الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


سعادتي في الايمان

صبري المقدسي

2013 / 5 / 2
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات



كثيرا ما يسأل الناس عن الايمان؟ وعن لغزه وفائدته؟ وعن مساعدته في إنماء سعادة الانسان وهناءه؟ وعن إمكانية المؤمنين في أن يكونوا أسعد من غير المؤمنين؟ هذا ما نود الإيجابة عليه من خلال بحثنا عن الايمان وعلاقته بالسعادة والهناء. إذ تؤكد معظم الاديان وخاصة الابراهيمية منها على أن الله حيّ وقريب، وهو الاله الحاضر دائما، فلا شيء يغيب عنه. وقد جاء لكي يبحث عن الانسان، كأب يبحث عن ابنه الضائع. فعلى الابن أيضا البحث عنه والإيمان به.
وقد سعى الانسان للحصول على السعادة والهناء في كل عمل يقوم به وفي كل فعل يصنعه. وتؤكد الدراسات على شعور الإنسان بالحاجة للعيش بحسب أهداف الله وتصميمه الخلاق وسط تيارات الحياة المتشابكة منذ بدايات التاريخ. ولما كانت السعادة تعتمد على الجهاد من أجل الوصول اليها عن طريق الايمان والاعمال النابعة عنه. فلا بد إذا للمؤمن ان يقوم ببعض الممارسات الطقسية كالصلاة والصوم والعبادات الاخرى لتحقيق هذا الهدف، والوصول الى ما يشتاق اليه. ولكن قد يخطأ الانسان في إختيار الطريق الصحيح في مخاطبة الله والتقرّب اليه، وهنا تكمن المسألة، إذ يشقى بعض الناس في طلبهم وإستغاثتهم ولكن من دون جدوى ومن دون تحقيق رغباتهم، مما يؤدي بهم الحال الى فقدان الإتجاه والتركيز والوصول الى حالة الضياع الحقيقي.
فالايمان إذن، حالة قصوى يعيشها الفرد في صور وأشكال كثيرة، ولذلك تبدو الحياة من دون ايمان مثل وهم أو سراب. ففي الحقيقة، يساعد الايمان على سمو المؤمن الذي يبدا بالنظر من خلاله وبعيون روحية أعمق، ويرتفع بواستطه الى مستوى يرى فيه ما لا يُرى بالعين المُجردة، ويسمع ما لا يمكن سماعه بالإذن العادية. إذ يشترط في الايمان بالله وبقدرته الربانية، معرفة الله، والثقة به، وفي الاشياء الغير المعلنة، والغير المرئية، والعمل بحسب ناموسه ووصاياه، ولابد ان يكون هذا الايمان في طبيعة الحال، مبنيا على أسس سليمة ومتماسكة ومتناغمة، ومؤسسا على أدلة صحيحة وصادقة. ومتضمنا، الارادة الصالحة، بالاضافة الى استخدام القوى العقلية، لأن الايمان يجب أن لا يلغي العقل وأن لا يبطله نهائيا.
وللثقة ايضا دورها الكبير في الايمان بالله والدعاء له. لأنه إذا كان الله الذي يهتم بشؤون الكون ويعتني بجميع مخلوقاته، الا يستطيع الإعتناء بنا؟!. ولكن ما يهدم هذه الثقة، الضعف والخوف والشكوك. فالشكوك تبعد الله عن حياتنا وتجعل من مشاكلنا صعبة ومزعجة. ولذلك يتطلب الإيمان بالله وجود ثقة راسخة لا تتزعزع بالرغم من الظروف المحيطة التي تثبت العكس، لأن الله قادر ان ينزع من حياتنا كل المعوّقات، وان يبعد عن طريقنا كل ما من شأنه ان يعوّق عمل الايمان في داخلنا. فهو قادر أن يخلق فينا حبا حقيقيا غنيا وعميقا، حبا لا يخون ولا يتراجع، ويبعث فينا سلاما داخليا لا يتزعزع في أزمات الحياة المختلفة.
ولعل الناس يسألون عن فائدة الايمان وعن الامور التي نحصل عليها بعد أن نؤمن ونضحي من أجله بكل ما هو غالي وثمين؟. فما نحصل عليه، في الحقيقة، الإطمئنان وإقتناء السلام الداخلي، بالاضافة الى الخلاص الأواخري.
ولا بد من الاشارة على أن الايمان ليس مجرد حقائق نظرية ولا ألفاظ وتعابير جامدة نتعلمها منذ الصغر على ظهر القلب. وليس شيئا ملموسا على الاطلاق ولا تصريحا أو تأشيرة للدخول الى السماء أو عملة من النقود نشتري بها عطايا الله. ولكنه ضمان الخيرات التي ترجى وبرهان الحقائق التي لا ترى(عبر 11/1)، أو هو قوة عملية وتصديق للأمور غير المرئية أو علاقة صداقة وحوار بين الله والانسان والإلتزام بينهما بعهود ومواثيق.
فالإيمان إذا أعظم هبة مُنحت للبشرية. وما نحتاجه فقط هو الإستسلام المُطلق لله. لأن الله هو الذي يلهم ويوحي للإنسان الباحث عن السعادة وعن الشعور بالأمن والطمأنينة، وهو الذي يعطي القوة للمتلهف على إنهاء مشاكله اليومية وعذاباته النفسية والجسدية، بالرغم من كل أنواع الشكوك والخوف والقلق والأمراض النفسية والجسمية التي قد تؤذي أو تهلك او قد تصل بالمرء في بعض الاحيان الى الموت المحقق.
ولعل الخطأ الشائع الذي يقع فيه معظم المؤمنون هو الاتكال على مشاعرهم وأحاسيسهم والقياس عليها بدلا من الاتكال على الارادة الصالحة التي تقودهم نحو الله. لأن المشاعر والاحاسيس قد تتغير وتتقلب. ولكن الارادة المسلمة لله تماما والمركزة على مشيئته الصالحة، تبقى ثابتة وراسخة. فالارادة هي القوة الحاكمة في طبيعة الانسان. ومتى ما إتجهت الارادة إتجاها سليما، فإن القوى الاخرى تتبعها في نفس الاتجاه. ومتى ما ملك الله على إرادتنا التي تعبر عن شخصيتنا وكينونتنا الحقيقية فحينئذ يخلقنا الله خلقا جديدا ويجعلنا متلهفين لعبور الظلمة الى النور والعيش في سعادة وهناء.
فلا بد إذا القياس على إرادتنا وليس على مشاعرنا الخداعة والمهزوزة التي تشبه كثيرا السفينة المشدودة بالمرساة والتي تضطرب بسبب العواصف الهوجاء. فإذا كانت السفينة مشدودة شدا قويا، لا تهتز مهما كانت العواصف شديدة وقوية. وهكذا بالنسبة الى الارادة القوية والصالحة، فهي لا تهتز إذا كانت مثبتة بالايمان الذي هو مصدر القوة والشجاعة، والذي يضل ثابتا وشامخا وقويا، مهما كانت العواصف والأمطار شديدة وقوية، لأن بناءه يكون على أساس من الصخر.
ولذلك تبدو الحياة من دون ايمان كورقة مقطوعة من غصنها، تتلاعب بها الرياح الهوجاء. وينصح الرسول بولس ويقول"افرحوا في الرب كل حين، وأقول أيضا أفرحوا" فيليبي 4:4. فمن يحصل على درة الايمان، يكون في الحقيقة فرحا بشوشا بالرغم من شدائد الامور ومصاعبها. وعندما نشكر الله على نعمه الكثيرة نحصل على هذه النعمة المجانية التي تساعدنا في التغلب على الافكار المقلقة، والإبتسام للإمور المختلفة بروح مرحة.
ومن الملفت للنظر في قول الرسول (افرحوا) النابع من قلبه في وقت كان يمر في ظروف صعبة جدا، إذ كان سجينا ومضطهدا. ولكنه هنا يعلمنا كيف نسيطر بقوتنا الروحية على الظروف الخارجية مهما كانت قوية وظالمة. ويشجعنا على التغلب على الظروف الخارجية الصعبة، وأن لا ندعها تؤثر على حياتنا الداخلية وعلى سلامنا الباطني.
ومن هنا نستدل على أن السعادة الحقيقية لا يُمكن أن تكون مستقلة عن الله. والبحث عنها بعيدا عنه يمثل سرابا ووهما وخيال. والذين يفعلون ذلك يُفسدون حياتهم وحياة أقربائهم وأصدقائهم، إذ لا يمكنهم الحصول على الفرح والسلام الحقيقي، إلا بعد الثقة الكاملة بالله الذي يسيطر على كل الظروف.
صبري المقدسي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الفلسطينيون في الضفة الغربية يحيون الذكرى الـ 76 للنكبة


.. خلافات داخل الحكومة الإسرائيلية حول مستقبل قطاع غزة بعد الحر




.. من هو صلاح الدين الأيوبي برأي ريم بسيوني؟ • فرانس 24


.. تهريب سجين وقتل 3 حراس في فرنسا




.. الجيش الإسرائيلي: مقتل 5 جنود وإصابة 16 آخرين في تفجير مبنى