الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


نقض فلسفة الطبيعة لدى هيجل

هيبت بافي حلبجة

2013 / 5 / 26
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


نقض فلسفة الطبيعة لدى هيجل
هيبت بافي حلبجة
تغمرني النشوة العارمة حينما أتحدث عن هيجل على الصعيد الفلسفي ، أو عن آينشتاين على الصعيد الفيزيائي ، فكلاهما يصطحبك في رحلة شيقة مابين أحراش نائية إلى درجة إنك تنسى كيفية الإياب إلى الحالة الملموسة المحسوسة كأنك أكتشفت حاسة جديدة عن طريقها تعي حيثيات المقولات ودلالات المعنى وشطحات المفاهيم .
هيجل ، صاحب التناقض ومؤسس الديالكتيك ، يتناقض مع نفسه إلى درجة الجنون حينما تبحر معه على صعيد الجزئيات ، ويتكامل مع ذاته إلى نقطة خلاقة أستثنائية عندما تلملم ذكرياتك معه وتصبها في مختبر واحد يرسم خطوطاً بيانية وفق أحداث متعددة الأبعاد .
هيجل ، الذي سأعيد صياغته ، لايقبل أن تنتقده في مقولاته بصورة منفردة ، مثلاً ، يقول في مؤلفاته ، المجلد الثاني ، ص 22 ( العالم محدث ، يحدث الآن ، وكان محدثاً منذ الأزل ، هذه الأزلية تتجلى في قوانين حفظ العالم ) أو في المجلد 10 ص 252 ( لايجوز على صعيد قوانين المنطق أن نستخلص المادة من الوعي الإنساني ، أو أن نستخلص الوعي من المادة ) !!
هذا هو هيجل ، هيجل يحلق في السماء ويطلب منك أن تنتبه إلى حركاتك فوق الأرض كي لاتهيض جناحيك ، أو تشوه أحداقك ، هيجل ينظر إلى الحركة في الأرض ولايروق له مفهوم أرسطو عن محتوى الحركة ، سواء أكانت نقلة أم دائرية أم غيرها ، يكره أن يتصور الحركة كمضمون للشكل فيغوص في ما ورائه ليكتشف أنه بصدد حركة داخلية ، ربما ذاتية ، ربما متكاملة ، ربما متآلفة ، ربما مقيدة ، لكنها حركة أصيلة تنبع من الجوهر في ذاته ، ساخراً من رأي كانط في عدم معرفة الأشياء في ذاتها .
تروق له ظاهرة الحركة فيستصغر أن يلجمها في حدود المادة والطبيعة لأن هذه الأخيرة ، حسبه ، أضعف من أن تحويها وتحصرها في أبعادها ، فيترك لتصوراته العنان في البحث الدؤوب من جهة ، والمعرفي من جهة ثانية ، واللاهوتي المسيحي من جهة ثالثة ، لتتشكل لديه بدايات جنين منطوق الفكرة المطلقة ، الفكر المطلق ، الروح المطلقة .
وينتبه إلى أمر في غاية الخصوصية بالنسبة له ، وهو إن ليس كل ماهو موجود في الطبيعة هو بالضرورة التاريخية هام ، أي أنه على هذا الصعيد يمايز ما بين الواقعي كوجود ضروري تاريخي ، والواقعي كوجود مجرد قائم ، أي وأسمح لنفسي بهذا التعبير الذي لم يقله هيجل ( كل ماهو قائم ليس ضرورياً ) أي ( كل ماهو قائم ليس بالضرورة أن يكون وااقعاً ) أي بمعادلة رياضية ، القائم ينقسم إلى الواقع وإلى اللاواقع بالمعنى الهيجلي حصراً ، وهذا بيت القصيد ، لأنه هنا ندرك عمق مقولة هيجل ( كل ماهو واقع معقول ، وكل ماهو معقول واقع ) .
لكن إذا تركنا الواقع الهيجلي وأخذنا المعقول الهيجلي نصطدم بشيء من التفارق قد يفضي إلى خلل مقيت ، أو حتى إلى ضعضعة في مسألة التأصيل الأساسي لمفهوم الحركة لدى هيجل ، فالمعقول لديه يشمل جزءاً من الطبيعة ، وكلية الفكر ، ولذلك حدث أرتباك لدى الكثيرين وأعتقدوا إن هيجل يحتمي بالفكر ويغفل المادة ، وهو كذلك نوعا ما ، لكن ثمة تفارق هائل في التفسير ، وفي رؤية الإشكالية التي تؤوب إلى إن هيجل وهو مسيحي لاهوتي يؤمن بمفهوم الأغتراب .
وإيمانه بالأغتراب يقيه ، حسبه ، من أمرين أثنين :
الأمر الأول : إن الطبيعة لم تعد مهملة ، لأن لها دور تاريخي في المرحلة الوسطى من مفهوم الأغتراب ، ذلك المفهوم الذي لايمكن لهيجل تجاوزه ، وإن فعل إنهارت الفلسفة الهيجلية كأعمدة خاوية . لإن الأغتراب كمرحلة وليس كمفهوم بحت محصور دائما لدى كل الفلاسفة ( ماركس ، توماس الأكويني ، الفلسفة الإسلامية ، الفلسفة المسيحية .. ) ما بين مرحلة ( جنة فردوس ) المرحلة الأولى ، ومرحلة العودة إليها ، المرحلة النهائية .
الأمر الثاني : وفي عودة الطبيعة إلى ذاتها كمحتوى خاص وليس كمحتوى مستقل ، تمتلك الصيرورة من ناحية ، والديالكتيك من ناحية أخرى ، مفهوم التاريخانية ، أي تغدو تاريخية لأنه لولا الطبيعة لحدثت فجوة في سلوكانية تلك المقولات من جهة ، ولأصبحت مقولات تطبق هنا ولا تطبق هناك في المراحل التاريخية وهذا أمر مردود من جهة أخرى .
إذا أخذنا مفهوم الأغتراب محمل الجد لدى هيجل ، ومن المفروض أن نمنح الأفضلية له حتى لو حساب بعض الآراء الهيجلية الجزئية التي نعتبرها في مستوى التحليل المرتكزي تابعة في معناها للأنطلاقات الأصلية ، فلامناص من التأكيد على أمرين أثنين :
الأمر الأول : يعتبر هيجل من أنصار وحدة الوجود ( البانتئية ) أي إن الطبيعة ، هنا أيضاً ، تعتبر عنصراً ما من الوجود الأنطولوجي حنى لو كان عاطلاً ’ خاملاً ، مشتقاً من الروح كما يؤكد هيجل .
الأمر الثاني : يعتبر هيجل مؤمناً لاهوتياً مسيحياً يؤكد على المزاعم المسيحية حول خلق الرب للعالم ، أي إن الطبيعة تعود مرة أخرى كنقطة ما في مسألة العلاقة ما بين المادة والروح ، أو الفكرة المطلقة ، وهكذا نفهم قول هيجل الذي ثبتناه في البداية ، العالم محدث ، يحدث الآن ، وكان محدثاً منذ الأزل ، هذه الأزلية تتجلى لنا في قوانين حفظ العالم .
ولكي ننتهي من فلسفة الطبيعة لدى هيجل ، لامندوحة من القول ، وهذا ما بات واضحاً من طرح القضايا السابقة ، إن فلسفة الطبيعة هي الوجود الآخر للذات ، أو بتعبير جان بول سارتر الوجود من أجل الغير ، فإذا كانت الفكرة المطلقة ومن خلال فلسفة المنطق لدى هيجل هي الوجود في ذاته ، أو الوجود من أجل ذاته ، فإن فلسفة الطبيعة لاتملك مقومات هاتين الوجودين .
والآن لننتقد هذه الرؤيا من الزوايا التالية ، لكن قبل ذلك نود الإشارة إننا لاننتقد فلسفة هيجل هنا من ناحية فلسفة الروح ولا من ناحية فلسفة المنطق ، ورغم ذلك نشير فقط إن محتوى الديالكتيك لدى هيجل ليس تنلقضيا كما أعتقد الفلاسفة الآخرون ، إنما هو ديالكتيك صديق متكامل :
الزاوية الأولى : إن فلسفة الطبيعة لدى هيجل هي نوع مثل الكاشف الكيميائي أو مثل قروض بنكية ، يستخدمها عند الحاجة الضرورية ، ويهملها أو يطعن فيها إذا ما تخلص من مأزقه ، لذلك هي الوجود من أجل الغير ، من أجل الفكرة المطلقة . لكن هذا تناقض صريح في منظومته الفكرية مع دور الطبيعة أو المادة في مسألة الأغتراب ، لإن هذا الأخير حقيقي وفعال وينبغي أن تكون كافة العناصر المرتبطة به كذلك ، مثل الطبيعة .
الزاوية الثانية : يقول هيجل في المؤلفات ، المجلد الأول ، ص 344 ( إن الفكرة المطلقة ، بعد أن أدركت محتواها قررت ، طوعياُ ، أن تحل نفسها لتشكل الطبيعة ) ، هذه أشكالية كبرى لديه ولايمكننا أن نتجاوزها أو نسامحه كما فعلنا سابقا مع بعض أقواله ، إذن :
الأمر الأول : الفكرة المطلقة موجودة قبل الطبيعة .
الأمر الثاني : الفكرة المطلقة لم تدرك محتواها فترة طويلة أو قصيرة لاندري ، لكنها قبل هذا الإدراك كانت هناك ضائعة سادرة شريدة وإلا لما قررت أن تحل نفسها لتشكل الطبيعة !!
الأمر الثالث : إذن وجدت فترة لم تكن الفكرة المطلقة قادرة على عملية الإدراك !! فمن وهبها الإدراك !! وكيف أدركت أنها قد أدركت !! ولماذا حلت نفسها !! وهل حلت نفسها أم تحولت إلى الطبيعة !! وكيف يمكن أن تشكل الطبيعة ، فهل كان نموذج الطبيعة موجودا لديها ، ولماذا أختارت هيئة الطبيعة ، ولماذا لم تستمر على شكلها الأول سيما إنها قد أدركت ذاتها ومحتواها !!
الأمرالرابع : أليس الإدراك ، سيما من المنطق الهيجلي ، عملية أرقى من الطبيعة الخاملة ، العاطلة حسب تعبيره ، فكيف يمكن أن يتم أختيار الدرجة الأدنى وقد أصبحت هي في مرتبة أعلى !!
الأمر الخامس ( وهذا يخص فلسفة المنطق ) : أليس الديالكتيك ، حسبه ، عملية تصاعدية تطورية ، فكيف أنتابها هنا أنتكاس حاد يطيح بمبدأها !!
الزاوية الثالثة : بعد أن تشكلت الطبيعة وقد أنحلت الفكرة المطلقة ، فكيف أدركت الطبيعة ان تعيد ولادة الفكرة المطلقة !! ولماذا تعيد ولادة الفكرة !! هل هي مضطرة !!
الزاوية الرابعة : يقول هيجل إن الروح لاتكون روحاً إلا من خلال الطبيعة . ولقد كان من المفروض أن يقول إن الطبيعة لاتكون طبيعة إلا من خلال الروح ، كي يكون هيجل منسجماً مع منظومته !!
الزاوية الخامسة : يقول هيجل في المؤلفات في المجلد الثاني ص 60 ، إن المادة والحركة صنوان لاينفصلان ، فلاحركة بدون مادة ولامادة بدون حركة ، وإذا ماكان يعي ذلك تماما وكما ينبغي ، فإن الفكرة المطلقة كانت عديمة الحركة في المرحلة الأولى وستكون كذلك في المرحلة الأخيرة .
وهكذا ندرك إن هيجل يحفر قبر الفكرة المطلقة بيديه ، وكلما أراد أنقاذها أنهال عليها بالمزيد من التراب !! ( إلى اللقاء في الحلقة الرابعة عشر ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. السيسي يحذر من خطورة عمليات إسرائيل في رفح| #مراسلو_سكاي


.. حزب الله يسقط أكبر وأغلى مسيرة إسرائيلية جنوبي لبنان




.. أمير الكويت يعيّن وليا للعهد


.. وزير الدفاع التركي: لن نسحب قواتنا من شمال سوريا إلا بعد ضما




.. كيف ستتعامل حماس مع المقترح الذي أعلن عنه بايدن في خطابه؟