الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تعلّموا العربية وعلِّموها للناس - ألحلقة التاسعة (9) - ألمبني والمعرب

شوقي إبراهيم قسيس

2013 / 5 / 13
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


لعلَّ وجودَ مفرداتٍ مبنيّةٍ (حيثُ حركةِ الحرفِ الأخيرِ منها ثابتةٌ لا تتغيَّرُ في جميعِ التراكيب، ومن هنا التسمية) وأخرى معربةً (من البداوة أو العرب الرُّحَّل)، وفيها تتغيَّرُ حركةُ آخرِ حرفٍ في الكلمةِ حسبَ وظيفتِها في الجملة، هو الميِّزةُ الثّانية الّتي تمتازُ بها لغتُنا عن باقي لغاتِ العالم، والأولى وجودُ حرفِ الضّاد. وكلُّ كلمةٍ في لغةِ الضّاد لا بُدَّ أنْ تكونَ إمّا مُعرَبةً أو مبنيّةً. أستعرضُ هنا المبنيّات، أمّا المعربات فهي موضوعٌ لحلقاتٍ لاحقة.

ألمبنيات:
إنّ طرقَ تدريسِ - ألأصحّ: تلقين - علاماتِ البناء هي خيرُ مثالٍ على نهجِ توضيح الواضح. فلا لزومَ للأقوالِ الفارغةِ، نحو (يُبنى الفعلُ الماضي على الفتح إن لم يتصلْ بضمير، ويُبنى على السُّكون إن اتَّصلَ بتاء الضمير المتحركة، و... و..)، لأنّه من الواضحِ أنّ [كَتَبَ] مثلاً مبنيّةٌ على الفتح والفتحةُ لا تفارقُ آخرَها في جميعِ التّراكيب، وأنّ [كَتَبْتُ] مبنيةٌ على السُّكون وهي لا تفارقُ حرف الباء في جميعِ التّراكيب. وواضحٌ أنّ كلمةَ [أَنْتَ] هي دائماً مبنيّةٌ على الفتح، ولا تأتي إلاّ كذلك، بينما كلمةُ [أَنْتِ] هي دائماً مبنيّةٌ على الكسر، ولا تأتي إلاّ على تلك الصّيغة. ولا يهمُّ أحداً إن كانت كلمتا [أَنا] و [هذا] مبنيتَين على الفتح أم على السّكون. وهناك أمثلةٌ كثيرةٌ من هذا الكلامِ في كتبِ النّحوِ، والّذي لا فائدةَ منه، ولا يجلبُ إلاّ المضرّة. ومن الأفضلِ صرفُ الجهدِ والوقتِ على أمورٍ أخرى على الدّارسِ أنْ يعرفَها ليتقنَ لغتَه، وسأذكرُ كلَّ أمرٍ بالتَّفصيلِ في مكانِه. أكتفي هنا بلفتِ الإنتباهِ إلى أنّ كلمةَ "مَنْ"، مثلاً، ثَبَتَ السُّكون على آخرِها في الجملِ الأربع التّالية رغمَ تَغَيُّرِ وظيفتِها في الجملة (أو تغيُّرِ حالاتِها الإعرابية) وتغيُّرِ علاقتِها بغيرِها مِنَ الكلمات: 1. مَنْ يَعْرِفُ ما مَعنى...؟ 2. عَرَفْتُ مَنْ نَجَحَ في الامتحانِ. 3. أَخْلِصْ لِمَنْ أَخْلَصَ لَكَ. 4. مَنْ يَدْرُسْ يَنْجَحْ(1)

ألكلماتُ المبنيةُ في لغتنا كثيرةٌ ومتنوِّعةٌ، ولا بُدَّ لِمَنْ يريدُ أنْ تكونَ لُغَتَه سليمةً أنْ يعرفَ – ضمنَ ما يعرفُ – هذه الكلمات كي يسلمَ من الخطأ كتابةً وقراءةً وحديثاً. وردَ عرضٌ مختصرٌ للمبنيِّ من الكلمات في القانون الثّالث من "القوانين الأساسية للغة الضاد" (في حلقة سابقة)، ولِمَن يفضِّلُ التلقينَ، هذا عرضٌ موسع للمبنيّات، مع التركيز على الشّروط التي نبني بموجبها بعض الأسماء الّتي هي معربة في الأساس:

1. جميع الحروف، وأعني حروفَ المعاني لا حروفَ الهجاء: [مِنْ، عَنْ، هَلْ، سَوْفَ، لِـ ...].

2. ألفعل الماضي: [سَمِعَ، سَمِعْتُ، سَمِعوا]. إنتبهْ إلى أنّ الأمثلة الثلاثة هي ثلاثُ كلمات مختلفة، وعلامة بناء كل واحدة مختلفة.

3. فعل الأمر: [إقْرَأْ، أُكْتُبي]. أنظرِ التنبّيهَ في 2. إذا كان الأمر معتل الآخِر نحذف منه حرف العلّة [إرْمِ، أُدْعُ]، فتكون علامة البناء حذف حرف العلة. وإذا اتّصل بألف الإثنين أو واو الجماعة أو ياء المخاطبة يُبنى على حذف نون الإعراب الّتي كانت موجودة في المضارع: [تَكْتُبانِ – أُكْتُبا. تَكْتُبونَ – أُكْتُبوا. تَكْتُبينَ – أُكْتُبي].

4. حالتَيْ المضارع: إذا اتَّصل المضارعُ بنون النِّسوة [يَسْمَعْنَ] نلفظُه دائماً مع سكون على آخرِه (حرف العين) حتى لو دخل عليه حرف نصب [لَنْ يَسْمَعْنَ]، فنقول إنّه مبنيٌّ على السُّكون. وإذا اتَّصل بنون التَّوكيد يبنى على الفتح [لَأَسْمَعَنَّ ما تقولُ] حتّى لو دخل عليه حرفُ جزم [لا تَسْمَعَنَّ مِنَ الْكَذوبِ!].

5. ألأسماء المبنية:
هذا عرض لأنواع الأسماء المبنية يضمُّ متى نبني ومتى نُعرب بعضَها:

1. ألضمائر: جميعُها مبنيّة، فلا من جديدٍ ولا من مزيد.

2. ألظروف: كما سيتَّضحُ في الكلامِ عن المنصوبات في الحلقةِ القادمة، ظروفُ الزَّمان والمكان تأتي عادة منصوبةً بالفتحة لارتباطها بفعل فعل، فهي معربةٌ باستثناء ظروفٍ قليلة، مثل: [أَمْسِ]، [حَيْثُ]، [لَدُنْ، مِنْ لَدُنْكَ، مِنْ لَدُنْهِ]، [مُنْذُ]. فالأوّل قالته العربُ مبنيّاً على الكسر [قَرَأْتُ أَمْسِ مقالاً]. والثّاني هو ظرفٌ عامّ غير متخصٍّص بزمانٍ أو مكان، ويُبنى على الضم: [نزار قبّاني: "ألآنَ أُدْرِكُ حَيْثُ لا قَمَرٌ // ماذا أّنا، ماذا بِدونِهِما"] و [جاءَني مِنْ حَيْثُ لا أَدْري]، والثّالث لا تفارقُ السكونُ آخرَه، وظرف الزّمان، "مُنْذُ"، لا تفارقُه الضّمّة. وتأتي هذه الظُّروفُ الأربعة كذلك في جميع التراكيب.

غالباً ما تأتي الظًّروف مُضافةً إلى معرفة [بَعْدَ الظُّهْرِ، قَبلَ الْعَشاءِ]، وأحياناً تُجَرُّ الظُّروف بحرفِ الجرّ "مِن" وتكون علامة جرِّهها الكسرة، نحو [قالَتِ الْعَرَبُ الشِّعْرَ مِن قَبْلِ الإسلامِ وَمِنْ بَعْدِهِ]. لكنّنا أحياناً نقطعُها عنِ الإضافة لأسباب تعبيرية بلاغية، وعندها نَبنيها على الضَّم: قد تقولُ: [أَهْداني صديقي كِتاباً فَلَهُ الشُّكْرُ مِنْ قَبْلِ الإهْداءِ وَمِنْ بَعْدِهِ]، لكنّ الأبلغَ أَن تقولَ: [أَهداني صديقي كتاباً فَلَهُ الشُّكْرُ مِنْ قَبْلُ ومِنْ بَعْدُ]، فقد قطعتَ الظَّرف عن الإضافة وبنيتَه على الضَّم. أمثلة:

قال زهير بن أبي سلمى مادحاً:
وَما يَكُ مِنْ خَيْرٍ أَتوه فَإنَّما تَوارَثَهُ آباءُ آبائهِمْ قَبْل
ولو أضافَ الظرف لقال [قَبْلَهُمْ] بالنصب.

وقال الشريفُ الرَّضي (969 – 1015):
وَابْكِ عَنّي فَطالَما كُنْتُ مِنْ قَبْلُ أُعيرُ الدُّموعَ لِلْعُشّاقِ
ولو أضافَ الظرف لقال [مِنْ قَبْلِ ذلك] بالجرّ.

3. أسماء الإشارة: تُبنى على ما سُمِعَتْ به [هذا، هذِهِ، تِلْكَ]، لكنّ المثنى من (هذا) و (هذِهِ) يكون معرباً، على أنّ هناك خلاف بين النحويين حول ذلك وحول طريقة كتابة المثنى، ولك أن تقول وتكتب: [هذانِ الولدان، تحدَّثْتُ مع هذَيْنِ الوَلَدَين].

4. أسماء الاستفهام والموصول والشرط: تُبنى على ما سُمِعَت به [أَلَّذي، الَّذينَ، مَنْ، ما، كَيْفَ؟ أَيْنَ؟]. وهنا أيضاً خلافٌ مشابهٌ بين النَّحويين حولَ المثنّى من اسمَي الموصول (ألَّذي) و (ألَّتي)، ولك أنْ تعربَ المثنى وتقول [جاء اللَّذانِ أُحِبُّهما، أَحْبَبْتُ اللَّذَيْنِ زُرْتُهُما].

هناك استثناءٌ واحدٌ لبناءِ هذه الأنواع الثّلاثة من الأسماء، وهو كلمة "أّيّ" الموصولية والاستفهامية والشَّرطية التي تكونُ مُعربةً لا مبنيّة، وهي غيرُ مختصّةٍ بمجموعةٍ معيّنةٍ من الأسماء. وهذه أمثلة عليها:

قال أبو تمام (804 – 845):
هُوَ الْبَحْرُ مِنْ أَيِّ النَّواحي جِئْتَهُ فَلُجَّتُهُ الْمَعْروفُ وَالْجودُ ساحِلُهْ
أيّ: اسم مجرور بمن وعلامة جرِّه الكسرة.

وقال طرفة بن العبد:
كَريمٌ يُرَوّي نَفْسَهُ في حَياتِهِ سَتَعْلَمُ إنْ مُتْنا غَداً أَيُّنا الصَّدي
أَيُّنا: مبتدأ مرفوع بالضّمّة والـ "نا" في محل جرّ مضاف إليه، والصَّدي خبرها، والجملة الإسمية سدَّت مسدّ مفعولَيْ تعلمُ.

وقال أبو الطيب (915 – 27 أيْلول 965):
هَلِ الْحَدَثُ الْحَمْراءُ تَعْرِفُ لَوْنَها وَتَعْلَمُ أَيُّ السّاقِيَيْنِ الْغَمائِمُ
أيُّ: مبتدأ مرفوع بالضّمّة وخبرُه "الغَمائِمُ". والجملة الإسمية سدَّت مسدّ مفعولَيْ تعلمُ.
لاحظْ النّظام الدّقيق في قوانين اللغة! لنفرضْ أنّك نصبتَ "أيّ" على المفعولية لتعلمُ (وقد سمعتُ أكثر من مرّة مَن قرأ البيت ناصباً "أيّ"، وهو خطأ)، فعندها ينهدم النظام، حيثُ تصبحً "الغمائمُ" لا وظيفةَ لها.

قال أبو فراس الحمداني من قصيدة "أَراكَ عَصِيَّ الدَّمْعِ"(2):
فَقُلْتُ، كَما شاءَتْ وَشاءَ لَها الْهَوى: قَتيلُكِ، قالَتْ: أَيُّهُمٍ؟ فَهُمُ كُثْرُ
أَيُّهم: أَيُّ مبتدأ مرفوع بالضّمّة، والهاء مضاف إليه. هل لكَ أن تجدَ الخبر؟ أنظرْ في حلقة قادمة عن المبتدأ والخبر.

تأتي "أَيّ" مبنيةً على الضَّمّ في حالةٍ واحدةٍ قليلةِ الاستعمال، وهي حين تكونُ موصوليّةً وصدرُ صلتِها محذوفٌ، نحوَ قولِك: [عاشِرْ مِنَ النّاسِ أَيُّهمْ أَخْلَصُ] (بالبناء على الضَّمّ بدل النصب بالفتحة). ويقال في إعرابها: اسم موصول مبني على الضّم في محل نصب على المفعولية. وذلك مقابل: [عاشِرْ مِنَ النّاسِ أَيَّهُمْ هُوَ أَخْلَصُ] (بالنّصب على المفعولية).

5. أسماء الأفعال: تُبنى على ما سُمِعَت به [هَيْهاتِ، حَيَّ عَلى الفلاحِ، هَلُمَّ ...]. وسأستعرضُ أسماءَ الأفعال في الكلام عن المنصوبات لاحقاً.

6. ألمركَّبات: وأكثرُها استعمالاً هي الأعداد المركبة (من 11 إلى 19). نحن نقول: [جاءَ ثلاثةَ عَشْرَ طالِباً وثَلاثَ عَشْرةً طالِبةً]، فنبني قسمَي العدد على الفتح بغضِّ النّظر عن موقعهما في الجملة. يستثنى من البناء الجزء الأول من العدد 12 [جاء اثْنا عَشَرَ طالِباً] مقابل [دَرَّسْتُ اثْنَيْ عَشَرَ طالِباً]، فكلمة "اثنا" مُعربة كمثنّى لا مبنيّة.

7. هناك ثلاثةُ أسماءِ علمٍ تنتهي بياء صوتية ساكنة يليها هاءٌ، وقد قالت العرب هذه الأسماءَ الثّلاثةَ مع كسرة على آخرها في جميع التّراكيب، فهي مبنية على الكسر، والأسماء هي: [خُمارَوَيْهِ، سيبَوَيْهِ، خالَوَيْهِ].

أُلَخِصُّ وأقول: علاماتُ البناء الرّئيسية في الأسماء والأفعال هي: ألفتح، الضمّ، الكسر، السكون، حذف حرف العلة في فعل الأمر [إرْمِ]، حذف النون في فعل الأمر للمخاطبة المؤنثة وللمثنى وللجماعة [أُكْتُبي، أُكتُبا، أُكْتُبوا]، ألألِف على نحو قولِك [يا صَديقانِ، اسْمَعا ما أقولُ]، ألواو في مثل قولِك [يا عامِلونَ، تعالوا إلّيَّ]، ألياء في مثل قولِكَ [لا عامِلينَ في هذا المكان]. ألحالات الثلاثة الأخيرة غير مهمّة لأنّها لا تفيد في ضبط الكلام.
-------------------------------------------------
هوامش:
1. لمن يرغب في تفاصيل الإعراب: مَن في المثال الأوّل هي اسم استفهام مبني في محل رفع مبتدأ. وفي المثال الثّاني هي اسم موصول في محل نصب مفعول به. وفي المثال الثّالث هي اسم موصول في محل جرّ بحرف الجرّ. وفي المثال الرّابع هي اسم شرط في محل رفع مبتدأ، وخبره جملتَي "يدرسْ ينْجَحْ".

2. وقد غنّت السيدة أم كلثوم أبياتاً منها مرَّتَين: في عام 1927، لحن أبو العُلا محمد، ثمَّ في عام 1966، لحن رياض السنباطي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مقتل حسن نصر الله.. هل تخلت إيران عن حزب الله؟


.. دوي انفجار بعد سقوط صاروخ على نهاريا في الجليل الغربي




.. تصاعد الدخان بعد الغارة الإسرائيلية الجديدة على الضاحية الجن


.. اعتراض مسيرة أطلقت من جنوب لبنان فوق سماء مستوطنة نهاريا




.. مقابلة خاصة مع رئيس التيار الشيعي الحر الشيخ محمد الحاج حسن