الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هل للكتابة أن تحرر شعباً؟

إيمان ملال

2013 / 5 / 9
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


لمن يتساءل : ما فائدة الكتابة؟ لماذا نكتب؟ وهل تملك الحروف أن تغيّر واقعا؟

تحدّث الفرنسي رولان بارت في "درس في السّيميولوجيا" عن اللغة قائلا قائلاً : "اللغة سلطة تشريعية، اللسان قانونها." رغم أن أعمال بارت ليست الوحيدة التي تحدثت عن علاقة اللغة بالسّلطة، من حيث أن هذه الأخيرة تستعمل اللّغة لأغراضها كما أن اللّغة في حد ذاتها تستعمل سلطتها لأجل ممارسة نوع من القهر..
غير أن ما يمكن استخلاصه من أحداث التاريخ أن للّغة (والكتابة شكل من أشكالها)، استطاعت غير ما مرّة أن تغيّر واقعا بأكمله، دون الخوض في مسألة "المنطق الرّوائي" الذي تحدث عنه نسيم نيكولا طالب في "البجعة السّوداء" والذي يقول بأننا نميل في رواياتنا للأحداث إلى ربط الأسباب بالنتائج رغم جهلنا في الغالب بأسباب قد تبدو تافهة غير أنها هي المحرك الأساسي للأحداث، ودون الخوض في مسألة التاريخ وعلاقة الفكر بالواقع، نستطيع أن نقول بأنه، خلافا لما يعتقده الكثير، هناك قصيدة تستطيع أن تحرّر أرضاً، وبهذا الصّدد نذكر ما قاله الشاعر سميح القاسم الملقب بـ "هاملت الفلسطيني" حين سُئل عن بقائه في اسرائيل فقال : " لم أبقَ في إسرائيل بل بقيت في وطني، وأنا باق لأن لدي سلاحاً هو أفضل من أسلحة التدمير الشامل التي تحدثوا عنها في العراق، ويتحدثون عنها في سوريا، وأخطر من السلاح النووي الإيراني المتوقع. لديّ قصيدتي، وهي سلاح فتّاك كما تعلم. فتاك باليأس، فتّاك بالمذلة، فتّاك بالهوان، فتّاك بالتّشرذم، بالإقليمية، بالطائفية، بالقبلية، بالجاهلية الجديدة، وهي نظام الحياة العربية الراهن، من المحيط إلى الخليج. أنا أحارب هذه الجاهلية الجديدة ولديّ هذه القدرة بقصيدتي. أنا محدود الإقامة محدود الحركة ولكن قصيتي تفعل ما تستطيع."
ثمّ سُئل مرة أخرى :"هل أنت متأكد من أن قصيدتك تزعج إسرائيل؟"
يردّ سميح القاسم: "قبل سنوات، في السبعينيان، صودرت مجموعة شعرية لي واعتُقلت. تجمّع بعض الفنانين والكتاب، يهود وعرب، للمطالبة بإطلاق سراحي. وُجهت برقيات من شخصيات ثقافية عالمية، من سارتر وجان باييه، وأطلق سراحي. ناقد اسرائيلي يميني معروف قال: من الصعب ان ندافع عن قصيدتك، لأنها قصيدة جيدة.
هم يعرفون أن هذه القصيدة تنطلق من الشخصي والذاتي الفردي لتُكوّن وعياً ووجدانا وطنياً وقومياً. هم يعلمون أن قصيدتي تشجع طفلا في النقب، وامرأة في المثلث، وشيخا في الجليل على التشبث بما تبقى من تراب. قصيدتي إذن تزعج إسرائيل ! "
إن الكتابة بهذا المعنى، ليست ترَفاً فكرياً أو هواية سطحية لملأ وقت الفراغ وحسب، إنها وسيلة ضغط تؤدي بصاحبها إلى الموت أو السجن في أحسن الأحوال. والتاريخ شاهد على أحرار الكلمة الذين أدّت بهم أقلامهم إلى غياهب النّسيان خلف جدران السجون والمنافي.

وبين القصيدة التي تزعج إسرائيل واللّغة التي تمارس سلطةً هناك أيضاَ نفوذ قوّة القلم في تاريخ الأدب..
يُذكر أن الشاعر والكاتب الإيطالي "بييترو أريتينو" أبرز أعلام عصر النهضة قد دُعي مرّة لمقابلة الإمبراطور شارل الخامس في "بدوا" فلما أقبل على المدينة خرجت جموع كبيرة تحييه كما تحيي العظماء، وآثر الإمبراطور شارل الشاعر أريتينو على جميع الحاضرين، فاختاره للركوب إلى جانبه وهو يطوف بالمدينة، وقال له: "إن كل سميذع (سيد كريم وشريف) في أسبانيا يعرف كتاباتك، ويقرأ كل ما يصدر منها فور طبعه". وجلس ابن الحذاء في تلك الليلة عن يمين الإمبراطور، الذي دعاه لزيارة أسبانيا، فرفض بيترو بعد أن عرف ما هي البندقية. وكان أريتينو وهو جالس إلى جانب فاتح إيطاليا أول مثل لما أسماه الناس بعدئذ قوة القلم، فما من نفوذ شابه نفوذه في الأدب حتى جاء فولتير. رغم أن هذا الشاعر قد اشتهر بهجائه القوي لأصحاب السلطة في زمانه، كما أن أشهر مسرحياته كانت "الحياة في البلاط".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مكافآت سخية للمنتخب العراقي بعد تأهله لأولمبياد باريس 2024|


.. عقاب غير متوقع من محمود لجلال بعد خسارة التحدي ????




.. مرسيليا تستقبل الشعلة الأولمبية لألعاب باريس 2024 قادمة من ا


.. الجيش الأمريكي يعلن إنجاز بناء الميناء العائم قبالة غزة.. وب




.. البرجوازية والبساطة في مجموعة ديور لخريف وشتاء 2024-2025