الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الربيع العربي.. خَرِيف النخب والمثقفين

أحمد إسكندر

2013 / 4 / 27
المجتمع المدني


قد يبدوالمشهد السياسي/الثقافوي المصري القاتم ،كما لو أنه لوحة سوريالية من فرط عبَثَه مهما كان المُصوَر موالاة أم معارضة. هذا المشهد ينذر بسؤال مرير في الوجدان الربيعي العربي أجمع ومصر خاصة: هل قَدرْ مونت كريستي عبثي لهذه الدرجة حتى يحفرالسجين مجددا في جدار زنزانته ثم يجد نفسه في زنزانة أخرى أشد ضيقا وظلاما؟.!
كان ومازال قدر الثورة المصرية ـ ومثيلاتها العربية ـ أن تتحمل أعباء وتكاليف اضافية ليست من صنعائها، تشكل الرياح المضادة لتيار للثورة، هذه الحمولة هى خريف النخب والمثقفين.
الحقائق المُرّة من فرط كثافتها أصبحت بديهيات وجَبَ تجرعها ،يقول إلياس خوري: حين انفجرت الثورات لم يكن احد مستعدا، فلقد اضاعت النخب الفكرية والسياسية العربية عشرين عاما من دون ان تستخلص عِبَر سقوط الاتحاد السوفياتي، ومعاني الأفق الديموقراطي وسبل مواجهة الغطرسة الاسرائيلية، وبناء دولة المواطنين الأحرار على انقاض دولة الرعايا والعبيد...
لم تكن الإستحقاقات الثورية لتنتظر حتى تستعد النخب السياسية والثقافية لهذا الحدث الجلل وتنظّر له وتحدد آفاق مستقبله، لكن ما حدث هو العكس، فالنخب حاولت أن تهرول لاحقة بركب الثورة الذي سبقها بمراحل بل وصل الأمر ان بعض المثقفين يحاول إقناعنا بأنه كان قائد الثورة أو اشعل فتيل شرارتها وذلك من خلال عملية تعذيب وتقويل للنصوص السابقة بما لم تقترف وتعترف به أصلا على شاكلة قاطع الطريق بروكوست في الاسطورة اليونانية المعروفة.
لم تكن أزمة الشعوب الربيعية مع النخب في كون الأخيرة لم تنذر بالثورة أو تقودها رحلها او تمهد لها الطريق فحسب، بل لأن النخب والمثقفين ظلوا عائقا أمام المسار المنشود للثورة التي قدمت ما يمكن ان تعطي أقصاه وهو الدم.
مشهدان متناقضان: الاول فضائي إعلامى يحاول ترميم صورة نفسه وصورة المثقفين المتخلفة عن الركب، وآخر ميدانى يحاول لمّ أشلائه بمزيد من الدم الجديد. الشباب في معارك الميادين يعلم فقر النخب والخدعة التي تعرض لها منهم ،لهذا فهو أدرك أن الواقع الدموي سيكون أشد وأكثر عمقاً من التجريد الاعلامي العقيم.
لم نحتاج إلى تلسكوب لرصد ظواهر عبثية في مشهد ينذر بالوجود تمثلها جماعات النخب والمثقفين في المشهد الحالي: -
-كل ما تملكه جماعات النخب والمثقفين حتى الآن هو التنديد بممارسات الحكم الاستبدادي فلا تملك أن تنتقل من أرض النقد الى ارض البناء، ومن التجريد الى التفعيل.
-غياب مشروع أو فكرة محددة لشكل السلطة أو الدولة الديمقراطية، فهي أساسا لم تنشىء مشروعا إصلاحيا في التنوير والحداثة حتى تحدثنا عن النهضة والحضارة.
-بسبب فائض مركبات النقص لدى جماعات النخب والمثقفين، تحاول وضع نفسها وكيلا للثورة فما تبقى لها هو نفاق الدم الشبابي المسال في الميادين ،وكأنها تنتظر أي سلوك إستبدادي كي تدينه حتى لا تبتعد عن المشهد الثوري وهذا يذكرنا بمقاربة مايكوفسكي عن البقة التي تعتاش على دم الضحايا. لكن ما يغيب عن النخب والمثقفين وربما تتناساه عمدا- أن الشعوب أدركت المعادلة السليمة وهي أن دفاعك عن الثورة لا يعني أنك تمارس التثوير.
-رغم الحرب الضروس بين أقطاب النخب فإنهم في حقيقة الامر يسفسطون حول معنى واحد وهو ان الديمقراطية عندهم هدف وليست وسيلة (نظريات في السلطة فقط بعيدة عن الوضع المجتمعي الذي أستنطق الثورة)، وكأن تجارب الامم الأخرى هي مجرد جُمل إعتراضية في سياق الخبرة الإنسانية.
الشعوب لن تحيا بالديمقراطية لكنها تستخدم الديمقراطية كسلم للحصول على الحكم الرشيد الذي يحقق ثالوث الإستحقاقات العيش، الحرية، الكرامة الإنسانية.
-التصور والنظر النسبي للحقائق والمفاهيم وفق التعارض والتصادم الايدلوجي للمثقفين والنخب وليس وفق طبائع الاشياء، وسقوط البديهيات في مستنقع النكايات لعل أخرها التعارض النخبوي في التعامل مع إيران ، فحين كان هناك تقارب ما بين قطر وإيران كان هناك هجوم شرس ضد البلدين لانهما فقط حليفا السلطة، وأهملوا المصلحة الاستراتيجية المفترضة مع الدولتين.
...الثورات الإنسانية عبر التاريخ بل و عبر الأساطير أيضا قامت لدحض فكرة ثنائية إما...أو،و إكتشاف الجدل والبعد الثالث في الرواية لكن مازالت نخب ومثقفين تعيش في مرحلة ما قبل الدولة وتحاول أن تحتكر صياغة الحاضر والمستقبل الذي هو نقيض لخلايا أدمغتهم. فكثير منهم ـ وهو المتصدر المشهد- نخب عاطلة عن العمل لأنها غير واعية بالتاريخ ، أو على حد وصف خيري منصور، هي أشبه بالنحل الذي استبدل الرحيق بالسكر المطحون واستبدل الغابات بالنباتات الزجاجية. وعن هذا السياق يقول وما يقال عن غياب النّخب كروّاد وطلائع للحراك السياسي يحب ان يقال ومن باب اولى عن غياب التنوير الذي يسبق التثوير ويعبّد له الطرق. لهذا يتورط من يقرأون التاريخ افقيا فقط بالمقاربة بين حراكات حديثة وبين الثورة الفرنسية مثلا، وكأن حقبة التنوير التي سبقت تلك الثورة ومهدت لها محذوفة من هذه التقاويم مظاهر وتجليات الخريف النخبوي/الثقافي لم تعد تخفى حتى على الأعمى نفسه ،فبمجرد التحسيس ندرك الإصفرار الخريفي طالما حاول الغراب الهديل، أو سلحفاة تحاول التحليق عاليا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. موجز أخبار السابعة مساءً - الأونروا: غارات الاحتلال في لبنان


.. لبنانيون ولاجئون هجّرتهم الغارت الإسرائيلية يروون معاناتهم و




.. طلاب جامعة السوربون بفرنسا يتظاهرون من أجل غزة ولبنان


.. شاهد| دبلوماسيون يغادرون قاعة الأمم المتحدة بعد بدء خطاب نتن




.. نزوح من مخيم شاتيلا للاجئين الفلسطينيين في لبنان