الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تشريح الكراهية

حمودة إسماعيلي

2013 / 4 / 20
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الأمة مجتمع يجمعه وهم عن أسلافه وكره مشترك لجيرانه
¤ وليم رالف إنغ

نستطيع أن نلاحظ تولد الكراهية لدى الطفل لأخيه أو لإخوته، بل حتى لأمه وأبيه وذلك خلال سنينه الأولى. فالصغير يكره كل من يحاول أن يخفض من قيمته، نراها في الأخ أو الإخوة الذين يتنافسون على اهتمام الأهل، وتصل لأوضح صورها عندما ينجح أحدهم في التفرد بهذا الاهتمام. نجد مثالا لذلك في القصة الدينية ليوسف ابن يعقوب واخوته الذين حاولوا التخلص منه. ونراها كذلك في الطفل الذي يكره أباه أو امه عند رفضهما لاقتناء شيء يراه عند أطفال آخرين، فيجد نفسه أنه أقل من الأطفال الآخرين ولا يمتلك ألعابا كألعابهم تجعله سعيدا ومستمتعا مثلهم. فيكره أباه أو أمه(أو كلاهما) لأنهما جعلانه يحس بشعور نقص لدى مقارنته لنفسه بالأطفال الآخرين. ورغم أن هذه الكراهية تظل مؤقتة سرعان ما ينساها الطفل بتغير الظرف، إلا أنها قد تُتبّث في طبعه إذا وجد نفسه يعامل بقسوة وحرمان لمدة طويلة، وهذا قد نجده سبب عند كثير من الناس في كرههم لطفولتهم، هذه الطفولة التي عاشوها بإحساس مؤلم إثر تعرضهم الدائم للانتقاص وسوء المعاملة من الأهل. على عكس من يحبونها وهم من عوملوا فيها بحب وتقدير، ولاعلاقة لهذا بالثراء أو الفقر، بل بتفاعل الأهل والأبناء ونوع الجو الانفعالي المتوفر، زيادة على نسبة وعي الأبوين ونضجهما في التعامل.
دون أن ننسى كذلك أن الطفل يُظهر كراهية نحو بعض الحيوانات والمأكولات والظلام الخ، تذهب بعض الدراسات لتفسير هذا الأمر بتعلق الطفل بأمه واستغلال تلك الأمور في لفت انتباهها وجعلها تبدي عطفا نحوه. لكنه كثيرا ما يظل الكره رغم تحقيق هذه الغاية، كأن يلح الطفل على اشعال الضوء رغم أن أمه تعانقه في الظلام، أو يرفض تواجد حيوان أليف في البيت حتى لو كان هذا الأخير سلحفاة لايُظهر أي أحد من الأهل عطفا نحوها (حتى يغار)، أو دجاجة تعيش في حديقة المنزل أو في السطح.
مايدفعنا لتفسير هذا الأمر أن الكراهية هنا متولدة بغرض إبعاد أشياء تخفض من قيمة المعني وتنتقص من أناه، فهو يرفض الظلام لأنه يجد نفسه ضعيفا ووحيدا، ويمكن أن يكره حيوانا أليفا إن حدث وأخافه هذا الأخير بطريقة ما، بل حتى أننا قد نجد أنه يكره بعض المأكولات لأنها سببت له ألما فيزيولوجيا في السابق. وكل هذه الأمور تجعل الطفل يرى نفسه أمامها ضعيف وخائف. لأننا يمكن أن نلاحظ رغبته في الظهور بشكل قوي والتصرف كالأبطال، لهذا نجد أغلب الأطفال مهووسين بأفلام ومسلسلات الرسوم المتحركة التي تتناول البطل الذي يهزم الأشرار ويتغلب على مخاوفه، فهُم يتماهون مع البطل ويتقمصون شخصيته لدى مشاهدته، مايخلق لهم إحساسا بالمتعة والفخر. وقد نجد أن هذا الأمر ينطبق على الأطفال الذكور أكثر من الإناث، إلا أنه بالنسبة لهذه الفئة الأخيرة فإنها تجد نفس الشيء في القصص التي تتناول الأميرات التي يتغلبن على الساحرة الشريرة ويمتلكن أصدقاء من حيوانات قد تخيف البنت في الواقع. مايفيد التفوق وإظهار الشجاعة وعدم الخوف في كلتا الحالتين.

ومما سبق يمكن أن نفسر سبب كره الشخص لبعض الأماكن التي يجد نفسه فيها أقل شأنا أو لا يعامل بالطريقة التي يود، مثلما يكره الطفل المدرسة عندما يجد نفسه يعامل بطريقة أقل من الطريقة التي يعامل بها في البيت ويرى أن الاهتمام غير متوفر كما يوفره الأهل في البيت. ومنه نرى بعض الناس يكرهون الأماكن الراقية التي تنتمي لطبقات ثرية، نظرا لأنهم يجدون أنفسهم أقل من الآخرين. وعكس ذلك عند بعض من يكرهون الأماكن الشعبية التي يحسون بأن قيمتهم تنخفض إثر التواجد فيها . ونجد ذلك أيضا في بعض المقاهي أو المطاعم التي يفر منها الزبناء مبررين ذلك بأنها لا تتوفر على الجودة اللازمة، والغريب أنهم يتهافتون على أخرى أسوأ منها. لكن السر هنا في التعامل الذي يلقونه، فهم يلجؤون للأماكن التي يحسون فيها بقيمتهم بعض النظر عن جودة منتوجاتها. وقد تنبّهتْ لهذا الأمر العديد من الفنادق التي تُشغّل شخصا خاصا بأمور الترحيب والاستقبال حتى يجعل الزبون يحس بأنه أهم شخص متواجد بالفندق، إنما هي حيلة لجذبه كل حين. فالعقل له قدرة مدهشة على بناء النماذج وتعميمها، فالخبرة الجميلة يسعى لإعادتها والخبرات السيئة يتجنبها، فيعتمد بذلك على الذاكرة في المواقف، فإن أحس بأن الموقف الحالي مشابه لموقف سابق تعرض فيه لألم نفسي/جسدي، سيترك هذا الموقف (بمكانه وأشخاصه). ويمكن أن نفسر بهذا ظاهرة الديجاڤو Déjà Vu وهي عندما يجد الإنسان نفسه في موقف كأنه عاشه من قبل فيخلط الواقع بالحلم. إنما هي قدرة الدماغ على تكميل المشهد الحالي بمشهد سابق فتتداخل الذكريات، ويظن الإنسان أنه عاش نفس الموقف بتفاصيله من قبل. يمكن أن نوضح ذلك بوجه ذا ملامح غير واضحة يمكن أن يراه الإنسان كوجه لشخص يعرفه، فالدماغ يكمل النقص بذكريات مشابهة متوفرة لديه. فيجد الإنسان في الديجافو كأنه يكرر نفس الموقف.

إن الكره يُسبب شعورا بالنفور وعدم الإرتياح للأمر(أو الشخص) الذي ينتقص من قيمة الإنسان، كالمواقف التي يجد نفسه فيها خائفا أو مُحتَقرا، فينسحب. ويظل الكره هنا على المستوى الفكري والانفعالي. لكن يمكن أن تتولد ردود أفعال عدوانية إن وجد الإنسان أن مسببات خفض القيمة تتواصل أو تستمر، يمكن أن نرى ذلك في الاشتباكات التي تقع بين زملاء العمل بحكم احتكاكهم اليومي، إن كان أحدهم يعمل على احتقار الآخر أو حتى توهّم أحدهم ذلك من الآخر ! . لكنه لا يستطيع الإنسان أحيانا أن يعبر عن عدوانيته بحكم ضوابط المجتمع والسمعة. فيظل الكره باطنيا وغير بادي مما يشكل إحساسا بالألم وعدم الارتياح، ويعود سبب هذه الأعراض عندما يجد الإنسان نفسه في موقف مهدِّد للأنا، وكرد فعل تقوم غذد موجودة في الدماغ بتركيب تفاعلات كميائية بعد ترجمة الاستقبالات الحسية التي تفيد وجود موقف مهدِّد، فتُحفِّر على افراز هرمون النورأندرينالين الذي يتسبب في تغيرات فيزيولوجية في الجسم بغرض الانقضاض(العدوان) أو الفرار. لكن حينما يجد الشخص نفسه في موقف يصعب فيه التعبير عن الانفعال كما تفعل الحيوانات، فإنه يكبت ذلك بسبب الضوابط الاجتماعية، مايجعل الطاقة المتولدة لاتتفرغ، ليرتفع ضغط الدم بسبب ضربات القلب المتسارعة ويُحدِث تغييرا على مستوى العضلات والمعدة والأمعاء. فترتفع حرارة الإنسان ويحس بعدم انتظام داخلي وعدم ارتياح بل أحيانا "شعورا بالغثيان". وهذا ما يصفه البعض من يكرهون وظائفهم في المؤسسات البيروقراطية أوالشرطة وماشابه ذلك(أو حتى لدى زيارة)، إثر تواجدهم في وظائف ينصاعون فيها لأوامر مِن مَن هو أعلى مرتبة، وتعرضهم المستمر للإهانة أو التعامل بدونية(يمكن أن يتكيف العقل هنا كطبع مازوخي). وقد توصل فوكوياما لذلك بتعبير يفيد بأنه ليست الثروة هي ما يهم الناس بقدر مايهمهم كسب الاحترام.

مما سبق فإننا نكشف سبب كراهية البشر لبعضهم البعض(الاحتقار العنصري أوالطبقي)، وكذلك الكراهية المتولدة بين الطوائف والمذاهب والأديان التي تسعى كل منها لإظهار أن الآخر هو الزائف(التنقيص منه). بل حتى في حالات الاكتئاب نجد المكتئب يكره العالم لإحساسه بأنه ليست له أي قيمة فيه، وتستمر اللائحة طويلة في الكره بين الأطياف الرياضية والمشاهير أو ما يتعلق بالأجواء التنافسية(المَرَضية)، وبين الجنسين كذلك والمتمثل في الكره المتولد بعد الخيانة أو عند التكبر وكل مايُترجَم على أنه تنقيص من أنا الشّخص وجرح لنرجسيته. كذلك الكره الجماعي بين الدول(كما يشير لذلك اقتباس وليم أعلاه)، وحتى كره العرب للغرب.

نجد أن أغلب حالات الكره تنتج بسبب سوء الفهم، فالإنسان يكره منذ طفولته(كما بيّنا) كل ما يسبب له أو يحسسه بالدونية، ونعلم كذلك أن الإنسان بطبيعته يكره الغموض، لذلك قد يستعين على تفسير الأشياء حتى بالخرافات. فالمعرفة الموضوعية والعقلانية هي التي مكنته من فهم الأشياء وكيفية التعامل معها بل وحتى السيطرة عليها. لدى فمن العيب أن يعتمد الإنسان على الأفكار المسبقة والثقافة الشفهية المتداولة بالألسن بين الناس بدل التحري في المواضيع، لأنه بتعبير مُعدَّل لمارك توين فإنه : من الحماقة ان تكره احداً "أو مجتمعا أو حيوانا أو أي شيء، فقط" لأنك سمعت شخصاً يتحدث عنه بالسوء.

الأهم مما أسردناه حتى الآن هو توضيح أن الحب والمحبة ليست سوى تقدير واحترام، فيستحيل أن يحب الإنسان شخصا يهينه ولايُقدّره، إلا في حالة كان هذا الشخص مختلا أو غريب أطوار. وقد نجد سبب تعلق الأشخاص وارتياحهم لبعضهم البعض هو الاحساسه بالقيمة والشأن في صحبة بعضهم البعض، هذا عندما يظل الأمر في مستوى طبيعي عقلاني. بل إنه من المعروف أن المرأة تكره الرجل إن أحست أنه يراها فقط من منظور جنسي دون منحها أي قيمة إنسانية، والرجل كذلك يكرهها إن علم أن علاقته بها مبنية فقط على الاستغلال الاقتصادي. فالكره هنا متولد بسبب الاحساس أن الأنا(الشخصية) ليست مهمة بالنسبة للآخر أو لايعيرها أي اهتمام.

في العلاقات الإنسانية نجد أن الكره أمر طبيعي باعتباره نتيجة أو رد فعل عن الانتقاص، كما نجد في قول منسوب للإمام علي أنه : "إذا رفعت احدا فوق قدره، فتوقع منه ان يضعك دون قدرك" ، وعندها ستكرهه ! . لهذا أشرنا أن تظل العلاقات في مستوى طبيعي عقلاني.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بلجيكا ترفع دعوى قضائية ضد شركة طيران إسرائيلية لنقلها أسلحة


.. المغرب يُعلن عن إقامة منطقتين صناعيتين للصناعة العسكرية




.. تصاعد الضغوط على إسرائيل وحماس لإنهاء الحرب| #غرفة_الأخبار


.. دمار واسع طال البلدات الحدودية اللبنانية مع تواصل المعارك بي




.. عمليات حزب الله ضد إسرائيل تجاوزت 2000 عملية منذ السابع من أ