الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مصيبة عائلة المناضل صالح حسين الحلفي، ابو سلام!

رزاق عبود

2013 / 5 / 17
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


مصيبة عائلة المناضل صالح حسين الحلفي، ابو سلام!
عندما يفجع الاب بابنائه!
تعرفت عليه قبل عام تقريبا. منذ اللقاء الاول صرنا اقرب الاصدقاء. عانقني، وكأنه يعرفني منذ دهر، متسائلا بحنو: "اين انت يارجل انني ابحث عنك منذ زمن طويل". رافقته لفعاليات يصر على حضورها رغم كل الظروف. لا صحتي، ولا صحته تسمح بذلك. لكنه اجبرني ان اقاوم الامي احيانا. سنين عمره، وشحوب محياه كانا يشغلاني. دأبه، وتفائله كانا يحيراني. من اين له هذه الاراده الحديدية، والاصرار القوي. هذا الشموخ العجيب، والعناد الثوري، وطيبة بصرية اصيلة. مسيرة النضال الطويلة، التي بدات منذ اربعينات القرن الماضي، واضرابات الميناء الشهيرة في الخمسينات. كان فيها بطلا، ومشاركا، ومنظما، وقائدا، وضحية كسجين، ومفصول سياسي، ومنفي عن مدينته. يتحدث عن ذلك، وكأنها سفرة، وتجربة اعتيادية عاشها، مدعوما برفقة ام سلام. يراودني ان اسأله كلما التقيته عن الميناء، واضراباته، وشهدائه، ونضالات ابنائه. لكن اخشى ان اثير فيه اللوعة، او الالم الدفين، والغبن العميق، الذي يحسه كل مناضل قديم يشهد ما انتهى اليه نضال شعبنا في سبيل الحرية والديمقراطية. "عليك ان تهتم بصحتك" يردد علي دائما. "اعمل الفحوصات الضرورية". يكرر وصيته كل مرة التقيه، او اتصل به. سالته مرة عن سبب تعبه، وشحوبه. رد بحنان الاخ الاكبر: "عليك ان تهتم بصحتك". واضاف: "انني عشت ما يكفي، ورأيت الكثير في حياتي، وقدمت ما استطيع. لكن الذي يمزق نياط قلبي ان ابنتي ترقد عليلة في المستشفي، وكل يوم يخبروها بتشخيص ما. انا اشك انهم يخفون شيئا". فهمت سبب وجومه، وحزنه، والهم العميق في عينيه. اخبرني يوما انه بدأ العلاج ضد المرض الخبيث. "الطبيبة تؤكد ان كل شئ سيكون بخير. انا لا افكر بنفسي. انا قلق، وفي منتهى الخشية على ابنتي. انها محنة، وابتلاء، ان تتحسن صحتي، وصحتها تتدهور. انا قد اعيش، وهي قد تغادرنا! الشابة التي قضت عمرها في المهاجر، والمنافي نحملها اينما تغربنا. كيف، وعمر ابنها لم يتجاوز الثمان اشهر، وابنتها ذات السنتين". هل هناك عدالة في ذلك؟!
تذكرت والدي الذي دفن ابنه، وابنته الشابين. كاد ان يفقد صوابه، لولا دعم الاخرين. اما انا فلا زالت ماساة استشهاد اختي، وبعدها اخي تسيطران على فكري، وحواسي. ابو سلام رغم لوعته، وعذابه، وحزنه الشديد، لم يجزع، ولم يفقد الامل. توقفت عن الاتصال به خشية ان يصدمني بالخبر المريع. لقد فهم بذكائه، وفطنته سبب انقطاعي. معه في كل حواسي، واحاسيسي، وخوفي، وانا احاول تطمينه والتخفيف عنه. "وقت المعجزات انتهى، ونحن لسنا غيبيين" يكرر ابو سلام على مسمعي. لكن الامل يبقى رغم ان الفاجعة واقعة، لا محالة. ليس هناك اقسى من ان يسبق الابناء اباءهم في مغادرة الحياة. ليس هناك اصعب من وقوف الوالدين عند قبر الابن، او الابنة. انها معضلة تدمي القلب.
اليوم كان هناك لقاء تلفزيوني مع ام سويدية خسرت ابنها في التسونامي عام 2004. تردد: "انني اعاني يوميا من انني حية، وهو ميت. اشعر وكأنني خذلته". سيطر علي هم الحالة الميئوسة لسهير ابنة صديقي ورفيقي ابو سلام، وسرحت افكاري اليه. اريد الاتصال به، ولا اجرؤ، خشية الصدمة. وكأنه القدر المؤلم. ساعات، ويتصل بي صديقي ليخبرني بالمصاب الاليم. اهي مصادفة ان اشاهد تلك المقابلة في نفس يوم رحيل سهير؟ ام هي مفارقة محزنة ان يكون اليوم "الثالث عشر" الذي يتشائم منه الكثيرون عبر الكرة الارضية. انا اعجز ان احدث صديقي، واخاف ان ارى انكساره، ولا اتحمل الحزن في عينيه، رغم كل صلابته، وثبوته، وعزمه، وشدته. لكنه يفي بوعده، ويتصل ليخبرني بالمأساة.
اخر مرة التقيته فيها عندما اصر على حضور مجلس عزاء شاب ودع الحياة بعمر الزهور. كان بالكاد يستطيع المشي. العلاج بالاشعة، والكيمياوي انهك جسده، وحالة ابنته تنهك روحه، ووجدانه. عاتبته، برفق، لماذا جئت، وانت في هذه الحالة؟! رد بصوت خفيض يفيض لوعة: "اداء الواجب. حتى لو كنت مقعدا لوجدت وسيلة للمجئ، وتقديم التعازي، رغم انني لا اعرف الشاب، ولا عائلته. لكنه عراقي، وابن رفيق قديم". كنت اراقبه، ونحن في مجلس العزاء، وعبرة تتكسر في صدري. نظراته هائمة نحو اخوة الشاب المتوفي في صدر المجلس يستقبلون، ويودعون المعزين. كان يردد بصوت كسير: "مساكين، مساكين، رغم فقدان والدهم يتعرضون لهذه الكارثة". في ذاته يتوقع، ويخاف، ويخشى، ويتمنى ان لايجلس يوما في ذلك المكان يصافح الناس المعزين. رغم واقعيته، التي يصرح بها، محاولا، مغالبة الواقع المر، والحزن العميق، والالم القاتل، فان شعوره الانساني، وابوته تطغى على صوته، ووجهه المغطى بسحابة حزن داكنة.
هذا المصير اللعين، تلك المصيبة المحتومة. هذه الكارثة الرهيبة، والفاجعة الموجعة، وقعت رغم كل الامل. الموت يطارد العراقيين اينما كانوا، ومن كل الاعمار، ولكل الاسباب، وتعدد الوسائل. يختطف منا وردة جميلة، يقطع غصنا يانعا، يقطف زهرة فواحة، ويطفأ عينا لامعة. شبح الموت يدور حولنا، يسرق احبابنا، ورفاقنا، واهلنا كل يوم، وكاننا حقلا مهدورا لسيفه القاسي. عائلة فجعت، ام اثكلت، اب اثقل الحزن على حياته. اطفال تيتموا، وزوج ترمل في غربة قاسية، ووطن مذبوح. المآسي المستمرة في عراقنا، فاضت علينا كالتسونامي، وجرفت اجساد اعزتنا، وغيبت ابنائنا، واغرقتنا بحزن عميق. نحن لا نؤمن بالقدر، او المقسوم. لكن اناسنا يتساقطون كاوراق الخريف. الموت يطرق ابوابنا في كل المواسم، ويترقبنا كالذئب في قصيدة الجواهري في رثاء الاعزاء:
ذئب ترصدني وفوق نيوبه دم اخوتي واقاربي وصحابي
لكن عزائنا، وحتى لا نيأس، ويصيبنا القنوط، نتواسى بما قاله ابو الحسن التهامي في رثاء ولده:
يا كوكبا ما كان اقصر عمره وكذا تكون كواكب الاسحار
كل العزاء، والصبر، والسلوان صديقنا المناضل صالح حسين الحلفي، ورفيقة حياته، ونضاله، وشريكة مصيبته ام سلام. لكل العائلة المبتلاة بغدر الزمان وفقدان الشابة سهير.
كل كلمات، الرثاء، والعزاء، والمواساة، لا تعوض الخسارة. صبرا احبتي!
رزاق عبود
13/5/2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ا?ستاذ بجامعة سان فرانسيسكو: معظم المتظاهرين في الجامعات الا


.. هل وبخ روبرت دينيرو متظاهرين داعمين لفلسطين؟ • فرانس 24 / FR




.. عبد السلام العسال عضو اللجنة المركزية لحزب النهج الديمقراطي


.. عبد الله اغميمط الكاتب الوطني للجامعة الوطنية للتعليم التوجه




.. الاعتداء على أحد المتظاهرين خلال فض اعتصام كاليفورنيا في أمر