الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقد المادة التي تحبس الناقد

فاخر السلطان

2013 / 4 / 14
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


قانون الاعلام الموحد هو من دون شك انعكاس لمفهوم الوصاية على الحريات. فلا يمكن أن يصدرعن حكومة همّها تعزيز الديموقراطية، بل ما هو طبيعي أن يصدر عن حكومة تعمل باستمرار على مواجهة "الأشرار" الذين ينبشون في ذات وجودها غير الديموقراطي.
ولو افترضنا ان الحكومة نجحت في إقرار القانون عبر الوسائل الدستورية، فذلك لا يكفل له أن يصبح ديموقراطيا، لأن الحكومة تهدف من خلاله إلى وضع القيود على الحريات الأساسية الساعية إلى توفير مزيد من النقد، ومواجهة أي مساع لغربلة الواقع الديموقراطي غير الحقيقي والإبقاء عليه بمختلف الصور الدستورية وغير الدستورية.
وعليه، نطرح السؤال التالي: كيف يمكن رفع وصاية الحكومة على موضوع الحريات والتأكيد على ضرورته التي تشترطها الديموقراطية الحقيقية، فيما هي - أي الحكومة - تهيمن على كامل المناورة الدستورية التي تحتاجها عملية إقرار أي قانون، وتجهد من أجل الإبقاء على الوضع الديمقراطي "غير الحقيقي" القائم؟
وعلى الرغم من أن غالب الهجوم على قانون الإعلام الموحد قد ركّز على المواد التي تتعلق بتقييد الحريات التي لها علاقة بتطورات الحياة السياسية في البلاد والمستندة إلى ما تم رفعه من مطالب حقوقية في الحراك الشبابي، لكننا قلّما وجدنا هجوما ونقدا للبند رقم واحد من المادة 84، التي تحتوي على العقوبة الأشد وهي السجن، ما يوحي بأن هناك توافقا على ضرورة وجود هذا البند وعلى العقوبة المنصوص عليها بين مقدمي ومؤيدي القانون وبين المعارضين له.
يقول البند رقم واحد: "يحظر طبع أو نشر أو بث أو اعادة بث أو عرض ما من شأنه المساس بالذات الإلهية أو الملائكة أو القرآن الكريم أو الأنبياء والرسل (عليهم السلام) أو الصحابة الأخيار أو زوجات النبي (صلى الله عليه وسلم) أو آل البيت (عليهم السلام) المعاصرين للرسول (صلى الله عليه وسلم) بالتعرض أو الطعن أو السخرية أو النقد أو التجريح"، ويعاقب "بالحبس مدة لا تجاوز عشر سنوات في حالة مخالفة الحظر المنصوص عليه".
إذا أخذنا مفردة واحدة من البند، وهي "النقد"، نستطيع أن نسجّل اختلافا واسعا جدا بين مختلف أفراد المجتمع بجميع أطيافهم ومكوناتهم وتوجهاتهم حول كيفية التعامل مع ذلك، الأمر الذي قد يسهّل تعرّضهم للعقوبة المنصوص عليها. فهل يعقل أن يؤدي هذا الاختلاف الواسع إلى معاقبة المجتمع برمته؟ وهل نستطيع وقف عملية اختلاف الأفهام تحت مسمى منع "النقد" ومعاقبة "الناقد"؟ وعليه، نستطيع أن نقول بأن هذه المادة هي العدو الرئيسي للقول المأثور "اختلاف أمتي رحمة". هي مادة تقف في الضد من تعددية الأفهام، وتعرقل عملية التعايش بين المكونات الدينية والمذهبية والطائفية المختلفة في المجتمع، وتناهض أي إمكانية لفتح أفق الاختلاف بين المكوّن الديني والمكوّن غير الديني، وتحوّل الرأي، الديني والرسمي والشعبي، إلى واحد ونهائي مما يهيئ للتنافر والإلغاء، ويهدد السلم الاجتماعي، ويدفع إلى تقوية الاستبداد.
فالحرية لا يمكن أن ترفع كشعار فارغ المحتوى، ولابد من آليات تساهم في تحويلها إلى واقع تستند إليه الحياة الديموقراطية. والنقد لا يمكن نزعه من قيمة الحرية وإلا أصبحت الأخيرة من دون روح. هل نريد للحرية أن تحقق أهدافا فئوية ضيقة، سياسية واجتماعية ودينية، أم نريد أن تكون قيمة تنظّم مختلف القضايا والمسائل وحقّاً لجميع مكونات المجتمع؟ هل نصفّق للحرية حينما تساهم في إدخال غير المسلم في الدين الإسلامي، بعد عملية "نقد" واسعة للدين القديم، أم نريد للجميع أن يستفيد من آلية "النقد" تلك لكي يستطيع أن يراجع تاريخه الفكري/ الاجتماعي من دون خوف أو رهبة من أحد؟ هل يمكن للحكومة، ونحن، أن نرفع شعار الحرية بينما تشريعاتنا تهدّد الحرية في الصميم؟ هل يمكن أن نطالب بالحرية المجتمعية الخارجية بينما كل ما يعتمر في داخلنا مغلف بالخوف من أي نقد أو تغيير؟ هل نرضى بسجن مغرد، متسائل، باحث، ساخر، كويتي وغير كويتي، متدين وعلماني وملحد، لمجرد أنه "انتقد" هذه المنطقة؟
إنها أسئلة تدخل في صميم تعريف الحرية. بل أجد أن تجاهل إجاباتها هو تجاهل لمعنى الحرية الحقيقي خدمة للمعنى المزيف الذي يخدم الأهداف السياسية الفئوية الضيقة التي تعتمد عليها الديموقراطية في الكويت. فمن دون رؤية واضحة وشفافة لمفهوم النقد في هذه المنطقة الدينية الحساسة، لا نستطيع أن نخطو خطوة أوضح وأجرأ باتجاه المنطقة البشرية التي تليها. بل إن السماح بنقد المنطقة الدينية يسهّل نقد جميع المناطق الأخرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. عظة الأحد - القس كاراس حكيم: فترة الصوم المقدس هي فترة الخزي


.. عظة الأحد - القس كاراس حكيم: السيد المسيح جه نور للعالم




.. عدد العائلات المسيحية في مدينة الرقة السورية كان يقدر بنحو 8


.. -فيديو لقبر النبي محمد-..حقيقي أم مفبرك؟




.. -روح الروح- يهتم بإطعام القطط رغم النزوح والجوع