الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الثالوث المقدس و المسيحية من وجهه نظر فلسفية

موريس رمسيس

2013 / 4 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


منذ فجر التاريخ البشرى و يحاول الإنسان معرفة سبب وجوده على الأرض و ما ‏سيحدث بعد مماته و مازال الإنسان يستغل ما يمتلك من سماء الذكاء لكي يفترض و ‏يثبت ما يعتقد بيه .. يفترض الإنسان النظريات ثم يحاول إثباتها من خلال تطويع ‏العلم و علوم الطبيعة لإثبات صحة ما قام بافتراضه نظريا لكي يُعرف ما هو في فوق ‏العلم و ما هو فوق الطبيعة و دون أن يدرى يدور فينفس الدائرة المغلقة.‏

كيف وُجد الإنسان على الأرض؟ .. ما سبب وجوده؟ .. لماذا يمت؟ .. ما مصيره بعد ‏الموت؟ .. هل هناك خالق؟ .. ما العلاقة بين الخالق و الإنسان؟ .. لماذا لا يظهر ‏الخالق ذاته لإنسان؟ .. هل يتعالى الخالق على الإنسان؟ .. لماذا لا يتواجد الخالق ‏وسط خليقته من الإنسان؟

أسئلة كثيرة حيرت الفلاسفة و العلماء على مر العصور لكسر الحاجز بين الوجود و ‏بين اللا وجود و ما بعد الموت .. هناك فلسفات و عقائد وُجدت عندها أجوبة منطقية ‏لبعض الاستفسارات السابقة لكن أخفقت في الباقية .. الهندوسية / البوذية / ‏الكونفشيوسية/ الطاوية / الشنتوية / .. باقية العقائد الأسيوية استطاعت من خلال ‏نظريتي "الكرما" و "النرفانا" الإجابة على البعض منها .. خرجت العقيدة الإسلامية ‏من هذا المضمار "فقد خلق الله الإنسان ليعبده" بلا أي فلسفه منطقية لوجوده على ‏الأرض أو الاستمرارية بعد مماته و انحصر فقط في ممارسة العبادات و تطبيق ‏الشرائع و الحدود كما خرج أيضا من هذا المضمار الفلسفي أصحاب نظريات ‏الانفجار العظيم و تكون الخلية الأولى و التطور و الانتقائية و النظريات العلمية ‏الأخرى ، تحولت تلك النظريات بالتدريج عند أتباعها إلى ما يشبه العقيدة و الدين ، ‏فهم يدافعون عن الفرضيات بفرضيات أخرى
أرى التشابه الواضح من خلال بعض وظائف الأعضاء عند الإنسان والحيوان و هو ‏الذي يعطى المبرر لاعتقاد بأن الصانع لهما هو نفسه مثلما يتم التعرف على الرسام ‏من أسلوبه في رسم لوحاته.‏

‏«« مثال تشبيهي لثالوث المقدس المسيحي
تخيل انك تقف في مكان ما واسع، لا تستطيع رؤية له حوائط أو سقف أو حتى ‏الأرضية التي تقف فوقها ‏
المكان يمتلئ بالكامل "بالدخان" الذي يتحرك في كل اتجاه و كل ناحية يجعلك لا ‏ترى غير المنضدة التي تقف بجوارها ‏
يوجد على تلك المنضدة كميات من الزجاجات الفارغة المفتوحة الفوهات أي بلا ‏أغطية و هم من اللون الأزرق الشفاف و على الجانب الأخر من المنضدة هناك ‏زجاجة واحدة مفتوحة الفوهة لا تختلف الأخريات إلا في لونها الأبيض الشفاف
يملئ الدخان الزجاجة البيضاء فقط و بسبب "حراكه المستمر" لكن لا يدخل أي ‏زجاجة زرقاء فهي تستمر فارغة على الرغم كونها مفتوحة الفوهة أيضا ، لكن ‏يلاحظ تكثف الدخان على خارج جدران البعض من تلك الزجاجات الزرقاء!‏

‏«« شرح المثال السابق‏
الذات الإلهية (الإله الواحد) هو "الأب" المتمثل في الدخان (الأقنوم الأول) ‏

حراك الدخان المستمر يعبر عن الإله الحي في ذاته و امتلائه لزجاجة البيضاء اللون ‏يمثل "الابن" (الأقنوم الثاني) أي عقل الإله الناطق و كلمته الناطقة الحية‏

تكثف قطرات المياه على بعض الزجاجات الزرقاء يمثل انبثاق "الروح القدس" و ‏هو الروح الإلهي (الأقنوم الثالث) ‏

من المثال السابق يتضح أن الأب و الابن و الروح القدس هو الإله الواحد في نفس ‏الوقت و طوال الوقت و في أي مكان و كل مكان.‏

‏"المكان" لا تُرى حوائطه و لا سقفيه و لا أرضيته و يمثل "الكون" و اللا محدود

‏"المنضدة" تمثل "كوكب الأرض" .. "الزجاجات الزرقاء" تمثل "البشرية" و ‏الإنسان .. "الدخان" في كل أنحاء المكان يشبه الهواء هكذا "الإله" فهو يتواجد في ‏كل مكان و طوال الوقت و بداخل و خارج الزجاجة البيضاء المفتوحة الفوهة أي ‏بدون انفصال و عائق "لدخان" في الداخل و خارج الزجاجة

الزجاجة البيضاء تمثل "ناسوت" المسيح و "الدخان" الذي بداخل الزجاجة المتصل ‏طوال الوقت بالدخان خارجها يمثل "لاهوت" المسيح (ملئ اللاهوت أو ملئ الروح ‏القدس أو الإله ) أي أن "المسيح" هو الإله المتجسد أو الإله الذي ظهر في الجسد ‏

‏"الزجاجات الزرقاء" تمثل في المثال "البشرية" و تأخذ لون مختلف لكونها وارثه ‏خطية ادم أي الخطية الأصلية (المقصود ليس المشاركة أو تحمل فعل الخطية الأولى ‏ذاتها و لكن المشاركة و تحمل النتائج اللاحقة على فعل الخطية الأولى ) بمعنى أن ‏الأجساد البشرية أصبحت غير ممجدة و غير خالدة و قابلة لفساد و الفناء و العدم

‏"الزجاجة البيضاء" تمثل في المثال "جسد المسيح أي ناسوته" و جسد المسيح بلا ‏زرع بشرى أي غير حامل لنتائج اللاحقة على فعل الخطية الأصلية بمعنى أن جسد ‏المسيح ممجد و خالد و غير قابل لفساد و الفناء و العدم
عندما كان المسيح على الأرض كان يماثل في حالته الجسدية الحالة الجسدية التي ‏كان عليها "أبونا آدم" قبل فعل الخطية أي الجسد الممجد الغير قابل لفساد و الفناء‏

‏"أقنوم الابن" أذلي ابدي من أبدية الإله ذاته لأن "لاهوت" المسيح وهو نفسه "الإله" ‏و كما يطلق أيضا على المسيح بـ "أبن الإله" بسبب "لاهوته" كما يطلق "أبن ‏الإنسان" بسبب "ناسوته"‏
كما أن الدخان بداخل الزجاجة البيضاء متحدا معها طوال الوقت دون أي امتزاج ، ‏فهكذا "اللاهوت" يتحد مع "الناسوت" لكن بلا امتزاج ايضا‏

‏"الزجاجة الزرقاء" مفتوحة الفوهة دائما و لا يدخلها الدخان لكن يتكاثف فقط على ‏جدران الخارجية لبعض منهم ، بمعنى الروح القدوس روح الرب يظهر على ‏‏"البعض" من البشر (المؤمنون) مثل قطرات المياه المكثفة حول الزجاجة كتعزية و ‏كحماية لهم في الحياة المؤقتة الأرضية.‏

‏"الزجاجة البيضاء" لا تختلف عن مثيلتها الزرقاء غير في لون الزجاج أي في نوعية ‏الجسد "ممجد أو غير ممجد" بالتالي المسيح كان "إنسان كامل" يجوع و يأكل و ‏يعطش و يشرب و ينام و يتألم مثل الإنسان و يعمل باقية الأشياء مثل البشر و هو ‏يعتبر "اله كامل" في نفس الوقت مثلما الدخان داخل و خارج الزجاجة البيضاء ، أي ‏أنه "اللاهوت" الذي لم يفارق "الناسوت"‏

عند انتقال الزجاجة البيضاء من مكان لأخر فسوف يستمر الدخان متواجد بداخلها ‏على اتصال دائم بما خارجها من دخان طوال الوقت ، أي أن الإله المتجسد الظاهر ‏في الجسد متواجد في كل مكان و في كل الوقت‏

مهما حدث مع جسم الزجاجة البيضاء من ضرب أو غير ذلك من أذى فلن يؤثر في ‏الدخان بداخلها و هكذا المسيح تماما على الصليب فقد تم صلب "الناسوت" أو الجسد ‏و لم يتم صلب "اللاهوت" أو الإله

‏«« الملكوت السماوي
ملكوت الإله الخالق يمتاز بالكمال و المثالية في كل شيء و يتكون من عدة طبقات ‏من قوات و ملائكة ، كما أن الطبيعة تسير في نظام محكم‏‎ ‎عجيب هكذا تسير أيضا ‏المملكة السماوية في نظام وترتيب دقيق ، فلكل رتبه‎ ‎ملائكية‎ ‎وظيفة‎ ‎محددة والكل ‏يعمل معا في نظام و ترتيب عجيب ، هناك ثلاث طغمات و كل طغمة لها ثلاث رتب ‏السيرافيم / الكاروبيم (الشاروبيم) / العروش (الكراسي) ، القوات / السلاطين /‏‎ ‎السيادات ،‎ ‎الرياسات / رؤساء‎ ‎الملائكة /‏‎ ‎الملائكة

‏«« الشيطان و جنوده
‏"الشيطان" كان عبارة عن "كاروبا" من الملائكة و يحيط بالعرش الإلهي.و من ‏ألقابه زهرة بنت الصبح و هو كوكب منير يظهر في الصباح وهو ألمع الأجرام ‏السماوية ويسمى "فينوس" وباللاتينية "لوسيفر" ولقد سقط الشيطان من هذه الرتبة ‏اللامعة بعد أن كان ممتلئاً من الحكمة فدخله الغرور وبدلاً أن يمجد الله افتخر بنفسه. ‏و ساوى نفسه بالقدير و تحول من "كاروب" إلى شيطان هالك، كلمة شيطان من ‏‏"شطن إيل" ومعناها خصم أو مقاوم أو ضد الله. وسمي باليونانية "ديابلوس" و ‏معناها مشتكي و نقلت بالعربية لـ "إبليس" وهو المفترى ظلما ومن أسمائه أيضاً ‏التنين و الحية القديمة لقوته ودهائه في الحرب وهو يشتكي على البشر دائماً و قد تم ‏طرده من الملكوت السماوي وتبعه أيضا "ثلث الملائكة" و لن تُقبل منهم أي مغفرة ‏من قبل الإله الخالق لكي يستطيعون الرجوع مرة ثانية إلى الملكوت مثل الإنسان ، ‏هذا بسبب نوعية الخطية التي فعلوها في حق الإله و هي (التساوي مع الخالق و ‏التعالي عليه كما أن الخطية بدأت و أتت من داخلهم على عكس آدم) و قد كان حكم ‏القضاء الإلهي العادل بطردهم من الملكوت و كانت رحمته القضائية بعدم فنائهم في ‏التو و اللحظة ‏

‏«« فلسفة الخلود و الوجود و العدم
يسبق الخلود الوجود ففي الأساس يوجد فقط الخلود حتى تم طرد جزء كبير من ‏الملائكة (الشياطين) من مملكة الرب بلا عودة ثانية و بلا قبول مغفرة و خلق ‏الإنسان (لإكمال المملكة) و خروج الإنسان من المملكة مع فرصة العودة ثانية إليها ‏بعد تقديم الفداء و قبول المغفرة من قبل الرب و بطرد الإنسان أصبح هناك الوجود و ‏العدم ، "الخلود" هو الحالة "الثابتة" و الأساس عند الخالق لكن حالتي الوجود و ‏العدم هما حالتان طارئتان و لم يكونان كهدف في حد ذاته عند الرب لكن كرد فعل ‏

‏«« الشيطان و الإنسان
هل يكره الشيطان الإنسان و يحقد عليه بسبب ساديته ، هل الكراهية جزء من تكوينه ‏بمعنى هل يكره الإنسان من أجل الاستمتاع بفعل الكراهية كتنفيس عن شهوة داخله و ‏رد فعل يعبر بيه عن حقده و كراهيته لإلهة الخالق
هل الاستمرارية في الكراهية بلا توقف شيء منطقي! .. أنا أجد أن الشيطان و جنوده ‏يعلمون جيدا أن الإنسان (عندما يكتمل عدد المختارين) سوف يحل مكانهم الذي كان ‏في الملكوت السماوي لكون الملكوت مثالي مكتمل لا يخضع لزيادة و النقصان في ‏العدد و بالتالي يقومون بتعطيل "وجود" الإنسان عن بلوغ هذا الهدف ، بجعل ‏‏"وجود" الإنسان على كوكب الأرض لا ينتهي و الإبقاء عليه وتحويله إلى "خلود ‏أرضى" لكي يساوى "الخلود السماوي" هروبا من حالة " العدم" و الفناء المنتظرة

‏«« الفداء و المغفرة
هل كان بالإمكان تغير أسلوب الفداء عندما تجسد "الإله" و ظهر في الجسد حتى تم ‏الصلب "لناسوته" من قبل الإنسان؟
لقد كان من المستحيل تغير أسلوب الفداء فهناك "حتمية" لإتمام هذا و بنفس الأسلوب ‏الذي تم بيه ‏

يعلم الشيطان و جنود بهذه "الحتمية" مسبقا و لكنه لا يعرف التفاصيل الكاملة لتنفيذ ‏ذلك .. تعتبر هذه "الحتمية" جزء أصيل من المثالية و الكمال العادل المتكون منه ‏المملكة اللاهية السماوية

لكي يتم قبول فداء "الإنسان" إمام "الإله" لكي يستحق المغفرة ليتمكن من العودة ‏ثانية إلى الملكوت ، كان "حتميا" أن يكون "الفادى" في حالة الخلود الجسدي و "اللا ‏فساد" و "اللا فناء"‏

لا و لم يستطع الإنسان (في حالة "الوجود و العدم " أي حالة الفساد و الفناء ‏الجسدي) القيام بفداء البشرية جمعاء (الإنسان) أو بفداء حتى فداء نفسه شخصيا، لذا ‏كان "حتميا" وجود "إنسان" في حالة الخلود و في حالة اللا محدود لكي يفدى ‏‏"الإنسان" الذي هو في حالة اللا خلود و الوجود "المحدود" ، فكانت "حتمية" ‏المسيح الإنسان (الناسوت) الذي هو في حالة الخلود و "اللا محدود" أن ينيب عن ‏البشرية جمعاء (الإنسان) "كفادى" أمام العدل الإلهي لكي يحدث استحقاق المغفرة ، ‏بمعنى انه كان "المخلص" لبشرية من حالة "الوجود و العدم" إلى حاله "الخلود و ‏الأبدية واللا منتهى"‏

‏«« المحبة ‏
قدمت غالبية العقائد و الفلسفات المختلفة القيم الأخلاقية الإنسانية المتعارف عليها ‏بأسلوب نسبى بين البشرية و وصل الأمر إلى التخويف و الترهيب أحيانا من العقاب ‏المترتب على مخالفة تلك القيم ( الأمانة وعدم السرقة / المسالمة و عدم الاعتداء و ‏القتل / الصدق و عدم الكذب / ... الخ )‏

الشيء الوحيد الذي فشلت فيه العقائد و الفلسفات في إيصاله إلى البشرية هو أن تجعل ‏الإنسان "محب" بلا مقابل أي يحب الغير و يتسامح معه بلا مقابل مادي أو معنوي ‏أي بلا مكافئة أو خوف من عقاب ، فلا يمكن إجبار إنسان أو تخويفه و ترهيبه لكي ‏يحب الآخرين و يتسامح معهم

لذا تعتبر "المحبة" اسمي القيم العليا في المسيحية على الإطلاق فمن الصعب ‏ممارستها دون الإحساس و الشعور و الامتنان لتلك "المحبة" التي حدثت على عود ‏الصليب ، عندما أظهر الإله "محبته الفائقة لإنسان" بأن أخلى ذاته و "تواضع" و ‏ضحى "بالابن" من خلال قصة الفداء العجيب لكي يستعيد الإنسان إليه مرة ثانية

شكري و محبتي


ملحوظات:ــــــــــــــــــــــــــــ
‏1- قد تعمدت عدم استخدام الشواهد من الكتاب المقدس قاصد عدم الارتباط و ‏الالتزام في المقالة بأي تفاسير لكتاب المقدس أو بأي تأملات مسيحية أخرى قد ‏تتواجد في التقليد و التراث الكنسي لكون الموضوع فلسفي فقط لا غير‏
‏2- قد تعمدت عدم استخدام أي مصطلحات و كلامات لاهوتية متعارف عليها لكي ‏أتمكن من تبسيط الفكرة فلسفيا و منطقيا بعيدا الحدود اللاهوتية لكوني غير دارس أو ‏متخصص في علم اللاهوت المسيحي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أول موظفة يهودية معيّنة سياسيا من قبل بايدن تستقيل احتجاجا ع


.. البابا فرانسيس يعانق فلسطينياً وإسرائيلياً فقدا أقاربهما على




.. 174-Al-Baqarah


.. 176--Al-Baqarah




.. 177-Al-Baqarah