الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السحق الطبقي في (تدين المحتسبين) و (أصالة الدرباوية).

مجاهد عبدالمتعالي
كاتب وباحث

(Mujahid Abdulmotaaly)

2013 / 4 / 30
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ظاهرة ما يسمى بـ(المحتسبين) هي نفس القراءة لعلم الاجتماع الاقتصادي لظاهرة (الدرباوية) فالشريحة الغالبة على هاتين الفئتين يجمعها الوحدة الطبقية المسحوقة المشتركة في كلا الفئتين، والسحق المقصود قد يكون أساسه اقتصادي، ولكنه في اللب يصب في مكب التهميش الاجتماعي، فكلا الفئتين ترتكز على فئة الشباب المهمشة، والتي تجد الاعتراف الضمني بها من خلال أحد طريقين: الأول في التجمع حول من يمنحها التسامي الاجتماعي بواسطة الاعتراف الشرعي من خلال بعض رجال الدين المغمورين ــ والذين هم يعانون أيضاً من رحلة البحث عن نفس مكاسب رجال الدين غير المغمورين/المشهورين وما استتبع الشهرة من ثراء مادي ــ وغالباً يكون شباب هذه المجموعة من الفئات الأسرية ذات الطابع الأبوي الصارم في أبويتها المسحوقة والتي تحاول التماسك اجتماعيا من خلال التزمت الديني للخروج بشوفينية خاصة تقاوم الآخر المزدهر ببعض المظاهر البرجوازية، فيصبح الآخر هو الأقل والأدنى والأحقر رغم الواقع المادي الذي يُكذِّب ذلك ولكن تحت مبرر (هي لهم... جنتهم في الدنيا وجنتنا في الآخرة).
يقوم مخيال الطبقة المسحوقة والمهمشة، بتحويل السحق الطبقي إلى امتياز ديني يمكنه من التخلي عن كثير من كماليات البرجوازية التي ترهق أسرته، ولا يستطيع مجاراة الآخرين فيها، أما الدرباوية فتحاول ضخ إمتيازها من خلال الشعور الزائف بالحرية وذلك عبر إيصال رسالة ضمنية للمجتمع مفادها: لا تعني لنا السيارة الجديدة وإرتداء الماركات العالمية أي شيء، عبر سلوكات دفاعية تتغيا طريق الأصالة بالمعنى الشعبي وليس التراثي، وبذلك تتخلص هذه الفئة من الشباب المهمش بكلا الطريقتين من إختناقات السحق الطبقي تحت مبررات التسامي الديني عبر فتاوى رجعية، أو التسامي الشعبي بالانسحاب الاجتماعي بحثاً عن الأصالة في كل ما هو قديم بالمعنى الشعبي، ولهذا فهي أصالة للأسف مشوهة.
يمكن إعادة ظاهرة المحتسبين إلى التدين المشوه، والمشجب المعتاد/ الفكر الصحوي في الثمانينات، أو يمكن إعادته أيضاً إلى نشوء الدولة مع فكر (إخوان من طاع الله) الذين حرَّموا على أنفسهم لبس العقال، ويعتبرون صاحب العقال أقل تديناً منهم (كرهبانية ابتدعوها)، ومن يريد تصفية الحسابات الحديثة فعليه بالمبرر الأول، ومن يريد تصفية الحسابات القديمة فعليه بالمبرر الثاني، لكن قطعاً كلا الفكرين كانا مدداً للرجعية حتى هذه اللحظة.
يمكن إعادة ظاهرة الدرباوية إلى بداية تشكل الأحياء الشعبية الفقيرة على أطراف المدن الكبرى، والتي يمتزج فيها البحث عن الأصالة المشوهة مع مفاهيم الرجولة و (الزقرتية) والتي يماثلها في بعض المدن العربية مفهوم (الأبضاي).
كلا الظاهرتين تتكئ على الشباب، وكلا الظاهرتين لهما ما يماثلهما تاريخياً، لكن الغائب والمسكوت عنه، لماذا تظهر هذه الإفرازات في هذا الوقت أكثر من غيره، لتتحول إلى ظاهرة محل نقاش، باختصار إنه الفرز الطبقي لرأسمالية هشة عانت تفتيتاً طاحناً وقاسياً لا يرحم للطبقة الوسطى خلال هذا العقد تقريباً، من خلال سقوط العملة المربوطة بالدولار المنهك، ومظاهر التضخم المالي الواضحة، إضافة إلى انهيار سوق الأسهم، والذي مثل في حقيقته نكبة وكارثة بكل المقاييس جرى امتصاصها من قبل الشعب وعلى أكتاف الشعب، وبعرق الشعب، وخصوصاً طبقته الضامنة، الطبقة الوسطى التي من نتائج تفتتها هذه المظاهر.
الخصومة ليست بين متدينين وغير متدينين، الخصومة بين مقتدرين مادياً وغير مقتدرين، فـ(المتديَّن الملتحي) الذي يقضي إجازته صيفاً مع أسرته في باريس هو أقرب (لغير المتدين حالق اللحية) الذي يلتقيه في شارع الشانزليزيه ويتبادلان الابتسامات الباردة، كلٌ في مقعده يشرب القهوة.
و(المتدين الملتحي) الذي يضرب زوجته ــ ضرباً غير مبرح!! ــ لأنها أصرت هي وبناتها على حضور زواج بنت أختها في الصيفية وأخذت الف وسبعمائة ريال في زينتهم، هو أقرب (لغير المتدين حالق اللحية) الذي استسلم لزوجته وبناتها في أخذ ما يشاءون من راتبه لحضور نفس الزواج، وتركوا له (حق راس الشيشة/المعسل) الذي يهدئ انفعالاته من هذه المصاريف المنهكة، وليتبادل مع رفيقه الملتحي الشكوى والتذمر.
ما لم أستطع تفسيره اقتصادياً أو تبريره اجتماعياً هو نفاق (المتدين الباريسي) عندما يكتب عبر مواقع التواصل الاجتماعي إنه (ضد عمل المرأة وضد قيادة المرأة للسيارة... وغيرها من منكرات تخرج المرأة عن حشمتها ودينها)، وأن (الشباب الملتزمين الغيورين سيشعلونها حرب شوارع لو حصل هذا) ليسأله صديقه (غير المتدين حالق اللحية) في نفس المقهى: (ما هم بعض قريباتك خريجات جامعات غربية، وبناتك كاهم يدوجون في شوارع باريس وأنت قاعد هنا... ليش هالتناقض) فيجيب بكل ثقة: ( يا خي نسيت خصوصيتنا... باريس تبقى باريس... وغيرها تراها عنز ولو طارت، ولا تنسى ربعنا إذا ردينا للديرة بيسألوني عن فرنسا وباقول لهم: كنت أحاول اكتشاف التغريب في معاقله، ولقد غزوناهم بمحاضراتنا ولقاءاتنا الدعوية ولله الحمد... ومن ذلك أنه أسلم على يدي إحدى الفرنسيات في أقل من خمس دقائق!! هههههههه) فيرد عليه صاحبه غير الملتحي: (أقلَّك... إشرب قهوتك بس).
لعل هذا الشيخ الثري جدا لا ينافق ولكنه يلعب على مكتسباته في ردم الفجوة الطبقية مع (المتدينين أصحاب اللحى والثياب القصيرة) المسحوقين اقتصادياً بالمشاركة الفكرية والوحدة الاجتماعية ـ كلاماً بالمحاضرات لا واقعاً معاشاً ـ ليسحرهم بالتماهي مع واقعهم البائس، فيعطوه حضوراً إعلامياً ويعطيهم شعوراً بالتوحد مع آلامهم وتذمرهم من خلال فتاواه الرجعية التي تكاد أن تكون ثورة ضد مظاهر البرجوازية تحت غطاء ديني.
نسينا الدرباوية الذين لا عزاء لهم، ولو كان عزاء كاذباً كما يفعل هذا الشيخ مع أتباعه... وبقي السؤال الذهبي: هل الإسلام السعودي له جذور اقتصادية تستدعي تحريم ما لا يحرمه الإسلام المصري والتركي. ولماذا يوصف محمد بن عبدالوهاب بالسلفية ويوصف جمال الدين الأفغاني والامام محمد عبده بالسلفية أيضاً... وما أثر العمق الحضاري وما يستتبعه من جذر اقتصادي في تنوع سلفية هؤلاء؟!، وهل السلف بعد فتوح الشام والعراق ومصر وثراءهم الاقتصادي أصبحوا أقل تديناً من قبل؟ لكثرة شراءهم الجواري المغنيات ووجود الشاعرات والملحنات؟!، وانتشار ما عرف بالطرب الحجازي والعراقي في التراث العربي!، وهل المد الديني على يد الخلفاء الراشدين إنتهاء بخلاف معاوية وعلي، أكثر من المد الحضاري على يد أبي العباس السفاح وأبي جعفر المنصور؟ وصولاً لأسبانيا الأموية/الأندلس؟!، وشيخها ابن حزم صاحب مكتوبه في الحب (طوق الحمامة)، وصولاً لكتاب ابن قيم الجوزية في (روضة المحبين) وما ورد فيه من إيروسية دينية!!؟!! يضيق عنها المكان في زماننا الكاذب والمرائي في تقواه!!.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 102-Al-Baqarah


.. 103-Al-Baqarah




.. 104-Al-Baqarah


.. وحدة 8200 الإسرائيلية تجند العملاء وتزرع الفتنة الطائفية في




.. رفع علم حركة -حباد- اليهودية أثناء الهجوم على المعتصمين في ج