الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مفهوم المؤسّسة الزوجية بالنص القرآني

الناصر لعماري

2013 / 5 / 16
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ربط القرآن الزواج بالرحمة والود ، و حثّ على حُسن المُعاشرة بين الزوجين / الأزواج في حالة التعدًّد ، وجعل أولويته الصلح والإصلاح بين المتخاصمين منهم ، والتفريق والطلاق بإحسانٍ ورِفق على أسوء الفروض، وألزم الزوج بالنفقة على زوجه المُطّلقة ، وتلك أفكار وأحكام سبقت زمانها وبيئتها التي أُسْتَنّت بها وربّما لها ولا ريب ، و تلك حقيقةٌ لا ينتطح حولها عنزان ، ولا يُنكرها إلاّ جاحدٌ يُغالط الموضوعية سعياً منه لتأكيد جحوده ، أو هكذا تبدوا على الأقل بشكلٍ عام .
بيد أنّه من حقنا أن نتسائل : هل كانت تلك الأحكام ـ بكل ما يتضمنها من إيجابيات ـ هي الأحكام والأفكار والمفاهيم والتصورات الأمثل والأكمل ـ على الإطلاق ـ للمؤسسة الزوجية لدرجة أن يُزايد البعض اليوم ويُطالب بإقرارها نهجاً سرمدياً يسير على هديه البشر في تنظيم العلاقات بين المتحابين منهم؟ . نحن لن نرضى ممن زعم أنّه مُوحىً به من عند الله بأقل من الأحكم والأمثل والأكمل بالإطلاق ، ولا يجب أن تسبِق تلك الأحكام والأفكار والمفاهيم العصر الذي أتت به فحسب ، وإنّما أن تسبِق العصور اللاحقة أيضاً ناهيك عن السابقة طبعاً ، وأن تظل محافِظة على تقدمها في سباق الأفكار والمفاهيم للمؤسّسة الزوجية حتى يرث الله الأرض وما عليها ومن عليها ، كما يقول القرآن نفسه في تصوره المبسط كي لا أقول السطحي ( لنهاية الكون ) .
فهل كانت التصورات التي قدمها لنا القرآن عن الزواج وماهية الأُسُّس التي تقوم عليها المؤسّسة الزوجية بالفعل تحقِّق هذه الشروط الكمالية والمثالية لدرجة أن نُبقي عليها اليوم ، أم أنّ العصر والتطور ـ الذي هو لآزمة من لوازمه ـ قد قاما بنسخ تلك التصورات وقدما تصورات أكمل وأمثل للزواج وللحقوق والواجبات المترتبة عليه لدا طرفيه ، الزوج وزوجه ؟
بإعتقادي أنّه ثمّة تصور شائه يقدمه لنا النص القرآني للمؤسّسة التي أقرّ القرآن ذآته بقيامها على أساس المودة والرحمة ، فيميز النص بين البشر ـ الذين أوجدوا تلك المؤسسة كنوع من العلاقات الإنسانية التي تجمع بين أفرادهم ـ يُميز بينهم النص على أساس المعتقد الديني ، وكأنّما إختلاف الآخر عن معتقدي الديني أو الملي لا يُتيح لي الإنخراط معه ضمن علاقات ( المودة والتراحم / الزواج ) ! فيقول النص القرآني مخاطباً المؤمنيين به : ( ولاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُوْلَـئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللّهُ يَدْعُوَ إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُون ).
فحتى في ظل ( الإعجاب / الحب ) المتبادل مع (مُّشْرِكَة) لا يحق لي أن أنكحها / أتزوجها ، لأنّ القرآن ـ الذي يعرف مصلحتي أكثر مني وفقاً لنهج وصائي إستلابي مُمعِن في تحقير الإرادة والرغبة والخيار الإنساني ـ يعتقد أنّ الأفضل لي هي فتاة لا أُعجَب بها / لا أُحبها ، ولكن مجرد أنّها تدين بمعتقدي الملِّي أو الديني فهذا ـ حسب زعم القرآن ـ مُوجِب للزواج الناجح ، وهنا نعرف المعنى الذي يُضمره النص القرآني بمصطلح ( المودة والرحمة ) الذي دمغ به مؤسّسة الزواج ، والتي حسبنا في البداية أنّها خطوة عظيمة نحو تعريفٍ أمثل للمؤسّسة الزوجية . تُرى هل نستعجب بعد هذا أن نجد كثيراً من الإسلاميين لا يُقرُّون بمودة الملحدين ، بل ويُضمرون لهم حقداً دفيناً إنتهى بهم بوضع رؤوس الملحدين أحيانا فوق نطع سيوفهم التي يخالونها تنطق بالحق ؟! .
فلنترك ذلك ورائنا ظهرياً إلى حينٍ ، وندلف إلى تصور قرآني آخر للزواج ، وأعني ذلك المتعلق بفلسفته للإنفاق بتلك المؤسّسة ، حيث يقوم القرآن بتفصيل الواجبات الزوجية مُركزاً كعادته وكما سنعرف لاحقاً وبشكلٍ طاغي لا تُخطئه العين على الزوج / الذكر ، فيُشرفه بفضيلة الإنفاق التي إعتبرها البعض تكريماً للأُنثى رغم أنّ القرآن ذاته أوردها في سياق التفضيل والقوامة (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ .. ) ، فالرجال هم من يكفلون المؤسسة الزوجية ، وقد ذهب بعض المجدِّدين من المفكرين الإسلاميين إلى تبرير القوآمة أو الكفالة الإقتصادية التي أوجبها الله على الزوج / الذكرـ أو بالأحرى فضلها به ـ بأنّ " للذكر المقدرة على تحمل الضغط النفسي ، والمشاق ، و جلب الرزق والإنفاق " . والحقيقة أنّ المسكوت عنه هنا بخطاب هؤلاء المجدِّدين ـ أو بالأحرى المبرِّرين ـ هو أنّ الأُنثى لاقدرة لها على تحمل الضغط النفسي والمشاق والعمل / جلب الرزق والتحكم في عملية الإنفاق .
ولاّ يخفى هُنا هذا الكّم الهائل من التمييز السلبي ، بل والتحقير للأُنثى ، من مُنطلق الفروقات التي يزعمون أنّها بيولوجية ، ولن نُجادل هنا حول : هل بالفعل الأُنثى ـ على الأقل عندنا بالشرق ـ ضعيفة ولا قدرة لها على العمل أو تحمل المشاق أم لاّ ؟ وإنّما سنسلم جدلاً بهذا القول رغم أنّ نماذج عملية حاضرة ومعاصرة كثيرة أثبتّت خطأه ، ولكنّنا سنتسائل : هل ضعف المرأة النفسي وعدم قدرتها على العمل والشقاء لجلب الرزق هو لأسباب عارضة أم جوهرية ؟ أي لأسباب فطرية وبيولوجية أم لأسباب القهر والتهميش الإجتماعي والسياسي والوجداني والديني التي تعرضت لها المرأة على مدى قرون ؟
من واقع التجربة البشرية ، وتحديداً الأُوروبية أُثبِت أنّ هذا الضعف هو نتاجٌ عارض وليس جوهري ، فالمرأة في أُوروبا بالقرون الوسطى والتي كان الذكر يغلق مهبلها بالحديد بغاية المحافظة على ( شرفها/ شرفه ) نجدها اليوم تمتطي التاتشرات والمدرعات ، وتتمشدق الرشاشات والأسلحة اليدوية الحديثة ، وتُقاتِل بجبهات القتال بالعراق وأفغانستان ، وترأس الدول وتشن الحروب وتنتصر فيها ، وغولدا مائير التي أهانت فحولة ( الزعيم / القضيب العربي ) جمال عبد الناصر عام 1967 خير دليلٍ على ذلك .
فضلاً عن أنّ جلب الرزق اليوم ومراكمة رأس المال والربح لم يعد مقتصر على ما يُبذل من جهدٍ بدني ، بل هو في الغالب الأعّم يعتمد على الجهد المعرفي والعقلي الذي أثبتّت فيه المرأة جدارتها قطعاً ، بل وتفوقها أحياناً كثيرة على الذكر ، فما دام أنّ ضعف المرأة هو ضعف عرضي طارئ وليس جوهري مرتبط بكونها أُنثى فلماذا يُطلِق الله حُكماً مطلقا في قرآنه ( الصالح سرمدياً وأزلياً ) بإيجاب التشريف أو التفضيل بالإنفاق والقوآمة ، بل وحق التقويم عبر الموعظة والهجر والضرب كحقوق للرجل ؟ .
ولنواصل قراءتنا لآية الإنفاق / القوامة ، حيث تأتي بقية الآية لتُكمل التصور التحقيري للزوج / الأُنثى : ( فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ ) فالزوج / الذكر ـ وفقاً لما تُحدِّده تلك الآية وتوزعه وترسمه من أدوار ـ يَخرُج للمجتمع عاملاً ومعمراً ومنخرطاً على نحوٍ إيجابي بالمجتمع ، بينما صلاح الزوج / الأنثى وقنوتها يتمثل ـ من وجهة نظر الآية ـ في حفظها للزوج / الذكر أثناء غيابه عن البيت في العمل ( لجلب الرزق ). ولا مجال هنا لإدعاء أنّ الآية تعني أن تحفظ الزوج / الأُنثى زوجها بغيابه في أي مكان ، وهذا صحيح ربّما ولكن في موضعٍ آخر ، ولكن هنا في هذه الآية تحديداً نقرأ ، من سياق ربط حفظ المرأة لزوجها بإنفاق الرجل ، نقرأ المعنى التحقيري أو التوزيع الجائر للوظائف بالمؤسّسة الزوجية ، علاوةً على عدم وجود إلزام بنص الآية هذه بضرورة حفظ الرجل لزوجه أثناء غيبها مما يُعضِّض صحة فهمنا لها على هذا النحو ربّما .
والحقيقة فإنّ الله حسب زعم النص القرآني قام بتوزيع تلك الأدوار منذ أن هبط آدم وزوجه حواء إلى الأرض فقال لهما (( فقلنا يا آدم إنّ هذا عدوٌ لكّ ولزوجك فلاّ يُخرجنكم من الجنة فتشقى ) والشقاء هو العمل كما ذهب لذلك بعض اللغويون والمفسرون ، والآية لم تقل : ( فتشقيا / كلاكما آدم وحواء ) أو ( فتشقيِ/بالتأنيث ) ، بل قال ( فتشقا / آدم فقط ) مما أعفى حواء من عملية الشقاء / العمل / ، وبالتأكيد الفعل الحضاري الذي هو لازم وناتج لعملية شقاء الإنسان في الأرض بعد النزول .
صحيح فيما يخص الإنفاق أنّ الله قال في الاخر (لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا) ، ولكن أولوية الرجل بل وإلزامه نصاً بالإنفاق وكفالة المؤسّسة الزوجية أو الأُسرية ليس عفواً أو خبط عشواء ، وإنّما أتى من منطلقات أُخرى جديرة بالإلتفات إليها وأخال أنّ على رأسها تأثُر الخطاب القرآني بالبيئة العربية البدوية بشكلٍ سافر، ولا مندوحة أو تثريب في ذلك ، فهذه طبيعة النصوص المعرفية المُنتَجة بشرياً ، بيد أنّ ذلك يُلقِي بظلالٍ من الريبة حول مصداقية القول : بصلاحية القرآن لكل العصور والأزمان . بل وحول مصداقية القول : بأنّه ـ أي القرآن ـ معرفة مفارقة للوعي البشري تُهدية الصراط المستقيم .
يقول القرآن في آية الزواج من ملك اليمين : (فانكحوهن بإذن أهلهن، وآتوهن أجورهن بالمعروف ) .و لاّ ريب بأنّ الإسفاف الحقيقي يتجسد عندما يتم التعامل مع المرأة على أساس أنّها سلعة تباعُ وتُشترى بموجب عقدٍ بين الزوج / الذكر وولي أمر المرأة التي تُمثل في هذه الحالة ( السلعة ) ، يتم بموجب هذا العقد دفع الزوج/ الذكر الثمن ( المهر ) مقابل ممارسته الجنس معها في عملية بغاء قانوني تُسئ إلى القانون والمجتمع ؛( فَاَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) (لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إن تَنكِحُوهُنَّ إِذَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ ) و لاّ أدري أجرٌ على ماذا ؟ على النكاح / الزواج ؟ هل هو ( مهنة ) أُنثوية تستحق عليها الأُنثى الأجر، أم أنّه علاقة إنسانية متوازية قوامها الرضا و الحب المتبادل ، لا فكرة الأجر والأجير في عالم المقاولات والأعمال الحرة .
وتأتي أيضاً آية أخرى لتدّعِم وجهة نظرنا تلك : ( وَآتُواْ النِّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا) إنظر إلى مفردات التحقير المستخدمة والتي تصل إلى درجة الإهانة مثل (صَدُقَاتِهِنَّ ) ، وبناءً على ذلك فالزواج من منظور القرآن ليس سوى مؤسّسة تكرس للتفاوت الطبقي وآلية من آليات مراكمة السيطرة الذكورية التاريخية عبر تشويه أهم أشكال العلاقات الإنسانية بين البشر .

عموماً مسألة ذكورية وأنثوية الخطاب القرآني بشكلٍ عام بالنسبة لي مسألة في غاية التعقيد ، وأعتقد أنّها بحاجة إلى مقالة منفصلة قد نُفرد لها حيزاً في مقبل الأيام ، وقبل أن أبت فيها على نحو قطعي أوّدُ أن أُوضح ملاحظة بسيطة حولها يمكن أن تصلح كمقدمة للمقالة القادمة التي أعزم كتابتها إن تيسر لي ذلك : القرآن أحياناً كثيرة ما يُخاطِب المجتمع بشقيه ذكراً وأُنثى مثل قوله (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ ...... أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا... ) (وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ ....) (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى ... ) (لِيُدْخِلَا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ...) (وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ ..... ) وغيرها الكثيرمن الآيات التي تُفصِّل بالخطاب نوع المخاطَبين جنسياً .
وأحيانا يُخاطِب النص القرآني الذكر فقط على نحو الآيات المتعلقة بالزواج كتلك التي سنعرض لها فيما يلينا بهذه المقالة ، ومثل آية ( من المؤمنيين رجالٌ صدقوا ماعاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا ) ( رجالٌ لا تلهيهم تجارةٌ ولابيع عن ذِكر الله ... ) وغيرها من الآيات والمفردات القرآنية التي وردت بصيغة الخطاب للمذكر مثل ( آمنوا ، الذين هم ، أطيعوا الله وأطيعوا الرسول ، يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلآة .... الخ ) .
وأوّدُ ـ قبل مناقشة المسألة المتعلقة بذكورية الخطاب بنصوص القرآن المتعلقة بمفهومه للزواج ـ أن أتسائل على ضوء النموذجين للخطابين القرآنيين أعلاه : متى يُخاطب النص القرآني الناس بخطاب تفصيلي يُورِدُ فيه ذِكر الرجل والمرأة على نحو آية ( المؤمنيين والمؤمنات ، الصابرين والصابرات ...) ، ومتى يكون الخطاب للذكر ؟ وهل بالإمكان تعميم الخطاب الموجه للذكر على الأُنثى التي لم تُخاطَب كما حدث ببعض الآيات ، أم أنّ الإناث لا يدخُلنّ في الخطاب القرآني إلاّ بدليلٍ منفصل كما في آيات سورة الأحزاب مثلاً ؟ فإذا كنا نُعمِّم الخطاب بالمطلق فعلى أي أساس ؟ أم أنّ الإنتقاء في توزيع الخطاب ـ مرة للذكر والأُنثى ، ومرة للذكر فقط ـ لا يعدوا عن كونه حشو عبارات ( المؤمنيين والمؤمنات ) ( الصابرين والصابرات ) ... الخ ؟ أي أنّنا بحاجة إلى أن نعرف المعيار الذي يستخدمه النص القرآني عند إستخدام مفردات خطابه أو المنهجية ـ إن وُجِدت ـ في عملية توظيف الضمائر والمفردات الجنسانية (ذكر / أُنثى ) .
عموماً فإنّ من الملاحَظ بعدّدٍ من آيات القرآن المتعلقة بالزواج طغيان فكرة مركزية الزوج / الذكر عليها وذلك من خلال التركيز بتوجيه الخطاب له وجعله مركزاً غائياً لفكرة الزواج نفسها ، فتجد الخطاب القرآني مهموماً بمناقشة حّل المشكلات الجنسية والعلائقية العاطفية للرجال دوناً عن النساء فيخاطبهم (وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاء أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَـكِن لاَّ تُوَاعِدُوهُنَّ سِرّاً إِلاَّ أَن تَقُولُواْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً ) (و زوجناهم بحور عين) ( أحلّ لكم ليلة الصيام الرفث إلى نساءكم كان بالإمكان إمعانا في عدالة الخطاب أن يقول ( أحل لكم الجماع ) ( نسائكم حرثاً لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم ) ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء، مثنى و ثُلاث و رُباع ) (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم ) .
وبالطبع لا يستطيع أحد ان يزعم بأنّ الآية الأخيرة تحديداً ( تتضمن النساء بالمثل بديهياً ، وأنّ شأنها هو شأن الآيات التي خاطب فيها النص القرآني الناس بصيغة الذكور ( حرفياً ) ، ولكنها ( دلالياً ) تمثل خطاباً للمجتمع بذكوره وإناثه والتي لم نعرف بعد كيفية تحديدها كما أوضحنا بتساؤلاتنا بالفقرة السابقة ) إذ لا يحق للزوج / الأنثى أن ( تنكح / تتزوج ) من ملك يمينها من ( فتيانها ) المؤمنيين ، والآية واضحة المعاني فهي تبيح ( للزوج / الذكر ) البناء بما شاء من ملك اليمين ، حتى لا يزعم البعض بدخول المرأة ضمنياً بالخطاب لأن المرأة ممنوعة من التعدد نكاحاً . والأمر يبدوا أكثر وضوحا بالآية التي أوردناها قبلها ، أي آية ( فانكحوا ما طاب لكم من النساء، مثنى و ثُلاث و رُباع )
وبالعودةِ إلى آية (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُم ) نجد أنّها تقودنا بالمثل الى الكشف عن شكلٍ آخر من أشكال القصور ، بل والإبتزال المفاهيمي بالقرآن للزواج مقارنةً بمفهومنا العصري له ، فمفهوم القرآن للزواج هو ـ إن وضعنا جانباً مسألة أخلاقية تملك الجواري كي لا يتشعب بنا الموضوع ـ مفهوم يضع للزواج تراتبية تفاضلية ينبني التفاضل فيها بناءً على الطبقة أو الشريحة الإجتماعية والإقتصادية ، حيث نجد الآية تُحبذ أن يتزوج الذكر المسلم ـ وليس الأنثى فالنص القرآني غير معني هنا كثيراً بمشاكلها الجنسية كما أوضحنا سابقاً ـ من المحصنات المؤمنات ، وهُنّ طبقة الحرائر غير المملوكات ، فإن لم يجد هذا المسلم ( الحر ) طولاً أو قدرةً إقتصادية تُساعده على تحمل الزواج من طبقته ، فلا بأس أن يختار ( نزولاً ) ما هو أدني تشريفياً كالزواج من ملك اليمين، لذلك ورّد ذكره كبديل وإحتياط إضطراري للخيار الأول .طبعاً ثمّة بعض الآراء التي تُعطي مفاهيم دلالية مغايرة لمصطلح ( ملك اليمين ) بالقرآن وتنفي أنّ المعني به هُنّ الجواري بيد أنّها تظل تصورات فرضية تتيحها إمكانيات اللغة العربية بمترادفات مفرداتها الكثيرة ولكنها فرضيات تتلاشى على ضوء التاريخ وشواهده إضافةً للموروث النبوي والفقهي الواضح بهذا الشأن .
فلنلخص قرائتنا لتلك الاية في نقطتين رئيسيتين : الأولى هي أنّها أتت حصرا لتُخاطب الذكر ولم نجد نظيراً لها يُخاطب الأُنثى كما درج القرآن في عدّدٍ من آياته على إفراد خطابين لكل منهما ـ الذكر والأُنثى مثل اية النشوز وآية غض البصربسورة النور، والنقطة الثانية هى أنّها ، أي الآية ـ تُكرس لفكرة الطبقية وتُقِر بسمو طبقة علي طبقة ، لا نتحدث هنا عن طبقات إيمانية قال القرآن ضمناً أنّهُ يُفرق على أساسها ( إنّ أكرمكم عند الله أتقاكم ) ، ولكنّنا نتحدث هنا عن تقسيمٍ طبقي إجتماعي إقتصادي تفاضلي أقره القرآن بين طبقاتٍ جميعها مدموغة ـ بنص الآية ـ بالإيمان (مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ )، فمن الواضح إذاً أنّه حتى إيمان هؤلاء الفتيات لم يشفع لهُنّ عند الله ليرتقي الأخير بالخطاب لذكور أحرار أُمة نبيه محمد، فيجعلهُنّ سواءً بسواء في مرتبة أولى من حيث الإستحقاق للزواج ، لا المرتبة الثانية ، مرتبة الفقراء الذين لا يستطيعون طولا .
نختم قولنا حول مركزية الذكر بالخطاب القرآني المعني بالزواج ((( سواء الخطاب المُلزِم للذكر بواجبات أو المُعطِي له من حقوق ))) بإيراد بعض الآيات التي خوطب بها الزوج / الذكر مباشرةً في إغفال شبه تام لحقوق وأحياناً واجبات المرأة : ( أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ ) (وَآتُواْ النِّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا ) (فَاَتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً ) (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ) (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاء فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ ) (فإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ ) (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنتُم مِّن وُجْدِكُمْ وَلاَ تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ .. ) ، وللمفارقة الطريفة فإنّ البعض يستحضر هذه الآيات في محضر سعيه للتدليل على ما منحه القرآن للزوج / الأُنثى من حقوق ، مُغفلين تماماً انّها حقوق ـ وإن مُنحت للمرأة / الزوج ـ إلاّ أنّ منحها أتى عبر بوابة الذكر/ الزوج تأكيداً وتكريساً لعلويته ومكانته السامية في ( هرم ) العلاقة الزوجية ، فبقليلٍ من الملاحظة للآيات سنعرف من يُطّلِق ومن يُمسِك ومن يُخرِج ومن يُسكِن .
ختاماً فإنّني أعتقد أنّ أسوء ما بالمؤسّسة الزوجية بالإسلام هو أنّها فقط أداة تُشرعن للمسلمين العلاقات الإنسانية والجنسية مع من إختاروهم كشركاء بالحياة ، رغم أنّ المؤسّسة الزوجية الإسلامية لا تعدو عن كونها ( ورقة ) أو فالنقل ( إشهار) يتم بموجبه إطلاع الآخرين بشؤون لا تخصهم ، ولعلّ هذه الخصيصة السالبة تتشارك بها باقي الأديان الإبراهيمية حتى لا نظلم الإسلام .
الزواج المثالي كما أراه ، قرار إتخذه إثنين بالعيش مع بعضهما البعض ، ولا حاجة به لإشهار أو ورقة أو مهر ، وإنّما فقط الرغبة في ((( مواصلة ))) مشوار الحياة مع بعضهما دون علاقة تراتبية / هرمية تجعل من الزوج/ الأنثى كومبارس في حياة زوجها البطولية العامرة بالشقاء ، او خادمة له تعمل فقط على حفظه بغيبته








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مؤسسه وليست شركة زوجية
شاكر شكور ( 2013 / 5 / 17 - 00:23 )
تحياتنا للأستاذ الناصر واحسنت بتسمية عنوان المقالة مؤسسه زوجية وليس شركة زوجية لأن عقد النكاح الأسلامي اشبه بأتفاق تجاري لا يعطي اي ابعاد او ترابط روحاني بين الطرفين فإن ماتت الزوجة فعقد الزواج ينتهي وحسب مذهب المالكية والحنابلة لا يلزم الزوج بتكفين زوجته ولو كانت فقيرة …[فقه على المذاهب الأربعة طبعة دار الحديث الكتاب الأول مبحث الجنائز باب التكفين صفحة 425 ] اما فقه الأئمة أبو حنيفة ومالك والشافعي فقد جاء فيه بأنه ليس على الزوج نفقة الطبيب لزوجته ولا ثمن الدواء اثناء حياتها والسبب لكون الزوج لا يستطيع الأستمتاع بزوجته المريضة ، كذلك ان عقد النكاح ينتهي في حالة الطلاق ولا اهمية للرابطة الزوجية بوجود الأطفال ولو وافق الرجل اعادة زوجته المطلقة (قرار ذكوري لا يحق للزوجة المطلقة اتخاذه) فيجب ان تقوم أم اولاد الزوج بمعاشرة زوج آخر اولاً لكي يحل ارجاعها الى الزوج الأول (سورة البقرة68 : فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره) ، اي حقارة ورذيلة التي وردت في هذه الآية التي أبتلى بها المسلمون نتيجة لشهوات فكر بدوي مريض ؟؟؟ تحياتي للجميع


2 - مهزلة
Amir Baky ( 2013 / 5 / 19 - 09:02 )
عقود النكاح لا يشترط فيها أن يرى الزوج وجه زوجتة لأن موضوع التواصل الإنسانى غير موجود أصلا بالثقافة الإسلامية.
http://www.almasry-al7or.com/1471.html#
http://mohammediapresse.com/news8744.html

اخر الافلام

.. عادات وشعوب | مجرية في عقدها التاسع تحفاظ على تقليد قرع أجرا


.. القبض على شاب حاول إطلاق النار على قس أثناء بث مباشر بالكنيس




.. عمليات نوعية للمقاومة الإسلامية في لبنان ضد مواقع الاحتلال ر


.. مؤسسة حياة كريمة تشارك الكنائس القبطية بمحافظة الغربية الاحت




.. العائلات المسيحية الأرثوذكسية في غزة تحيي عيد الفصح وسط أجوا