الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مزاح ثقيل مع الدكتور طيب تيزيني

سامي العباس

2005 / 4 / 17
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


توفي منذ شهر جحا قريتنا, المرحوم مصطفى مهنا. آخر ما وصلني من فصوله الكوميد ية ما يلي : في الأتوبيس المكتظ بالبشر و الروائح و المشتريات , و بعد أن يئست الأم و معظم الركاب من إسكات طفل مصر على البكاء لأسباب لم تفصح عنها ثيابه بالوضوح الكافي , تدخل المرحوم متوجهاً للطفل في حضن أمه بلهجة متوعدة : بتسكت و إلا بن.... أمك ؟!
انفجر الركاب بالضحك, و فقد السائق سيطرته على السيارة, فجنحت إلى الحقل المجاور, و كاد الجميع يذهبون إلى الآخرة على أفضل ما يكون من الانشراح. حتى المرأة تغلبت على خجلها و انغمست في الجو الكوميدي .
قد لا تستطيع بيئة أخرى غير بيئة ( السلمية ) الضحك من نكتة تستفز على هذا النحو الحاد صرامة الآداب العامة الرازحة على عقول مجتمعاتنا العربية – الإسلامية . خصوصاًُ في المناخ التعبوي الراهن . إلا أنني و بعيداً عن التفاخر بانتسابي لهذه البيئة المتميزة بالتسامح , أشتهي أن أتوجه إلى الدكتور طيب تيزيني, بعد أن قرأت مقالته على موقع الرأي يوم 1242005 م المعنونة : بريجنسكي و السيطرة الثقافية الأمريكية على العالم , متوعداً إياه بمثل ما توعد به المرحوم أعلاه أم الولد.
ذلك أنني مذ تعرفت على مساهمات الدكتور الكتابية التي كانت تحتجز نصف مخصصات مجلة اتحاد شبيبة الثورة من الورق مطلع السبعينات, كنت أتوجس أيضاً على نحوٍ مبكر من الحذلقات اللغوية التي يلجأ إليها طيب تبزيني ل..( تغطية السماوات بالأبوات ) , و الأبوات لمن لا يعلم: المصارين الغليظة ,تحشيها المرأة الدمشقية بالرز و اللحمة و المكسرات ( لغاية في نفس يعقوب ) و ليست الأسماء الحركية لمناضلي المنظمات الفلسطينية .
فالعولمة على سبيل المثال تصبح على لسان الدكتور تيزيني ( النظام العولميّ ) . لكأنه وهو يشد بالنواجذ على الياء يشد على رقبة أحدث مراحل الرأسمالية , قاطعاً أنفاسها , و حامياً ظعينته ( العالم العربي- الإسلامي ) من شرورها . إلا أن الدكتور- و هو قد اعترف قبل سنوات على مدرج كلية الآداب (في لحظة صدق مع النفس) إنه سيعيد النظر بشكل جذري في الخطوط العريضة لمشروعه ( إعادة كتابة التراث )- قد انتقل و نقلنا معه من ( الدلف إلى تحت المزراب ). فمن مشروعه لإعادة كتابة التراث الذي تكشف عن ( طبخة بحص ) إلى الميل في السنتين الأخيرتين لتبني استراتيجية الإوز في الدفاع عن الحمى ... ( الزعيق )
لكأن هذا الأخير يكفي للوقوف في وجه التحول إلى الليبرالية في الإقتصاد و السياسة , الذي أخذت حركته وتيرة الإعصار بعد انهيار منظومة اتحاد رأسماليات الدولة ( الإشتراكية ) التي ترعرع الدكتور في كنفها , و امتص عقله حتى الثمالة أيديولوجيتها الخشبية .
لا أظن أن الدكتور تيزيني جادٌّ فيما يقوله في العولمة . أظنه ينسج على موقف الإمام مالك في الخمر . ( المبالغة في الانخراط باستراتيجيات التمايز عن الآخر – العدو – تنزلق إليها الأيديولوجيات الكبرى بتعليم التخوم و غرس مخافر الحراسة المتقدمة) .. لا أدري كيف يوفق الدكتور بين استحضار الحداثة التي عرق ثلاثة عقود و نيف في التنظير لها عبر قراءته النقدية للتراث العربي – الإسلامي, و بين تنظيره الراهن للممانعات التي تبديها أيديولوجيات إعادة إنتاج الإستبداد ( مثلثة الرحمات ) الماركسية السوفييتية , القومية الإشتراكية , الإسلام البن لادني , في وجه هذا الميل العارم لإعادة إنتاج خطاب عصر النهضة العربية, بملامحه الليبرالية , و نظرته الموضوعية للغرب , و انشداده إلى يوتوبيا الحداثة .
كيف لمن احتل كرسي الفلسفة لعدة عقود في جامعة دمشق , و صنفته إحدى المجلات الألمانية في المائة فيلسوف الذين أنتجهم القرن الماضي, أن يتحول إلى ندابة في حفلة تشييع الإستبداد – الجارية في المنطقة – إلى مثواه الأخير .
إنني أشفق على الدكتور طيب تيزيني الذي احتفظ طيلة ربع قرن بمسافة نقدية ما, من المسار الذي انخرطت فيه أنظمة رأسمالية الدولة , من لعب هذا الفاصل (البايخ) في الدقائق الأخيرة قبل أن يسدل الستار و ترفع الأقلام و تجف الصحف .
ختاماً أرجو من الدكتور طيب تيزيني أن يكون حليماً واسع الصدر كتلك القروية من ( سلمية ) في( الملحه ) التي استفتحت فيها حديثي على غير ما عودنا عليه ( جد َنا ) الذي نعتز: ( أبو حيان التوحيدي ) في حبس الملحه إلى نهاية الكلام .
سامي العباس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم


.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس




.. اليهود المتشددون يشعلون إسرائيل ونتنياهو يهرب للجبهة الشمالي


.. بعد قرار المحكمة العليا تجنيد الحريديم .. يهودي متشدد: إذا س




.. غانتس يشيد بقرار المحكمة العليا بتجنيد طلاب المدارس الدينية