الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العصفورة.. والدروع البشرية

إكرام يوسف

2013 / 4 / 27
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


منذ سنوات عديدة وأنا أكتب عن سياسة "بص شوف العصفورة" التي تنتهجها النظم الفاسدة لإلهاء شعوبها عما ترتكبه من جرائم. وهي نفس السياسة التي قال عنها الشاعر أحمد فؤاد نجم "لا كورة نفعت ولا أونطة"! ومنذ قيام الثورة وأنا أردد:"بص شوف العصفورة، سياسة نظام يقاوم السقوط".. وفي سنوات مبارك الأخيرة تكررت العصافير الوهمية التي يدعونا النظام للانشغال بها. ومن منا ينسى مهزلة مباراة مصر والجزائر؛ التي شغلت بها وسائل إعلام المخلوع أذهان الناس وحشدت مشاعرهم ووجهت طاقات الغضب لديهم إلى شعب شقيق لمجرد مباراة كرة قدم، خشية أن تتجه تلك الطاقات إلى نظام أفقر البلاد وأهان أهلها، وأضاع هيبتها، وأفسد جميع مؤسساتها!
وليس أسهل من عصفورة الفتنة الطائفية، التي ما أن تطلق في لحظة محسوبة بعناية حتى يلتفت الجميع إليها، وبدلا من توجيه طاقات السخط بسبب سوء الحال إلى المسئولين عن إفساد الحياة، يوجه المقهورون سخطهم نحو بعضهم البعض.
ولم تكن حادثة فتاة الواسطى التي هربت من بيت أبيها للتزوج بدون علمه، شخصا من اختيارها، وهي الفتاة الجامعية الراشدة! وسواء اتضح بعد ذلك، أن من تزوجته مسلم أو مسيحي أو بوذي، فهي قضيتها ومسئوليتها وحدها. ومن حق أفراد أسرتها بالطبع أن يغضبوا لزواج ابنتهم رغما عنهم وبدون استشارتهم، ولهم أن يقاطعوها ويلعنوها كما شاءوا صباحا ومساء.. لكنهم لا يملكون حتى معاقبتها، بعد أن بلغت سن الرشد. فما بالك بمعاقبة من تزوجته، بل وأهله وجميع من ينتسبون إلى دينه حتى لو لم يكن بينهم وبينه معرفة؟
قضية فتاة الواسطى، من قضايا الفتنة الطائفية التي يظهر فيها عنصر الاصطناع، وتعمد إشعال الحرائق؛ فالفتاة استخرجت بمحض إرادتها ولبلوغها سن الرشد جواز سفر، وخرجت من المطار من دون أن تصرخ مثلا وتعلن أنها مختطفة أو مجبرة على ما لا تريد! فلماذا إذا تحميل مسئولية خلافها مع أهلها لوطن بأكمله يكفيه ما هو فيه؟
وأي منطق ذلك الذي يبيح تحميل شعب بكامله مسئولية فشل أب في احتواء بنته، وكسب ثقتها؟ ومن هؤلاء الذين دفعوا هذا الأب الفاشل إلى تضخيم قضية عجزه عن بناء علاقة أبوة حقيقية مع ابنته، وترويع مواطنين يحملهم مسئولية فشله هو؟ فالمنطقي أن الفتاة التي تربت في أسرة سوية، تلجأ لأمها ولأبيها لاستشارتهما في قراراتها المصرية..وكونها لم تفعل ليس مسئولية أحد في الدنيا سوى هذه الأسرة، فلماذا تهددون أمن الوطن بسبب مشكلة لاتخص سوى أصحابها.
ويقولون إن الفتاة أرسلت رسالة لأبيها تقول فيها أن هروبها كان لأسباب يعلمها هو، فما ذنبنا نحن؟
أن يصل الأمر إلى ترويع مجموعة من المواطنين لمجرد الشك في ان العريس يشاركهم الانتماء الديني، وربما لا يعرفه شخصيا الكثيريون منهم، هو العبث بعينه! وهو عبث غرسه كارهو هذا الوطن، يستغلونه بخبث كلما آن لهم صرف أنظار الشعب عن جرائمهم.. ولا يخفى عن عاقل، مغزى إثارة قضة كهذه وتضخيمها؛ في الوقت الذي تجري فيه حملة تلميع وزير إخواني، اقتصر همه على تخصيص كميات هائلة من الخبز والمواد التموينية لحزب العدالة والتنمية، من أجل توزيعها على الناس بأسعار تدعمها الدولة في أكياس تحمل شعار الحزب، مثلما كان يفعل حزب المخلوع بالضبط، بهدف تجميع أصوات انتخابية! وبينما تثور احتجاجات القضاة على قانون يهدف أساسًا إلى عزل قضاة المحكمة الدستورية، وتمكين جماعة ـ تابعة لتنظيم دولي مريب ـ من عنق السلطة القضائية! وفي حين يقوم رئيس الدولة بجولات تسول فاشلة، ويقوم بتمرير قانون للصكوك حذر جميع الخبراء الوطنيين من أنه سيكون وبالا على البلاد، وسوف يحمل أجيالا قادمة عبء ديون تهدد أصول الدولة! وبينما تتزايد حملات خطف واعتقال الشباب المعارض لهذه السياسات، والمصر على استكمال ثورته المخطوفة، ويتعرض العديد منهم لتعذيب وحشي، يصل إلى حد القتل من دون أي محاسبة لأي مجرم قاتل!
لا شك أن التضخيم في قضية فتاة الواسطى، التي كان الكاتب الصحفي والمناضل العتيد، الزميل عبد الحليم قنديل، أول من نبه إليها في برنامج تليفزيوني وحذر منها، يأتي في توقيت محسوب بدقة؛ لشحن النفوس المريضة، وعقل البسطاء المستعدين للانفجار في أي لحظة تنفيسا عن هموم الفقر والقهر، في أواخر أيام صوم اشقاء الروح والوطن والوجع والألم، ومع اقتراب عيد القيامة المجيد.
وإذا كانت كنيسة الواسطى غيرت موعد صلوات جمعة ختام الصوم، فأنهتها قبل موعدها بأربع ساعات تحسبا للهجوم على المصلين من قبل مختلين كالعادة؛ فإن استمرار ارتباط أعياد أبناء من هذا الوطن بمشاعر الخوف بدلا من الفرحة منذ عدة سنوات، جريمة نتحملها جميعا. وعلى رئيس الجمهورية الذي يحرص على الخروج لصلاته كل جمعة بجحافل من الحرس لحمايته، أن أمنه الشخصي ليس أهم من تأمين روع ملايين المواطنين المسيحيين. وعليه وعلى جميع المسئولين أن يدركوا أن تأمين كنائس المسيحيين وأرواحهم ليس تفضلا منهم، وإنما جزء من واجباتهم الوظيفية التي يتقاضون عليها أجورا ساهم المسيحيون في تدبيرها من ضرائبهم!
وإذا كانت الدولة، بعد أن ارتدت اللحية، مازالت سادرة في غيها، وتواصل سياسة "بص شوف العصفورة"، فلا أجد سوى تكرار دعوتي التي ناديت بها بعد حادثة القديسين لتشكيل دروع بشرية لحماية كنائس الوطن من شباب الثورة والمجتمع المدني. وكانت الدعوة التي تلقفتها حملة دعم البرادعي ونشرتها بين بقية الكتل الثورية، ونجح الشباب في تنظيمها في ستة عشر محافظة (هي نفسها المحافظات التي خرجت منها الثورة) بشارة قيام ثورتنا المستمرة بإذن الله حتى تحقيق أهدافها، ويومها سوف يأمن كل مصري، بصرف النظر عن انتمائه الديني، على حياته وأملاكه!
وقد بقي على عيد القيامة المجيد نحو أسبوع، نستطيع فيه، كما استطعنا في عيد الميلاد 2011، تشكيل دروع بشرية تؤمن صلاة اخوتنا وتضمن لهم عيدًا بلا خوف، على الأقل في المناطق الملتهبة مثل الخصوص والواسطى وامبابة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إليكم مواعيد القداسات في أسبوع الآلام للمسيحيين الذين يتّبعو


.. مكتب الإحصاء المركزي الإسرائيلي: عدد اليهود في العالم اليوم




.. أسامة بن لادن.. 13 عاما على مقتله


.. حديث السوشال | من بينها المسجد النبوي.. سيول شديدة تضرب مناط




.. 102-Al-Baqarah