الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هجرة الارياف الى المدن ، واحدة من الاسباب المهمة لظاهرة البطاله .

حامد حمودي عباس

2013 / 5 / 11
ملف حول مشكلة البطالة في العالم العربي وسبل حلها، بمناسبة 1 ايار- ماي 2013 عيد العمال العالمي


ضمن مقالي المعنون ( هجرة الريف الى المدينة .. وما آلت اليه من خراب ) والمنشور على صفحة الحوار المتمدن بعدده المرقم 3706 في 23/4/2012 ، كتبت ما يلي :
( ... أما في العراق ، فقد ماتت طبقة الفلاحين تحت مطارق الحصار وعبث الحروب ، بعد ان كانت ولادة سخية لخيرة مناضلي البلاد والمضحين من أجل تحقيق مكاسب الفقراء ، وانزوى الفلاح العراقي في صومعته لحين من الزمن ، يقاوم ويأنف من احتمالات النكوص ، وهو يرى أرضه يغلفها السبخ بفعل الخاصية الشعرية للمياه الجوفيه ، وتفقد صلاحيتها لتربية الزرع ، وتبتعد عنها الحكومات المتعاقبة وكأنها لا تريد للشعب ان يأكل من خيرات وطنه وعطاء ريفه .. وبدأت الكارثه .. كارثة عظمى سوف لن يغفرها التاريخ لاولئك الذين أسسوا لأول منزل من طين سكنه فلاح مهاجر ) .
وكتبت ايضا :
( .. لقد سيطر الوافدون الجدد على كل المهن والورش ، و اصبحوا متنفذين في هيكل الدولة بشكل عام ، فضاعت مراسم التخطيط العلمي ، وتعرض كل شيء للتغيير السلبي ليشمل حتى اسماء المدن والشوارع ، وكأن عداء مستفحلا قد حل بين الحاضر والماضي ، طالت نتائجه الحجر والشجر وما بينهما من معالم .. وكنتيجة حتمية لهذا الشرخ المتين ، فقد زحفت الجموع الوافدة من العربان ، لتزيح من امامها طبقة العمال الحقيقيين ، محتلة معاقلها لتحيلها الى صوامع تنشر التخلف وتشجع على الاستهلاك غير المنظم بين السكان .. وكثرت تبعا لذلك ظواهر الطلاق ، وتفشت الجريمة وبوتيرة عالية جدا ، وانتشرت مظاهر الرشوة والمحسوبية بين المكلفين بادارة الشأن العام ..) . انتهى .
ان التصدي لظاهرة البطالة في بلدان الوطن العربي عموما ، وفي العراق على وجه الخصوص ، باعتباره اصبح نموذجا تكتمل عنده صورة تعطل الحياة المهنية لشرائح واسعة من الشباب ، ذلك التصدي ،لا يمكن الشروع به ، دون الأخذ بنظر الاعتبار لوحة هجرة الفلاحين المنظمة صوب المدن ، وما تسبب جراء ذلك من إقحام قسري لهم في منظومة الشغل اليومية ، وازاحة جحافل واسعة من العمال الحقيقيين عن واجهة العمل ، الامر الذي خلق موجة عارمة من البطالة الحقيقية والمقنعة .
ففي العراق مثلا ، تعطلت العشرات من معامل القطاعين العام والخاص ، والتي تعتمد في انتاجها على المحاصيل الزراعية ومخلفاتها ، بسبب ذلك العزوف العام عن ممارسة الزراعة وموت الريف ، وتسبب الاعتماد على المستورد من المنتوجات الزراعية ، وبشكل شبه مطلق ، بحرمان الخزينة العراقية من مصدر هام وحيوي من منابع التغذية الرئيسية ، مما جعل المشاريع التنموية المعتمدة فقط على اذرع الاقتصاد النفطي ، والمنهوب اصلا من قبل الاجهزة المتنفذة في الدولة ، تعاني من مظاهر الفشل والتلكؤ ، وانعدام الصيغ العلمية الضرورية ، ناهيكم عن تكرار مراحل التوقف في تلك المشاريع وبالتالي الاسهام المباشر في تعطل الايدي العاملة المؤقتة وبقائها رهنا بالظروف الآنية وغير المستقرة .
وبعيدا عن الاحصاءات الرسمية ، وتلك التي تصدر عن معاهد متخصصة بالشأن الاجتماعي في بلادنا ، يجد المتفحص الواعي صورا لا يشوبها عدم الوضوح ، تنطق بحقيقة أن الغالبية العظمى من العاملين سواء في ما تبقى من معامل خاصة ، واولئك الذين يفترشون الارصفة من الباعة المتجولين ، وغالبية سائقي التاكسي في المدن ، ومن يتخصص ببيع الفواكه والخضر .. وكذلك العاملين في قطاعات النظافة والحراس والمناوبين في دوائر الصحة ، هم من اصول ريفية .. وقد زحفت الايدي العاملة المنحدرة من القرى والارياف لتعم كافة ميادين العمل المختلفة لتقتل وبضراوة تامة مجالات العمل لسكان المدن الاصليين .. وتراجعت دوائر الدولة بما فيها مراكز الشرطة عن جديتها في حل المشاكل اليومة للناس وبالشكل المطلوب والصارم ، لكونها هي الاخرى اصبحت تدار من قبل الفلاحين المهاجرين وابنائهم ، وحلت الاعراف العشائرية محل القوانين ، حتى اصبحت تلك الاعراف بمثابة السنن المعول عليها لفض النزاعات وبالطرق البدائية بدل ان يركن المتنازعون الى المحاكم ، الامر الذي سهل على ابناء الريف سبل السيطرة شبه الكاملة على مقدرات الحياة العامة وتراجع سواهم من ابناء المدن عن مواقعهم واغلب حقوقهم المدنية بما فيها حق العمل .. وبذلك برزت مظاهر البطالة المقنعة باوضح صورها ، في حين انسحبت الطبقة العاملة الحقيقية الى الخطوط الخلفية قسرا بفعل الضغط المتواصل عليها من قبل موجة عاتية غزت كل شيء ، جاءت من اعماق الارياف لتحتل المدن وضواحيها .
الولادات العشوائية غير المسيطر عليها ، هي الاخرى واحدة من الآفات التي انتقلت من الريف الى المدينة وبتسارع مخيف ، صاحبها تسرب لا ينقطع عن الدراسة بالنسبة للاطفال ، ومشاركة هؤلاء بممارسة العمل المتقطع لتوفير رغيف الخبز لأسر تعدت حدود منتسبيها الى أوسع نطاق ، كل ذلك ساهم في زيادة رقعة البطالة وعزز من أسس وجودها .
لقد أضحى الشعور بالأسف الشديد ، يلازمني وأنا أرى حقيقة كهذه لا ترقى الى يقين الكثيرين ممن يحاولون البحث في الاسباب المنطقية لوجود البطالة في بلداننا .. ومن الممكن القول ، بأن تجاهل كهذا ، سببه الاكثر فعلا في بناء قناعات تبدو مبتورة ، وبعيدة عن ما يعرضه واقع الحال ، هو العزة بالنفس ، وعدم الاقدام على مغامرة تتسم بالجرأة للغوص في اعماق الجسد العربي وتعميق آثار مبضع علاجه ، خوفا من تبعات ردة ثقافية يصيب شررها من يقول بان هجرة الفلاحين الى المدن هو البؤرة التي انطلقت منها ظاهرة البطالة وبامتياز . . فالريف هو المكان الذي انجب اعظم رجالات ونساء الفن والادب والسياسة ، وهو المنبع للابداع وموطنا للصدق ومحملا للأمانة وحب الخير ، ولكنه لن يكون كذلك لو غادر مساحة وجوده نحو فضاءات اخرى لم يألفها ، ولا يستطيع التعايش معها مهما حاول جاهدا لبلوغ ذلك .
هجرة الفلاحين من الريف الى المدينة .. واحد من الاسباب المهمة لخلق ظاهرة البطالة في مدننا ، ولابد لناقوس الخطر ان ينبه الجميع لهذه الحقيقه .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - احسنت استاذ ..تفصيل دقيق جدا وموضوعي
ماهر ثائر ( 2014 / 8 / 1 - 01:30 )
مابعد عام 2003 في العراف التمسنا اداء فعال جدا لوزارة الزراعة من اعطاء البذور والاسمدة والسلف والاليات الزراعية بكافة انواعها ودعم المشاريع باعطاء مبلغ على ثلاثة دفعات ،،والهجرة مستمرة ..براي المتواضع ان هذه الهجرة التي اسولت على المدينة وبدلت كل اساليب الحياة والتي انت فصلتها ،،هي تماما غزو بكل مايحمله معنى الغزو ،،ومتفقون على مااضن ان ثقافة الاغلبية هي التي تسود ،، ،،وهذه هية الكارثة ،،الامل الوحيد ان نستبقي على الريف الموجود حاليا وتطرح بشكل جدي ثقافة سليمة
وعلى مااضن ان اهم السباب ايضا للهجرة هي التكنلوجيا وباالاخص الهاتف النقال والحاسوب والانترنيت التلفاز ،،والسبب بسيط عدم وجود ثقافة حول هذه التكنلوجيا وادماجها بعمل الريف واستغلالها ،،،بل العكس

اخر الافلام

.. احتجاجات متواصلة في جامعات أوروبية للمطالبة بوقف إطلاق النار


.. هجوم رفح.. شحنة قنابل أميركية معلّقة | #الظهيرة




.. إطلاق صواريخ من جنوب لبنان باتجاه الجليل الغربي شمالي إسرائي


.. فصائل فلسطينية تؤكد أنها لن تقبل من أي جهة كانت فرض أي وصاية




.. المواطن الفلسطيني ممدوح يعيد ترميم منزله المدمر في الشجاعية