الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الديمقراطيّة الحقّة بالضرورة علمانيّة

كلكامش نبيل

2013 / 5 / 19
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الديمقراطيّة الحقّة بالضرورة علمانيّة


تتسابق الأنظمة التي أعقبت ما يسمّى بالربيع العربي في التفاخر بديمقراطيّتها الوليدة، بشكل يذكرنا بما يكاد يكون حقيقة ثابتة عن شعوب هذه المنطقة، وهي أنّها دائما تأخذ من الغرب القشور فقط وترمي بالجوهر الحقيقي بحيث تخلق لها نموذجا جديدا يمثّل نسخة مشوّهة عن الأصل، نسخة لا تحمل من الأصل إلاّ الإسم. من البديهي جدّا أن يكون لكل بلد تجربته الذاتيّة المنفصلة عن الآخرين والمتولّدة من ظروفه الإجتماعيّة والإقتصاديّة المميّزة له، وهذا هو ضمان نجاح أي تجربة حكم، ولكنّنا ومنذ مطلع القرن الماضي وبعد التحرّر من الإحتلال العثماني نرى نماذج حكم غريبة في منطقتنا، نرى أنظمة ملكيّة ذات أسسٍ قبليّة لا تحمل من بهاء الملكيّة الأوربيّة إلاّ الإسم وربّما البذخ أيضا، ونرى جمهوريّات عسكريّة وأخرى ذات طابع ملكي وراثي يتخفّى تحت مسمّى الجمهوريّة، كل هذه التجارب تثبت بأنّ كلّ ما إستنسخناه من أنظمة حكم ولّد طبعات رديئة للغاية ولكأنّنا عاجزون عن الإستنساخ فكيف بإبتداع نظم حكم جديدة تلائم العصر الحادي والعشرين والذي دخلناه ظاهريّا فقط ولا تزال أذهان قطاع واسع من شعوب المنطقة تعيش في القرن السادس الميلادي.

وفي الوقت الحاضر نرى أيضا أنّ التجارب التي تدّعي الديمقراطيّة نماذج بائسة هي الأخرى وقشور مفرّغة من جوهر الديمقراطيّة الحقّة، لكأنّ شعوبنا ترى في الديمقراطيّة نظام الإنتخابات فقط، يرون فيها صناديق تملأها جموع من الجهلة تحرّكهم مشاعرهم الدينيّة تارة والقوميّة تارة أخرى، ويمنحون أصواتهم بناءا على توجيهات رجل دين منحوه حق إتخاذ قرارٍ - يخصّهم هم وحدهم – بدلا عنهم، في إنتقاص واضح لأنفسهم وقدرتهم على إتّخاذ القرار. أيّة ديمقراطيّة يمكننا الحديث عنها ونحن نرى شعوب عدّة دول تصوّت على دساتيرها الجديدة بالرفض أو الإيجاب بناءا على رأي شخص ما يتّبعونه كما يتبع القطيع راعيه ويطرب على أنغام مزماره من دون أن يفهم شيئا، كيف لنا أن نصف ما يجري بأنّه ديمقراطيّة ونحن ندرك أنّ النسبة العظمى تصوّت وهي لا تدري سبب رفضها أو منحها الثقة لما يطرح من قضايا للإستفتاء عليها، أو أنّها إتّخذت القرار بناءا على فقرة أو فقرات عدّة فقط إختزلت فيها مشروعا كبيرا يحتاج إلى دراسة واعية متعمّقة من أناس ذوي خبرة.

لكل هذه الأسباب كان حريّا بنا أن نبني طبقة مثقّفة واعية تبحث عن برنامج إنتخابي حقيقي يمس حياة المواطن ويضع خطّة عمل واقعيّة قابلة للتنفيذ في غضون الأربع سنوات المفترض توليه المنصب فيها كي يتمكّن الشعب من محاسبته فيما بعد عنها ويبني القرار بناءا على نسبة ما أنجز من وعود سواء بمكافأته بالتجديد له لفترة أخرى أو معاقبته وتنحيته عن المشهد السياسي، ولكنّنا نرى أنّ "ديمقراطيّة دولنا الحديثة" تبنى على مشاعر دينيّة وقوميّة واهية لا تقدّم شيئا للوطن بل إنّها تؤذيه وتشق وحدته المجتمعيّة وتصدّع كيانه، ديمقراطيّتنا الحديثة مبنيّة على فرحة عابرة لجموع جاهلة تشعر بإنتصار طائفتها أو حزبها – غير آبهين بوصول نماذج فاشلة إلى سدّة الحكم – وسرعان ما تزول هذه الفرحة عقب سباق ملىء الصناديق ليواجه المواطن نفس الواقع المرير يتكرّر أمامه ما أن يتمّ رفع صور المترشّحين، والأدهى أنّ هذا المواطن لا يعرف كيف يعاقب المسيء ويواصل مكافأته بإعادة إنتخابه بعد كل فترة ما دام سيشعره بأمان كاذب بإنتصار مرشّحه الذي سيسمح له بممارسة شعائره الدينيّة والتي لن يحاربها الآخرون كما يدّعون. لكنّ وسيلة التنويم هذه ليست غريبة ولطالما كانت السبب في ركود شعوب المنطقة طوال أربعة قرون من الجهل والإهمال تحت السلطة العثمانيّة من دون أن يثوروا على الظلم فقط لأنّها متسربلة بعباء الدين والخلافة، حتّى تمكّنت بعض النخب من مفكّرين مستنيرين درسوا في أوربا وبعض ممّا يسمّى الأقليات الدينيّة والعرقيّة من تأجيج فكرة القوميّة من أجل الخلاص من عباءة الرجل العجوز. والمشكلة الأزليّة الأخرى المستعصية على الحل هي الفقر والتي يتنافى وجوده مع إمكانيّة إيجاد نظاد ديمقراطي حقيقيّ، طالما يرى بعض المعدمين في ما يُمنح لهم من مساعدات ماديّة غير ذات قيمة كنزا مقابل منحهم ما يعتقدون بأنّه لا يساوي شيئا أصلا بسبب غياب الوعي، ألا وهو صوتهم، متناسين بأنّ في إمكان هذا الصوت أن يحدث تغيّيرا يجلب لهم ما يفوق ما يمنحه لهم أولئك المستغلين، وهنا لا يسعنا إلاّ أن نتذكّر مقولة للعالم الكبير ألبرت أينشتاين بأنّ المعدة الفارغة ليست مستشارا سياسيّا جيّدا.

والآن لنا الحق في أن نخشى إستمرار تكرار إنتخاب نفس الوجوه في كل مرّة من خلال اللعب على أوتار المشاعر الدينيّة وإستمرار مشكلة الفقر. قد يقول البعض بأنّ الناس ستفكّر وتغيّر طريقة حكمها على الأمور وتبدأ بالبحث عن حاجاتها الأساسيّة وعن الشخص الذي سيوفّر لها ذلك حقّا، ولكن طبيعة الشعوب لن تتغيّر إلاّ بإيجاد ثقافة مغايرة، ولن توجد هذه الثقافة الجديدة – التي تفكّر بنفسها بدلا من ثقافة التلقين الشائعة في دولنا – ما دامت شعوبنا لا تقرأ إلاّ ما ندر وإن قرأت فإنّها لا تقرأ شيئا مغايرا بل تقرأ في الغالب ما يعزّز أفكارها الذاتيّة المتوارثة بشكل يحول دون تجدّدها ونموّها فكريّا، هذا بالإضافة إلى نخبويّة مثقفي دولنا والذين يخاطبون أنفسهم فقط ويترفّعون عن مخاطبة السواد الأعظم من الشعوب ويبنون بينهما أسوارا عالية ممّا يزيد الهوّة بينهم ويمنعهم من أن يكونوا القادة الحقيقيين للأمّة. بينما نرى الأحزاب الدينيّة تستغل حاجة الفقراء وجهل الكثيرين من أجل تعزيز مواقعها وسط هذه الطبقات العريضة من الشعب القادرة حقّا – عن طريق الإنتخابات – أن ترفع من يهتم بها إلى سدّة الحكم، ولهذا السبب نرى التحوّل الغريب لدى الأحزاب الإسلاميّة التي لطالما رفضت الديمقراطيّة وعارضتها بأشدّ الوسائل لكونها مستوردة من الغرب كما يدّعون، فجأة تحوّلوا إلى ديمقراطيّين بعد أن أدركوا أنّ واقع شعوب المنطقة سيمكّنهم من خلال هذه الطريقة التي يرحّب بها الغرب من أن يصلوا إلى سدّة الحكم، فهم إتّخذوا منها غطاء كما يلبس الذئب رداء الحَمَل حتّى يحقّق مآربه، مع تناقض واضح لتفكير هذه الأحزاب مع مباديء الديمقراطيّة الحقّة، فمن سخرية القدر اليوم أن ترى أحزابا تجمع في إسمها صفتي الإسلام والديمقراطيّة مع وضوح التناقض بين الفكرين. وهو تجسيد واضح لفكرة إختزال الديمقراطيّة في فكرة الإنتخابات الغير مبنيّة على الوعي، وهو ما قد يكون سببا في تدهور هذه الدول بدل أن يؤدّي إلى تقدّمها، فمن ضمن مباديء الديمقراطيّة - التي لا يمكن أن نمنح نظاما يتجاهلها صفة الديمقراطيّة - أن يحترم حقوق الإنسان وحريّة الإعتقاد والتفكير والإبداع، بينما نرى أنّ لهذه الأحزاب أحلاما في إقامة نظام ثيوقراطي مبني على أسس تتناقض تماما مع أسس المجتمع المدني الحديث ولديه مباديء تعارض أمورا كثيرة تندرج الآن من ضمن حقوق الإنسان أو الحريّة الشخصيّة التي لا يمكن أن تقيّد ولم تكن لتقيّد في ظل الأنظمة الديكتاتوريّة السابقة بشكل جعل الناس تنظر إلى الماضي المظلم بشيء من الحنين، فالديمقراطيّة لا بد أن تتضمّن الحريّة الإجتماعيّة والفكرية ولن تخدم شعب ما حريّة سياسيّة مزعومة مقابل ضياع تلك الحريّات الجوهريّة، وهنا يظهر جليّا أنّ مثل هذه الأحزاب تتخذ من هذه الشعارات الكاذبة وسيلة – رحبت بها دول الغرب عن هدف خفيّ أو عن سوء فهم لطبيعة ما يجري في دول المنطقة – شعارات تتخذ من فكرة الإنتخاب المجرّدة عن جوهر الديمقراطيّة وسيلة للوصول إلى الحكم وتحقيق أحلامها في إقامة نظام أكثر دكتاتوريّة من الأنظمة السابقة لأنّه سيتحدّث بإسم الله وسيقمع كل فكر مخالف له بقوّة وسيشوه صورة من يتصدّى له في أنظار عامّة الناس أيضا، فلم يعرف التاريخ أنظمة أكثر دكتاتوريّة من الأنظمة الثيوقراطيّة الشموليّة.

الآن يعيب أنصار الأحزاب الدينيّة على ناشطي القوى المدنيّة خوفهم من نتائج الإنتخابات ويتّهمونهم بأنّهم تنصلّوا من دعواتهم بعد إكتشافهم بأنّها لا تخدم مصالحهم، والحقيقة غير ذلك، لأنّ النظم الموجودة الآن لم تتخذ من الصناديق إلاّ وسيلة لتحقيق أهدافها في تأسيس نظام لا يعترف بالديمقراطيّة بل يحتقرها في الحقيقة، ولهذا ترفض القوى المدنيّة مثل هذه النتائج التي تتعرّض للتلاعب تارة أو تكون تعبيرا حقيقيّا عن واقع الشعوب تارة أخرى، وهنا يبرز تقصير هذه القوى في مخاطبة الطبقات الأوسع من الشعب ورفضها ترك أبراجها العاجيّة والنزول إلى الشارع ومخاطبة الناس يلغة يفهمونها. وهنا نكتشف بأنّ القوى المدنيّة لم تكن هي من غيّرت موقفها من الديمقراطيّة التي طالما طالبت بتطبيقها عندما إكتشفت بأنّها لا تخدم مصالحها، بل أنّ القوى الدينيّة هي من إستغلّت وسيلة لا تؤمن بها من أجل تحقيق غايتها على مبدأ مكيافيلي "الغاية تبرّر الوسيلة" والذي نجد له صدىً في أدبيّاتهم "الضرورات تبيح المعذورات" رغم إدّعاءهم بأنّهم يرفضون مباديء مكيافيلّي الإنتهازيّة حسب وصفهم.

هنا لا بدّ أن نذكر رأي أفلاطون إذ يقول "القرار الصائب مبنيّ على المعرفة لا العدد" وهو منطقيّ جدا في حال كانت الأغلبيّة غير واعية بدرجة كافية، فلن يكون في إمكانها إتّخاذ قرارات صائبة، فالمصلحة العامّة دائما هدفها الخير ولكنّها قد تخطيء في تعيين هذا الخير أحيانا كما يفترض الفيلسوف الفرنسي السويسري المولد جان جاك روسّو في كتابه "العقد الإجتماعي" وهو يرى بأنّ النظم الديمقراطيّة التي تجسّد الفكرة بكل سموّها لم ولن توجد يوما على أرض الحقيقة ويرى بأنّها تلائم الدول الصغيرة حيث تقل المشكلات وحدّة النقاشات وتباين الآراء بشكل كبير، وتتجلّى في إحدى مقولاته نظرته الجيّدة عن الديمقراطيّة وخشيتها منها في الوقت ذاته، إذ يقول، " لو وجد شعب من الآلهة لكانت حكومته ديموقراطيّة، فحكومة بالغة الكمال كهذه لا تلائم الآدميّين." وهو يرى أنّ الصراعات والحروب الأهليّة أكثر ما تكون في الدول ذات النظم الديمقراطيّة، ولكنّني أعتقد بأنّ هذا صحيح في حال تطبيقها بشكل خاطيء وعندما تغيب أسس العدالة وتكثر الأحزاب ذات الرؤى المتناقضة تماما ومحاولة كلِ منها تحقيق مصالح جماعته الخاصة بغض النظر عن مصلحة الشعب العامّة.

إن تكرار نفس النوع من الأنظمة في كثير من الدول بدءا بالعراق ومرورا بتونس ومصر وغيرها تبيّن أنّ هذه القوى إستغلّت إنعدام الثقة بين أبناء الشعب الواحد تارة وفقرهم تارة أخرى أو حتّى ردّة فعل معادية لطبيعة النظام السابق في بعضها الآخر، يبيّن أنّ لكل هذه الشعوب طبيعة متشابهة في التفكير وأنّها لم تستفد من تجارب من سبقتها بل تحرص على تكرارها بلا وعي، ونتذكر هنا فكرة الفيلسوف الألماني فريدريك نيتشه التي تشدّد على حرية الإختيار ولكن أن نعرف حقّا ما نريد قبل ذلك، وهو ما يبدو غائبا بجلاء عند القطاعات الأوسع من شعوب المنطقة، فهي تعيش في الماضي وتحاول إعادة ما يعتقدون بأنّه مجد غابر سوّقته لهم أفكار الأنظمة السابقة وبشكل يجافي الحقيقة وينم عن قراءات سطحيّة للتاريخ أو رغبة في الرجوع إلى الوراء أيّا كانت النتيجة. بالنسبة لروسّو يرى أنّه ليس من حقّ أحد أن يمنع شعبا من أن يختار بحريّته ما يؤذيه طالما أراد ذلك، أي أنّه يرفض فكرة الوصاية على الشعوب، ولكن هل هذا يعفينا من مسؤوليّة إسداء النصح وتوضيح قراءاتنا الممكنة لما قد تؤول إليه الأمور، لا أعتقد ذلك. ولهذا أرى أن يكون الوعي والثقافة أساسا قبل قيام أي نظام ديمقراطي أو البدء ببناء هذا الوعي الآن حتّى تتبلور ديمقراطيّة حقّة مستقبلا، والفرصة مواتيه الآن ولهذا يجب أن يتمّ البدء بذلك سريعا قبل أن تترسّخ أنظمة حكم صارمة يجعل وجودها من تحقيق هذه المهمّة صعبا إن لم يكن مستحيلا.

بقلم كلكامش نبيل

19-5-2013








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لو كانت الديمقراطية علمانية لمانجح الاسلاميون
عبد الله اغونان ( 2013 / 5 / 20 - 12:37 )
فقط

اخر الافلام

.. بعد أنباء سقوط طائرة الرئيس الإيراني.. المرشد الأعلى: لا تعط


.. عالم دين شيعي: حتى القانون الألهي لا يمكن أن يعتبره الجميع م




.. 202-Al-Baqarah


.. 204-Al-Baqarah




.. 206--Al-Baqarah