الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقض النقض ، هل مات الأنسان ؟

هيبت بافي حلبجة

2013 / 5 / 17
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع



نعم ، حتى لو كنت آلهة فأنت في مقبرة زمن يتلاشى ومكان يذوي ، تقتات من وهم معاشرة الكواعب ، ومن أصناف النتانة والتخمة وأوراق الغد الصفراء ، ومن أورام جسد لاتملكه ويرتدي روحاُ غير روحك ، ويعزف على قيثارة أنجبت أبيقور وأصحاب اللذة والمتعة ، ومن يلادة عقل أصبح عالة عليك وعلى ذاته ، عقل يغترب منك يهرع إلى صمته الأبدي ويلوذ كدوستوفسكي إلى هواجس النفس الغائبة البائدة والتي سوف تقتلك وتغدر به وتغتال العلاقة ما بين الحاضر واللاحاضر ، ما بين الغائب وشهوة المستقبل ، ما بين الوجود والفرار المطلق عن ذاته . لأن المعادلة غدت ، أنت لست أنت ، أنت ظلال شبح يستميت من أجل أن ينتحر العقل .
لقد أندحر التمرد الأزلي وأكتست الأرض بالعار الدائم من خلال ضياع ثلاثة مفاهيم مبقورة الوجدان و التي أنتكست دون رصيد تاريخي ، دون الأعتماد على السمة السائدة ، دون أن تتجشم عناء مشقة البحث عن مفهوم الخطيئة الأولى . فكم أنت بائس تروتسكي المائت الذي لم تولد إلا حين هرع غرامشي إلى محراب يلتمس معنى للتاريخ في سلوك بشرية تهرول هي نفسها إلى أحضان فرويد ويونغ وسارتر ، جان بول الذي بعد أن أنتهى من مؤلفه العدم والوجود وأغرق غباءه الأزلي في صفحات تسعة عشرة بعد المائة بعد الألف ، ليصفق لنفسه بحرارة منقطعة النظير ، ويخترق أزقة باريس بعنفوان الخلد وسطوة هيجل وهمجية العقل الشرقي ودناءة العقل الغربي ليهتف : أنا سارتر ، فيأتيه الصدى بسؤال دميم ، ما هو الوجود وما هو العدم ؟ فيكتشف سارتر نوع الغباء الذي يضفي على ذكائه قوة أرعبت كل من برجسون وهنري بوانكاريه وأولاد حارتنا وعظماء الفكر الذي لم يلد بعد .
ومازلت أتذكر قول البروفسور يعقوب تالمون أستاذ في الجامعة العبرية في القدس إن الحق اليهودي التاريخي بفلسطين يفتقر إلى أساس ثابت فيما لو تم إقصاء مسألة الإيمان بالوعد الإلهي وفكرة الشعب الذي أختاره الرب وأصطفاه ، الأمر الذي يفضي حتماً إلى أظهار اليهود بمظهر الغزاة الفاتحين والأمبرياليين .
ويؤكد نفس المقولة الشاعر الروسي – قومي يهودي – حاييم نحمن بياليك : إن أسرائيل والتوراة شيء واحد لإن الأول أستمرارية الثانية والثانية وجود الأول .وهذا هو الزواج الحقيقي ما بين الفيزياء والرياضيات ، أو الزواج الطبيعي الأينشتايني ما بين الكون والفيزياء .
أما هارولد فيش ، رئيس جامعة بارايلان الدينية في أسرائيل ، فأنه يبحر أكثر في العلاقة ما بين الوجود واللاوجود ، مابين الصورة والماهية لدى أرسطو ليؤكد : أبعد البعد اللاهوتي الديني تتلاشى الصهيونية ذاتها هباءاً منثورا .
هذا المدخل يلج بنا إلى سرداب خنفوس يتقافز فيه هذا السؤال : ماهي المعادلة التي ينبغي أن تتمسك بها الأمة العربية والأمة الكوردية ؟ ، ماهي المادة الرياضية الفيزيائية التي تخرج مذعورة من الأنقاض لتتوج ملكة حميدة في ساحة الشرق الأوسط الفكرية . هنا يبرز محتوى الفقه الأسلامي الرياضي ، ومعنى الفكر الزرادشتي الفيزيائي ، وأستلمح من بعيد أبتسامة عريضة على مبسم محمد عابد الجابري ( ألف رحمة على رمسك الطيب الثرى ) وأخرى من ماركس والثالثة وهي الأدهى والأمر من سيد أرادة القوة ( الموت والبقاء ) نيتشه : ها إن التين يتساقط عن أشجاره عطر النكهة ، حلو المذاق ، وقشوره الحمراء تتشقق بسقوطها ، وأنا هو ريح الشمال تهب على هذه الأثمار الناضجة ) .
أو كما يقول ستيبان أوديف : إن لإرادة القوة بعداً نوعياً مفضلاُ عن البعد الكلي ، إن الخليقة والخالق يتحدان في الأنسان ، الإنسان مادة نتفه ، تفاهة تراب ، طين ، عبث ، تيه ، لكن الإنسان خالق أيضاُ مثال ، مطرقة قاسية ، شاهد ألهي .
أذن ما هي هذه المفاهيم الثلاثة التي نعتقد أنها ضرورية سيما في هذه المرحلة :
الأفهوم الأول : ثمة تماثل حاد وطبيعي ما بين تطور السوسيولوجيا والغنوصولوجيا لدى كل أمة على حدة بحيث يستحيل أحياناً الفصل بينهما من جهة وبين كيان الأمة من جهة أخرى ، وكأن الأمة هي حاضنة لسوسيولوجيتها وغنوصيولوجيتها الخاصتين بها وتتغذى منهما . وربما لهذا السبب تثابر الأمة الفرنسية على الأحتماء بهما دون جدوى لأن ثمة شرط ثالث ضروري ، ضرورة تاريخية ، وهو القفز إلى المستقبل أو ما أسميه الأنتحار هو علة الحياة أي أجرع السم لكي تعيش أبداً . لذلك تتخاوى الأمة الفرنسية كما تهاوت أمم كثيرة في الشرق وفي الغرب ، وقريبا سوف تتخاوى الأمة الألمانية ، بل إن مجرد أن يفتك بها هذا المرض فإنها سوف تندثر بسرعة ثلاثة أضعاف للخواء الفرنسي للفرق القاتل ما بين الخوائين ، الأول تدريجي والثاني تمزيقي . وبطبيعة الحال لن نتحدث عن الصحراء العقلي لدى الأمة الكوردية والأمة العربية ، وكان بأمكان هاتين الأمتين أن تنقذا الشرق الأوسط من متاهة الأنقضاض الثالث لو ، شريطة لو ، وجود تيار علماني معرفي أصيل وحقيقي الذي أتهمه ، للأسف ، بالخواء المعرفي ، والذي كان من المفروض أن يستلم زمام التخمر ضد الأنظمة الشمولية الحاكمة وتلك الأنظمة التي تصارعها فقط على بوابة السلطة وليس على حجم الديمقراطية وذهنية الدمقرطة .
الأفهوم الثاني : إن ديمومة الغنوصولوجيا تلعب دوراً أكيداً وتاماً في الحفاظ على كينونة الأمة ومقومات الأبعاد الفعلية في منع الموت عنها ، وأي تقويض للغنوصولوجيا هو دمار موضوعي للأمة والقضاء على دورها المناط بها في المجالات الحية . ومن الواضح إن أدراك المعنى الفعلي لهذا الأفهوم والدور الحقيقي للمثقف هما صمام الأمان لبقاء الأمة ، لكن من المؤكد إن الكثير من المثقفين يجنحون نحو السطحانية والأعراض الأستهلاكية وبواعث التشيئية ، وكأن منطقتنا تمقت غاية ومضمون الشيء في ذاته ، وتساير بعفوية مريضة أطروحات كارل ياسبر ، وهربرت ماركيوز .
الأفهوم الثالث : إن تمرد المثقف الواعي في بعض مراحل التاريخي هو نقطة الفصل والفيصل في تحديد أقنومة : من يملك مفهوم ومحتوى ومدى التاريخ . ومن المحقق لاتوجد قوة بديلة لوعي المثقف سيما ما أسميه دائماً ( المعنوي في أطار الأنطولوجي ) الذي يتجاوز ماركس ولوكاتش في نقطة جوهرية وهي العلاقة ما بين الإمكان والممكن وما بين الواقعي والموضوعي ومابين الغاية التاريخية كتاريخ في مدى تجربة بشرية والغاية المنسحبة على نفسها ، والذي لغموضه وأشكاليته لدى المثقف يظهر في تعابير متناقضة تصل إلى حدود السفسطائية .
ألى اللقاء في الحلقة الثانية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السيسي يحذر من خطورة عمليات إسرائيل في رفح| #مراسلو_سكاي


.. حزب الله يسقط أكبر وأغلى مسيرة إسرائيلية جنوبي لبنان




.. أمير الكويت يعيّن وليا للعهد


.. وزير الدفاع التركي: لن نسحب قواتنا من شمال سوريا إلا بعد ضما




.. كيف ستتعامل حماس مع المقترح الذي أعلن عنه بايدن في خطابه؟