الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صورة الله كما أراها – الله المحاور

محمد عبد الفضيل عبد الرحيم

2013 / 5 / 23
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


في جانب من صورة الله التي تتجلى في قرآنه الكريم يظهر إلهانا العظيم في صورة المحاور الذي لا يكتفي بالأمر أو النهي، بل يفتح في المقابل بابا للحوار يستمع فيه للرأي الأخر وربما يصل الأمر في هذا الحوار إلى محاولة من كل طرف إثبات وجهة نظره. عندما تكون هذه صورة الله التي ينقلها لنا في بعض آياته فإنها لا تعني إلا أن الله عز وجل يعيش فيه قلب رحيم محب يشتاق لسمع الرأي الآخر، وإن كان يعلمه. فهو الذي – مثلا - يسأل عيسى إن كان قال للناس أن يتخذوه وأمه إلهين، وهو الذي، كما يروي في قصة بدء الخلق، يفصح للملائكة عن نيته في فكرة الخلق الجديد، وما كان يلزمه ذلك، ولكنه أراد بصفة فيه أن يتحاور عن الفكرة الجديدة.
ثم إنه لم يوجه أمراً مباشرا لملائكته أن يبدوا رأيهم في شيء بل بدأ الحوار في صورة السلوك التقائي بين طرفين، يحكي أحدهما رغبته ويبدي الآخر عدم استحسانه للفعل المراد. ثم إذا بالحوار يمتد بالطرفين إلى قيام الإله الخالق بتقديم برهانه أن المخلوق الجديد سيمكنه بصفة العلم تجنب الإفساد في الأرض. فقام الرب الجليل بأخذ مخلوقه بعيدا وإذا به يعلمه الأسماء كلها، ثم يعود به إلى الملائكة أو يعيد الملائكة إليه، هلموا، انظروا كيف أعلم أنا ما تعلمون. لا أعلم لم يتجاهل العلم وجود تلك الصفة الرائعة في الذات العلية، ربما لأن الحوار بين الأعلى والأدني لم يشهده العلم إلا في عصور متأخرة لم يجدد فيها العلم لباسه.
عندما أتحدث عن ذلك الإله المحاور فأنا أتحدث هنا عن أبهى صورة رأيته فيها، إنه الله الذي لم يتوجه إلى العاصي إبليس ساخطا غاضبا بل مستفهما مستعجبا "لم لم تسجد لما خلقت بيدي" مقدما له فرصة الحوار دفاعا عن نفسه. وهنا يبدأ فاصلا من الحوار الذي ينتهي بنزول كل طرف فيه (علا شأن ربنا علواً عظيما) على رغبة الآخر. فيشاء الله - انتصارا لجلاله - أن يكون مصير إبليس النار، ويريد الشيطان - انتصارا لوجهة نظره في آدم - أن يخلد في الكون، عله أن يُريَ ربه أن ذلك المخلوق أقل أن يسجد له إبليس.
لو كنت راجيا ربا ما كنت سأرجو غير هذا الإله العبقري الرائع. إنه الله الذي يتحاور. ومن اللافت للنظر أن ينتصر ذلك اللعين في أول محاولة له على إرادة أدم في طاعة ربه، فيغضب ذلك الرب الجميل وينطق "أخرجا منها جميعا" ثم إنه حتى بعد أن يغفر لآدم وتمر السنون يذكّر الجميع أنه عهد إلى آدم من قبل فنسي ولم يجد له عزما، فيعيز فعلة المخلوق الجديد قليل الخبرة جديد الإيمان إلى صفة هو - جل شأنه - كان قد خلقها فيه: "النسيان". ما أفهم ذلك إلا تواضعا من الله الطيب الجميل، وإنكاراً لذاته. فهو الإله الأعظم في كل جميل الصفات وألطفها وأحسنها. وما خرج أبدا من حلم إلى غضب، أو من رضا إلى سخط، أو من تواضع إلى تكبر إلا في صورة استثنائية وضعه فيها مخلوق بمعصيته وكبره، وإلا فلا وأبدا ما كان.
هذا الرب اللطيف المحاور لا يعلمنا الحوار فحسب، بل كذلك كيف نتحاور. فعندما يختار الله موسى قوي البنية عنيد الرأس رسولا له إلى فرعون شديد العصيان بالغ الكفر يعلم أنه سيصعب على منطق موسى الصارم القبول أو القناعة بجبريل وسيطا فيتوجه الله إليه يحاوره ويعمله أن يتحاور مع فرعون بقول لين، وما غضب الله على موسى حين حاوره في رؤيته وما غضب على إبراهيم حين حاوره في قدرته على إحياء الموتى، بل مد معهما الحوار في أرقى معانيه. قد لا أبالغ إن رأيت أن أجمل ثلاث كلمات متتابعات في القرآن يدللن على صورة الله الحوارية الرائعة هن "لــن ترانـي ولكــن".
كم أشتاق إلى الحديث معه، ولن أرض منه أبدا أن يحول بيني وبينه بوسيط، فسأرجوه على بابه أن يسمعني صوته ويرد حيرتي في مسائل لا يعلمها إلا هو. بل إني على إيمان أنه سيخلع من جملته إلى موسي "لن تراني ولكن" الحرفين على أطرافها مبقيا على الفعل. حقيقة ما أجملك، وما أجمل أن أنتقل من رحلتي في البحث عنك في جميل الصفات، إلى رحلتي في البحث عن أجمل الصفات فيك.









التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - السيد الباحث
ناظم مراد ( 2013 / 5 / 23 - 08:21 )
استاذ انت تشير الى حوار الله مع الشيطان وهو( واحد مصنوع من نار) كيف زاد عددهم واصبحوا شياطين وبنوعين شياطين الانس وشياطين الجن يعيشون بين الناس حتى الوقت الحاضر كما يشير القران وتاثير الشيطان على الناس قوي ومؤثر كما جاء بالايه 16- الحشر += كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِّنكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ = اي ان الشياطين خالده عكس البشر ( ومصطلح اعوذ بالله من الشيطان الرجيم )

اخر الافلام

.. 110-Al-Baqarah


.. لحظة الاعتداء علي فتاة مسلمة من مدرس جامعي أمريكي ماذا فعل




.. دار الإفتاء تعلن الخميس أول أيام شهر ذى القعدة


.. كل يوم - الكاتبة هند الضاوي: ‏لولا ما حدث في 7 أكتوبر..كنا س




.. تفاعلكم | القصة الكاملة لمقتل يهودي في الإسكندرية في مصر