الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مجتمع المعرفة أساسه المواطن القارئ

الزبير مهداد

2013 / 4 / 15
التربية والتعليم والبحث العلمي


اليوم العالمي للكتاب مناسبة للحديث عن وضع الكتاب والقراءة، والتنبيه إلى تراجعه في ظل الظروف الصعبة التي تمر منها منطقتنا، وكثيرا ما عبرت التقارير الصادرة بمناسبة اليوم العالمي للكتاب خلال ما مر من السنين، عن صورة شديدة القتامة للمشهد الثقافي العربي، من ملامحها البارزة ضعف الإقبال على الثقافة المكتوبة، وعزوف عن القراءة وضعف انتشار الكتب.
والملاحظ أنه بالرغم من هذه المؤشرات المتردية، الدالة بوضوح على التخلف الثقافي والانحسار المعرفي، فإن الساحة الثقافية تخلو من المبادرات التي تروم التصدي للمشكل وتصحيح الوضع، والمساهمة في إنشاء أجيال قارئة مستهلكة للمعرفة والثقافة المكتوبة، باستثناء المشروعات الرائدة لبعض الدول العربية خلال العقود الماضية، والتي توقفت قبل عدة سنين، مثل ما كان يصدر عن دار المعارف بمصر أو دار الرشيد ببغداد، من سلاسل دورية شهرية، والتي وجدت فيها الأجيال السابقة معينا لا ينضب من المعرفة والتربية والفن، وحاليا تحرص عدد من المؤسسات الثقافية الخليجية على مواصلة السير في هذا النهج، فتصدر كتبا هامة، تلحقها بمجلاتها في شكل هدايا مجانية للقراء، ونذكر منها على سبيل المثال المجلة العربية التي تصدر بالسعودية، ومجلة تراث التي تصدر بالإمارات العربية المتحدة، ومجلة دبي الثقافية، ومجلة الرافد العمانية، ومجلة الدوحة القطرية، وسلاسل كتب أخرى تصدر عن بعض المؤسسات.
البدء بالطفولة
حين نطل على عالم الأطفال فإن الصورة تزداد قتامة والوضع يزداد تأزما، فالطفولة القروية لا تصل يداها إلى الكتاب الثقافي إلا بشكل نادر وخاضع للصدفة أو المزاج العابر، والكتاب الثقافي اللطيف الممتع والمسلي، يظل حلما غاليا ونادر التحقيق.
إن حركة التأليف والنشر في مجال ثقافة الطفل تعتمد على المبادرات الفردية، وقلما تعتمد كحركة أدبية. وحقل النشر التجاري قطاع مربح، وعلى الرغم من ذلك فما زال بعيدا عن تحقيق مبدأ تعميم القراءة بين الأطفال، فالأطفال الفقراء والقرويون، لا يقرؤون سوى الكتب المدرسية، والثقافة الشفوية هي السائدة في أوساطهم، لها حضور قوي في كل مناحي الحياة الاجتماعية والفنية والثقافية والدينية، فالنقل الشفوي للمعلومة هو المهيمن، والناشرون لا يرحمون ولا ييسرون سبل الوصول للكتاب وتداوله، والأسرة تنظر للكتاب من منظور نفعي أداتي، هل هو ضروري للمدرسة؟ هل أمر به المعلم؟ فإذا كان الجواب لا فلا داعي للانشغال بتوفيره.
فكيف يمكن لمن نشأ على إهمال الثقافة المكتوبة وتبخيس الكتاب أن يساهم في ترويج الكتب واستهلاكها وقراءتها؟ فظاهرة العزوف عن القراءة مرتبطة بالطفولة، ولا يمكن بأي حال من الأحوال إنشاء جيل قارئ إلا إذا وضعنا خططا فعالة لتشجيع الصغار في المدارس على القراءة.
إن دولا عديدة خططت لإنشاء المجتمع القارئ بتربية الأجيال على القراءة وترسيخ حب الكتب فيها، بتدريبها منذ الطفولة على القراءة الثقافية، وتخصيص سلاسل كتب لكل شريحة عمر، الطفولة الأولى والمتوسط والمتأخرة والمراهقة والشباب، وتنتصب تجربة بريطانيا في الميدان من بين التجارب الرائدة، بإصدارها سلسلة ليدبيرد التي طبعت أكثر من ألفي عنوان لمختلف الأعمار في عشرات السلاسل القصصية والشعرية والعلمية وغيرها وانتشرت بملايين النسخ في كل العالم، فتأسيس قواعد مجتمع المعرفة يتم عبر تربية أجيال قارئة محبة للكتاب الثقافي تتنافس في شرائه وقراءته وتداوله. وبلداننا لا تعدم الأموال التي تتطلبها مثل هذه المشاريع، التي يمكن أن تتمول من المالية العمومية أو مالية الأوقاف، أو مساهمات القطاعات الخصوصية وغيرها، مثلما يحدث في دول العالم المتقدم؛ فالعائق يتمثل في غياب المبادرة باقتراح مشاريع وخطط فعالة وقوية وواسعة الانتشار.
هناك ترابط وثيق بين تقدم الأمم وبين إقبالها على القراءة، فالمجتمعات التي تقرأ إنما تقوم في الحقيقة بعملية فهم لواقعها، ثم تأسيس جديد لقواعد هذا الواقع بما يتناسب مع ظروفها وحاجاتها ومطالبها، فلا تكون التنمية من دون القراءة والانفتاح على الكتب ومتابعتها، فالكتب هي خلاصة التجربة الإنسانية والإبداع البشري.
إننا إذا أردنا أجيالا قارئة، فليس من سبيل إلى ذلك غير تنمية عادة القراءة لدى الصغار، فلا بد من وضع خطط فعالة ومدروسة لتشجيع الأجيال على القراءة، بل لا بد من تحريض أبنائنا على القراءة؛ والمدرسة تلعب دورا كبيرا في توجيه التلاميذ للقراءة وترسيخ عادة المطالعة الحرة في نفوسهم، بالتشجيع والتحريض والمنافسة والإغراء، وكل الوسائل جائزة لأجل تحقيق الغاية النبيلة.
فأهم معوقات تداول الكتاب في وسط الأطفال هي:
1/ عائق الثمن: فالأثمنة لا تراعي القدرات الشرائية للمواطن المحدود الدخل؛
2/ عائق فضاء الترويج: فالمؤسسة التعليمية الابتدائية والثانوية التي تضم ملايين الأطفال، لا يصلها الكتاب الثقافي؛
3/ عائق المناسبة: فالإقبال على الثقافة في بلداننا يتخذ غالبا شكلا مناسباتيا، ففي رمضان يروج الكتاب الديني، وفي الامتحانات يروج الكتاب الموازي للكتاب المدرسي، وفي الصيف يروج الكتاب الترفيهي والفني؛
4/ المنافسة الشرسة لوسائل الإعلام الترفيهية.
فالحديث عن وضعية القراءة والنشر لا ينبغي أن يكون بمنأى عن هذا الوضع.
فالمبادرة الناجحة يجب أن تعتمد الشروط التالية:
1/ إتاحة الكتاب بثمن مدعوم، رخيص في متناول أفراد الفئة المستهدفة، مثل الحلوى والمسليات؛
2/ التعاقد مع موزعين لإحداث موزعات آلية للكتب داخل المؤسسات التعليمية، تفرج عن الكتاب مقابل قطعة نقدية معدنية؛ مثل الموزعات الآلية للمشروبات والحلويات؛
3/ إصدار كتب بموضوعات تراعي المناسبات القائمة، وطنية أو اجتماعية أو ظواهر طبيعية أو فلكية وغيرها؛
4/ إصدار كتب في أوعية معلومات إلكترونية، كالأقراص، أو من خلال البريد الإلكتروني أو غيره؛
5/ توزيع ملاحق مع الكتب تتضمن تشخيصا أو تطبيقا لمضمون الكتاب، أو حين تكون الكتب سردية قصصية أو مسرحية تم إخراجها، أو شعرا غناه مطرب،
6/ تنظيم قراءات ومناقشات للكتب، وحفلات توقيع إصدارات، ومعارض كتب ضمن الأنشطة التربوية للمؤسسات التعليمية؛
لنكفكف دموعنا وننهض
فبث الثقافة في المدرسة من خلال المنتجات الثقافية المطبوعة والمرئية والمعارض والمكتبات، وتفعيل الإعلام الثقافي المدرسي، يجعل من كل طفل كاتبا وقارئا أو ناقدا ذكيا، فاعلا ثقافيا في بيئة ثقافية تربوية نشيطة، الأمر الذي يؤسس للمجتمع القارئ.
إن الإقبال على القراءة يعد مؤشرا قويا لتقدم المجتمع، فيجب أن نرسخ هذا السلوك الحضاري في النشء ونحرض عليه، ولا ينبغي أن نقف مكتوفي الأيدي أمام المبادرات الرائدة، ونتباكى أسفا على الوضع الثقافي المتردي، بل يجب علينا أن نتحمل مسؤولياتنا في مساندة ودعم وتشجيع وترشيد هذه المبادرات.
إن الفاعلين الثقافيين والتربويين ينبغي أن يبادروا لينشروا الثقافة المكتوبة ويشجعوا على الإقبال عليها بكل الوسائل والطرق الممكنة وهذه مسؤوليتهم، وإن الفاعلين الاقتصاديين والقطاعات الحكومية الوصية ينبغي عليها أن تشجع المبادرات وتدعمها ماليا، كما أن من مسؤولية أجهزة الإعلام بث الخبر الثقافي وإيلاءه أهمية قصوى، وتعميمه والتنويه بالمبادرات والتجارب الثقافية والتعريف بها. وتحمل كل جهة لمسؤوليتها كفيل بتحقيق أفضل النتائج.
إن المراد من تخليد اليوم العالمي للكتاب أن يكون نقطة تتمة لمرحلة سابقة، وتأسيس لخطة قادمة للارتقاء بمكانة الكتاب في حياة مواطن الغد حيث المعرفة تشكل أحد أهم معايير التنمية البشرية واستهلاك المعرفة وتداولها أحد أهم مؤشراتها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصر تنفي التراجع عن دعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام مح


.. هيئة البث الإسرائيلية: نقل 300 طن من المساعدات إلى قطاع غزة




.. حزب الله اللبناني.. أسلحة جديدة على خط التصعيد | #الظهيرة


.. هيئة بحرية بريطانية: إصابة ناقلة نفط بصاروخ قبالة سواحل اليم




.. حزب الله يعلن استهداف تجمع لجنود إسرائيليين في محيط ثكنة برا