الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مثقفو التزييف.. من صناعة الفكر إلى ترويج الوهم الإيديولوجي

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2013 / 5 / 12
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


الثقافة مسؤولية و التزام؛ تكوين فكري و وضوح منهجي؛ انتصار للفكرة في أبعادها الإنسانية و الكونية. لهذا؛ ينتصر المثقف؛ عادة؛ للموضوعية objectivité على حساب الذاتية subjectivité و لذلك؛ لا يصلح المثقف لخدمة تيارات إيديولوجية منغلقة؛ لان رسالته تتجاوز التصنيف الإيديولوجي الضيق.
إن هذه الصورة الملتزمة للثقافة هي التي ساهمت في إصدار أول بيان ثقافي في تاريخ الفكر الغربي الحديث؛ حينما أصدر جماعة من المثقفين الفرنسيين ( بيان المثقفين) محتجين على الحكم الصادر في حق الضابط اليهودي فرنسي الجنسية (ألفرد دريفوس) بتهمة الخيانة العظمى، حيث طالبوا العدالة بأن تعيد النظر في القضية، وقد حمل البيان وقتها توقيع أسماء كبيرة مثل: إميل زولا وأناتول فرانس ومارسيل بروست وليون بلوم.
و هذه الصورة الملتزمة للثقافة؛ هي التي دفعت الروائي الفرنسي الكبير (إميل زولا) إلى بعث رسالته الشهيرة إلى الرئيس الفرنسي (فليكس فور) متهما السير غير الطبيعي للعدالة في فرنسا بخصوص نفس القضية؛ و كانت الرسالة حينها تحمل عنوانا قويا يعبر عن قيمة المثقف الملتزم الذي ينتصر للعدالة و للقيم الإنسانية؛ فقد صاح (زولا) بأعلى صوته : إني أتهم .. J’accuse
لقد كانت هذه المرحلة؛ تجسيدا للفكر الأنواري بروحه الإنسانية المنفتحة و بما يحمله و يجسده من قيم العدالة و الإخاء و الحرية؛ هذا الفكر الذي جسدته نخبة ثقافية في قمة الرقي الفكري و المنهجي. لكن؛ النموذج الفرنسي نفسه عرف انحرافا خطيرا؛ جعل الكثير من أصوات الالتزام الثقافي تتعالى محذرة من المصير المجهول لفكر الأنوار. و نستحضر في هذا الصدد مفكرا و باحثا سياسيا؛ هو ( باسكال بونيفاس) مدير معهد العلاقات الدولية و الإستراتيجية ( IRIS) هذا المفكر الذي يقدمه (هاشم صالح ) مترجم كتب المفكر محمد أركون من الفرنسية إلى العربية؛ بأنه وريث كبار فلاسفة التنوير في فرنسا أمثال: فولتير؛ ديدرو؛ روسو ...
هاشم صالح- باسكال بونيفاس و الفكر المستنير – جريدة الشرق الأوسط- الخميس 1 ماي 2008- ع: 10747 .
لقد امتلك (بونيفاس) شجاعة خارقة حينما أعلن حربا لا هوادة فيها على من يسميهم ب مثقفي التزييف/التزوير les intellectuels faussaires الذين يسيطرون على المشهد الثقافي الفرنسي و يوجهونه لخدمة أجندة سياسوية رخيصة لا علاقة لها بالثقافة حتى في أبخس تجسيدها ! إنهم؛ بتعبير بونيفاس؛ يصنعون عملة ثقافية مزورة .
Pascal boniface – les intellectuels faussaires- jean Claude Gawsewitch éditeur- 2011- p :8
إن ربط (بونيفاس) خاصية التزييف و التزوير بالمثقف لا علاقة له بالاعتباطية و لكنه تعبير دقيق عن درجة الانحطاط الذي يمكن أن يصل إليه حارسو القيم و المبادئ الإنسانية السامية؛ و هذا الانحطاط قد يصل أحيانا إلى مستوى خطير جدا؛ و ذلك حينما لا يختلف المثقفون عن مزوري العملات الذين يهددون التوازن الاقتصادي؛ فهم كذلك يزورون القيم و الأفكار و يشكلون بذلك خطرا أكبر على التوازن الثقافي و الاجتماعي؛ حيث يؤكد بونيفاس أن القطيعة بين المواطن الفرنسي و النخبة الثقافية تزداد بشكل اكبر و هذا خطر على الديمقراطية؛ حيث يشكل مثقفو التزييف عصب الديماغوجية .
IBID – P : 13
في فرنسا؛ قام مثقفو التزييف بدور خطير جدا في نشر قيم الكراهية و العنصرية بين أفراد الشعب؛ و كانوا بذلك؛ السلم الذي قاد رمز الديماغوجية إلى الحكم؛ و لذلك فقد عاشت فرنسا خلال عهد ساركوزي أسوأ مراحلها؛ و أصبحت الدولة بمؤسساتها تطارد فتاة تضع قماشا على رأسها؛ أو تحرس جزارا يبسمل عند الذبح ... ! بينما تم فسح المجال واسعا لمرتزقة اللوبي الصهيوني ينشرون قيم و أفكار التزييف و التزوير بين الناس؛ و ذلك لأن الحدود بين المزيفين و المرتزقة واهية؛ لان الجميع على وعي بأنهم يمثلون النقيض التام للأمانة الفكرية؛ يؤكد بونيفاس بكل الشجاعة الفكرية .
IBID- P :9
إن حديثنا عن المشهد الثقافي الفرنسي؛ من خلال رأي بونيفاس كمثقف ملتزم؛ ليس هروبا من الواقع الثقافي العربي؛ الذي يعاني أعطابا أخطر بكثير مما صاغه بونيفاس؛ بل هو حديث غير مباشر عن هذا الواقع المختل؛ حيث يختلط الحابل بالنابل و تصبح الصورة مشوهة و أحيانا بشعة .
و هكذا؛ أصبحت الثقافة صناعة إعلامية صرفة لا مجال فيها للتكوين الفكري و الوضوح المنهجي و الالتزام الأخلاقي؛ فقد اختلطت القيم و أصبح بإمكان أي (شخص) أن يقدم نفسه مثقفا دينيا يفتي في أمور فقهية عويصة بجرة قلم؛ فيسيء بذلك إلى المعرفة الدينية الأكاديمية التي يمثلها علماء متخصصون في مجال علمي ضيق جدا يقضون السنوات الطوال في مطارحته؛ و قد تتحول معرفة فقهية سطحية بسيطة إلى أحكام قيمة مطلقة؛ غالبا ما تتميز بالسلبية؛ حول الديمقراطية و حقوق الإنسان و العلمانية ... و هذه قيم و أفكار مركبة و شامخة تتطلب قدرا عاليا من التكوين الفكري و الوضوح المنهجي و الالتزام الأخلاقي. أما في الجانب المقابل ( فحدث و لا حرج) حيث أصبح بإمكان أي كان أن يقدم نفسه خبيرا في قضايا الحداثة؛ ثقافيا و سياسيا و اجتماعيا؛ و بجرة قلم يحكم على تراث حضاري عظيم؛ فقها و فلسفة و فنا ... بأنه بضاعة رخيصة؛ بمنطق العصر؛ يجب أن تذهب إلى المتاحف. و لذلك لا يتوانى مثقف التزييف الحداثوي عن الرمي بأحكام القيمة البسيطة و المتهافتة حول قضايا في غاية التركيب؛ قد ترتبط بالمسالة الدينية أو بقضايا اجتماعية و سياسية في غاية التعقيد .
في هذا السياق؛ يدور الحديث؛ اليوم؛ في العالم العربي عن الصراع بين الحداثيين/الليبراليين/العلمانيين و بين المحافظين/السلفيين/ الإسلاميين؛ و قد يذهب البعض بعيدا حينما يعتبر أن الصراع الجاري بين هذه التيارات الإيديولوجية المنغلقة؛ هو صراع بين قيم الحداثة و التقدم من جهة و بين قيم السلفية و الرجعية من جهة أخرى ! لكن؛ أخطر ما يخفيه هذا التحليل المتواضع هو كون هذه التيارات لا تجسد هذه القيم بل تكتفي بتوظيف شعارات فضفاضة في إطار سباق انتخابي لكسب الأصوات الشاردة. إن ما يمكن أن يوصف بأنه صراع إيديولوجي في الساحة العربية (..) إنما يعبر عن اختلاف السلطات المرجعية المعرفية التي تمارس هيمنتها على هذه الفئة آو تلك من فئات المثقفين العرب؛ أكثر ما يعبر عن شيء آخر له صلة حقيقية بالواقع العربي أو بالتطلعات الحقيقية للجماهير العربية. و في هذا الصدد يؤكد الأستاذ الجابري: و إذن فإن مقولة الصراع الإيديولوجي هي ذاتها من المقولات التي يجب إعادة النظر فيها داخل الساحة الفكرية العربية الراهنة. (1)
محمد عابد الجابري- الخطاب العربي المعاصر.. دراسة تحليلية نقدية-مركز دراسات الوحدة العربية – ط: 5- 1994 – ص: 201
إن الصراع الجاري؛ اليوم؛ في العالم العربي؛ في جوهره؛ صراع إيديولوجي فج فاقد لروح الفكر و القيم إنه؛ بتعبير أوضح؛ صراع بين مثقفي التزييف بمختلف انتماءاتهم الإيديولوجية. فهم يمارسون تزييفا مضاعفا حينما يقدمون أنفسهم ناطقين رسميين باسم منظومات فكرية و قيمية تتجاوز بكثير إطاراتهم الإيديولوجية المنغلقة. فأية ليبرالية و ديمقراطية و فلسفة حقوقية يمكن أن يدعيها مثقف غارق في السلفية العرقية ؟ ألا يوظف هذه المنظومة الفكرية-القيمية فقط لتصفية حساباته الإيديولوجية الخاصة ضد رموز الحضارة العربية الإسلامية ؟ و أي توجه إسلامي محافظ يمكن أن يدعيه رجل دين بسيط لا يمتلك من بضاعة العلم سوى النزر القليل الذي لا يسمن و لا يغني من جوع ؟
و إذا كان التزييف مرتبطا؛ في الغالب؛ بتراجع التكوين الفكري و تضخم الغموض المنهجي و انحطاط الحس الأخلاقي؛ فإن المنتظر من مثقفي التزييف؛ بمختلف اتجاهاتهم الإيديولوجية؛ هو الإساءة إلى الفكر و القيم فتتعرض المنظومات الفكرية على أيديهم إلى مجازر رهيبة يقشعر لها الحس الفكري الرصين؛ حيث يتحول الدين بقوته الروحية الخارقة إلى مسألة إيديولوجية فجة يحسم فيها بجرة كلمة؛ حيث يركب مثقف التزييف رأسه و يطلق العنان للغوه دون حسيب و لا رقيب. و بالمثل تتحول المنظومة الفكرية الحديثة؛ بديمقراطيتها و علمانيتها و فلسفتها الحقوقية؛ إلى أبجديات بسيطة؛ يحسم فيها مثقف التزييف بفتوى متهافتة يلبسها لباس الدين و هي من الدين براء.
و في علاقة بمشهدنا الثقافي المغربي؛ و هو حالة خاصة يمكن تعميمها على العالم العربي؛ فإن مثقفي التزييف يمارسون سطوة مطلقة على النقاش العمومي؛ في ظل تراجع الحركة الفكرية الرصينة و اتساع رقعة وسائل التواصل الشعبي. و هذا ما أصبح يسيء إلى التراث الفكري المغربي بطابعه العقلاني الأصيل؛ و يمارس تأثيرا سلبيا على المتلقي؛ الذي يجد نفسه في مواجهة قصف إيديولوجي عنيف من جميع الاتجاهات. فبعد أن يخفت القصف الإيديولوجي السلفوي يبدأ القصف الإيديولوجي العلمانوي؛ و يتواصل القصف حتى ينطبق المثل القائل: (جعجعة و لا طحين) .
يطلق مثقف التزييف السلفوي( السلفوي هو الذي يحرف الفكرة التراثية و يخرج بها عن سياقها لخدمة أغراضه الخاصة) العنان لمخيلته المريضة؛ فينبعث القصف على شكل فتاوى رخيصة تسيء للدين بشريعته السمحاء؛ أكثر مما تجيب على إشكاليات اجتماعية و سياسية و اقتصادية. و هكذا؛ يزوج الفتاة القاصر عن سن التاسعة عبر تأويل نصي متهافت لحديث نبوي شريف؛ و ينصح الفتاة قبل الزواج بممارسة الاستمناء بالجزر؛ و يحرم أكل الحلزون بدعوى أن الرسول عليه السلام كان يأكل الجراد و يمتنع عن أكل الحلزون؛ و يبيح معاشرة الزوج لزوجته الميتة؛ و يفتي بقتل المرتد عن الإسلام ضد منطق حرية الاعتقاد التي يحث عليها الدين الإسلامي و تكفلها المواثيق الدولية ... ! و عندما نبحث في مصدر هذه الفتاوى المتهافتة؛ نجدها صادرة عن مثقف التزييف الديني الذي لا يهتم بمنهجية العلوم الشرعية؛ كما جسدها الاجتهاد الفقهي في بعده الأصولي العقلاني؛ و لكنه يهتم أكثر بنجوميته كفاعل اجتماعي و سياسي ليس له من العلم سوى جبة المشيخة. و لذلك؛ نجد أكثر مثقفي التزييف الديني يستثمرون بضاعتهم الرخيصة في الحصول على موطئ قدم حزبي يؤمن لهم مصدر رزق؛ و لا يهمهم أن يكون مصدرا ريعيا لا يبذلون فيه أي مجهود يذكر .
أما مثقف التزييف العلمانوي ( من العلمانوية laïcisme باعتبارها تحريفا إيديولوجيا للعلمانيةlaïcité ) فهو يوظف المرجعية الفكرية الحديثة توظيفا إيديولوجيا فجا لا يستقيم مع مبادئها الخالدة التي أسسها رواد الفكر الحديث. إنه يمارس هوايته الدونكشوطية و هو يلوح بسيفه الخشبي محاربا الطواحين الهوائية؛ يرمي بفتاواه المتهافتة يمنة و يسرة على شاكلة مثقف التزييف الديني تماما؛ و ذلك لأن المجال المفضل لمثقفي التزييف العلمانوي دائما هو الحقل الديني؛ حيث يصولون و يجولون بلا رقيب متجاوزين كل حدود المنطق السليم؛ فهم لا يتحملون عبء البحث المضني في المتون الفكرية لعلم الاجتماع الديني و علم الأديان المقارن و علم النفس التحليلي؛ هذه العلوم الحديثة التي انشغلت بالمسألة الدينية و حللتها من زوايا متعددة؛ و ساهمت بذلك في إنهاء مرحلة النقاش الإيديولوجي الذي هيمن خلال مرحلة سيادة الفلسفة الوضعانية positivisme و ما زكاه من هيمنة الفكر الشيوعي في صيغته المذهبية.
إن ما لا يعيه مثقف التزييف العلمانوي؛ هو أن المسألة الدينية التي يصدر حولها الفتاوى المتهافتة؛ هي في غاية التعقيد و التركيب و لا يمكن مقاربتها من منطلق صحفي تحقيقي أو من منطلق إيديولوجي مذهبي؛ و يرتبط هذا التعقيد و التركيب بتعقيد البنية النفسية للفرد و البنية الاجتماعية للجماعة. و لهذا؛ نجد (كارل يونغ) يوظف آليات علم النفس التحليلي حينما يعتبر أن الدين محدد أساسي لبنية اللاشعور الجمعي l’inconscient collectif هذه البنية التي تتجاوز المستوى الفردي (كما حضر مع فرويد مثلا) إلى مستوى أعمق بكثير يرتبط بالتاريخ الجمعي للنفس الإنسانية. و من نفس المنظور العلمي؛ فقد وظف (ماكس فيبر) السوسيولوجيا لدراسة و تحليل المسالة الدينية؛ و هو الذي صاغ مفهوم العقلنة الدينية (la rationalisation religieuse ) دلالة على أن الدين كان قوة دافعة للخروج بالإنسان من مرحلة السحر؛ إلى مرحلة أصبح خلالها الإنسان راشدا؛ يوظف قواه العقلية لإدراك العالم من حوله؛ بينما كانت قوى سحرية تقوم بهذه الوظيفة من قبل؛ و للدلالة على هذه الحالة الجديدة يستعمل (فيبر) مصطلح le désenchantement du monde الذي يحيل على معنى انتزاع السحر عن العالم .
لا يتحمل مثقف التزييف عناء العودة إلى هذه المرجعيات العلمية؛ لأنه يستسهل الخوض في جميع المواضيع بدافع وهم الإلمام الشامل بجميع المعارف؛ و هذه مأساة الإيديولوجية التي تجعل فاعل التزييف الثقافي يمارس (التفكير) كاستجابة لحالة نفسية؛ تدفعه إلى تصفية الحسابات الشخصية مع المجموعات الاجتماعية المخالفة لرأيه. إن مهمته إيديولوجية تكتفي بتوظيف الأفكار كشعارات؛ و ليست مهمة فكرية تستند إلى معايير البحث العلمي؛ و هذا ما يهدد النقاش العمومي بالانحراف إلى صراعات إيديولوجية جوفاء؛ توظف فيها جميع الأسلحة الرمزية الفتاكة؛ التي تبدأ بالتكفير و التخوين و لا تنتهي بإلصاق تهم الإرهاب و الانغلاق و التشدد؛ و هي أسلحة تقوم بوظيفة القتل الرمزي؛ و قد يتطور الصراع أحيانا و يتم اللجوء إلى الأسلحة المادية عبر ممارسة القتل المادي؛ الذي يقوم بوظيفة إخراس الصوت المعارض للأبد !
و هذا؛ ليس البتة مشهدا تخييليا بل هو المنطق الذي يوجه النقاش العمومي؛ في العلم العربي؛ منذ مرحلة الصراع الشيوعي-الإسلامي و إلى حدود اليوم في سياق ما يسمى بالصراع الإسلامي-العلماني؛ و خلال المرحلتين معا كان يفشل الفكر؛ عادة؛ عن فهم الواقع لأنه غير مسلح بالمعرفة الفكرية و التأطير المنهجي و الالتزام الأخلاقي؛ بينما ينتصر الجسد في حسم الاختلاف بطرق بدائية جدا تعتمد العنف المادي لحسم النقاش العمومي لصالح من يصرخ و يضرب و يقتل ... أكثر ! و في أكثر الحالات شيوعا؛ نجد مثقف التزييف هو الذي يقود هذه الحروب الدونكشوطية؛ حيث يوظف الشعارات الإيديولوجية لتجييش الرأي العام ضد الرأي المخالف؛ مستندا في ذلك إلى مسلمات عامة قد ترتبط بالدين أو بالمصالح العليا للوطن أو بدعوى التقدم و الانفتاح في مقابل التخلف و الانغلاق ... و هي مسلمات عاطفية ترتبط ب سيكولوجيا الجماعة أكثر مما هي حقائق علمية أو فكرية ترتبط بالبحث العلمي.
إننا و نحن نتناول مسألة التزييف الثقافي في العالم العربي؛ لا تهمنا نوعية الخطاب؛ في صيغته الإيديولوجية؛ بل إن ما يتخذ أهمية أكبر هي آليات التفكير؛ من منظور ابستملوجي؛ و هي آليات موحدة بين مثقفي التزييف بجميع اتجاهاتهم الإيديولوجية. إن ما يوحدهم هو الاستناد إلى البريكولاج الثقافي عبر ممارسة ترقيع الأفكار بعد انتزاعها من سياقها الثقافي و فصلها عن إطارها المرجعي؛ بحيث تصبح طيعة و قابلة للتوظيف الإيديولوجي. و لذلك؛ يمكن لمثقفي التزييف أن يزوروا الحقائق التاريخية؛ كما يمكنهم أن يؤولوا الأفكار على هواهم؛ و هم في الغالب لا يولون أي اهتمام للآلة المنهجية؛ لان (الأفكار) تتداعى عليهم بالسجية؛ بحيث يمكن لأي اكتشاف فكري (خطير) أن يداهم مثقف التزييف و هو يلقي (خطبة عصماء) أو يساهم في نقاش إيديولوجي ... هكذا؛ من دون بحث أو تفكير أو تأطير منهجي !!!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحليلك عميق
سناء ( 2013 / 6 / 4 - 16:35 )
منذ عصر النهضة العربية كان المغرب يتغذي من الفكر والأدب المشرقيين، وإلى حدود الستينيات من القرن الماضي كان المغاربة يقبلون على قراءة الكتب القادمة من مصر ولبنان وسوريا، ثم استطاع المغاربة أن ينطلقوا بقوة نحو بناء فكر مغربي له خصوصيته وامتداده العربي وانفتاحه القوي على الفكر الغربي الحديث. وظهرت في المغرب مشاريع فكرية عبرت عن أصالة الفكر المغربي وطاقته الاجتهادية، وتمثلت في مشاريع الجابري وطه عبد الرحمن والعروي وسبيلا ونور الدين أفاية والحبابي وغيرهم، لكن الذي حصل بعد ذلك هو حالة التردي والانهيار: اتصار السياسي على الثقافي، انتصار الحزبي على المجتمعي، انتصار المخزني على الشعبي والوطني. وظهرت في المغرب فئات غريبة وممسوخة: فئات تحمل الشعارات من أجل انتزاع المكاسب، وتمارس الدعارة الفكرية من أجل استجداء الرضى المخزني. وظهرت الإإيديولوجيا العرقية والأمازيغية كشكل من أكثر الإيديولوجيات رداءة وسفالة وحقدا . ونجح مروجو هذه الإيديولوجيا في تحويل المشروع الوطني من مشروع دولة إلى مشروع عشيرة. وانقادت الجماهير القطيعية وراء هذا النوع من الإيديولوجيا التي شجعتها الدولة المخزنية

اخر الافلام

.. سرايا القدس: خضنا اشتباكات ضارية مع جنود الاحتلال في محور ال


.. تحليل اللواء الدويري على استخدام القسام عبوة رعدية في المعار




.. تطورات ميدانية.. اشتباكات بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحت


.. ماذا سيحدث لك إذا اقتربت من ثقب أسود؟




.. مشاهد تظهر فرار سيدات وأطفال ومرضى من مركز للإيواء في مخيم ج