الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الماتريكس الحقيقي – الشيطان

محمد عبد القادر الفار
كاتب

(Mohammad Abdel Qader Alfar)

2013 / 4 / 15
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


هل يمكن أن يتمثل الشر المطلق في ذات واعية لنفسها، تتألم وتتلذذ، وغايتها وكل مرادها هو الشر، ذات لا تتخلل أوقاتها لحظات من اللاغاية، ذات غير مستعدة لأن تراجع نفسها، ذات لا تتماهى مع شيء (لا تشعر بالآخر)، ذات كرست نفسها للعداء مع كل حالة وحدة وتوازن وانسجام...

وفق الرؤية الدينية النمطية، نعم .. هذا ممكن ... وهذه الذات الشيطانية هي بالأساس إرادة واعية، انطلقت من الغضب والحسد والكيد للإنسان، ولم تفكر بالتراجع، بل أسست مملكة من الشياطين، وتناسلت، مصممة على مواصلة أجندتها حتى النهاية، مع أنها تعلم علم اليقين نهاية القصة، كونها سقطت من مملكة الرب، الذي شهدت ربوبيته بنفسها....

ألا يجعل كل ذلك من هذه الذات الشيطانية أقرب إلى حالة آلية، برنامج حاسوبي ينسخ نفسه، ذات أجندتها الوحيدة هي البقاء رغم أنها غير تواقة للوجود كما في حالة الوعي الإنساني مثلا، فهي غير واعية لنفسها، لا تستشعر وجود أنا مقدسة، لا تتألم ولا تحب، آلة ...

هل خلق الذكاء الاصطناعي يخلق حالة من الوعي بالذات، self awareness، أم أن الأمر هو أن الذكاء الاصطناعي حال وجوده يتصرف وفقا لقواعد الذكاء الشديد، ولكن دون الوعي بالنفس، وما يبدو على انه استماتة للدفاع عن وجوده لا ينبع من رغبة في الوجود بل هو اتباع لقواعد الذكاء التي تفترض أن أي "شيء" يمارس مقاومة ضد القضاء عليه، فالأمر كذلك بالنسبة لقطعة حديدية لا تشعر بوجودها، قطعة مادية، حين تمارس عليها القوة فإن مادتها مقاومة لفعلك بطبيعة الحال، ولو أن نظاما ذكية تم زرعه في هذه القطعة الحديدية لتقاومك اكثر، ذكاء ينمي نفسه، دون وجود شعور، فهذا الذكاء الصناعي سيبدو وكأنه ذات لها مشاعر معك ... في حين أنه يفتقد للوعي الذاتي والمشاعر ..
الشيطان، كذكاء صناعي، هو من صنع الإله، أو من صنعنا، وهو هنا لا يتحمل مسؤولية الشر بقدرنا، أو بقدر الإله، فطالما كنا نحن من نشكل العالم، فنحن من شكلنا الشيطان. تم خلق هذا الشيطان غير الواعي لنفسه من خلال خوفنا أولنا، أي من خلال الوهم، فالوعي غير مهدد بشيء الا في العالم الافتراضي المادي، بينما هو وراء هذا العالم، لا يمكن المساس به، كونه هو الاساس قبل كل شيء، المهم اذا ان خوفنا اولا، ومشاعر الكره –الوهمية أيضا كون الوحدة هي الاساس، وانت لا تكره نفسك الا في حالة افتراضية-، وكل التهيؤات السلبية الناجمة عن "" نسيان "" الوحدة... كل هذه المشاعر هي ما خلقت هذا الشيطان، وجعلته يتصرف وكأنه واع لنفسه، ويعمل كالدوامة، لحساب اجندته الخاصة،والأمر يشبه دوامة تستمر في العمل على قاعدة ان ما هو متحرك يبقى متحرك طالما لم يتدخل شيء في حركته، ونحن طالما بقينا ناسين للوحدة، ولدورنا في خلق الشيطان، فنحن نمنحه الفرصة ليستمر
والأمر يشبه الكابوس أيضا، فالحلم عملية استرجاعية لهواجس في عقولنا، فإذا تملكتنا مخاوفنا في الحلم ودخلنا في كابوس، فإن الكابوس يبدأ بالعمل لحسابه، ويبدأ من في الحلم بمحاربتنا ولحاقنا، في حين أننا نحن من صنع هذا الكابوس، نحن من خلقنا شياطين الحلم التي تكن لنا الكره وتلاحقنا...

الشيطان إذا هو نظام الخوف الذكي، الذي يعمل وكأنه واع لنفسه، نظام الخوف هو السلسلة الطبيعية، هو الموت، الفاينل ديستينيشن، هو الافتراس الموجود في أساس الطبيعة، هو الألم والجوع المتجلي في كثير من الأماكن، هو ما يؤدي لوجود حروب، لوجود سجون، لوجود تشوهات، لوجود أمراض، لوجود مجاعات .... هذا هو الشيطان، نظام الخوف الذي يعمل وكأنه واع لنفسه، بينما نحن –الواعون لأنفسنا حقا والمستشعرون للأنا، الذين نحس ونريد، غير واعين إلى أننه من صنعنا، وإلى طبيعة هذا النظام......
هذا الشيطان يعمل وكأنه الإله السفلي في هذا الوجود، وفي سياق وحدة الوجود، فإنه يعمل وكأنه دوامة تدير نفسها وتعمل لمصلحتها الخاصة، لكن هذه الدوامة داخل بحر الوحدة الذي هو كل شيء، ومهمتها تعزيز وهم الانفصال....
هذا الشيطان هو اللاتوازن إذا، طالما أن أجندته هي تعزيز وهم الانفصال....

الشيطان هو اللاتوازن، هو اللاانسجام، ولعله ما كان يرمز إليه بإله الشر في بعض الديانات.... فلعلها لم تكن بتلك السطحية حين افترضت أن هذا العالم يديره إله الشر، كون إله الخير (الأنا الكلية اللانهائية) لن يخلق السرطان ولن يخلق الإيدز، ولن يتلذذ برؤية طفل صومالي يصيبه الهزال حتى الموت، ولن تسعده المجاعات... لكن إله الخير هذا (البحر) لا محالة سيعطل عمل الدوامة،،، وما حياة البشرية ومعاناتها (لآلاف السنين) أمام أبدية هذه الأرواح، وتخلصها من كل هذه الآلام، حين إنهاء هذا الشيطان ....

صراع الشيطان مع الله، أو صراع الماتريكس مع اللانهائي، أو صراع الشر مع الخير، أو صراع اللاتوازن مع التوازن، أو صراع الدوامة مع البحر، نهايته محتومة لصالح البحر، لصالح اللانهائي... الوعي اللانهائي الصامت المطلق هو ما يفكك الماتريكس تدريجيا ونعود إليه..

لأن الماتريكس – الشيطان غير واع لذاته، رغم هذا الإخلاص لأجنتده، بينما الله-اللانهائي واع لذاته ... ومملكته ليست من هذا العالم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. توقعات بتسليم واشنطن قنابل نوعية للجيش الإسرائيلي قريبا


.. غالانت: لا نسعى إلى الحرب مع حزب الله لكننا مستعدون لخوضها




.. حشود في مسيرة شعبية بصنعاء للمطالبة بدعم المقاومة الفلسطينية


.. فايز الدويري: الاحتلال فشل استخباراتيا على المستوى الاستراتي




.. ساري عرابي: رؤية سموتريتش هي نتاج مسار استيطاني طويل