الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حزب خالد وحزب بلال

وسام الربيعي

2013 / 5 / 12
المجتمع المدني


في مشهد صغير من فيلم "الرسالة"، يظهر أبو سفيان جالسا أمام النبي للتفاوض معه قبل دخول المسلمين مكة، ويكون خالد إبن الوليد جالسا على يساره وبلال الحبشي على يمينه، فيطلب أحدهم من أبو سفيان أن ينطق بالشهادة لدخول الإسلام، فيقول أبو سفيان مترددا: (لازال بعض الشك في رأسي). فيجيبه خالد محتدا قابضا على سيفه: (لو فصلناه لزال الشك كله). فيقاطعه بلال: (على رسلك يا خالد، قد يحتاج المرء للحظات أو لسنين).

استوقفني هذا المشهد كثيرا.. فذلك الحوار القصير يمكن أن نستخلص منه الكثير، بل إني لأجد كل معاني التاريخ الإسلامي تتلخص في هذا المشهد.
إثنين من كبار صاحبة النبي الأوائل، تباينوا جذريا بالدعوة للإسلام، وفي حضرة النبي، هذا يدعو بالسيف وذاك يدعو بالكلمة، وشتان بين الإثنين، السيف والكلمة، العنف والحكمة. كيف نفسر هذا التباين بين خالد وبلال في هذا المشهد التاريخي؟.

إن عوامل النشأة والظروف المحيطة لها دور كبير في تحديد توجهات كل منهما. فبلال نشأ عبدا، وذاق طعم القمع والإكراه، وخبِره جيدا، وقد إعتنق الإسلام للخلاص من كل هذا وطمعا في الحرية والكرامة، حرية الرأي والتعبير والكرامة الإنسانية. وقد دخل بلال الإسلام مع بدء الدعوة في مكة، حين كانت شوكة المسلمين ضعيفة، وتربى وشرب الإسلام على النهج الدعوي اللطيف اللين، حيث كانت ألآيات المكية وكذلك أوائل الآيات المدنية التي نزلت في بداية الهجرة تدعو إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة مثل (وجادلهم بالتي هي أحسن، لا إكراه في الدين، لكم دينكم ولي دينِ، ولو كنت فظا غليظ القلب لأنفضوا من حولك) وغيرها من هذه الآيات الهينة اللينة. تلك النشأة والظروف المحيطة جعلت من هذا الصحابي قادرا أن يمنح المشرك أو المشكك أبا سفيان مهلة تمتد لسنين طويلة ليتأكد مما يدور في رأسه من شك وارتياب.
أما خالد فقد نشأ سيدا في قومه، فارسا صنديدا لا يشق له غبار، خبِر القتال والغزو وحصد الغنائم - وذلك بعد حصد الرؤوس طبعا، إعتنق الإسلام في المدينة، حين صارت شوكة المسلمين قوية، وتربى وشرب الإسلام على الآيات المدنية الحازمة مثل (قاتلوهم يعذبهم الله بأيديكم، واقتلوهم حيث ثقفتموهم، وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة، جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم) وغيرها من هذه الآيات الأكثر حزما وصرامة. هذه النشأة والظروف المحيطة جعلت من هذا الصحابي أقل صبرا على المشرك أو المشكك أبي سفيان، وراغبا في قطع رأسه للخلاص مما في ذلك الرأس من أسئلة وشكوك.

كل تلك العوامل في نشأة هذين الصحابيين مع جملة المتغيرات المحيطة بهما قبل الإسلام وبعده، جعلت من هذا الصحابي ودودا لطيفا في دعوته لله، وذاك حازما صارما كالسيف. فكان الأول مؤذن الرسول الداعي لذكر لله بصوته، وكان الثاني سيف الله المسلول.
ولا يعني هذا أن بلال لم يحمل السيف قط، أو أن خالد لم يدعو للإسلام بالكلمة، لكن الطابع العام الغالب لكل منها كان كما ذكرنا بكل تأكيد.


خلال الأربعة عشر قرنا الماضية من التاريخ الإسلامي ظهرت الكثير من الفرق والاحزاب والحركات الإسلامية المختلة، من مذاهب وطوائف ومدارس وملل. وستظهر في المستقبل أيضا الكثير منها، مادمنا ودام الدهر. ورغم كل تفرعاتها الواسعة والمتشعبة وتباعد أصولها وجذورها الفقهية، إلا أنني إرتأيت أن أصنف كل هذه الفرق الإسلامية إلى فرقتين أو حزبين رئيسيين، هما (حزب خالد وحزب بلال).
لن يكون تصنيفي هذا على أسس فقهية أو شرعية أو ما شابه ذلك، فأنا لا أفقه في الفقه شيء، بل على أساس السلوك الذي تمارسه هذه الفرق في الدعوة لها خصوصا، أو للإسلام عموما. بالسيف أم بالكلمة، بالعنف أم بالحكمة، بالتطرف أم بالإعتدال.
فكل فريق من الفرق الإسلامية المتشددة والمتطرفة كالوهابية وتنظيم القاعدة مثلا هم في تصنيفي من (حزب خالد). وكل فريق من الفرق الإسلامية المعتدلة والعقلانية والمنفتحة على الآخر كالمعتزلة أو الأباضية مثلا هم في تصنيفي من (حزب بلال). وهكذا جميع الفرق مهما اختلفت صنوفها وتباعدت مدارسها ومرجعياتها الفقهية.
إن تكوين السلوك هذا يعتمد بشكل كبير على جملة من المعطيات والمتغيرات والظروف المحيطة عند نشأة وتأسيس كل فرقة. فالمدارس والمذاهب لا تتشكل لمجرد الرغبة في تشكيل تيار أو مذهب جديد، بل هي حصيلة أو نتيجة لأحداث وظروف انبثقت من خلالها هذه المدارس والفرق. فبلال مثلا دخل الإسلام في أول عهده، حين كان القرآن يحث النبي على أن لا يكون فظا غليظ القلب. بينما دخل خالد الإسلام حين كان نفس القرآن يحث نفس النبي أن يجاهد الكفار ويغلظ عليهم. وكذلك هو الأساس التكويني لكل فرقة أو مذهب، يعتمد على المرحلة والمتغيرات التي تشكل فيها هذا المذهب، تماما كما تشكلت توجهات خالد وبلال.
وبمثل هذه المقاربة يمكننا أن نفسر - مثلا - كيف تكون التقية شيء من أصول الدين لدى فرقة معينة. بينما تكون نفس التقية شيء من فروع الدين لدى فرق أخرى. فالمستضعفون ليسوا كمن يمتلك مقومات القوة، وبذلك يتباين السلوك والمعيار من فرقة إلى أخرى، وكل منهم يؤسس منهاجه وتوجهاته كما تقتضي الضرورة وبما يمتلك من مقومات.
كما أنه يمكن أن تنتقل أي فرقة من حزب خالد إلى حزب بلال أو بالعكس في مراحل معينة، حسب معطيات وظروف كل مرحلة من تاريخ تلك الفرق. فكما حمل بلال السيف في مواضع معينة وكما دعى خالد بالكلمة في مواضع معينة أخرى. كذلك أيضا قد يتغير سلوك بعض الفرق من الإعتدال إلى التطرف أو من التطرف إلى الإعتدال، فيصير العامل بالتقية هو من يُتقى بطشه، والعكس صحيح، حتى تتغير الظروف والمعطيات مرة أخرى وتعود كل فرقة إلى سيرتها الأولى.

باختصار وبالعودة إلى ذلك المشهد السينمائي من فلم الرسالة. خالد وبلال مثّلا صورتي التطرف والإعتدال في عالمنا الإسلامي، وكل المسلمين بكل مذاهبهم وفرقهم، إبتداءا من الإئمة والمراجع والعلماء، وصولا إلى المسلم العادي البسيط، ينقسمون ببساطة إلى هذين الحزبين (حزب خالد وحزب بلال)، ويمكننا أن نلمس هذا الإنقسام في أي حوار أو نقاش عادي يجري بين إثنين، في البيت أو الشارع أو المقهى، يمكننا أن نميز ببساطة، من هو من حزب خالد، ومن هو من حزب بلال.

فانظر من أي حزب أنت؟...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حماس توافق على مقترح الهدنة المصري القطري.. وقف إطـ ـلاق الن


.. العالم الليلة | المسمار الأخير في نعش استعادة الأسرى.. أصوات




.. شبكات | طرد جندي إسرائيلي شارك في حرب غزة من اعتصام تضامني ب


.. مع مطالبات الجيش الإسرائيلي سكاناً في رفح بالتوجه إليها. منط




.. لبنان: موجة -عنصرية- ضد اللاجئين السوريين • فرانس 24