الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


رحلة الصعود فوق الجبل

نوال السعداوي
(Nawal El Saadawi)

2013 / 5 / 5
حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات


بحثت عن تفسير لتمسكى بحياتى المزدوجة، ربما خمول عقلى، لم أعثر على طريقة أخرى للحياة، إحساسى الدائم بعيون تراقبنى، عين الله الساهرة لا تنام، وعين الشيطان أيضاً لا يغمض لها جفن، كان مستحيلاً أن أختلف عن الآخرين، ولكل الناس حياة علانية وأخرى فى الخفاء، ارتديت النقاب لألتقى سراً بالرجال، حتى سئمت التخفى بعد عدة سنوات، كرهت الفساد فى حياتى وفى البلد كله، كنت أحلم بالثورة، أو بالمنقذ البطل، يقود الشعب المصرى- وأنا منهم- إلى طريق جديد.

طاردتنى كلمة «عانس» حين بلغت الأربعين، رغم أنى سينارست، بدأت أبحث عن زوج، وجدت موظفاً محدود الدخل يكبرنى بعشرين عاماً يملك زوجتين وثلاثة أولاد، كدت أتزوجه يأساً وإحباطاً، لكنى عثرت على صيد سمين، رجل يملك زوجة واحدة وثمانية فدادين، يكبرنى بخمسين عاماً، يحلم بأن يكون كاتباً، أقنعته بأنه حب حياتى الأول والأخير وأنه فنان عظيم، وبدأت أكتب سيناريو فيلم عن حياته الفريدة، كان ذكائى يزيد مع تعدد تجاربى مع الرجال، أتقنت دور العاشقة، فلا أنظر ولو بطرف عينى إلى جيبه، منحنى ثقته مائة فى المائة.

كان مثالياً يؤمن بالمطلق، أو غباء الشيخوخة وتصلب الشرايين، أقنعته أن زوجته لم تمنحه الحب أو التقدير اللازم وتحجب عنه الأضواء، بعد عام ونصف نجحت فى إعادته لربيع المراهقة، أصبح كالخاتم بإصبعى، يرقص كالطفل وأنا أدق الطبلة، ويبتلع الفياجرا بالنبيذ، ثم سحبته من يده للمأذون، كتب لزوجته قسيمة الطلاق وكتب لنا قسيمة الزواج، سجلت فيها شرطين: أن يكتب باسمى أربعة فدادين وأمتلك العصمة فى يدى.

انتقلت إلى طبقة تأكل اللحم من بيت الكلاوى والكبدة المشوية الضانى، وأطل من الشرفة على النيل الهادئ، ضوء القمر يلامسنى فوق سريرى، زوجى يدللنى مثل المرحومة أمى، يحممنى بالماء الدافئ، يدعك ما بين النهدين والساقين بالليفة والصابون، يسعده تلبية ما أريد وإن لبن العصفور، أذهب إلى عملى داخل السيارة يقودها السائق كالعبد المطيع، كنت أركض وراء الميكروباصات والتوك توك وأتشمم الكباب المشوى من بعيد.

ثم سافرت لتصوير فيلم عن فتاة تتسلق الجبال، أول مرة أرى جبلا شاهقا تختفى قمته فى السحب، الفتاة ترتدى ملابس زاهية الألوان ليتم التقاطها بسهولة إن ضلت طريقها بين الثلوج، تصعد الصخور بشجاعة، تتبع خط السير المحدد بأوتاد من الألومنيوم، سبقها فى الصعود للقمة آخرون، بعضهم لم يبلغ منتصف الطريق وسقطوا وماتوا، بعضهم تجمدت أطرافهم واختفوا فى الثلوج.

كنت أشهدها من السفح وأتساءل: ما أهمية الوصول للقمة، حيث لا يوجد إلا الثلوج؟ امرأة ردت: المهم هو الإقدام والتحدى والانتصار على الخوف، منذ ثلاثين عاماً صعدت الجبل ونظرت من الارتفاع الشاهق إلى حياتى فرأيتها صغيرة تافهة،

كنت أعيش مع زوج لمجرد المال، استعدت ثقتى فى نفسى، قررت الانفصال عنه والاعتماد على ذاتى، هكذا حققت حلم طفولتى وأصبحت ما أردت أن أكون.

بعد العودة لمصر رأيت حياتى المزدوجة تافهة قبيحة، أعيش فى العلانية مع عجوز لمجرد المال وأعيش فى الخفاء مع عشيق من عمرى، قررت أن أصنع لنفسى حياة أفضل، أرسلت لزوجى بالبريد تنازلاً عن الفدادين الأربعة مع ورقة الطلاق، وبدأت أشق طريقى بنفسى لأصبح السينارست الأولى ثم تزوجت حبيب عمرى.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - المهم ان تكون حياتنا حرة كما نريد وليس كما يريدون
فؤاده العراقيه ( 2013 / 5 / 5 - 00:35 )

ابشع ما في الحياة ان نكون عبيدا مظلومين ولا نحرك ساكنا من المخاوف التي زرعوها بداخلنا , الظلم يعشش مع العبيد ويسكنهم ليسرق اعمارهم
المحيط يفرض على المرأة الكثير وبسبب المحيط وما يلحق به يضيق تفكيرها ومع انعدام البديل لديها ستضطر لمجاراته , ستجاري المحيط الذي يلاحقها ويريدها كما يرغب فستجاريه برغباته وتنعدم رغباتها , محيطها يريدها ان تكون بشكل امامه ولها شكلها المخفي بكل رغباتها ومهما كان , المهم ان تحافظ على الشكل المسموح لها به , المحيط يريد منها ان تكون زوجة وليس عانسا حيث اصبحت تسبب لها هذه الكلمة رعبا كبيرا ولا تعلم سببه , هل لأن هذا المحيط اوهمها بأنها ضعيفة ولا تستطيع العيش بمفردها بدون رجل يحميها ؟ والمصيبة انه سيحميها من امثاله الرجال

كل الحب والتبجيل لأفكاركِ


2 - من الازدواجية الى النرجسية
مراد ( 2013 / 5 / 5 - 07:30 )
وهل يمكن للحب ان يولد على انقاض الانسان بعد خربت امراة مثلك وقذفت بها الى فرن الشارع المحموم حيث عيون الرجال تتصيد الضحايا. كيف يمكن ان نفكر تمزقاتنا بذهنية متمفصلة تنظر الى الارتباطات التفاعلية مع الاخرين بمعنى ان حريتي واستقلالي الذاتي الانساني وعشقي الكبير لحريتي لاتنهض على اساس جعل الاخرين فئران بشرية لمختبر مساري الحياتي لنكتسب ذواتنا المستقلة عن جدارة الفعل الانساني دون ان نقدم انسانا مثلنا قربانا لادراك معنى ان نكون ونصير احرار. الفدادين هي الفدادين لكن ماحجم الخراب الذي نشرناه ونحن نصعد جبل التيه والترحال الجنوني الذي ينصب فخاخه تحكم التربية الدينية في الصمائم الاولية للانسان منذ طفولته


3 - لانريد خيالا نريد الواقع
عبد الله اغونان ( 2013 / 5 / 5 - 15:10 )
تحلي بالصدق
لا نريد خيالا نريد مصارحة
احكي خياتك كما هي

اخر الافلام

.. الطبيب العام محمد الأيوبي: الرجال هم أكثر إصابة بمرض باركنسو


.. -تشديد العزلة على القائد عبد الله أوجلان استمرار للمؤامرة ال




.. اللبنانية ريم صايغ فراشة الغوص الحر


.. أخصائية التونسيات تعانين من نقص الوعي وغياب الثقافة الصحية




.. أقوال المرأة خالدة في ذاكرة التاريخ