الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مهدي عامل محاكياً ابن خلدون

جمال القرى

2013 / 5 / 23
الشهداء والمضحين من اجل التحرر والاشتراكية


لا يزال فكر الشهيد مهدي عامل يشكّل واحدة من الحاجات والضرورات لمتابعي الشأن العام، وللباحثين الجدّيين عن اسباب تخلّف مجتمعاتنا، وللنقديّين المهجوسين بعالم أفضل، على الرغم من انقضاء سنوات طويلة على استشهاده.


هي على ما يبدو مرشّحة للاستمرار، طالما تراوح بلداننا في الاجتماع والسياسة والثقافة مكانها، ببقائها رهن المفاهيم التاريخية والفكرية القديمة، وهي الحدثِية – بحسب مهدي عامل - والمرشّحة الى مزيد من الانحدار، ملاقية بذلك دركها الأولّي السحيق، منبت بداياتها.
ان اعادة التمعّن في فكره، وتحليلاته، ونظريته المستمدة من فكر علمي نقدي في الثورة، والاجتماع، والدولة، والطائفية، والتاريخ، والثقافة والاستشراق، تُبيّن كم اصاب متخّذو قرار تصفيته بقطع الطريق امام اي تحوّل ممكن لفهم علمي لأزماتنا الكثيرة. اما المنفّذ، او المنفذّون، فليسوا أكثر من أداة غبية، غوغائية، فُرّغت من روحها ومن عقلها وانسانيتها، على غرار كل متشابهاتها من الأدوات الآلية المقابلة.
وتبدو العودة ضرورية الى قراءة فكر ابن خلدون بعقل مهدي عامل في خضمّ ما يحصل الآن، للإضاءة على بعض مكامن وأسباب الأحداث التي تجتاح عالمنا العربي، والتي يلبسونها لبوس المؤامرات الخارجية، ويفسرونها ويحلّلونها على أساس غير علمي. فهو أضاء في كتابه "في علمية الفكر الخلدوني"، على تحرير ابن خلدون التاريخ من ظاهره، وخرقه الى الباطن، اي بنقله من المفهوم التجريبي الحدثي غير العلمي، والقائم على نقل الأحداث وتتابعها من دون التحقّق من صحتّها، وارجاع سببيتها الى علاقة خارجة عنها، الى مفهوم علمي، اي الى استكشاف الواقع الذي يحمل هذه الأحداث، والذي هو حتماً ليس سبباً، بل هو علاقة اجتماعية محدّدة، بها تتولّد الاحداث. وكون هذه العلاقة غير ملموسة، فقد استنبطها على شكل مفاهيم نظرية حدّدها بالعصبية، وبالملك، وبالتغلّب، واعتبر انها تشكّل المحدّد للقوانين المتحكّمة بالواقع، وليصل الى نتيجة مفادها ان السبب ليس حدثاً، بل هو قانون الحركات الاجتماعية ككل. ان انتاج معرفة هذه القوانين، يشكّل ما يسمى بالتملّك المعرفي لتفسير حال المجتمعات، وعملية انتقالها من البداوة الى الحضارة، وفي وصول العصبية الى المُلك.
قارئاً اياه من فكر اختلافي وغير إسقاطي، اعتبر مهدي عامل نظرية ابن خلدون نظرية مادية،وقفزة علمية في حقل الفكر الاجتماعي، رغم تغييبها العامل الاقتصادي المحرّك للكل الاجتماعي في حركة التاريخ، وذلك بسبب تبلور الاقتصاد في زمانه بشكله الطبيعي المحدّد بالعصبية، وليس الاقتصاد الرأسمالي بصيغته الاوروبية اللاحقة، اذ انه ربط علم التاريخ بعلم العمران: "ان التاريخ ما هو الا خبر عن الاجتماع الانساني الذي هو عمران العالم وما يعرض لطبيعته من الاحوال مثل التوحش والتأنس والعصبيات واصناف التغلّبات للبشر بعضهم على بعض وما ينشأ عن ذلك من الملك والدول ومراتبها، وما ينتحله البشر بأعمالهم ومساعيهم من الكسب والمعاش والعلوم والصنائع وسائر ما يحدث من ذلك العمران بطبيعته من الاحوال".
يُفضي هذا التعريف الى الاستنتاج بأن الاجتماع ليس مجموعة احداث، بل علاقة اجتماعية عمرانية بين البشر والعالم، وبين البشر بعضهم ببعض، يصير فيه العالم للبشر بالشكل الذي يتملّكونه به، اي يصبح عمران العالم كتملّك اجتماعي، وغير مفصول عن الشكل السياسي للوجود الاجتماعي المتمثّل بشكل معيّن من المُلك والدولة.
اما ما ميّز ابن خلدون عمّن سبقه، فهو اعتماده بنية فكرية مخالفة للبنية المعوّقة لتشكّل التاريخ في علم، واعتباره ان الفكر المعوِّق لهذا التشكّل، هو الفكر الديني الذي لم يكن يسمح برؤية الاحداث الا سبباً لعلّة خارجة عنها، اي محكومة بعقل خارجي هو غيبي، بينما اكتشف هو، ان للأحداث عقلا يحكمها من داخلها. فكان لاحتلال العمران مكان الدين كمركز تفسير الظاهرات الاجتماعية ككل، ولاعتبار الدين كأمر عمراني خاضع للعمران ولقوانينه ومنطقه، وليس لأحكام الشرع الذي له منطقه، انه كشف عن مفهوم "العصبية" كمحرّك تاريخي داخلي فيه، وعن دورها في صيرورة الدولة، التي تعود لتؤثّر في طبيعة العمران البشري.
على الرغم من مرور مئات السنين على حياة ابن خلدون ونشاطه، ورغم الدراسات الكثيرة التي تناولت نظريته، يبدو اننا لا نزال نعيش فهماً تجريبياً للأحداث والتاريخ. فالتقاليد، والعصبية ما برحت مكانها كمحرّك اساسي في احوال البشر والعمران، وقواعد السياسة تُحكم ببنيات فكرية مُسقطة عليها من خارجها غالباً ما هي عقائدية جامدة، او غيبية، تستحضر من الماضي أحداثه الاختلافية الظاهرة، وتُدخلها في صراعات يومية حادة تُستخدم فيها كل أسلحة استلاب العقول وظواهر الماورائيات لتحقيق المُلك. ونظراً الى العلاقة الجدلية التي تربط بين حركة العمران وتبدّلها، والدولة وأطوراها، فإن التخلّف في احداها ينعكس سلباً وتخلّفاً على الاخرى، وهذا هو حال عمراننا ودولنا اليوم.
وما من شكّ في أن المسؤولية الاساسية تقع على عاتق من يؤمنون او يجاهرون بفهم علمي للتاريخ، وهم في الوقت نفسه يغيّبون الاسباب الحقيقية الداخلية الكامنة وراء التراجع المجتمعي وعودته الى مكوّناته التصارعية الاولى الضاربة في التاريخ، ولا يرون الا "عصبية" يغلّبونها على أخرى تحت ذرائع لا علاقة لها لا بالتطوّر العمراني ولا الدولتي، انما هو كسل وتواطؤ اذ يعزون كل ما يحصل الى اسباب وعللٍ خارجية.
لم يكفِ ان مهدي عامل قدّم حياته ثمناً لفكرٍ علمي جهد لتطويره، فها هو ارثه الفكري يُغتال ايضاً ويتبدّد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. -قد تكون فيتنام بايدن-.. بيرني ساندرز يعلق على احتجاجات جام


.. الشرطة الفرنسية تعتدي على متظاهرين متضامنين مع الفلسطينيين ف




.. شاهد لحظة مقاطعة متظاهرين مؤيدون للفلسطينيين حفل تخرج في جام


.. كلمات أحمد الزفزافي و محمد الساسي وسميرة بوحية في المهرجان ا




.. محمد القوليجة عضو المكتب المحلي لحزب النهج الديمقراطي العمال