الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
مشكلة الله
الناصر لعماري
2013 / 4 / 21العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
أكبر أديان العالم هي أديان توحيدية أي انهم يدعون للإيمان بإله واحد. صحيح ان شكل الوحدانية و شخصية و طباع الإله تختلف بين هذة الأديان بل إن الإله الواحد في المسيحية يختلف فيما بين العهدين القديم و الجديد في الكثير من ملامحه و صفاته إلا أن المبدأ في هذة الأديان واحد و هو ما يعطي الإنطباع دائما بان هذا المبدأ صحيح بغض النظر عن صحة أي دين فيهم. و لكن بالنسبة للباحث الأمين فإن كل الإحتمالات مفتوحة و إمكانية وجود أكثر من إله مطروحة للنقاش مثل عدم وجود آلهة من الأساس.
و بما إن الدين التعددي يختلف من وجوه كثيرة عن الدين التوحيدي لأن الآلهة العديدة تشكل مجتمعا من الآلهة حيث كل واحد منهم له قدرات معينة و لا ينفرد واحد منهم بكل القدرات, فهذا يجعل الدين التعددي (و خصوصا الثنائي الآلهة) أكثر منطقية و أكثر قدرة على تفسير التنوع الموجود في العالم كوجود الخير و الشر على سبيل المثال. لكن بالرغم من أن البحث في مسألة الألوهية هو بحث في وجود إله أو اكثر, إلا أن الغالبية في الشرق الأوسط و حتى أوربا و أمريكا لا يعتبرون أن تعدد الآلهة هو إحتمال وارد بل ينظرون إلي الدين التعددي مثل الهندوسية كدين وثني أو بدائي أو وضعي. المسألة مزاجية تماما و غير مرتبطة بالحقيقة الموضوعية كما هو واضح لأن البحث في مسألة وجود إله واحد و الوصول إلي نتيجة بالتأكيد أو التفنيد هو أسهل كثيرا من البحث عن وجود الكثير من الآلهة و الوصول إلي نتيجة بالتأكيد أو التفنيد من الناحية الحسابية على الأقل.
أدوات البحث
إذن فموضوع هذا البحث هو عن وجود إله واحد (ليس شرطا أن يكون له صفات مطلقة) و سيكون بإسم الله جدلا مع الأخذ في الإعتبار أن المقصود بالله هنا هو فكرة الإله الواحد عموما و ليس إله الإسلام بالذات. و لكي نبحث في مسألة وجود الله نحتاج إلي أدوات مثل أي بحث رياضي أو منطقي آخر فالبحث في مسألة وجود الله ليست إستثناء بأي حال. نحتاج إلي تعريف المسائل الأساسية : الموجود, الله, إله إيجابي, إله سلبي, معجزة.
الموجود يمكن تعريفه بأنه كل ما له وزن و حجم و كتلة, إبتداء من الريشة و الذبابة و ليس إنتهاءا بالفيل و المبنى و الحجر .. هذا هو التعريف المتداول كما يفهمه الناس. لكن لحظة, هناك أشياء ليس لها وزن او حجم و لكننا نعرف جميعا أنها موجودة, مثل الضوء أو الحرارة أو الطاقة عموما. إذن نحن محتاجين لتعديل التعريف, و ليكن مثلا أن الموجود هو ما يمكن إدراكه بالحواس العادية أو بأجهزة الإستشعار و القياس. طيب ماذا عن موجودات لا نستطيع رصدها و لكننا نعرف أنها موجودة مثل المادة المظلمة مثلا. المادة المظلمة أو المادة السوداء (بالإنجليزية: Dark Matter) في علم الكون هو مصطلح يشير إلى جسيمات مادية مجهولة، ذات تركيب غير محدد بعد، لا تبعث ولا تعكس أي إشعاع كهرومغناطيسي و بالتالي لا يمكن رصدها بشكل مباشر، لكن يمكن الاستدلال على وجودها من خلال تأثيراتها الثقالية على المادة المرئية و المتمثلة في النجوم والمجرات.
بالإعتماد على هذا المثال نكون محتاجين لتعديل التعريف مرة أخرى فنقول أن الموجود هو ما يمكن إدراكه بالحواس أو رصده بالأدوات أو رصد تأثيره على ما هو مدرك أو مرصود. لكن قد يقول قائل : و ماذا لو تم حساب وجود الشيء رياضيا أو منطقيا, ألا يكفي هذا للتأكد من وجوده ؟ و الإجابة هي طبعا لا, نظرية الاوتار مثلا محسومة رياضيا و لكن لأنه لا يمكن إختبارها أو تجربة إدعاءاتها فالعلماء يحتجون على حقيقتها أو علميتها فما بالنا بالفلسفة و المنطق و بحورهم الواسعة. الأضمن و الأسلم هو أن نعتمد على العلم الحديث في تقرير ما إذا كان الشيء موجودا أم لا و ذلك عن طريق التعريف السابق ذكره. و هنا قد يسأل سائل : أليست الروح موجودة و العقل موجود بحسب هذا التعريف ؟ و الإجابة هي لا, لانه لا وجود لتأثيرات مفترضة على الجسم تجعله يتحرك أو يعقل, فالإنسان مثل أي حيوان آخر يعمل كماكينة و يعطل كماكينة و يفسد كماكينة و دماغه مثل الكمبيوتر في عمله و بالتالي فلا وجود لكيانات هلامية ميتافيزيقية تتلبس الإنسان تسمى روح أو عقل بل إن الإنسان الحي العاقل هو كذلك بدون تلك الكيانات, و أي إشارة على حياته او ذكاؤه هي إشارة على صحة الجسم و تمام دوران الأجهزة العضوية بداخله.
طيب إذا كان هذا تعريف الموجود فما هو تعريف الله ؟ لو إعتمدنا على الأديان لن نستطيع تعريف الله أبدا لان في كل الاديان تقريبا يتفق المؤمنون بوجود الآلهة على إن الإله غير محدود و يفوق الوصف و التخيل و بالتالي لا يمكن ان يحد في وصف أو تعريف, بل أنه يفوق قدرة العقل الإنساني على الفهم أصلا لأنه لا يدخل في حدود العقول فالإله مطلق بينما عقولنا المسكينة هي عقول نسبية. ثم إن كل دين له إله و كل طائفة تشكل إلهها بطريقتها بل و كل إنسان أيضا له تصوراته الخاصة عن الإله حتى أصبح مفهوم الإله مطاطا يسع كل شيء. و مع ذلك يمكن إستخلاص الفكرة الأساسية من الكتب الدينية و هي تؤكد أن الله كائن حي عاقل خالق الكون. طبعا الآلهة الواحدة كثيرة بحسب كثرة الأديان التوحيدية سواء كانت أديانا إبراهيمية مثل اليهودية و المسيحية و الإسلام أو أديانا غيرها مثل الصابئة المندائية و الأيزيدية و البهائية و السيخية و الزرادشتية .. ألخ, و لكي يتم حصر فكرة الإله الواحد سيتم التعرض لثلاث أشكال من هؤلاء الآلهة : الله الإبراهيمي الإيجابي المطلق و الله الربوبي السلبي و الله المادي الطبيعي ..
الله المطلق متناقض منطقيا
إن البحث في مسألة وجود إله واحد له مواصفات قياسية مثل كلي القدرة و كلي المعرفة و كلي الوجود .. ألخ هو أمر سهل بسبب إمكانية حساب صفاته منطقيا بسهولة و تفنيدها. بعض الناس يظنون أنه من غير ممكن إثبات أن أي شيء غير موجود و لكن هذا غير صحيح, من السهل جدا إثبات عدم وجود كرات مكعبة مثلا بالإعتماد على وجود تناقضات منطقية في الشيء موضوع البحث. و بالتأمل العقلاني في صفات الله المطلقة سنجد الكثير من التعارض و التناقض بينها بحيث لا يمكن أن تجتمع في شخص واحد أيا كان :
التناقض الأول : لا يمكن ان يكون الإله ذات مطلقة
It cannot be an absolute person
فهو إما ذات و إما مطلق و لا يمكن ان يجمع بين هذين الضدين. إن الكمال معنى من المعاني يتعارض مع الذاتية لأن الذاتية لا تكون بغير حدود. فالإله لو كان موجودا وجودا مطلقا أو كان مطلقا باي صورة من الصور لا يمكن ان تكون له أيضا ذات واعية بل يكون غير شاعر بنفسه و ليس صاحب انا تتشخص في كيان. يعني لو كان الإله أزلي أبدي, بلا بداية أو نهاية فلا يمكن ان يكون إلا الزمان نفسه و الزمان لا عقل له و لا ذات. و لو كان الإله يملأ كل الأماكن فهذا يعني أنه هو و المكان واحد. و المكان لا عقل له و لا ذات. و لو كان الإله هو الزمان نفسه و المكان كله أي الزمكان بشكل مطلق فهذا يعني انه الوجود ذاته و الوجود ليس ذاتا و لا يعقل. أيضا لا يمكن ان يكون الإله خيرا بصورة مطلقة لنفس الأسباب و هي أن الإله وقتها سيكون معنى و ليس ذاتا عاقلة لان الإطلاق ضد الذاتية و الذاتية ضد الإطلاق. و هذا يضطرنا للقول أن الإله لو كان موجودا فلا يمكن ان يكون مطلقا أو كاملا بل يجب أن يكون نسبيا و ناقصا كالبشر أو أن يكون مطلقا و كاملا و لكنه بلا ذات و لا يعقل.
التناقض الثاني : لا يمكن ان يكون الإله كلي الصلاح و مخيرا في ذات الوقت.
It cannot be an omnibenevolent and has a free will in the same time
الإنسان كائن خير لانه يختار بوعي فعل الخير في بعض الاحيان. و لو كان الإله مثل الإنسان خيرا في بعض الاحيان و شريرا في احيان اخرى لكان وجوده معقولا. لكن لو كان الإله كلي الصلاح بمعنى أنه كامل لا يخطئ أبدا فهذا يعني انه خاضع لطبيعته و انه لا يختار فعل الخير. يعني الحيوان لا يمكن ان يكون شريرا لو إفترس حيوانا آخر لان تلك هي طبيعته التي تتحكم فيه, فالحيوان بلا وعي او إرادة و هكذا الإله لا يحسب خيرا لو كانت طبيعته تحتم عليه فعل الخير و ليس بإراداته.
إن الطبيعة عمياء و لا تعرف معاني مثل الخير و الشر و الإرادة الحرة فقط هي التي تختار الخير او تختار الشر فإذا كان الإله قادر و يمكن ان يختار فعل الشر و أن يخطئ فهو مخير و إن لم يكن كان مسيرا لطبيعته.فلا يكون الكائن الحي مخيرا لو كانت طبيعته هي التي تتحكم فيه سواء بالخير او بالشر بل يكون مخيرا حين يقرر بملأ إرادته أي إختيار يختار. و هكذا يكون الإله مسيرا كالحيوان لفعل الخير وفقا لطبيعته الخيرة. الخلاصة هي إما ان يكون الإله خيرا بشكل مطلق و لكنه مسير بطبيعته أو يكون خيرا أحيانا و شريرا أحيانا أخرى يفعل الصواب أحيانا و يخطيء أحيانا اخرى و في تلك الحالة يكون مخيرا.
التناقض الثالث : لا يمكن ان يكون الإله كلي القدرة و كلي الصلاح في ذات الوقت
It cannot be an omnipotent and omnibenevolent in the same time
و ذلك بسبب وجود الشر في العالم حيث ان وجود الشر يتعارض مع وجود الإله كلي القدرة و كلي الصلاح. في موقف الإله من الشر في العالم هناك اربع إحتمالات لا غير :
1- أن الإله قادر على التخلص من الشر و يريد التخلص منه فعلا.
2- ان الإله قادر على التخلص من الشر و لكنه لا يريد التخلص منه.
3- أن الإله غير قادر على التخلص من الشر و لكنه يريد التخلص منه.
4- ان الإله غير قادر على التخلص من الشر و هو لا يريد ذلك.
في الحالة الاولى الإله قادر على كل شيء و قادر على التخلص من الشر و هو يريد ذلك إذن فهو إله خير. و لكن هذا ليس الواقع لان العالم مليء بالشرور و الآلام و الكوارث التي يندى لها جبين الإنسانية. في الحالة الثانية هو قادر و لكنه لا يريد و هكذا هو إله شرير لا تصح صداقته فضلا عن عبادته. في الحالة الثالثة هو غير قادر و يريد التخلص من الشر و بالتالي هو خاضع لقوانين الطبيعة و الظروف الواقعية كالبشر و هذا لا يجعله إلها أصلا. في الحالة الرابعة هو غير قادر و لا يريد و هو بهذا قد إستكمل عجزه بشره ليصير مسخا بلا ضمير. و هكذا و بسبب وجود الشر في العالم يجد المرء نفسه مضطرا للقول بأن الإله اما غير قادر و إما شرير و لا خيار ثالث.
التناقض الرابع : لا يمكن ان يكون الإله كلي القدرة و كلي العلم في ذات الوقت
It cannot be omnipotent and omniscient in the same time
هل يقدر الله على تغيير أمر يعلم وقوعه في المستقبل؟
فإذا كان الجواب بـ(نعم) : فالله ليس مطلق العلم
وإذا كان الجواب بـ(لا) : فالله ليس مطلق القدرة
مثال : الله يعلم بعلمه المطلق أن نيزكاً سيرتطم بالأرض غداً ، فهل يقدر الله بقدرته المطلقة على تغيير ذلك؟
إذا قدر على تغيير ذلك فهو ليس مطلق العلم وإذا لم يقدر فهو ليس مطلق القدرة. ومن هنا يثبت لنا أن الصفات البشرية بطبيعتها تبدأ في التداخل والتناقض إذا ما جعلت على إطلاقها, يعني الإنسان يستطيع أن يعلم بعض الأشياء و ان يجهل بعض الأشياء و هو بالطبع ليس مطلق القدرة لذلك فلا يوجد تناقض في إمكانياته أما الله فلا يمكن له أن يجمع بين المتناقضات إلا لو كان شخصية خيالية ملفقة.
التناقض الخامس : الإله لا يمكن أن يكون كلي القدرة
It cannot be almighty
مثال :إذا كان الإله قادرا على كل شيء, هل يمكن أن يخلق جبلا أثقل من قدرته على الحمل.
1- إذا كان يستطيع خلق مثل هذا الجبل فهناك ما لا يستطيع فعله, و هو حمل الجبل.
2- إذا لم يكن يستطيع خلق مثل هذا الجبل فهو أيضا ليس كلي القدرة.
مثال آخر :هل يستطيع الإله خلق إله آخر أقوى منه ؟
1- إذا كان يستطيع فهو ليس كلي القدرة لأن الإله الآخر سيكون أقوى منه و أقدر.
2- إذا لم يكن يستطيع فهو ليس كلي القدرة أيضا.
تلك ليست رفاهية فكرية بل هي عيب منطقي في طبيعة الإله أو في وجود كينونة لا متناهية القدرة لأن اللانهائية أو الكمال هما وجود إفتراضي خيالي لا يمكن لهما التحقق في أي وجود طبيعي أو منطقي. و أن يكون الإله غير خاضع لقواعد المنطق يعني أنه غير موجود إلا في عالم مجنون تماما لا تسري فيه قواعد المنطق.
التناقض السادس : الإله لا يمكن ان يكون غير متغير و يكون خلق الوجود مع ذلك.
It cannot be stable and to be have created the universe
في الأديان الإله لا يتغير و لا يؤثر فيه أي شيء و لكن بالتدرج المنطقي نجد أن هذا يتعارض مع حقيقة أنه خلق العالم في وقت ما :
1- إذا كان الخلق الإلهي حقيقي, فإن هذا الوجود قد تم خلقه بواسطة إله غير محدود.
2- الإله لا يمكن أن يكون لديه دوافع أو مؤثرات داخلية مثل الإحتياج و الرغبة و الجهل و المشاعر.
3- إذا كان الخلق الإلهي حقيقي, فلم توجد أي مؤثرات خارجية على الإله قبل الخلق.
4- إذا كان الخلق الإلهي حقيقي, فلم يكن الإله مدفوعا بأي مؤثر خارجي قبل الخلق ( من 3 )
5- الإله قبل الخلق لم يكن يملك أي دوافع مؤثرة سواء داخلية او خارجية.
6- الإله ما كان يمكن أن يفعل أي شيء, و الخلق الإلهي ما كان ليحدث.
و هكذا إما أن يكون الإله متغيرا و لديه إحتياجات و دوافع داخلية تحركه و إما أنه لم يخلق الوجود أبدا. بحسب الأديان الله منزه عن الأغراض. فهو ذو كمال غير متناه و لا يمكن أن يتغير ليكون اكمل مما هو حيث انه كامل في جوهره و صفاته. فهو لا يزيد و لا ينقص في جودته و قدرته و رحمته و عدله و حكمته. و لا يمكن أن يغلط في أحكامه فيعود و يصلحها. بالإضافة لأنه قبل الخلق لم توجد أشياء خارجية تؤثر في الإله فتجعله يرد عليها بأفعاله التي يعلمها منذ الأزل.
لا توجد مؤثرات داخلية : مثل الإحتياج و الرغبة و خلافه و لا توجد مؤثرات خارجية : لان الكون لم يكن قد خلق بعد و بالتالي يصعب القول ان الله خلق الكون . فقبل الخلق كان الله و العدم فإذا لم يكن الله يتغير من ذاته فلن يوجد ما يغيره و يجعله يخلق.
التناقض السابع : الإله لا يمكن ان يكون كلي الصلاح و يعلم كل شيء في نفس الوقت.
It cannot be omnibenevolent and omniscient in the same time
لأن الإله إذا كان يعلم كل شيء بما في ذلك المستقبل, إذن هو يعلم أن هناك من البشر الذين خلقهم سيذهبون إلي جهنم. و هذا يعني أن الإله قد خلق بشرا لكي يحيوا مدة قصيرة على الأرض ثم يخلدوا في جهنم. و هذا يعني أن الإله ليس كلي الصلاح.
يعني نحن لدينا معطيات كالآتي :
1- الإله كلي المعرفة
2- الإله يعلم أنه سيخلق بشرا ليرميهم في جهنم.
3- الإله كلي الصلاح.
لكن بما أن (2) تتعارض مع (3) إذن كلية المعرفة تتعارض مع كلية الصلاح.
الله الإيجابي متناقض منطقيا
المعجزة : هي أي حدث غير متوقع يعزى إلى تدخل إلهي أو في بعض الأحيان يعزى أيضاً (جزئياً) إلى قديس ما أو زعيم ديني. و المعجزة هي قطع واضح و شرخ يحدث لقوانين الطبيعة و يمكن القول أنها سلوك شاذ للطبيعة و ذلك لأنها تخرج عن المألوف عن النظام الطبيعي.
الله الإيجابي : هو الإله الذي يعاقب على الهفوات و الخطايا كما يكافئ على الحسنات و فعل الخير, كما أنه يهتم بالإنسان و يرعاه و يرسل له الوحي, غير أن أهم ما يميز هذا الإله أنه يستجيب للدعاء و يصنع المعجزات. و الله الإيجابي حين يقوم بمعجزة فهو يتسبب في أن تسلك الطبيعة سلوكا شاذا عن المألوف أو سلوكا فوضويا و غير محتمل في نفس الوقت.
الله السلبي : هو الإله الذي خلق الكون ثم تركه يسير وفق الخطة التي وضعها له منذ البداية فلا يتدخل في سيرورته أو يعدل من خطته الموضوعة سلفا أيا كانت الأسباب, و هو بهذة الطريقة لا يهتم بالإنسان و لا يهتم بأفعاله فلا يعاقب على السيئة منها و لا يكافئ على الجيدة منها و لا يرسل وحيا ولا يستجيب للدعاء و لا يصنع معجزات.
عن طريق هذة المعاني و التوصيفات يمكن القول دون خطأ كبير أن الله الإيجابي المطلق هو إله لا وجود له و ذلك للأسباب التالية :
1- الله الإيجابي المطلق هو الحاكم بما أراد فلا معقب لحكمه ، ولا راد لإرادته ، ولا مناقض لقضائه وقدره, و لكنه مع ذلك يستجيب للدعاء, فكيف يمكن أن يحدث ذلك ؟ إذا كان الله يتأثر بالدعاء فيغير من إرادته إذن فهو ليس الحاكم بما أراد بل بما يريد الداعي, و إذا كانت إرادته منذ البداية هي نفسها إرادة الداعي فلا داعي للدعاء إذن. و لنضرب مثلا :
إذا كان هناك أحد المؤمنين يدعو من أجل زيادة في راتبه في حين أن الله قد قدر له أن راتبه لن يزيد إذن فمهما دعا المؤمن فإنه لن يغير من قضاء الله و قدره, أما إذا كان الله قد قدر له زيادة في الراتب فلا فائدة إذن من الدعاء لأن الله كان قد قرر مسبقا.
الخلاصة هي إنه إذا كانت إرادة الله نافذة فهو لا يمكن أن يستجيب للدعاء و لكن لأن من صفات الله أنه يستجيب للدعاء (و لو أحيانا و لو بحسب حكمته) إذن فهناك تناقض بين تلك الصفة و بين علمه المسبق و إرادته النافذة.
2- الله الإيجابي المطلق هو صانع المعجزات فهو يقول للشيء كن فيكون و هو يامر القمر فينشق و يأمر الأرض فتتوقف حتى لو كان الأصل في السنن الكونية هو عدم حدوث هذا. لكن من الذي صنع و أبدع السنن و النواميس الكونية ؟ ألا يعتقد المؤمنين أن الله هو خالق النظام في الكون ؟ يعني حين يخرق الله السنن و النواميس الكونية لأي سبب كان, ألا يعتبر في تلك الحالة أنه صانع للفوضى ؟
يعني لو إفترضنا أن دوران القمر حول الأرض و تماسكه هو سنة كونية و نظام ثابت في المجموعة الشمسية, أفلا يعتبر إذن أن إنشقاق القمر و ثم إلتحامه ثانية هو سلوك شاذ و فوضوي للقمر ؟ و ألا يعتبر المتسبب في هذا السلوك الشاذ و الغريب هو شخص فوضوي ؟
إذن فالمعجزات (بفرض حدوثها) ليست دليلا على وجود الله بل هي دليل على أن الله متناقض أبدع النظام في بدء الخليقة ثم تفرغ بعد ذلك لإحداث الفوضى في نظامه كخدمة للمؤمنين و إنتصارا لنفسه على الكفار و الملحدين. طبعا قمة العبثية و التفاهة أن يكون الله صانع النظام و صانع الفوضى في نفس الوقت, صانع جمال الكون و جمال الطبيعة و قبح الأشكال و الأصوات أيضا, صانع الخير و صانع الشر أيضا. أي عبث و جنون ان يكون إله الخير المطلق و النظام المطلق و الجمال المطلق هو نفسه إله الشر المطلق و الفوضى المطلقة و القبح المطلق. إن صفة الإطلاق لا تقبل القسمة او النقصان أو الشراكة فلو كان خيرا مطلقا لما إحتوى على أي شر و لو كان نظاما مطلق لما إحتوى على أي فوضى و هكذا .. لكن الجمع بين المتناقضات في الإطلاق لهو قمة الجنان و المسخرة و هي سمة الإله الإيجابي المطلق.
في هذا السياق يبدو الله السلبي أكثر منطقية من الله الإيجابي فهو لا يجعل من نفسه مسخرة بمراقبته للبشر و الإهتمام بتفاهاتهم التي ربما لا يهتمون بها هم شخصيا أو يجعل من نفسه مخرب لنظام هو من صنعه أساسا أو يكون خاضع لرغبات البشر و همهماتهم التي يتلونها في صلواتهم. الله السلبي مترفع عن التفاهات و هو فكرة راقية تهدف لتفسير نشوء الكون, حتى لو قلنا أن من عيوبها أنها فكرة غير علمية و أن الله السلبي هو إله لا حاجة لنا به أو لرضاه.
الله الإبراهيمي
الإله الإبراهيمي : هو الإله كما تتفق عليه الأديان الإبراهيمية الثلاث مع تجاهل نقاط الخلاف.
أهم ما يميز الله الإبراهيمي عن بقية الآلهة هو إنه إله إيجابي بمعنى أنه يتدخل في الكون و الحياة و يتسبب في معجزات هي عبارة عن سلوك شاذ للأشياء. لكن لو فرضنا أن الله الإيجابي هذا له وجود و أنه يغير فعلا من السنن و القوانين الطبيعية فهل يمكن رصد تأثيره على الأشياء ؟ يعني نحن نعرف أن كل الأشياء و الكائنات في العالم لها تأثير و المادة المظلمة كأي شيء آخر في الكون له تأثير يكبر أو يصغر و نحن نتعرف على كل شيء بحسب تأثيره و حتى لو لم نستطع رصده لبعض الوقت, فهل يمكن أن يكون الله الإيجابي موجود بطريقة مماثلة للمادة السوداء فيكون له تأثير يمكن رصده بالرغم من أننا لا نستطيع رصد وجوده ؟
للوهلة الأولى قد يبدو أن المادة السوداء تحمل تشابها مع فكرة الله الإبراهيمي مطلق الصفات و لكن مع بعض التفكير (و ليس الكثير منه) يجد المرء أن المادة السوداء كأي موجود آخر هي عكس الله تماما, فوجود المادة السوداء له آثار و لكن ليس له تبعات بينما وجود الله له تبعات و لكن ليس له آثار. يعني مثلا أنت لا تجد من يدعوك (أو يفرض عليك) للإيمان بالمادة المظلمة و إلا صرت كافرا مستحقا لجحيم أبدي, أو يدعوك للصلاة خمس أو ست مرات يوميا لكي ترضى عنك المادة المظلمة أو يقول لك أن المادة المظلمة حزينة لانك لم تمتنع عن الطعام لبضعة أيام أو أنها تحبك و إنتحرت من أجلك لكي تكفر عن خطاياك. وجود المادة المظلمة هو وجود بلا تبعات من هذا النوع فهي لا تلزمك بأي سلوك أو طقوس, بينما الله الديني له تبعات كثيرة.
و مع إن المادة المظلمة التي لا يمكن رصدها لها تأثيرات ثقالية (الجاذبية كما تطرحها النظرية النسبية) على الأجسام المرئية يمكن رصدها, فالله لا يمكن رصده بأي مقاييس علمية و لا يمكن حتى رصد أي تأثير إفتراضي له على الأجسام المرصودة بحيث ينبأنا عن وجوده. الله مع أنه كلي الوجود و يملأ كل الأماكن (برغم أن الأديان التوحيدية تقع كثيرا في تشبيه الله بالإنسان و في وصفه و تحديده) بالإضافة لتدخله الدائم في سيرورة الكون و الطبيعة إلا أنه بلا أي تأثير يمكن رصده و بالتالي فالعلم بريء منه. قد يقول قائل إن الله يفوق قدرة العلم على المشاهدة و القياس و هنا يوجد أكثر من رد : الأول أنه يجب على كل مؤمن أن يبتلع لسانه فيما يخص أن العلم يشهد لوجود الله أو يثبت صحة الدين, لأنه طالما أنك تقول أن العلم لا (و أحيانا لن) يقوى على رصد الله أو إكتشافه فلا معنى لحديث العلم و الإيمان إذن, الرد الثاني أنك بقولك أن الله يفوق العلم تقول أن الله معزول خارج الكون بمعنى أنه يقع خارج العالم المادي الملموس ولا يؤثر فيه أبدا منذ ان خلقه أو تسبب في وجوده, لان الله لو كان يتدخل في عالمنا أو يتحكم أو يؤثر فيه بأي وسيلة لإستطعنا أن نرصد هذا التأثير على الأجسام المرصودة و لن أقول لإستطعنا رصد الله أيضا لأنه من الممكن أن يكون وقتها مثل المادة المظلمة لا يمكن رصده. لكن لا يوجد رصد له و لا لآثاره, بل إن في هذا الكون الشاسع وحشة حيث لا حياة لمن تصلي أو تدعو.
و بالطبع فإن ما لا يمكن رصده أو رصد تأثيره هو غير موجود من الناحية العلمية و الفيزيائية, و لذلك فلم نسمع (في الدول المتقدمة علميا على الأقل) عن عالم قدم نظرية (تنافس نظرية التطور) عن وجود إله إفتراضي (تم إثبات وجوده و لو رياضيا) بهدف تفسير ظواهر طبيعية بعينها لا يمكن تفسيرها بغير نظرية الإله تلك, يعني مثلا لو إفترضنا وجود نظام شمسي يجعل الأقمار تدور حول الكواكب في رتابة ثم إستجد على قمر الأرض سلوك غريب فقد إنشق القمر ثم إلتصق النصفين ثانية كما يحكي محمد صاحب الإسلام, أو مثلا أن الأرض أثناء دورانها حول الشمس قد توقفت فجأة كما حدث مع يشوع بن نون في التوراة, أن مثل هذا السلوك الغريب للأجسام الكونية بفرض حدوثه (و هو لم يحدث طبعا) يحتاج إلي نظرية وجود إله خارق للطبيعة يستطيع أن يجبر الكواكب و الأقمار على الشذوذ عن سلوكها المنتظم و الإتيان بأفعال غريبة و لا يمكن تفسيرها. و لكن لا توجد نظرية واحدة بهذا المعنى لأنه لم يثبت من الأساس حدوث أمر شاذ أو لا يمكن تفسيره يستدعي اللجوء لنظرية الإله الدينية لتفسير تلك الظواهر الغريبة.
الله الربوبي
الآن لدينا إلله الإبراهيمي الذي يستحيل وجوده عمليا لأنه إله إيجابي, إيجابي بمعنى انه يهتم بالبشر و وجوده يلزمهم بتبعات معينة و هو الذي يتصف بالإطلاق و الكمال و اللامحدودية. و لكن لدينا هنا أيضا إله سلبي و هو سلبي لأنه لا يتدخل في حياة البشر أو يغير من قوانين الكون من أجلهم, هذا الإله هو إله الربوبيون. و الربوبية هي مذهب فكري لا ديني وفلسفة تؤمن بوجود خالق عظيم خلق الكون وبأن هذه الحقيقة يمكن الوصول إليها باستخدام العقل ومراقبة العالم الطبيعي وحده دون الحاجة إلى أي دين. معظم الربوبيون يميلون إلى رفض فكرة التدخل الإلهي في الشؤون الإنسانية كالمعجزات والوحي. الربوبية تختلف في إيمانها بالإله عن المسيحية واليهودية والإسلام وباقي الديانات التي تستند على المعجزات والوحي حيث يرفض الربوبيين فكرة أن الاله كشف نفسه للإنسانية عن طريق كتب مقدسة. ويرى الربوبيين أنه لا بد من وجود خالق للكون والإنسان فيختلفون بذلك عن الملحدين بينما يتفقون معهم في اللادينية .
الربوبيون يرفضون معظم الأحداث الخارقة (كالنبوءات والمعجزات) و يميلون إلى التأكيد على أن الله (أو "الإله" أو "المهندس العظيم الذي بنى الكون") لديه خطة لهذا الكون التي لا تغيير سواء بتدخل الله في شؤون الحياة البشرية أو من خلال تعليق القوانين الطبيعية للكون. ما تراه الأديان على أنه وحي الالهي والكتب المقدسة، يراه معظم الربوبيون على أنه تفسيرات صادرة عن البشر بدلا من مصادر موثوقة. بالطبع يبدو إله الربوبيين أو الإله السلبي أكثر معقولية من إله يتلقى التعليمات من المؤمنين به في صلاتهم فيغير من نواميس الكون من أجل خاطر عيونهم, أو من إله متفرغ لمراقبة البشر الذين هم أكثر ضآلة من النمل بالنسبة إليه فينزعج لو تناول بعضهم الطعام في شهر معين أو لو إمتنع أحدهم عن تأدية الحركات الأكروباتية خمس مرات يوميا أو إله متناقض منطقيا بسبب النفخ و التهويل في صفاته.
هو أكثر معقولية بحيث أن هناك من يجادل بأن العالم الفذ أينشتاين كان مؤمنا به و لكنه ليس معقولا للدرجة التي تجعل المرء يسلم بوجوده دون بحث. فأهم ما يميز إله الربوبيين أنه إله بلا تبعات فهو مثل أي قوة كونية لا تعبأ بالبشر و لا بتفاهتهم أو سلوكهم اليومي فمثله كمثل الجاذبية أو المادة المظلمة او الشمس أو القمر أو أي شيء آخر. و الفكرة من اللجوء لفكرة اله الربوبيين هو تفسير نشأة الكون أو الإستسلام لنظرية المسبب الاول و العلة الأولى. و هذا هو التشابه الوحيد بين الربوبية و الأديان, فيما عدا ذلك فهي تيار لاديني بإمتياز يتبرأ دائما من وسخ الأديان و يقاوم إستغلال القلة من رجال الدين لفكرة وجود الله و إمتلاكهم الحق الحصري للحديث بإسمه و بالتالي يناهض تحكمهم في المعايير الأخلاقية و المعايير النظرية.
لكن يمكن للمرء ان يجادل بأن نفس السبب الذي يجعل الله الربوبي أكثر معقولية هو نفسه ما يجعله أقل إحتمالا, كيف ؟ الله الإبراهيمي هو اله بلا تأثير و له تبعات أما هذا الإله فهو بلا تأثير و بلا تبعات, يعني ما فائدته إذن ؟ و إذا كان بلا تأثير أصلا و من حيث المبدأ لانه لا يغير من قوانين الكون من أجل مصلحتي او دعائي, فلماذا يهمني وجوده من عدمه ؟ بل مادام هو بلا تأثير فلا يمكن أبدا للعلم ان يتأكد من وجوده. و حتى مسألة المسبب الأول فقد حلها العلم بطرق طبيعية تماما و قد خرج علينا ستيفن هوكينج مؤخرا مؤكدا انه لا مكان للخالق أو المهندس العظيم في النظريات العلمية الحديثة و خصوصا نظرية الاوتار الفائقة و النظرية إم.
يعني لا حاجة بنا لإله يبدو ملفقا في الحقيقة تم صياغته لكي لا يكتشفه العلم تأكيدا او نفيا و لا يحتاجه المنطق لانه إذا إفترضنا أن الكون يحتاج إلي علة أولى فهذا المنطق لا يحدد ما هي هذه العلّة و مواصفاتها, و لا يقدم أي برهان على أن هذه العلة هي كائن عاقل ذكي كلي المعرفة و المقدرة. ثم إن هذا المنطق لا يقدم أي سبب يشرح لماذا ليست هناك إلا علّة أولى وحيدة, فممكن أن تكون هناك مجموعة من العلل تسببت كل واحدة منها في خلق جزء مختلف من الكون.و أيضا الله يمكن أن يكون مسبَّب أو غير مسبَّب. فإذا كان مسَّبباً, فهذا يعارض الصورة التي تقدمها الأديان لله على أنه الخالق الذي لم يُخلَق, إلا إذا إفترضنا أن الله هو من سبب نفسه. و لكن في هذه الحالة لماذا لا يمكن أن يوجد شيء آخر غير الله يكون قد سبب نفسه ؟ مثلا لماذا لا يستطيع الكون أيضا أن يكون سبب نفسه ؟ أما إذا كان الله غير مسبَّب, فهذا يعني وجود ما هو غير مسبب, فلماذا لا يكون الكون أيضا لا سبب أو علّة له ؟
الله المادي الطبيعي
هل الله مادي طبيعي ؟ و هل هو موجود أساسا ؟
الله المقصود هنا ليس إله الإسلام أو المسيحية بالذات بل هو أي قوة عاقلة و حية تفوق الإنسان. تبدو الإجابة صعبة و خصوصا مع إتساع الكون و غموض تعريف الله بحيث يمكن أن يكون الله أي شيء و في أي مكان. لكن بعيدا عن القصص الدينية التي تبدو عاجزة أمام قصة نشأة الإله و أصل وجوده فإن فكرة وجود كائن حي عاقل يفوق الإنسان تبدو ممكنة بإحتمالات تكبر أو تصغر. يعني لو إفترضنا أن هناك كائن حي عادي تطور و ترقى لكي يصبح كائن جبار في قوة الإله حتى انه أصبح قادر على صنع الحياة و خلق الأشياء من عدم. الحديث الآن ليس عن السحر و الخرافات بل عن قدرات هائلة يمتلكها كائن حي طبيعي أوجده الكون و تعهده بالرعاية و تركه ليتطور حتى أصبح إلها. القصة ممكنة و تطور الإنسان من كائنات أكثر بساطة ثم ترقيه ليزداد قوة و ذكاء و تعقيدا يعني ان هناك إمكانية وجود قصص شبيهة بتطور الإنسان قبل نشأة الإنسان لأن الكون عمره 13.7 مليار سنة بل و من الممكن ان تكون قصة التطور تلك قد حدثت في اكوان اخرى أقدم من كوننا.
هذا يخرجنا تماما من إدعاءات الأديان المختلفة عن إله أزلي إخترع الكون و الوقت أو إله أوجد نفسه بنفسه كطفرة وحيدة لم و لن تتكرر و كل ما تقوله الإدعاءات الغير منطقية عن فكرة الإله. لو كان هناك آلهة حقا فهي ليست إلها وحيدا فريدا بل هي آلهة عديدة لها نوع و أصل منشأ و سبب لوجودها. هي نوع آخر another Species طورته الطبيعة و نما لديه وعي و ذكاء بحيث صار أي فرد منهم إله بالنسبة لنا. شيء شبيه بسجود بعض المواطنين الأصليين في أمريكا للمسكتشفين الأوربيين البيض بعد أن إنبهروا بالبنادق و الأدوات التي يمتلكها هؤلاء المستكشفين. التفاوت الحضاري بين نوعين قد يوحي للطرف الأقل تحضرا أن الآخر إله أو شبيه بالإله .
الحقيقة أن قصة وجود إله او كائن حي طبيعي بقدرات الإله لا تشترط بالضرورة الإنخراط في القصص الشعبية عن آلهة تشبه البشر ترعى البشر و تستعبد البشر أو تكون في خدمة البشر كجني علاء الدين, من الممكن ان يتم تقديم فكرة الله تلك بقصة خيال علمي إحترافية تعتمد أساسا على وسع الكون و غموضه و قلة علمنا بامور هذا الكون. في الحقيقة ان مسالة الآلهة هي مسألة نسبية جدا فنحن بالنسبة للنمل أو الفراخ آلهة بوعينا و قدراتنا و لذلك فلو وجد كائن حي يفوقنا في القدرات و الوعي بملايين السنين لكان بالنسبة لنا إلها بكل ما تعنيه الكلمة من معنى. إذن فوجود إله طبيعي ممكن..
و الإله هنا هو كائن حي خارق لقدرات و وعي الإنسان و ليس خارقا للطبيعة فالطبيعة ستكون هي الاوسع و الاكثر عمقا و غموضا رغم كل شيء, و هي الام الولادة عبر الزمان و المكان. بل إن وجود الإله ليس مسألة ممكنة فحسب بل هي أمر مرجح نسبة لعمر الكون كما يصرح لنا العلماء و نسبة لغرابة الكون الذي نكتشف فيه كل يوم ما هو غريب و عجيب بدئا من سلوك الإلكترونات في ميكانيكا الكم و ليس إنتهاءا بنظريات نشأة الكون من عدم بفعل الجاذبية كما تدعي أبحاث ستيفن هوكينج. يعني في هذا الكون الغريب العجيب من الممكن ان يكون به أي شيء بل و لان الكون لانهائي في مساحته فإن وجود كل شيء مرجح فعلا.
بالطبع كل الحديث عن الآلهة و الكائنات الفضائية هو حديث عن إحتمالات ممكنة و يمكن الجدال بأسلوب علمي للإيحاء بأنها إحتمالات اقرب للصواب و لكن في كون واسع و بالغ الغرابة مثل كوننا لدينا منهج واحد للتعرف على ما يمكن أن نطلق عليه حقائق و من ثم نكون ملزمين بان نتمسك بتلك الحقائق ضد كل زيف. هذا المنهج هو المنهج العلمي .البحث من خلال الأدلة و إخضاع أي ظاهرة للتجريب حتى يثبت صحتها او خطأها هو المنهج العلمي و هو المنهج الوحيد الذي يمكننا الأعتماد عليه بأكبر قدر ممكن من الثقة بدلا من عبث الإحتمالات الممكنة و غير الممكنة بالدماغ. يعني التفكير في إحتمالات ممكنة لا تتعارض مع العلم و المنطق هو تعبير عن سعة أفق و خيال الإنسان و هو دليل صحة و حيوية و لكن النواة الصلبة في عقل أي إنسان يجب أن تكون علمية بحيث يكون تفكيره فعالا و يعمل و يعتمد عليه .
في الحديث عن الآلهة و الكائنات الفضائية عموما لا تعوزنا إحتمالات وجودهم لأن الإحتمالات قائمة فعلا و لكن ينقصنا الدليل على وجود أي كائن حي يفوق الإنسان من حيث القدرات أو الوعي. و من الواضح ان الإنسان لا ينقصه الخيال و لا الرغبة في وجود كائن حي واعي يشترك معه في الوجود و الحياة و لكن الدليل على وجود تلك الكائنات هو الفيصل في هذا الموضوع. الإحتمالات كثيرة .. بل هي لانهائية في الواقع بسبب وسع الكون اللانهائي و لذلك فإن الجري وراء كل سراب و البحث خلف كل إحتمال يعتبر مضيعة للوقت و قد يفضي للجنون .
و لكن الجميل في الأمر أن لدينا ما نبدأ به, كوننا و إنسانيتنا. نستطيع أن نتعرف على الكون من حولنا وفق المنهج العلمي الصارم بحيث نستبعد الخرافات و كل الإحتمالات الغير معتمدة على أدلة. بالطبع في كون مثل كوننا يعتبر علمنا و فهمنا للكون و الوجود هو لا شيء تقريبا و لكن لنا عزاء أن نوعنا يتطور بإطراد و علومنا تكبر و تزداد عمقا لدرجة أنه لا يمكن لاحد أن يلم بها جميعا أو حتى يلم باحد فروعها بشكل كامل.
http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=sYCjcw1KJKM
http://www.youtube.com/watch?feature=player_embedded&v=ww2fzT-vlSs
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
التعليقات
1 - تعليق
عبد الله خلف
(
2013 / 4 / 22 - 00:10
)
أهدي لك هذا الرابط , لعل الله يهديك للإيمان , الرابط :
http://www.youtube.com/watch?v=o4bqxa2-0Ms
كما عليك متابة حلقات : مطرقة البرهان ؛ لكي تستوعب أن الألحاد منطق هش .
2 - عندما يتكلم الاميون
محمد البدري
(
2014 / 12 / 2 - 09:06
)
عن أبي هريرة قال: قال رسول الله: قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر. وفي بعض رواياته: ولا يعلمه ملك مقرب ولا نبي مرسل . هكذا تكلم الاميون
وهكذا تكلم العقل الباطن في هلوساته الدينية فلم يقل شيئا وكانه يفسر الحمار بعد الركوب بالحمار. فالله في عقل كل من اخترع تلك الفكرة ليس سوي هلوسة تتخفي وراؤه رغبات يمكن لمن تصوروا وزعموا بان كرسيه ملئ السموات والارض ان يحققها لهم في مجتمع جائع يتقاتلون فيه علي حبة تمر.
تحياتي واحترامي لك وللعقل الذي يستوعب ويفرق بين الهلوسة والموضوعية
.. الناخبون العرب واليهود.. هل يغيرون نتيجة الانتخابات الآميركي
.. الرياض تستضيف اجتماعا لدعم حل الدولتين وتعلن عن قمة عربية إس
.. إقامة حفل تخريج لجنود الاحتلال عند حائط البراق بمحيط المسجد
.. 119-Al-Aanaam
.. تغطية خاصة | المقاومة الإسلامية في لبنان تكبح قدرات الاحتلال