الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


كيف نفهم الوجودية ...

سلمان محمد شناوة

2013 / 5 / 24
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


تقول سيمون دي بوفوار ...

" اذكر إني شعرت بسكينة عظيمة ( قرأت هيجل فوق مقاعد المكتبة الأهلية في باريس , في أب 1940 ولكن عندما ألفيت نفسي مرة أخرى بالشارع , في حياتي , خارج ذلك النسق قدم معاذيره باللا متناهي ( الفلسفي , تحت السماء الحقيقية , لم يعد النسق يفيدني بشئ ( الله ) عزاءه لي عن الموت , ولكني مازلت راغبة في الحياة بين أناس أحياء ) ....
وتقول كذلك ...
" إن الإنسان لا يولد امرأة بل تصبح كذلك " ....
وتتساءل ( أقول إن السعي الحثيث للتعرف على الأفكار والتصورات الدفينة في أذهاننا، والتي تتعلق بالمرأة وعلاقتها بالرجل، والتي تشكل في الوقت نفسه ميراثا، يُعتد به فى رسوخه وصلابته، لابد وأن يشكل البداية المنطقية لمقال كهذا. فلنتمس إذن إجابة شافية على السؤال التالي: كيف بنى العقل البشري فكرة النوع؟

يقول :جابريل مارسيل " وهو وجودي معاصر " إني أميل من جهتي إلى إنكار الصفة الفلسفية , الحقة على كل مؤلف لا أتبين فيه ما اسميه عض الواقع , إي القبض على الوجود الفردي , فلقد درجنا بطبيعة تكويننا الفكري , وترثنا العلمي على إن لا ندرك في الإفراد إلا لجانب الذي يشتركون فيه وهو الماهية , إما ما يخص الفرد في وجوده المشخص فانه يفوتنا ... عندما يتحدث البيولوجي مثلا عن السمك , أو ما هيته , أو قانونه العام ,ولكنه لا يهتم بصفته بيولوجيا بالظواهر المعقدة , التي تحدث لهذه السمكة المفردة بالذات , عندما تتنفس وتموت مختنقة , وهو لو فكر أو اهتم بحالة هذا المفرد , فانه سيرجع إلى نظريته العامة وقوانينه البيولوجية للتنفس والاختناق عن السمك , إما التنفس والاختناق عند هذا المفرد بالذات فليس عنده فكره عنه , وهنا نقول إن الوجودية بان الواقع الذي يعني به الفيلسوف هو مثل هذا الوجود , الذي يشعر به الفرد الإنساني بالذات لا تلك القوانين العامة والتي تخص الأنواع والماهيات ....

يقول كيركيجورد ردا على هيجل " تستطيع إن تقول كل ما تريد , ولكني لست مرحلة منطقية في مذهبك , أنا موجود , وأنا حر , وأنا فرد , ولست تصورا , ولا تستطيع أي فكرة مجردة إن تعبر عن شخصيتي , وان تعرف ماضيي وحاضري , وعلى الأخص مستقبلي ..ولا يستطيع أي قياس إن يفسرني إنا وحياتي أو الاختبارات التي أقوم بها , وان تعلل مولدي ومماتي , ومن ثم فأن أفضل ما تفعله الفلسفة إن تدع ادعاءاتها المجنونة لتفسر العالم تفسيرا معقولا , وان تركز اهتماماتها على الإنسان , فتصف الوجود الإنساني كما هو ....

فإذا كانت تلك الفلسفات القديمة قد نظرت إلى (الماهية) أو الكينونة من خلال النفس الناطقة أو العاقلة فقط الأمر الذي عبر عنه ديكارت "أنا أفكر إذن إنا موجود" فان الفلسفة الوجودية ترى على لسان كير كيجورد (كلما ازددت تفكيرا قل وجودي) وأرادت إن تؤكد إن الإنسان موجود من خلال المواقف التي يجد نفسه منخرطا فيها، وعلى رأي هيدجر (الإنسان معاشرا للأشياء وليس عارفا لها) .....

يقول أنيس منصور ...
أنت إنسان ..لك عقل يفكر ..قلب يحس ويشعر ..تعرف الصح من الخطأ ..أنت حر , حر بما تفعله في نفسك ..في الطريق الذي تختاره لنفسه ..في الموت..في الدين ..في العلم ..والحياة ...
هذه هي الوجودية ..التي أقلقونا بها ..
ويقول أنيس منصور ..
فلنفترض أن المدعو “س” يعاني من صداع دائم و يشعر بأن رأسه يغلي من الداخل
يذهب “س” للمستشفى فيحيله الطبيب لمصور الأشعة ..مصور الأشعة يأخذ صورة لرأس “س”
و يخبر “س” بأن في رأسه إبريق مسؤل عن هذا الصداع الدائم و الدم يغلي بداخله .
هنا انتهى دور مصور الأشعة .
لكن “س” غضبان يريد حلاً للمشكلة ويريد من يخرج هذا الأباريق من رأسه ..
بالطبع سيكون أحمقاً إن طلب ذلك من مصور الأشعة ..إذن عليه أن يعود للطبيب مره أخرى .
انتهينا من “س” ونتمنى أن يجد حلاً .
ما يهمنا الآن هو مصور الأشعة ..مصور الأشعة تماماً هو الوجودية ..
تُسلط الضوء على المشكلة وتدخل في أعماق أعماقها ..لكنها لا تعطي حلاً ولا علاجاً ولا ينتظر منها شيء من ذلك
إلا إن كنا نرى أن مع “س” حق في أن يطلب الحل والعلاج من مصور الأشعة .

وحتى نفهم الوجودية , يجب إن نعرف ماهي الفلسفة قبل الوجودية ....
ومشكلة الوجودية أنها تضع هذا السؤال : هل الماهية اسبق أم الوجود هو الأسبق ؟
وما هو موضوع الفلسفة الماهية أم الوجود ؟

أولا لنتذكر إن الماهية أمر عام أو كلي لأنها مجموعة الخصائص النوعية التي لا تخص النوع الذي ينطوي تحته الأفراد فان قلت ( الإنسان ) مثلا فأنت إمام ماهية هي الحيوانية والنطق ( الجنس القريب والفصل ) وفقا لتعريف تقليدي يرجع إلى أرسطو , ولا تخص نلك الماهية سقراط أو اوكالياس , وإنما تتحقق في جميع أفراد النوع الإنساني بحيث ترى النوع ( إنسان ) ....

كذلك نجد إن معظم الفلاسفة مقتنعون إن موضوع الفلسفة بل العلم والمعرفة الإنسانية كلها ,هو الماهيات أو المعاني العامة لا الأفراد المشخصة .....

وحين كان سقراط يحاول تعريف الفضيلة أو العدالة أو الحكمة , فهو يعني تعريف الماهيات , والماهية أساس العلم كما قال أرسطو , وقال أيضا ( لا علم إلا بالكلي ) إذا لا ذكر للإفراد...

حتى في وضع القوانين نجد القانون يصف نفسه بأنه عام ومجرد , وحتى يستوعب كل الإفراد , ولا يخص نفسه بشخص معين , وإلا لم يحسب قانونا لأنه لا يتصف بالعمومية والتجريد , لذلك حين يتم وضع إي قانون , يكون في ذهنية المشرع الماهية والصفة المشتركة بين كل الأفراد , لا فرد بعينه ...

لذلك يكون على حق حين يقول سقراط إن الماهية هي الوجود المطلق أو الماهية المطلقة , ويتفق معظم الفلاسفة على إن الماهيات اسبق على الوجود , حتى لو اختلف البعض وقال : أنها تتحقق بداية في عقل الهي , أو أنها تقوم في عقل أنساني ولكنها لا تتحق قالا بعقل فعال وتارة تقوم في عقول مفارقة ....ولكنها تتفق في إن الماهيات اسبق على نحو ما من الوجود , بل أهم منه , لان الماهية هي النموذج الذي يبنى عليه الأفراد , مثل المهندس الذي يبني بيتا حيث يتصوره أولا ثم يبحث عن خارطة انسب له تعتبر النموذج الذي يبنى عليه هذا البيت .....

من هذا نفهم إن الوجودية تضع وجود الإنسان الفرد هو الأساس الذي بنت عليه هذه الفلسفة نفسها ... فهي بذلك من المذاهب الواقعية التي تهتم بالواقع , وفي هذه الحالة الواقع الإنساني وحده ... لا بالناهيات والتصورات .....

المشكلة في التفكير الوجودي ..
انه لا يفسر كيف يكون وجود الإنسان كفرد اسبق على وجود النوع الإنساني , والمفروض انه اسبق على الوجود , وحتى تتصف الإنسانية كلها بشروط موحدة من ناحية الوجود والبقاء والصحة والمرض والنهاية ...

إلا إننا نجد سارتر يقول ....(( الوجود لا علة له ولا سبب ولا ضرورة , الوجود لا معقول )) ....
ويقول " كل موجود يولد بلا سبب، ويستطيل به العمر عن ضعف منه، ويموت بمحض المصادفة.

مشكلة الوجودية أنها صعبة على الإنسان العادي , وأقطاب الوجودية ( سارتر , سيمون دي بوفوار , البير كامي , وحتى الوجوديون العرب مثل أنيس منصور )) ينشرون ارائهم بالأسلوب القصصي حتى يكون بمتناول العاملة ...

نجد إن من أهم نتائج الوجودية ...
هي الحرية المطلقة بلا حدود ...
حيث نجد أنيس منصور يقول " أنت إنسان ..لك عقل يفكر ..قلب يحس ويشعر ..تعرف الصح من الخطأ ..أنت حر , حر بما تفعله في نفسك ..في الطريق الذي تختاره لنفسه ..في الموت..في الدين ..في العلم ..والحياة ...

ويشرح الحرية بأسلوبه القصصي المتميز ويقول ...
سأل “ص” صديقه “ع” سؤالاً ..هل أترك الجامعة واعمل ..؟ أم اعمل و ادرس في نفس الوقت ..؟
رد “ع” : – أنت حر يا صاد .
“ص” يستشيط غضباً : – أنا حر ..!
- أنا حر ها ..؟! ..حسناً الغلط كله عليّ ..فأنا الذي اعتقدت أنك صديق جيّد استشيره ..!
يخرج “ص” غضبان أسفا ..

السؤال هو : لماذا غضب “ص” ..؟
مع أن “س” لم يخطئ وأعطاه الحرية في اختيار ما يريد وفي أن يقرر ما يشاء ..!
هل حقاً أن هناك من يبغض ويمقت الحرية ..؟
هل لأن الحرية تجعله مسئولا عن نفسه وعن تصرفاته ..تجعله مسئولا عما يفعل وعن كل ما يقول ..
هل هو يكره الحرية التي لا تريحه من مهمة الاختيار ومن التفكير المرهق ..؟
ماذا ..؟!
هل هناك من يكره الحرية ..؟
يقول أنيس :
نعم يكرهها الذين يخافون من الوجودية ، لأنها تنبه الناس إلى جوهرهم فالإنسان الحر هو الذي قام بعمل من الأعمال
فأصبح مسئولا عنه ،لأن الحر وحده هو المسئول عما يعمل ، أما العبد الذليل فليس مسئولا عن شيء لأنه ليس حراً
في عمل شيء ، والمجتمع الذي يحس أفراده بأنهم أحرار ،هو المجتمع الذي يحس أفراده بأنهم مسئولون عما يفعلون
إنهم مجتمع من الرجال ، ،وليس مجتمعاً من الأطفال أو الأرقاء .

إلا تعتقدون معي أنها حرية مستفزة أحيانا ....
وأحيانا الإنسان لا يستطيع تحمل هذه الحرية ...
إن الإنسان هو الذي يخلق حريته وهو أيضا مسئول عنها ...

هذا الإنسان في كل مراحل حياته يفتح أمام أفعاله باب الاختيار الحر , ويجد إمكانات كثيرة كان يفعل هذا أو ذاك , وهو يتردد أمام تلك الإمكانيات بحيث لا نستطيع إن نتنبأ بما سيختاره ولا تعرف ماهيته والتي سيرتضيها لنفسه , ولكنه بعد إن يتم الاختيار , نعلم عندئذ انه حدد اختياراته وماهيته ...
وعلى ذلك , إن مجرد النية أو الفكرة لا تكفي وحدها في إن نكون طيبين أو أخيار أو , بل لابد إن نغير سلوكنا وأفعالنا حيال الناس حتى نكون كذلك , بمعنى إن وجداننا ليست له الحرية بالاختيار , بل نحن من نستطيع إن نكون ذلك , إن العمل هو الأساس حتى يصبح الإنسان ما يكون , ويعني ذلك بكل تأكيد إن النية أو الوجدان لا تملك الحرية , بل نحن من نملك هذه الحرية , حين نحولها للفعل ساعة نريد ....

يقول سارتر " انا مقضي علي ان اكون حرا "...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. اغتيال ضابط بالحرس الثوري في قلب إيران لعلاقته بهجوم المركز


.. مسيحيو السودان.. فصول من انتهاكات الحرب المنسية




.. الخلود بين الدين والعلم


.. شاهد: طائفة السامريين اليهودية تقيم شعائر عيد الفصح على جبل




.. الاحتجاجات الأميركية على حرب غزة تثير -انقسامات وتساؤلات- بي