالمرأة أو العكس ، من الناحية الثقافية و الاجتماعية و ليس البيولوجية . لهذا تتجلى الجاذبية أساسا في الإضاءة الشديدة التي استطاعت مقاربة النوع تسليطها على علاقة الذات بالموضوع ومدى تأثير الذات في عملية إنتاج المعرفة. وفي مدى عمق التشكيك، الذي أثارته في الأوساط الأكاديمية، في حيادية الإنتاج الفكري والعلمي والسياسي للرجل عن الذات الذكورية المتشكلة في الثقافة البطريركية. مما يثير نوع من السخط و القلق العميق حول مدى استقلالية المرأة وحريتها في جميع المجالات وحول عدم كونها مجرد أبواقا لثقافة ذكورية سائدة، على الرغم من ادعاء المتحررين ثقافيا الثورةَ عليها، وعن مدى تعبيرهم عن هذا الصوت الخاص الذي لازال إلى حدود الساعة خافتا و كذا أفكارهن وتصوراتهن الخاصة.بحيث، استمر تهميش المرأة أحقابا طويلة، ومازالت كذلك، لكن المتغير الأساسي الذي جعلها مؤهلة للاندماج في الرياح الإقليمية التي هبت، و لهذا الحوار الشامل والعميق أنه فقط في النصف الثاني من القرن العشرين أتيح التعليم والالتحاق بالمؤسسات التعليمية والعلمية لأعداد كبيرة من النساء. في مؤسسات التعليم الرسمي يتلقى للرجال وللنساء الإجراءات نفسها واللغة نفسها، لذلك يمكنهم التواصل واكتساب المعارف والمشاركة فيها، وفي إنتاجها أو إعادة إنتاجها. ومن ثم المشاركة في أي مستجد كيفما كان خصوصا على الصعيد العلمي و الفكري، الذي من الممكن أن يؤدي إلى حلول لكثير من مشكلات واقعنا الاجتماعي المكهرب.من هذا المنطلق، انتعشت الفلسفة النسوية خلال منتصف الثمانينات من القرن الماضي، على اعتبار أن المرأة خبرت معنى حصولها على حقوقها كاملة من دون أن تحل مشكلتها، فقد تبين أن المشكلة أكبر من نيل حقوق متساوية للذكور والإناث، وأكثر تعقيداً من مجرد تساوي الشروط، وتكافؤ الفرص بينهما. لماذا ؟، لأن الحل ليس في نيل الحقوق فقط، بل أيضا في تثمين العنصر النسوي و تقديره و تمكينه و أيضا الخروج به من قوقعته الدائمة، لأن هناك مشكلة أكبر من الصراع من أجل السيادة والاستقلال الاقتصادي، وأكثر تعقيداً من إدراكها أو حلها في ثنائية المضطهَد والمضطهِد. أي أن الأمر هنا يتعلق بثقافة تكرس بشكل أو بأخر كل أنواع اللامساواة النوعية بين الرجل و المرأة ، حتى المرأة نفسها مهما بلغت لا تقدر إلا على تكريس خطاب ذكوري في شتى مجالات تدخلها . من هنا، فثنائية المضطهَد والمضطهِد من الممكن أن تكون هي السبب الرئيس الذي يكمن وراء دخول الموجة الثانية من الحركة النسوية –الحركة التي تدافع عن حقوق المرأة و تشخيص إشكالاتها- في مأزقها، وجعل النضال النسوي حكرا على الرجال و من دون نساء، والهبوط بالحركة النسوية إلى أدنى مستوياتها في بداية الثمانينات من القرن العشرين. بحيث أصبحت كلمة نسوية (فيمنيست) كلمة تتسابق النساء على التبرؤ منها.لماذا ؟ ، لأن التصدي الجريء والعلمي الرصين لهذه الإشكالية أدى إلى صعود الموجة النسوية الثالثة وتسجيلها انتصارات كبيرة في التسعينات، من بينها مؤتمر بكين الذي نجم عنه إدخال أجندة الحركة النسوية في برامج التنمية في العالم كله.على اعتبار أن عمق هذه الإشكالية يتمثل في طرحها باعتبارها تخص الجنس البشري كله لا المرأة وحسب؛ وذلك من خلال عملية البحث في اختلال العلاقة بين الإناث والذكور، وتسيُّد أحد الطرفين على الآخر وتهميشه، واستبعاد مساهمته في الرؤية وفي إنتاج المعرفة ( وهذا هو عمق سوسيولوجيا النوع التي نحن بصدد دراستها )، ما أدى إلى رؤية أحادية إلى العالم وإلى كيفية بناء المجتمعات وتنظيمها. لقد بنيت المجتمعات والدول، بما في ذلك المجتمعات الحديثة والدول الحديثة من دون شراكة حقيقية بين الرجل والمرأة منذ الدخول التاريخي في العزلة، عزلة النساء في عوالم الظل عن عالم الرجال، عالم النور والضياء. من هنا أكدت الجمعية الفرنسية لعلم النفس التحليلي بلسان أمينتها عن هذه المشكلة بقولها: " المرأة والرجل كلاهما منعزلان أحدهما عن الآخر. فإذا لبثا في هذه الحال من العزلة وهما يعيشان معاً، أصابنا الضياع." تلك العزلة الناتجة من حقيقة أن الإقصاء والتبخيس والتهميش لم يطل المرأة فقط بل طال السمات الأنثوية لدى الرجل أيضا. مما أنتج مخلوقات شوهاء لا تجيد التشارك فيما بينها. الرجال قمعوا السمات الأنثوية التي هي من سمات طبيعتهم الإنسانية، فتحولوا إلى كائنات ذات بعد ذكوري متضخم، كائنات ذات بعد واحد، بالمعنى الوجودي. وتحولت النساء إما إلى نساء مستسلمات للهرم الجنساني الطاغي ومتشكلات حسب مقتضيات عملية التهميش والإقصاء، وإما إلى نساء تكرهن سماتهن الأنثوية وتتنمين لو تستبدلن بها سمات ذكورية، لكي يكون لهن مكان ما في المتن. والنتيجة التي أدت إليها هذه التشوهات عند الطرفين، عزلة عميقة وصمت رهيب، عزلة لا يمكن الخروج منها إلا حين يفصح الصمت عن نفسه، أي حين تتكلم الأنوثة، بصفتها هذه، في الذكر والأنثى، فتعيد تشكيل اللغة وتشكيل العالم. يمكن القول إذن إن المشكلة تكمن في تجذر الثقافة البطريركية وتشكل أقوى هرم سلطة عرفه التاريخ، هو الهرم الجنساني، الذي طبع بطابعه جميع السلطات، وحال دون تفاهم الذكر والأنثى بوصفهما شريكين ينتميان إلى جنس واحد. ومن هنا فإن الشاغل الأساسي للنسوية هو العمل على تفكيك هذا الهرم بدءاً بتفكيك الثقافة التي يستند إليها، فيتغذى منها ويغذيها. أي كما عبر الفيلسوف والسوسيولوجي الفرنسي بيير بورديو بقوله: "إن الهيمنة الذكورية مغروسة في اللاوعي الجمعي عند البشر، وإنها تحوّلت إلى عنصر غير مرئي وغير محسوس في العلاقات ما بين الرجال والنساء. وينبغي بالتالي إخراج هذا اللاوعي، وتحويله إلى وعي يعيد كتابة التاريخ". نجحت الفلسفة النقدية النسوية في إنتاج وعي فرض نفسه على الجميع، وعي جاء من الهامش الجنساني ليفكك المتن الذي أعمته السلطة عن إدراك الكثير من الحقائق، ذلك الوعي الذي يقول بأن الأفكار والأفعال والأحلام التي يحملها الفرد الإنساني، سواء كان رجلا أم امرأة، يتم اكتسابها وتناقلها عن طريق ممارسات ثقافية واجتماعية ذات مركزية ذكورية، وبأساليب فعالة إلى الدرجة التي تبدو معها أصيلة ومن طبيعة الأشياء. أي إنه حتى الرجل لا يملك صوته الخاص، وإنما صوت هذا الوعي الجمعي الذكوري. وقد أدى تشكل هذا الوعي إلى ظهور رجال نسويين أدركوا حقيقة شرطهم الإنساني الغائر تحت ركام تاريخ من العزلة والاغتراب. المشكلة إذن لا تتلخص في غياب المرأة المتحققة والحرة وحسب، بل في غياب الرجل المتحقق والحر أيضا. والتحقق والحرية هما شرطا الشراكة الحقة. وهذا يحيلنا على السؤال الجوهري الآتي: كيف يمكننا طرح مشكلات البشرية كلها بمعزل عن مشكلات العلاقة بين الإناث والذكور، أو بين الرجال والنساء؟ ألم يحذر فرويد في أواخر القرن التاسع عشر قائلاً: انتبهوا قد يكون اللبيدو هو المحرك الأساسي للتاريخ البشري. واللبيدو هو أهم جانب من جوانب العلاقة بين الأنوثة والذكورة ؟ .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. احتجاج لسيدات برازيليات أمام الكونغرس ضد مشروع قانون يقيّد ح


.. الدكتور دلندة الشلي أخصائية بأمراض النساء والتوليد والرضع




.. الدكتورة سميرة كربول أخصائية في أمراض النساء


.. إحالة طارق رمضان حفيد مؤسس تنظيم الإخوان للمحاكمة فى دعاوى ا




.. المغرب: مطالبات بقانون يضمن الحق باللجوء إلى الإجهاض الآمن!