الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الحرية أم الجهل: من أين نبدأ؟

ريم ثابت

2013 / 5 / 8
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


من أين نبدأ ؟؟!!
هل نبدأ بتحرير العقل المتخلف من قيود الهيمنة؟ أم نبدأ بتخليص الإنسان المتخلف من براثين الجهل؟؟ أم نتخذ كلا الاتجاهين معاً كبداية في وقت واحد ؟؟؟.. أسئلة يفترض أن تتبادر إلى ذهن كل من يستهدف التنمية، وكل من يضع نصب عينيه آليات التطوير، سواء كان ذلك على الصعيد الفردي أو المجتمعي، فهي أسئلة تطرح نفسها بقوة على ساحة التغيير، وتلقى صعوبة بالغة في إيجاد إجابة شافية لها خاصة من قبل مجتمعاتنا النامية التي هي من الأساس لم تعتاد ثقافة الاختيار أو الإجابة على مثل هذه النوعية من الأسئلة، الأمر الذي يجعلنا دائماً في مواجهة خطط تنموية ذات بدايات مشوشة غير واضحة المعالم، ونهايات لا تزال معقوفة على إرهاصات تتحكم فيها مقادير مجهولة.
وإذا قبلنا فكر أنصار الاتجاه الذي يذهب إلى الشروع في تحرير العقل المتخلف من قيود الهيمنة قبل البدء في تخليصه من براثين الجهل، فإننا بالطبع نكون أمام مأزق كبير، حيث إن تحرير العقل من القيود المهيمنة عليه يتطلب – بالضرورة في بنيته الأولية - الانطلاق نحو التفكير الانتقادي، الذي - وبطبيعة الحال – لا يجد له محفلاً في ظل وجود الجهل، وغياب إدراك الدور الحقيقي للتعليم، هذا ما لم نتجاوز التفسيرات الشكلية الساذجة المتعلقة بالمهمة الإنسانية للتعليم، وما لم نغفل دور التعليم – كعمل اجتماعي – سيظل في خدمة الفرد إما لتحريره أو لتطويعه.
أما إذا قبلنا فكر أنصار الاتجاه الذي يذهب إلى البدء أولاً في تخليص الإنسان المتخلف من براثين الجهل ثم تحرير عقله من قيود الهيمنة (وهو الفكر الراجح من وجهة نظري) – فسنكون بذلك في اتفاق مع مقولة: (تبدأ الحرية حينما ينتهي الجهل)، وهي المقولة التي أطلقها الأديب والشاعر الفرنسي (فيكتور هوجو)، ولمن لا يعرف (هوجو)، هو أحد أشهر أدباء فرنسا الذين ظهروا في الحقبة الرومانسية، وهو صاحب مؤلفات عدة كان أشهرها رواية (البؤساء) و(أحدب نوتردام) ... وغيرهما، وقضى طفولته - على حد قوله - : (مشدود الوثاق إلي الكتب)، أما في شبابه فقد اعتنق الفكر الاشتراكي تزامناً مع نشوء البروليتاريا الجديدة في فرنسا، هذا عن الـ (هوجو)... ماذا إذن عن مقولته؟؟؟!!
إن ترجيح فكرة تخليص الإنسان المتخلف من مناص الجهل أولاً ثم تحريره تتأتى - في رأيي - من قناعة مؤداها: (أن التعليم أبداً لا يمكن أن يكون محايداً)، إذ أن التعليم وفقاً لهذه القناعة لا يمكن أن يستهدف نفسه، ولا يمكن أن يكون بلا ضرورة إنسانية، فإما أن يكون من أجل تطويع المواطن للسلطة المهيمنة، أو أن يكون من أجل تحريره من هذه السلطة، وتأسيساً على ذلك فإنه أياً كان الغرض من هذا التعليم فلن يخرج عن كونه مجرد (وسيلة)، أما (التحرير أو التطويع) فلن يخرجا عن كونيهما (هدف)، وإن المنطق الذي يحكم العلاقة بين الوسيلة والهدف هو بطبيعة الحال منطقاً زمنياً، بمعنى أنه لا يمكن الوصول إلى الهدف دون الشروع في اتباع الوسيلة، وهذا يعود بنا مرة أخرى إلى تدعيم مقولة (هوجو) والاتفاق معها.
والسبب الثاني الذي يحملني إلى دعم مقولة (هوجو) وترجيح فكرة تخليص الإنسان المتخلف من براثين الجهل أولاً ثم تحريره، هو كنه الحرية ذاتها، ففي اعتقادي الحرية ليست مجرد شيئاً إضافياً يتم إيداعه في عقول المواطنين، أوهي ترفاً ينعم به مواطني المجتمعات المتقدمة فقط دون غيرها، إنما هي استجابة واعية نحو العالم من أجل تغييره، هذه الاستجابة حتى يستحضرها هؤلاء المواطنين يلزمهم مقومات عدة، أولها: العمل الحواري الذي يستلزم بالضرورة وجود علاقة تعاونية حوارية تجمع بين الأفراد المهيمن عليهم من جهة، وعلاقة جدلية حوارية تجمع بين الأفراد المهيمن عليهم والسلطة المهيمنة من جهة أخرى، وكلا العلاقتان لا شك أنهما لا يمكن تفعيلهما في وسط يشاع فيه الجهل من جانب الأفراد المهيمن عليهم. ثانيها: الوحدة والتنظيم: حيث أن التفرقة هي عمل من صميم أيديولوجية الهيمنة وفرض القيود على الحريات، في حين أن الوحدة هي عمل ثقافي يتأتي للمواطن المقهور وبموجبه يعي ويعرف كيف؟ ولماذا؟، أما التنظيم بالنسبة لقادة التحرير فيقصد به تنظيم أنفسهم مع المواطنين، وكلا من الوحدة والتنظيم يتطلبان بالضرورة وعي طبقي، وإدراك من قبل المواطنين المهيمن عليهم، وهذا الأمر لا يتماشى - بطبيعة الحال – مع بيئة الجهل.
هذا ويُلاحظ في فكرنا العربي الحديث أن قضية (الحرية والجهل) قد استأثرت باهتمام مفكر مثل (عبد الرحمن الكواكبي) الذي اتفق جملة وتفصيلا مع مقولة (هوجو) من حيث المبدأ، ويتضح ذلك جلياً من خلاصة كتابه (طبائع الاستبداد)، والذي عبر فيه عن خطورة الجهل على مسار التحرر بقوله: (الاستبداد والعلم حرباً دائمة وطراداً مستمراً، يسعى العلماء في نشر العلم، ويجتهد المستبد في إطفاء نوره، والطرفان يتجاذبان عامة الناس، ومن هم عامة الناس، هم أولئك الناس، الذين إذا جهلوا خافوا، وإذا خافوا استسلموا، وهم الذين متى علموا قالوا، ومتى قالوا فعلوا).








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الفرق
نيسان سمو ( 2013 / 5 / 9 - 12:50 )
هل نبدأ بتحرير العقل المتخلف من قيود الهيمنة؟ أم نبدأ بتخليص الإنسان المتخلف من براثين الجهل؟؟ وما هو الفرق ؟؟

اخر الافلام

.. السودان الآن مع عماد حسن|فيديوهات مرعبة! هل انتقلت البلاد إل


.. مصابون في قصف من مسيّرة إسرائيلية غرب رفح




.. سحب لقاح أسترازينكا من جميع أنحاء العالم.. والشركة تبرر: الأ


.. اللجنة الدولية للصليب الأحمر: اجتياح رفح سيؤدي لنتائج كارثية




.. نائبة جمهورية تسعى للإطاحة برئيس -النواب الأميركي-.. وديمقرا