الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدوامة المفرغة في حالة اللاحسم بين الأصولية الإسلامية والعلمانية

علي مقدّم

2013 / 5 / 20
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


كل نص يحتمل التأويل، والتأويل يخدم دائماً البنية الفكرية التي تنتجه. هامش التأويل يضيق في النصوص التي ترتكز على معايير تجريبية وعلمية ويتسع في النصوص التي تتسم بالطابع الروحاني واليقيني الإيماني. هكذا كان النص الديني ومازال، في المجتمعات العربية الإسلامية، مادة دسمة للتأويل ولتأطير الخلافات السياسية والأيديولوجية. طبعاً، لا يجب أن ننسى دور التأويل في الإسلام والذي فتح المجال للنظر العقلي في الأمور الإجتهادية والتشريعية والذي لعب دوراً تقدمياً آنذاك. لكن الظروف التاريخية الراهنة لا تحصر المشكلة فقط بوجود التأويل من عدمه أو بهامشه وإنما تفرض طرح أسئلة عن طبيعة التأويل نفسه وعن معاييره؛ هل هي معايير وضعية تخضع لقوانين التجربة والنقد والتمحيص والتطوير؟ أم هي معايير ميتافيزيقية جامدة لا يمكن دحضها بالتجربة والبرهان؟ أو هي تعيش حالة للاحسم بين العقلانية أي العلمية من جهة، والماورائية من جهة ثانية؟

التيارات الأصولية الإسلامية، التي تشهد البلاد العربية الأن عودتها بقوة إلى الساحة السياسية والإجتماعية، كانت وما زالت ترفض الجدل والتأويل وترفض النقاش في علاقة العقيدة الإسلامية بالشريعة. فالمعرفة عندها مرتبطة حصراً بالمصدر الإلهي ولا تخضع إلى أي قوانين وضعية وعلمية محددة، والمس بالشريعة يعني المس بالعقيدة بحيث لا يمكن الفصل بينهما. من جهة ثانية، التيارات الإسلامية المعتدلة، تحاول التوفيق بين النظرة العقلية في الإجتهاد والتشريع وبين الإيمان القاطع المنفصل عن النظر العقلي. نجد هذا النوع من التجاذبات في الفكر الشيعي مثلاً الذي يتمحور حول آلية توفيقية بين العقلانية التأويلية المتعمقة من جهة، وبين مفهوم الإمامة المعصومة وما يتضمنه من إيمان قاطع لا جدال فيه، من جهة أخرى، أو في النهج التوفيقي الإسلامي الكلاسيكي وعلى رأسه العالم الكبير إبن رشد القائل بالتوافق بين المعقول والمنقول، والقول أن كل ما أدى إليه البرهان وخالفه ظاهر الشرع أن ذلك الظاهر يقبل التأويل بما يتلاءم مع روح الإسلام وأسس عقيدته، أو في توفيقية محمد عبده المحدثة مثلاً.

لا أهدف إلى مناقشة التيار الأصولي، لأن ليس هناك أي معايير مشتركة للتواصل. الهدف هو تبيان الدوامة المفرغة التي تقع بها التيارات الإسلامية المعتدلة بكافة ألوانها عندما تنتقد الممارسات الأصولية وتعتبرها منافية للإسلام وهي في الوقت ذاته، في وعيها الجماعي وفي منهج تأويلها السائد، تعتبر أن العلمانية تتعارض مع جوهر الدين الإسلامي.

هناك مشكلتان أساسيتان في هذا الطرح: مشكلة نظرية فلسفية مفادها أن أي نص مقدس، غير مرتبط بمعايير وضعية، سينزلق حتماً لنوع من الإنفصام والتناقض بين النظرية والتطبيق مهما كان باب التأويل العقلي مفتوحاً؛ فالتقديس يُوَّلد الثبات المطلق كفكرة، والواقع يأبى أن يكون ثابتاً في المطلق لأنه محكوم بقانون الحركة الدائمة والقوانين التي تستمد شرعيتها من النص الديني، هي قوانين محكومة بأسس مقدسة، ستلجم حتماً عملية التطور في مجتمعاتها مهما حاولت التوفيق بين العقل والمقدس.

المشكلة الثانية، مشكلة عملية، تتعلق بالفهم الخاطئ، عن قصد أو غير قصد، للعلمانية على أنها تخالف العقيدة الدينية وتتعارض معها. في الواقع، العلمانية كمصطلح سياسي يخص فصل المؤسسات الدينية وتشريعاتها عن السلطة السياسية، تهدف إلى تكريس القوانين الوضعية القابلة للتعديل والتجديد بمرونة والتي تخص الشأن السياسي والمؤسساتي العام، والتي هي شؤون دنيوية لا يجب أن تكون على علاقة مع المقدس والعقيدة. فالعلمانية لا تمس بجوهر العقيدة الدينية لأنها تقف على الحياد منها وإذا حصل لغط على التأويل العقلي أن يلعب دوره ويحسم حالة التأرجح وللاحسم هذه. فالتطور التاريخي للبشرية يفرض طرح مسآلة العلمانية كإنعكاس لتطور الوعي البشري بإختلاف عقائده وأديانه.طبعاً هذا لا يعني أبداً أن العلمانية هي الحل لكل المشاكل وإنما هي مرحلة تاريخية ضرورية وموضوعية،وما ورد، لا يعني أيضاً أن تطبيق العلمانية لا يجب أن يأخذ بعين الإعتبار الخصوصيات التاريخية والثقافية لكل مجتمع، فهذه أمور تفصيلية تتعدى هدف السطور هذه.



دوامة مفرغة هي إذن، محاولة التخلص من التطرف الإسلامي من خلال منهج تقليدي معتدل يعتقد بأن العلمانية، كا آلية لتحكيم القوانين الوضعية، هي نقيض للإسلام. طالما النقيض السائد للتطرف هو منهجكم هذا، فا حالة للاحسم بين الأصولية والعلمانية ستبقى سيدة الموقف، وسيشتدد سعار الحركات الأصولية عند كل مخاض ممكن أن يؤدي إلى أي تغيير نوعي. فلا معنى للقول "إنهم لا يمثلون الإسلام"، أنتم كتيار يدعي تحكيم العقل في النظر إلى النص جزء من المشكلة أيضاً، وخاصة إن لم يتبلور لديكم تأويل ينهي حالة اللغط والتناقض بين العلمانية والعقيدة الدينية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تأييد حكم حبس راشد الغنوشي زعيم الإخوان في تونس 3 سنوات


.. محل نقاش | محطات مهمة في حياة شيخ الإسلام ابن تيمية.. تعرف ع




.. مقتل مسؤول الجماعية الإسلامية شرحبيل السيد في غارة إسرائيلية


.. دار الإفتاء الليبية يصدر فتوى -للجهاد ضد فاغنر- في ليبيا




.. 161-Al-Baqarah