الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


آليات الهيمنة ما بين الحب والغزو

ريم ثابت

2013 / 5 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يشير المفهوم الشائع للهيمنة إلى المفهوم الشامل للدولة، إذ أن الدولة كي تضمن تطور طرق سيطرتها على الجماهير تلجأ إلى وسيلتين هما القمع والإقناع، ويعد مفهوم (الهيمنة) مفهوماً مركزياً وعاماً، إذ تجمع الهيمنة بين الفلسفة والسياسة والثقافة والإيديولوجية من جهة، وبين النظرية والممارسة من جهة أخرى، وأياً من هذه الأقطاب إنما يعبر عن مدى أهمية البنى الفوقية في المجتمع، ومدى دورها في قيادة حركة الواقع.
ولقد كشف التحليل السيكولوجي في دول العالم الثالث أن الكرم الذي يدعيه أولئك المهيمنين على السلطة إنما هو تعبير عن الشعور بالذنب، فبهذا الكرم الزائف لا يحاول المهيمن الحفاظ على نظام سلطوي غير عادل فحسب، وإنما يحاول إيجاد نوع من السلام، وفي واقع الأمر لا يمكن الحصول علي السلام بهذا الأسلوب، وإنما من خلال استشعار الحب، والذي بدوره لا يمكن أن يكرس في ظل ظروف الهيمنة والقهر.
ويجرنا الحديث عن الهيمنة إلى الحديث عن الحب، تلك الطاقة الربانية التي أحتار في تفسيرها أعتي الفلاسفة حكمة ومنطق، الحب الذي استغله ولاة الأمور، للوصول إلي مآربهم السياسية، وما من شك أن لـ (مرسي) و(بديع) و(العريان) و(الشاطر) خطب وأقوال تخللتها إشارات صريحة للحب، فهم أدركوا طبيعة من يخاطبون، شعب تحركه لاوامس العاطفة بحكم العقيدة والإيديولوجيات الشرقية، عرفوا كيف يصيبوا الهدف، فالمحبة هي تذكرة الوصول إلى أبعد مما نتصور، وكما وصفها الإمام الغزالي: (هي الغاية القصوى من المقامات، والذروة العليا من الدرجات، فما بعد المحبة مقام إلا وهو ثمرة من ثمارها).
وبعيداً عن أقوال أئمة الصوفية الأجلاء، يتجلى لنا واضحاً أن كلاً من السلطة والحب ليسا - وكما يظن البعض - على طرفي نقيض، إنما هما متباريان، يتجاوزان الخطوط الحمراء الفاصلة لمسارات الإنسانية، يلتقيان كلما واتتهما الفرصة لذلك، ففي السلطة يترنح الحب ما بين إرادة صماء، وبين ادعاء يقيني، في حين أن السلطة المهيمنة لا تنتزع من الحب مصداقيته فحسب، وإنما تعمل على قمع شطحاته العفوية والتلقائية بتدبير متقن.
ويتخذ المهيمنون على السلطة، ليس فقط الحب كوسيلة للوصول إلى مآربهم، وإنما شتى السبل الممكنة التي تتراوح ما بين التضليل الثقافي والقمع البيروقراطي، ويُعد التضليل من أبرز مظاهر العزل والتغريب الثقافي للمجتمعات التي تقع تحت وطأة الهيمنة، ذلك التضليل الذي يُمارَس تحت مسمى (النهضة) أو شعار (تنمية المجتمع) من خلال الرسالة الإعلامية التي تبث على مدار اليوم الواحد أطنان من المواد الإعلامية الزائفة..
ولعل من آليات الهيمنة أيضاً ما يسمى بـ (الاستلاب)، و(السالب) أو الغازي المهيمن لا يؤمن بالحوار في علاقته مع الآخرين، كما أنه يخترق الواقع الثقافي لجماعة من الناس متجاهلاً هذا الواقع، ومحاولاً فرض تصوره الخاص للعالم على أولئك الخاضعين، وكأي عمل يغلفه الهيمنة، فإن الغزاه في هذه العملية ينتهجون دور المؤلفين والممثلين، وأما الذين يتم غزوهم فيشكلون المسرح الذي يتم فيه إنجاز مثل هذا العمل.
وتأكيداً على أهم مقومات الحاجة إلى الغزو، يعمد الغزاة - في كثير من الأحيان - إلى اتخاذ الدين ساتراً لاستراتيجياتهم غير المعلنة، ولطالما كانت هنالك فئة تذهب إلى ضرورة تقسيم المجتمع من أجل الحفاظ على وضعها كطبقة مهيمنة، متبعة في ذلك مبدأ (فرق تسد)، لذلك يلاحظ أن هذه الفئة تجتهد في ألا يكتشف المستلبون استراتيجية هيمنتهم، كما يلاحظ أنهم يحاولون دائما إقناعهم عن طريق التودد إليهم وإظهار الحب بأنهم حماتهم ضد المتطرفين والبلاطجة وأعداء الله، وهكذا تنقلب المسميات، إذ أنه لأجل أن يفرق الغزاة الناس ويربكونهم يسمون أنفسهم (بناة)، في الوقت الذي يعتبرون فيه (البناة) الحقيقيين هدامين ومتطرفين وأعداء.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكافآت خيالية للمنتخب العراقي بعد التأهل للأولمبياد... | هاش


.. تحدي القوة والتحمل: مصعب الكيومي Vs. عيسى المعلمي - نقطة الن




.. ألعاب باريس 2024: وصول الشعلة الأولمبية إلى ميناء مرسيليا قا


.. تحقيق استقصائي من موريتانيا يكشف كيف يتم حرمان أطفال نساء ضح




.. كيف يشق رواد الأعمال طريقهم نحو النجاح؟ #بزنس_مع_لبنى