الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شم النسيم عيد ميلاد الكون!

فرانسوا باسيلي

2013 / 5 / 6
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


منذ سنوات قليلة، ارتقت معارف ومشاعر البشر في الدول المتقدمة حضاريا إلى الحد الذي صاروا يحتفلون فيه بيوم الأرض Earth Day ويوم الشجرة، وهذا جميل. ولكن الأجمل هو أن قدماء المصريين كانوا يحتفلون بالطبيعة قبل خمسة آلاف سنة! وذلك في اليوم الذي ما زال المصريون يحتفلون فيه إلى الآن بشم النسيم. وهكذا يستمر قدماء المصريين في تحقيق الفرائد والافتتاحات الحضارية. إذ نكتشف كل يوم كم كان هؤلاء في حالة سبق باهر لكل معاصريهم وما زالوا يقدمون للبشرية القدوة في كثير من مجالات الحياة والمعرفة والعلوم والفنون والمعتقدات.

ومن فرائدهم كما هو معروف أنهم أول من ابتكر الأبدية وأبدع فكرة الخلود عبر إيمانهم الجميل المثير بوجود الروح وعودتها مرة أخرى للجسد بعد الوفاة لتحقيق البعث والحياة مرة أخرى. وهي الفكرة التي جاءت بها الأديان السماوية بعد ذلك. ولا أدري كيف يستطيع أي إنسان مؤمن بأي من الأديان السماوية أن يتجاهل تلك العبقرية المصرية القديمة التي أبدعت وآمنت بالحياة الأخرى وبالثواب والعقاب قبل نزول الرسالات وقدوم الرسل. لولا التعصب الديني والانغلاق الذهني وضيق الأفق المعرفي الذي يمنع الكثيرين من القدرة على التفكير الحر والتقييم الحيّ لعرف كافة المؤمنين بكافة الأديان قدر المصريين القدماء، واعترف لهم بأنههم أول من قدم رؤية كونية متكاملة تفسر الحياة والموت والطبيعة والكون والخالق والمخلوق، رؤية تتمحور حول شغف بالغ بالحياة والمحبة والطبيعة والفرح والجمال.

والمؤسف حقا أننا نجد اليوم في أدبيات التزمت والانغلاق الديني لدى بعض المصريين المسملين - وليس كلهم - نجد مشاعر عدائية رافضة للحضارة المصرية القديمة - حضارة أجدادهم - على أساس أن أجدادهم كانوا كفارا من عبدة الأصنام! ووصل الجهل ببعضهم إلى حد المناداة العلنية في كتيباتهم بتحطيم الآثار المصرية التي ليست سوى "أصناما"! هذا ما يفعله الشطط الديني الذي يصل إلى حد تحريض الإنسان المصري ضد أعظم الإنجازات الحضارية في تاريخه، فيصبح عدو نفسه، وهذا دائما هو قدر الجاهل!

لم تعد مصر تحتفل بشم النسيم بالشكل الذي كانت تحتفل به في أيام طفولتي وصباي، قبل سقوط العقل المصري في دوامة الهوس الديني الذي اقنع بعض ضحاياه بأن كل ما هو غير ديني فهو حرام، الأعياد والأفراح وتقاليد البهجة والمتعة والمسرّة والفنون كلها حرام، بل رأي بعضهم أن الضحك - وخاصة للمرأة - حرام! العيد الحضاري القديم لم يعد بنفس بهجته وبهائه، لقد تشوه كما تشوهت أشياء كثيرة أخرى في مصر نتيجة للتشوه الفكري الذي أصاب جيلين أو ثلاثة أجيال، منذ السبعينيات من القرن الماضي، لهبوب الرياح الوهابية من الصحراء على الأراضي المصرية، فإذا بالمصريين يتنكرون لحضارتهم العتيدة ويحاكون ثقافات لم تعرف الحضارة في مظاهر اللبس والشكل والسلوك والعادات.

أما شم النسيم، ذلك العيد البهي، فقد كان يرمز عند قدماء المصريين إلى بعث الحياة، إذ تنهض فيه الأرض من موتها الشتوي وتنتفض ناثرة من جسدها الفائر ألوان الزهر والطير والعطر، فتشب الزهور وتندلع ألوانها الحمراء والصفراء كالحرائق البراقة فتخلب لب الفراشات التي تهيم بها وترشف من شفاهها شهد الحياة وعصير الفرح والمرح والمحبة.
ولذلك اعتقد المصريون القدماء أن هذا اليوم هو أول الزمان، هو بداية عمر الكون، هو طفولة الطبيعة، فياله من اعتقاد باهر وإيمان بديع!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 1.5 بالمئة من سكان العالم نازحون قسريا | الأخبار


.. الدعم العسكري لأوكرانيا: ورطة أوروبية بلا مخرج؟ | بتوقيت برل




.. المؤثرة الجزائرية لينا تكشف حقيقة علاقتها المثيرة مع صفحات ا


.. يورو 2024.. التوقعات للمتأهلين من المجموعات النارية في ألمان




.. رفح تحت النار.. ما جديد مساعي التهدئة في غزة؟ | #رادار