الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الهوية العراقية ومشروع البديل الوطني (19)

ميثم الجنابي
(Maythem Al-janabi)

2013 / 4 / 24
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


البديل الإصلاحي الثقافي والفكرة الوطنية

عندما نضع "تاريخ" العراق المعاصر على محك الفكرة النقدية، فإننا نتوصل إلى أن تاريخه كان مجرد زمن خارج كينونته السياسية – الثقافية. من هنا ضحالة قيمته بالنسبة للوجود (والتاريخ) وسطحيته في الروح (والثقافة) وأثره المخرب في المصير (القومي). كل ذلك يبرهن على أن قيمة الانقلابات ومعناها وأثرها مرتبط بمدى وعمق المرجعيات الثقافية الخاصة وكيفية ومستوى التأسيس عليها. وهو أمر يكشف عن أهمية التأسيس الثقافي للعقائد (الأيديولوجيات)، وجوهرية العقائد بالنسبة لتشخص الرؤية القومية وإستراتيجيتها المرئية وغير المرئية. من هنا قيمة الانقلابات الفكرية (كالتجديد والإصلاح والثورة) في حال استنباطها من كينونة التجارب التاريخية للأمم نفسها. فليس للانقلابات الفكرية قيمة حقيقية واثر جوهري فعال في التاريخ السياسي للأمم ما لم تتكامل في ترسيخ التقاليد التاريخية نفسها وتتصير في منظومات واعية لذاتها. فهو الأسلوب الوحيد لديمومة فعلها الإيجابي في السلوك (الاجتماعي – السياسي) والوعي (الثقافي – القومي في مختلف ميادينه)، وإلا فإنها تصبح مجرد تجريبية تندثر بموت أصحابها.
إن غياب المرجعيات الثقافية الخاصة، أو عدم إدراك الواقع بمعايير التجربة التاريخية ومقولات الثقافة للأمة يجعل من الوعي السياسي للأفراد والنخب والأحزاب والمجتمعات تعاليم مدرسية قابلة للتبخر والنسيان نتيجة لافتقادها تاريخها الخاص. فالتاريخ الحق هو سلسلة وعي الذات المتراكم في العقل والوجدان. وليس هذا الوعي بدوره سوى أسلوب ومظهر التاريخ السياسي نفسه. كما أن التجانس الدائم (أو التوازن الديناميكي) بين وعي الذات الثقافي والتاريخ السياسي هو مقدمة الاستمرار الدائم للإبداع في مختلف نواحي الحياة. وإلا فإن حياة الأفراد (القادة) أو الأحزاب أو العائلات أو العشائر تصبح معيارا للزمن (التاريخ). وهو أقبح أنواع الزمن لأنه لا حياة فيه. فالانقلابات الحقيقية هي تلك التي تعي أبعادها التاريخية الذاتية. إذ لكل انقلاب أبعاده المتنوعة في الوجود والوعي الاجتماعي. انه يتبلور في الروح والجسد (الاجتماعي والقومي) من خلال الكيفية التي يجري بها إدراك قيمته ومعناه وأثره بالنسبة للمصير التاريخي للأمم نفسها.
وعندما نضع الفكرة القائلة بأن الانقلاب الحقيقي هو الذي يعي أبعاده التاريخية الذاتية، على محك التاريخ العراقي الحديث أو ننظر إليها من خلال موشور الوعي الذاتي التاريخي العراقي، فإننا نقف أمام فقر مدقع في العلم والعمل. بمعنى غياب الرؤية التاريخية الواعية لذاتها بهذا الصدد. بمعنى وقوفنا أمام ضعف شبه شامل فيما يتعلق بحقيقة المعاناة الفعلية المتعلقة بصياغة فلسفة وطنية تعي مشاريع البدائل ضمن حدودها التاريخية وإمكانياتها الفعلية.
فالتيارات الوطنية العراقية التي ساهمت منذ عشرينيات القرن العشرين في تأسيس الأبعاد الوطنية للعراق كانت أسيرة الصعود المفاجئ للعراق بهيئته الحالية وانعزاله عن مكونه العربي. فقد كان التاريخ السابق لوجودها ضمن الكيان العثماني كينونة ناقصة. من هنا كانت وراثتها لذاتها تعاني من نقص مقلق بصدد كيفية تأسيس الأبعاد الوطنية للعراق الجديد. لهذا كان همهما الأكبر موجها صوب التأسيس الفعلي لحدوده الخارجية وبناء مؤسساته الداخلية. وهو التيار الذي استطاع أن ينجز الحد الأدنى الضروري في بناء الهوية الوطنية العراقية. وهو الإنجاز الفعلي لحقيقة الإصلاح الممكن في ظروف العراق آنذاك.
أما التيارات الشيوعية العراقية فقد كانت وريثة التجارب الخارجية ومن ثم لم يكن "تنظيرها" للقضايا الوطنية الكبرى عموما أكثر من ترديد أجوف لشعارات لم تدرك على الدوام حقيقتها ومعناها. أو أن إدراكها كان مستلبا بمستوى فهمها للتأويل الذي يقدمه الآخرين. إذ لا نعثر عندها على رؤية واضحة المعالم لها أبعادها التاريخية الوطنية. بمعنى أنها لم تؤسس لفلسفة تاريخية خاصة بالعراق تستند بدورها إلى فلسفة تاريخية عن العالم العربي. إذ لم يتعد ما كانت تعتقده فكرا بهذا الصدد أكثر من كومة شعارات مغرمة بالدفاع عن الأقليات. ولا يمكن لهذه النفسية والذهنية أن تبدع فلسفة شاملة للإصلاح الحقيقي في العراق. الأمر الذي جعلها على الدوام خارج المعاناة الفعلية لتأسيس الرؤية الوطنية (العراقية أو الأممية) والقومية (العربية) للإصلاح.
أما التيارات القومية العربية فقد كانت تعاني من ضعف جوهري في مستوى تأسيسها لطبيعة ومستوى العلاقة الواقعية والضرورية بين العراق والعروبة. من هنا افتقاد العراق لقيمته الذاتية بمعايير العروبة. وهو أمر كان لابد له أن يؤدي من خلال تركيز السلطة وافتقاد الشرعية في تداولها وسحق المجتمع المدني إلى إفراغ كل المعاناة الكبرى التي ساهم التيار القومي العربي في رسم حدود العراق المعاصر. مما افرغ بدوره قيمة معاناته في رسم ملامح الإصلاح. أما النتيجة الفاقعة لكل ذلك فقد تمظهرت بصورة همجية تامة في زمن السيطرة البعثية.
أما التيارات القومية للأقليات، فإنها كانت مشغولة أساسا بالحصول على شروط أفضل لقومياتها ضمن المحيط العراقي. بمعنى أن صراعها لم يكن مرتبطا بالفكرة العراقية كما هي. وهي صفة مميزة للحركات القومية الكردية. وهو أمر كان مرتبطا بضعف اندماج الأكراد بالعراق العربي وضعف تكاملهم في قومية تعي حدودها التاريخية والثقافية والجغرافية. لهذا كان تاريخها في العراق هو زمن الصراع والتخريب المتبادل للحركة القومية الكردية والوطنية العراقية. مما أفرغها من أية مساهمة جدية في بناء فكرة الإصلاح في العراق على أسس ثقافية. أما الحركات القومية التركمانية والكلداآشورية فإنها كانت ضعيفة ومحصورة بين صراعات لم تكن طرفا أساسيا فيها. فقد كان التركمان يعانون من عقدة المرحلة التركية -العثمانية، بينما كان الكلداآشوريون يعانون من ثقل التهجير والإبادة اللذين تعرضوا لهما على أيدي الأكراد والأتراك. كل ذلك جعلت مساهمتهما الوحيدة بهذا الصدد تقوم في مساعي الاغتراب عن صراعات خارج حقيقة التأسيس الفعلي لفكرة الإصلاح في العراق.
أما التيارات الإسلامية، فإنها انطلقت من عقائد لا علاقة لها بالتاريخ والقومية. مما جعل من رؤيتها السياسية تأملات لاهوتية مطعمة بالوطنية والقومية، دون علاقة جوهرية بهما. فقد كانت المعاناة الفعلية للحركات الإسلامية السياسية في العراق تقوم في تأسيس فكرة الإصلاح على مبادئ الإسلام المجرد عن التاريخ والقومية والوطنية. أو أن هذه المكونات الثلاثة لم تكن أكثر من مظاهر عارضة لفكرة الإسلام الجوهرية. من هنا تطابقت فكرة الإصلاح في العراق عند التيارات الشيعية مع فكرة المذهب (الاثني عشري) ونقاوته، بينما تحولت عند التيارات السّنية إلى جزء من الاندماج بالسلطة. مما جعل اغترابها عن حقيقة القومية يصل إلى ابعد نماذجه الغريبة عندما جرى غرس الأوهام الخربة عن مطابقة الشيعة العراقيين مع العجم، ومطابقة أنفسهم مع العرب. مع أن قبائل العرب الأصلية هي بين الشيعة أساسا. في حين لم يهتم الشيعة بهذه القضية لاعتبارات مذهبية ونفسية. إذ لم يعانوا من عقدة القومية لأنهم عرب بالفطرة والسليقة والنسب والوجود، كما لم يتنازلوا عن همّ التشيع لأنه أعلى وأغلى من السلطة وممتلكاتها. مما جعل منهم ملاذ الأقوام والأديان والطوائف جميعا! أي القوة الأممية الفعلية في العراق.
إن النقص الجوهري عند جميع القوى السياسية في العراق الحديث، فيما يخص قضية التأسيس النظري والعملي لفكرة الإصلاح على أسس المرجعية الثقافية الخاصة، يكشف عن ضعف معاناتهم الفعلية بهذا الصدد. وليس اعتباطا أو مصادفة أن يستحوذ التيار الراديكالي على مختلف نواحي الحياة في العراق الحديث ويجعل من تاريخه مجرد اجترار للزمن وسحقا لمكونات وعناصر وعيه الذاتي. ويكشف هذا الواقع عن قيمة الحقيقة القائلة، باستحالة تأسيس منظومة الإصلاح الشامل في العراق المعاصر دون منظومة من المرجعيات الثقافية. بعبارة أخرى، إن العراق بحاجة إلى فلسفة للإصلاح تستمد مقوماتها من حقائق تاريخه الكلي. وهي حقائق متراكمة في صيرورته التاريخية وكينونته الثقافية. ومنهما فقط يمكن بناء منظومة مرجعياته الثقافية القادرة على توجيه مشاريع البدائل الواقعية العقلانية صوب في بناء الدولة العصرية والنظام الديمقراطي والمجتمع المدني والثقافة الإنسانية. ويمكن انجاز هذه المهمة استنادا الى فلسفة بناء الهوية الوطنية العراقية الجديدة، بوصفها الحاضنة العامة والكبرى لمشاريع البدائل وإرساء أسس الأوزان الضرورية للرؤية الواقعية والعقلانية، أي قاعدة الإصلاح الدائم.
***










التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -تنمو بشكل عكسي-.. طفلة تعاني من مرض نادر وهذا ما نعلمه عنه


.. بريطانيا.. مظاهرة في مدينة مانشستر تضامنا مع أطفال غزة وتندي




.. ما أبرز محطات تطور العملات في فلسطين؟


.. نازح فلسطيني: -نفسي نرجع زي قبل.. الوضع الحالي حسسنا إن كنا




.. انتبه!.. القوارير البلاستيكية قد تصيبك بالسكري #صباح_العربي