الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وجه الحكمة في خلقنا وتكليفنا

محمد شفيق رمضان

2013 / 5 / 27
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


وجه الحكمة في خلقنا وتكليفنا

أحمدُ الله الذي أنعم علينا ولم يخلقنا عبثا ولا تركنا سُدى وأصلي وأسلّم على نبي الهدى وعلى آله الطيبين عملا ومن تبعهم بإحسان أبدا ، وبعد :
من المعلوم عند العدليين أن الله تعالى قادر عالم غني عدل حكيم لا يفعل القبيح ولا يفعل إلا الحَسَن ، فلا يظلم ولا يعذّب الناس بذنوب غيرهم ولا يكلّف العباد ما لا يطيقون ولا يعلمون ، بل يُقدّرهم على ما كلّفَهم ويُعلّمَهم صفة ما كلفهم ويدلّهم على ذلك ويبين لهم ، ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيّ عن بيّنة ، فلا يَكذِب ولا يُرسل المعجزات على يد الكذابين ، كما أن الله تعالى لا يخلّ بما هو واجب عليه ، وأنه إذا عَلِمَ صلاحَنا بأمرٍ فلا بد أن يُعرّفنا به كي لا يكون عائدا بالنقض على غرضه بالتكليف ، وإذا كان لا يمكن أن يُعرّفنا ذلك إلا بأن يبعث إلينا رسولا مؤيّدا بعلم معجز دالّ على صدقه ، فلابد أن يفعل .
فلو فعل القبيح تعالى الله عنه لثبت كونه جاهلا محتاجا ، لأن فعل القبيح في الشاهد لا يقع إلإ ممن كانت هذه صفته ، فلما ثبت عندنا أنه تعالى لا يفعل شيئا إلا وهو عالم به غني عنه ، ثبت أن خلْقَه لنا وتكليفه إيّانا حسن جميل .
وأول نعمة له علينا أنه خَلَقَنا أحياء وخَلَق لنا العقل وسخّر لنا الكون ليعود على الحيّ بالنفع لأن غير الحيّ لا ينتفع ، ، ولما كان الخلق لا يَصِلون إلى تلك النعم ( التفضل واللطف والثواب والعِوض ) إلا بالتكليف كَلّفَنَا ، وإذا كان ذلك كذلك وجب علينا شكره ، لأن شكر المُنعم ثابت عند العقلاء ، وعبادتنا وطاعتنا لله تعالى ما هي إلا غاية الشكر ، فقال تعالى : ﴿-;- وما بكم من نعمة فمن الله ﴾-;-.
وقال عز وجل : ﴿-;- وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ﴾-;- ، وقال : ﴿-;- وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين ﴾-;- ، وقال : ﴿-;- الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ﴾-;- ، الملك ، وقال تعالى : ﴿-;- وَلِيَبْتَلِي اللّهُ ما في صُدُورِكُم و لِيُمَحِّصَ ما في قُلوبكُمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ ﴾-;-." وقال تعالى : ﴿-;- وَاعْلَمُوا إِنّما أَموالكُمْ وَأَولادكُمْ فِتْنَة ﴾-;-. ونحوها .

فأخبرنا أنه تعالى خلقنا لعبادته وأنه أقدرنا وكلفنا وقوّى دواعينا ومكّننا وأزاح عللنا وكافة الموانع التي تمنعنا من التكليف ، يبيّن ذلك أنه لا يصح في الشاهد أن يُقيّد أحدهم آخر بحبل أو ما شابه بحيث لا يقدر على الحركة ثم يأمره أن يُحضر له من السوق ما يأكله ثم يعاتبه ويعاقبه لأنه لم يفعل !!، فكذلك الله تعالى ، فعندما كَلّفنا – سبحانه - أزاح جميع العلل والموانع كي يصح التكليف ويبلغ بنا إلى أعلى الدرجات ، وتلك منفعة تعود إلينا ولا تعود إليه لأنه عالم وحكيم وغني ، فلا يحتاج لعبادتنا ولا يفعل القبيح ، فهذا أصل ثابت حتى لو لم نعلم وجه الحكمة على التفصيل فإنه يكون لعجزنا في فهم وجه الحكمة ولا يكون نقضا للحكمة في أصلها ، فهذا من أَمَسْ ما ينبغي التيقظ له في مثل هذه المباحث .

أما بيان وجه الحكمة في خلقنا وامتحاننا بما في ذلك من مشقة وألم وما يثقل على طباعنا ، فإنما هو إحسان أو داع إلى الإحسان ، وكلّ من أحسن أو دعا إلى إحسان فهو حكيم فيما نعلمه في الشاهد ، كمن أدلى حبله إلى غريقين ليتشبثا به فتشبث به أحدهما فنجا ولم يتشبث به الآخر فهلك ، فكما أن المُدلي للحبل يكون محسنا ومنعما عليهما على السواء كذلك في حق الله تبارك وتعالى ، وكل ذلك مما يعدّه العقلاء حسن جميل ، فإذا كان ذلك في الشاهد هو كذلك ، فكل ما كونه من قبل الله عز وجل فهو حكمة .
فإن الله تعالى دعا الناس إلى الخير بعدما أنعم عليهم وخلقهم وأقدرهم على الفعل أو الترك ومكّنهم وأزاح عللهم فأمرهم ونهاهم ضمن استطاعتهم وجعل ثوابا عظيما لمن أطاعه وعقابا شديدا لمن عصاه ، فالله تعالى إذا كلفنا بأفعال فيها مشقة فلابد أن يكون للمكلَّف ما يقابلها من الثواب ما يقابل تلك الأعمال الشاقة ، فكان المدح والثواب العظيم للمطيع ، والذم والعقاب الشديد للعاصي ، فالله تعالى عالم بمقادير الثواب والعقاب والعوض على الآلام على كل فعل ، وأن من عصاه فإنما هو من فعله وتعود اللائمة عليه ، لأنه لم يأتمر بأمر الله تعالى ، ولو أنه امتثل لأمر الله لكان ذلك يؤديه إلى الثواب العظيم .
وهل جزاء الإحسان إلا الإحسان ؟ .

فليس من ركب المراكب الصعبة في الدعوة إلى الله وتحمَّلَ في سبيلها كل الأذى والمحن وبَذَلَ نفسه وماله وجهده في سبيل الله كمن بَذَلَ مالا قليلا لا حاجة به إليه أو أنه بحاجة إليه يسيرة فلا يستويان ، فما بالك بمن لم يخطر على باله - أصلا- وهو قادر أن يبذل من ماله وجهده لله !!!! نعوذ بالله من الخذلان ومن مزالّ الأقدام، والانقياد إلى مثل هذه الأوهام .
وعلى هذا المعنى يدور قوله تعالى : ﴿-;- إنما السبيل على الذين يستأذنونك وهم أغنياء رضوا بأن يكونوا مع الخوالف وطبع الله على قلوبهم فهم لا يعلمون ﴾-;- . التوبة
فهذه الدار هي دار امتحان ولا تكون كذلك إلا وأن يُمزج فيها بين الخير والشر والنفع والضرر والصحة والمرض والمكروه والمحبوب والحسن بالسيء ...الخ ، ولو كانت هذه الدار يؤمر فيها بأوامر خفيفة لا مشقة فيها ولا تعب ولا ألم ولا هي مما يثقل على طباعنا لكانت دار لذة تشبه الجنة ، ومثله لو كانت دار عقاب فلا يكون هذا حالها لما فيها من الضرر والشرّ والسوء ، والمكروه والألم والإهانة والإستخفاف ....الخ ما هو معلوم .
اعتراض والجواب عنه :

ثمة من يعترض ويتساءل : إذا كان عالما بمن يعصي وبمن يطيع فلِمَ خلقهم ولِمَ كلّفهم أو أنه تعالى إذا كلفهم وهو عالم بمن يعصي أو يؤمن ، يكون حالهم حال المضطر ....الخ ؟
فنقول : إن تعلق العلم بالمعلوم الممكن أمر ، وأنَّه يؤثر في المعلوم ويجبره أمر آخر ، يبين ذلك ويوضحه أن الواحد منا يتعلق علمه بذاته وأفعاله كما يتعلق علمه بذوات غيره وأفعالهم الموجودة منها أو التي حَدثت وعُدمت أو الممكنة التي ستحدث ، كأن يتعلق علمنا بذات زيد أو عمرو أو كما يتعلق علمنا بخطأ زيد أو عمرو أو ما يتولد عن أفعالهما ، أو أن عمرو قد عصى أو قَتَل أو سُجن في الماضي ، أو أن فلانا سيتزوج بعد شهر فيجتمع أصدقاءه ليجهّزوا لهذا اليوم أعمالا كثيرة كطباعة بطاقات الفرح وتجهيز ما يلزم من سيارات ومال وجهد ووقت ...الخ فلا تأثير هنا لتعلق علمنا بالشخص الذي اختار هذا الزواج من تلك الفتاة و باليوم الذي قرره للإحتفال ولم يجبره أحد منا ، لأنه أقدم باختياره على الزواج وتحديد هذه الفتاة دون غيرها وكذا تحديد يوم كذا للإحتفال .

كذلك يمكن أن يتعلق علمنا حين تحدث مشكلة ما بين عائلتين أو عشيرتين أن يقع اختيارنا على ( س ) لنرسله إليهم ليساعد في حل المشكلة لما يتمتع من حكمة ودراية في مثل هذه الأحداث ، بينما يُجمع كثير من الناس على فشل الصلح إن أرسلنا ( ص ) ، لحل المشكلة لقلة خبرة فيه وسرعة في اتخاذ القرار وعصبية ظاهرة في المشاكل الصغيرة فضلا عن الكبيرة والحسّاسة ، وإذا أضفنا أن (ص) - طفران مفلس أندبوري - يكون حلّ المشكلة صعبا لأبعد حد إن لم يكن مستحيلا ، فالناس في واقعنا لا يستمعون للمفلسين و(الطفرانين ) ولا يستمعون إلا لمن يملك المال الوفير حتى لو كان لا يُحكِم من كتاب الله آيتين ، .... المهم .... فتعلق علمنا بما سيفعل زيد أو عمرو لا يؤثر في أفعاله ولا يجبره عليها ، وهذا واضح .
وحين بدأ القذافي بقتل المعارضين له ، تعلق علمنا وقتذاك بأن القذافي سيقتل أكبر عدد ممكن من شعبه قبل أن يرحل ولم نُجبر القذافي على قتل الناس عندما تعلق علمنا بأفعاله القبيحة لعنه الله .
﴿-;- ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار﴾-;-

تماما كما يتعلق علمنا بالنهضة أو التغيير ( في المستقبل ) ( لا يزال الحديث حول المعدوم الممكن وليس المعدوم المحال ) ، فإننا يجب أن نعمل بجدّ كي يتحقق هذا المعدوم الممكن ( النهضة ) ، فإرادة الناس واختيارهم وأفعالهم ضمن شروط موضوعية ممكنة هي التي تغير الواقع السيء ، ولا علاقة للجبر في أفعالهم ، فالتعلق اذن شيء والتأثير شيء آخر ، فأجلى شيء ما يجده الإنسان ويدركه من نفسه ، ولولا ذلك لما تطوّر فكر الإنسان ولا تطوّرت الدول والشعوب في السياسة والإقتصاد والتعليم وسائر العلوم ، فلا تخلو دولة من وزارة للتخطيط ...الخ ، حتى المفكرين على اختلاف مشاربهم كان لهم في مسألة " تولد الأفعال " مباحث ، ومعظم العدليين كالمعتزلة والزيدية اتفقوا على أن ما يتولد عن فعل الإنسان هو من فعله ومسؤوليته وليس من فعل الله ، ومعلوم أن بحث مسألة " المتولدات " هو بحث في المعدوم الممكن من أفعال البشر .

وثبت عندنا أيضا أن الله جل جلاله يتعلق علمه بنفسه وبأفعاله المعدومة كيوم الدين ، ، تماما كما تعلق علمه بأفعال خلْقِه التي مضت كأخبار الأنبياء عليهم السلام مع أقوامهم .
وكما تعلق علمه أيضا بذوات خلقه التي لم توجد بعد كما تعلق علمه عز وجل برسولنا الكريم عليه السلام قبل أن يتحقق وجوده وأخبر بذلك قوم عيسى عليه السلام : ﴿-;- ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد ﴾-;- سورة الصف.
وقد تعلق علمه عز وجل كذلك بابن ابراهيم عليهما السلام قبل وجوده ، فقال عز وجل : ﴿-;- هل أتاك حديث ضيف أبراهيم المكرمين ، إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون ، فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين ، فقرّبه إليهم قال ألا تأكلون ، فأوجس منهم خيفة ، قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم ، فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم ، قالوا كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم ﴾-;- الذاريات ، فالتعلق هنا واضح على وجه التحديد بأن المولود القادم ذكر لا أنثى ، ولم يتوقف الأمر عند كونه ذكرا لا أنثى ، بل إن هذا المولود الذي لم يولد بعد ، سيكبر ثم يصبح عليما ، ومعنى أنه عليم ، أن أفعاله وتصرفاته مع قومه ستكون بحكمة واتزان وعلم .
تماما كما تعلق علم الله تعالى والذي أخبره لنبيه يوسف عليه السلام ليكون دلالة على صدقه بقتل أحد السجنين ونجاة الآخر ، فهذا التعلق حدث والجميع داخل السجن ، ولكن يوسف عليه السلام قال لهما إن قرار الحكم هذا بما سيحدث لكما – المعدوم الممكن - هو على سبيل القطع لا الظن لأنه مما علمني ربي ، ﴿-;- قضي الأمر الذي فيه تستفتيان ﴾-;- يوسف ، لأن تعلق علم الإنسان بالممكن يكون سبيله الظن لا القطع واليقين ، وفعلا قد تحقق هذا التعلق بدقة تامة عندما خرجا من السجن إلى المحكمة أو شابه ، و قضى حاكم مصر على أحدها بالقتل وعلى الآخر بالبراءة ، ولم يقل العقلاء أن الملك كان مجبورا بقراره ذاك ، كما لم يقل العقلاء أن الشرطيّ الذي نفذ قرار الملك كان مجبورا أيضا ....الخ ، وهذا واضح .
كذلك تعلق علمه تعالى بإصرار الأكثرية من قوم نوح عليه السلام على الكفر وأنهم لن يؤمنوا ( وهذا خبر عن فعل لهم معدوم لكنه ممكن الحدوث ) ، وأخبر نبيه بذلك وطلب منه أن لا يحزن عليهم لأن الله تعالى يعلم نبيه ويعلم أنه حريص على إيمان قومه كلهم ، فقال : ﴿-;- وأوحي إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبئس بما كانوا يفعلون واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تُخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون ، ويصنع الفلك وكلما مرّ عليه ملأ من قومه سخروا منه ، قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون ، فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحلّ عليه عذاب مقيم ﴾-;- ، هود .
لهذا وبعد أن ثبت تعلق العلم بالممكن المعدوم فينا وفي الله تبارك وتعالى ، ثبت أيضا أن لا تأثير لذلك التعلق على جهة الجبر إن كان منا أو من الله في أفعالنا أو أفعال غيرنا ، مع الأخذ باعتبار الفوارق بين العالم بعلم وبين العليم الخبير ، فضلا عن الزمن الذي يجوز علينا ولا يجوز على الله تعالى ...الخ .

ثم نقول : لو كان الإمتحان قبيحا متى عُلم أنه يُعصى لكان لا شيء أقبح من إعطاء العقل ، لأنه إنما يُعصى عند وجوده ، ويستحق الواحد منا المدح والذم به ، فلما كان إعطاء العقل عند جميع العقلاء المؤمن منهم والملحد من أحسن الحسن ، دل ذلك على أن الإمتحان والخلق مع الأمر والعلم بالحسن والقبيح ، حسن جميل لا يخرج من الحكمة .
وكذا القول في تبقية إبليس لعنه الله ، فلو كان الإمتحان قبيحا متى عُلم أنه يُعصى لكان في تبقية ابليس إلى يوم الدين قبيحا ، لأنه مما يساعد على المعصية ، ومعلوم خلافه .
فوجه الحكمة في ذلك كله فضلا على حسنه فهو زيادة في الحجة على الناس ، تماما كما في سؤال الله تعالى عيسى عليه السلام عن أمر كان قد علمه قبل السؤال ، كقوله تعالى : ﴿-;- إذ قال الله يا عيسى أأنت قلتَ للناس اتخذوني وأمي إلاهين من دون الله ؟ الأنبياء ، .ولكنه زيادة في الحجة على قومه عليه السلام وتبكيت لهم : ﴿-;- فلله الحجة البالغة ولكن أكثر الناس لا يعلمون ﴾-;- .
وصار الحال فيه كإرسال الرسل لئلا يكون للناس حجة بعد الرسل ، كما في قوله تعالى : ﴿-;- وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ﴾-;- ، إلا زيادة في الحجة على خلقه .
فأخبر الله تعالى أن إرسال الرسل قَطْع لمعاذيرهم وإبطال لشبههم وتقرير لحجة العقل وتأكيد لها .
﴿-;- فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا ﴾-;- ، سورة مريم .


إيراد يتعلق بمسألة علم الله والجواب عنه :

إن من يقول بأن الله تعالى لا يعلم الممكن وجوده من أفعال خلقه إلا عند وجوده العيني وهذه الصفة هي صفة لفعله تعالى ، فنقول له : هذا يعني عندكم أن الله تعالى أحدث لنفسه علما عند وجود الممكن يعلم به ، لأنه قبل وجود الممكن لم يكن الله تعالى عالما به ، بمعنى أن هذا العلم الذي يعلم به المعلومات الممكنة لم يكن ثم كان ما دمتم قد وصفتموه على أنه صفة لفعله تعالى . أليس كذلك ؟
ثم نقول لكم : أوليست صفات أفعاله عز وجل ككونه خالقا ورازقا ومتكلما .... الخ ، هي لم تكن ثم كانت ؟ فلا بد لكم من بلى ، لأنها لو لم يكن هذا حالها ، لما صحّ لنا أن نطلق عليها أنها صفات لأفعاله تعالى ، وإذا كان ذلك كذلك ، فإن وصفه تعالى عندكم بأنه عالم على أنه صفة لفعله ، هو بمعنى أنه صار عالما بعد أن لم يكن عالما حاله حال سائر صفات فعله ، كقولنا : إنه خالق ، على معنى أنه تعالى حصل خالقا بعد إن لم يكن خالقا وكذا القول بباقي صفات فعله ، أليس كذلك ؟
فيلزمكم أن تقولوا مثله في صفة العلم وأنه تعالى قد حصل على هذه الصفة بعد أن لم يكن عليها ، وأنه تعالى أصبح عالما بعد أن لم يكن عالما ، وأن هذه الصفة قد استحقها تعالى على الجواز مؤذنة بمعنى مُحدّث لأجله يعلم ولا يتم هذا العلم إلا عند الحدوث ، حيث يقف كل واحد من الأمرين على صاحبه بأن لا يحصل واحد منهما إلا بعد حصول الثاني ، فهي صفة مشروطة وموقوفة على المُحدَث ، فمتى وُجد وجد العلم به ، أليس كذلك ؟
تماما كقولنا وإياكم عند كونه متكلما ، فلا خلاف بيننا على أن الله تعالى لم يكن متكلما فيما لم يزل لأنه تعالى يستحقها على الجواز لا على الوجوب فإذا أحدث الكلام وصفناه بأنه متكلم ، وقد يخلق الله تعالى كلاما في الشجرة أو على لسان إنسان ...الخ .
وإذا كان كذلك فالله تعالى عندكم هو عالم وهو على صفة متجددة ، فكلّما حَدَثَ مُمكن ما ، أحدث الله لنفسه علما يعلم به ذلك الممكن وهكذا دواليك ، وإن كان كذلك فقد صارت نفسه محلا للحوادث ومن كان كذلك فمُحدَث لم يكن ثم كان ، وهذا لا فكاك لكم من القول به .

وهو عين ما قاله جهم ، فقد ذهب الى " اثبات علوم حادثة لله تعالى وزعم أن المعلومات اذا تجددت أحدث الباري سبحانه علوما متجددة بها يعلم المعلومات الحادثة " .
وحاصل الأمر أن علم الله تعالى عندكم هو علم اكتسابي حصولي كما الإنسان ولا كبير فرق ، وعندها يكون الله تعالى عندكم ذا علم وليس عليما ، قال تعالى : ﴿-;- وفوق كل ذي علم عليم ﴾-;- .
يبين ذلك ويوضحه أننا وإياكم على وفاق بأنه لا يصح لنا أن نقول عن صفة الذات " قادر " بأن الله تعالى قد حصل عليها مع الجواز ، وأنه قد حصل قادرا بعد أن لم يكن قادرا فهذا محال ، لأنه يكون عندها قادرا بقدرة محدثة ، لأن صفات الذات لا يجوز خروجه تعالى عنها بحال من الأحوال لأن الله تعالى قد استحقها على الوجوب فلا يفتقر لصفة زائدة عن ذاته ولا هي منفكة عنه قديمة كقدمه ولا تتجدد له تعالى صفة ولا يحصل على صفة لم يكن عليها ولا هي مشروطة أو موقوفة على الحوادث ، بل إنه تعالى لم يزل قادرا ولا يزال أبدا على هذه الصفة ، كذلك فالله تعالى لم يزل عالما ولا يزال أبدا على هذه الصفة .

والحمد لله رب العالمين

محمد شفيق رمضان








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بايدن يهدد بإيقاف شحنات الأسلحة إلى إسرائيل ما تبعات هذه الخ


.. أسو تتحدى فهد في معرفة كلمة -غايتو- ????




.. مقتل أكثر من 100 شخص.. برازيليون تحت صدمة قوة الفيضانات


.. -لعنة الهجرة-.. مهاجرون عائدون إلى كوت ديفوار بين الخيبة وال




.. تحديات بعد صدور نتائج الانتخابات الرئاسية في تشاد.. هل تتجدد