الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أينقص الدين وأنا حي؟

نافذ الشاعر

2013 / 4 / 22
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


لقد كانت حروب الردة مفخرة أبي بكر الأولى بلا منازع، حتى المستشرقين أعداء الإسلام من الغربيين اعتبروا أن هذا العمل الذي قام به أبو بكر أكبر عمل في تاريخ الدعوة الإسلامية.
وبالرغم من ذلك لا زال الكثير من أعداء الإسلام يلوكون هذه الحرب ويوجهون الطعون لأبي بكر الصديق.
ويقف في صف هؤلاء الأعداء بعض الشيعة الذين يرددون هذه الطعون في حق أبي بكر الصديق، وهذا ما يحزن القلب ويدمي الفؤاد!
لكن ما الدافع وراء مهاجمة الشيعة لحروب الردة؟
إن الدافع وراء مهاجمة الشيعة لحروب الردة ليس الحرب ذاتها، إنما دافعهم الانتقاص ممن قام بهذه الحرب وهو أبو بكر عدوهم اللدود، فهم إذا مدحوا حروب الردة فقد مدحوا بذلك أبا بكر، فأرادوا أن ينتقصوا حروب الردة ويصغروا شأنها ويحقروا أهدافها ودوافعها، كي ينتقصوا من قدر أبي بكر من طرف خفي أو طرف جلي..
وإلا فانظر على سبيل المثال إلى من مات في الحرب الإيرانية العراقية من الفريقين، فإنها أضعاف أضعاف من مات في حروب الردة، وقد خلفت حرب إيران والعراق من الويلات والدمار بين الفريقين أكثر مما خلفته حروب الردة، ولم تكن تلك الحرب تفرق بين كبير وصغير، أو بين صبي ورضيع، أو بين رجل وامرأة، أو بين مدني وعسكري.. ومع ذلك لا أحد ينتقص هذه الحرب أو يعيبها كما يعيب حروب الردة، لا لشيء إلا لكون الحرب الإيرانية العراقية لم يكن لأبي بكر يد فيها.

لقد كان أبو بكر الصديق مقتديا بالنبي صلى الله عليه وسلم أشد الاقتداء، وكان شعاره (أينقص الدين وأنا حي؟)
ما معنى هذه الكلمة؟
إن العبارة على قصرها تكشف عن نفسية أبي بكر وتفكيره، وتلخص شخصيته بأنه الاقتداء الشديد بالنبي صلى الله عليه وسلم، فأبو بكر الصديق يريد أن يسلم الإسلام للخليفة الذي بعده كما استلمه من النبي، صلى الله عليه وسلم، دون زيادة أو نقصان، فلا يمكن أن يقبل بأن ينقص أي نقص من الدين الذي استلمه من النبي عليه السلام، مهما كان!
وقد يقول قائل هل في تسيير البعوث إلى حدود العراق والشام لمواجهة الروم اقتداء بالنبي عليه السلام؟ أو هل إرسال البعوث إلى البحرين لمواجهة القبائل التي تدين للفرس اقتداء بالنبي عليه السلام؟
نقول إن تسيير البعوث إلى حدود العراق والشام لم يكن بنية فتح هذه البلاد، إنما هو اقتداء بسنة النبي عليه السلام في سياسته الخارجية، كما حدث في غزوة تبوك، وهي حملات لا هجوم فيها ولا تهجّم، ولا باعث لها إلا دفع الأذى، وحماية الطريق، والتمهيد لنشر الدين بالحجة والبرهان، وردعا للقبائل التي تعبث في طريق التجارة بين الحجاز والشام..
أما المواجهة مع الفرس فقد كانت استطرادا لحروب الردة في أطراف البحرين، لأن القبائل التي كانت تدين بالولاء للفرس كانت تغير على المسلمين بين الفينة والأخرى، وكان (المثنى بن حارثة الشيباني) هو قائد الحملات ضد الفرس هناك.
وقد أرسل أبو بكر الصديق خالد بن الوليد لنجدة (المثنى بن حارثة) وقال له: (تالف أهل فارس ومن كان في ملكهم من الأمم) فتقدم خالد بن الوليد فصالح أهل الحيرة وغيرهم على أن لا يخالفوا ولا يعينوا كافرا على مسلم من العرب أو العجم، ولا يدلوهم على عورات المسلمين..
وعلى هذا فإن الحرب بين العرب والفرس فرضتها الحوادث على الخليفة أبي بكر، فلم يكن له مناص من قبولها.

ومما يدل على اقتداء أبي بكر الشديد بالنبي عليه السلام أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم قوم من المثقفين(!) وعرضوا عليه أن يعفيهم من فريضة الصلاة، فقال لهم: (لا خير في دين لا صلاة فيه). وهنا جاء المرتدون يزعمون أنهم مسلمون يقبلون فرائض الإسلام، ثم هم لا يقبلون فريضة الزكاة..! فيكون لسان أبي بكر (لا خير في دين لا زكاة فيه!) ومما يدل على اقتدائه الشديد بالنبي عليه السلام، أن الناس جاءت إليه ترجوه أن يؤجل بعثة جيش أسامة حتى تهدأ الأوضاع في الجزيرة العربية.. فقال: والذي نفس أبي بكر بيده لو ظننت أن السباع تخطفني لأنفذت بعث أسامة كما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو لم يبق في القرى غيري لأنفذته)

لو أن أبا بكر وافق على مطلبهم، لسقط ركن من أركان الإسلام إلى يوم الدين، ولقال الناس أن الزكاة ليست ركنا من أركان الإسلام بدليل أن أبا بكر تنازل عن هذا الركن ورضي من المرتدين ألا يؤدوا الزكاة، ووافق على ذلك ورضي به الصحابة أجمعون..!
وبعد ذلك سوف يتم التنازل عن أركان أخرى من أركان دين الإسلام وهكذا..
أما قولهم إننا كنا نؤدي الزكاة لرسول الله وهو مات فلن نؤديها لمن بعده، فهذه حجة واهية فيها من السخرية والاستهزاء أكثر مما فيها من الجد والحقيقة..
ما معنى أن الذي كنا نؤدي له الزكاة قد مات؟ وهل النبي صلى الله عليه وسلم، كان يأخذ الزكاة لنفسه حتى يقولوا هذا الكلام، الزكاة حق من حقوق الله تدفع للفقراء والمساكين وليس للنبي، وهل الفقراء والمساكين ماتوا بموت النبي صلى الله عليه وسلم؟
والآن يجيء قوم بكل وقاحة يقولون (مات من كنا ندفع له الزكاة ولا نؤديها لمن بعده)
على هذه الحقيقية يجب أن نفهم فتنة الردة إنصافا للتاريخ إن لم يكن إنصافا لأبي بكر في العمل الذي يُعد مفخرته الأولى.

هناك نقطة ثانية وهي تخيل البعض أن المسلمين في مكة والمدينة ما هم إلا حفنة من المرتزقة مغسولة الدماغ لا تفكر ولا تعقل، فما أن قال لهم الخليفة أبو بكر أهجموا على المرتدين حتى هجموا عليهم دون تفكير أو اقتناع..
وهذا الكلام يتنافى مع ما عرفناه من أخلاق المهاجرين والأنصار، فقد كان المعروف عن المسلمين أنهم يعرضون كل أمر على ضمائرهم وأخلاقهم، قبل أن يعرضوه على مكانة من قال به كائنا من كان. ولم يكن المهاجرون والأنصار من الجبن والنفاق بحيث ينفذوا أوامر أبي بكر دون اقتناع ودون تفكير، وليس أبو بكر ملكا أو سلطانا مثل كسرى وهرقل حتى يقول للرجل اذهب والقي نفسك في النار فيذهب..
لقد هبّ المهاجرون والأنصار هبة واحدة للدفاع عن فتنة المرتدين بكل قناعة ويقين، ولو لم يكونوا مقتنعين ما كان النصر حليفهم في النهاية، ولو لم يكونوا مقتنعين ما كانوا خرجوا لهذه الحرب أصلا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اختتام مناورات الأسد الإفريقي بسيناريو افتراضي استخدمت فيه م


.. بعد ضربات أمريكية على اليمن.. يمني يعبر عن دعمه لفلسطين




.. فرق الإنقاذ تنتشل جثمانين لمقاومين استشهدوا في جباليا


.. واشنطن: بلينكن دعا نظراءه في السعودية وتركيا والأردن للضغط ع




.. فرق الإسعاف تنتشل جثامين مقاتلين فوق سطح منزل بمخيم جباليا