الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حتي ولو مسيحيا واحدا

فريدة النقاش

2013 / 5 / 29
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


الأقباط في مصر يشكلون تقريبا 15% من تعداد السكان هكذا قال البابا «تواضروس السابع» للزميل «جمال جرجس» في جريدة اليوم السابع في النمسا أثناء زيارته لها وهذا الرقم يعني وفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء ما يوازي ثلاثة عشر مليون مواطن.

ويلاحظ المتابعون لملف قضايا المسيحيين المصريين أن تصريح البابا ربما يكون هو التصريح الكنسي الأول من نوعه عن تعداد المسيحيين والذي ترفض الجهات المعنية أن تبوح به – أي التعداد – رغم حرصها الشديد علي إدراج خانة الديانة في الوثائق الرسمية الشخصية سواء في مؤسسات التعليم أو في مواقع العمل الحكومي.

ورغم تحفظ البابا الشديد أثناء إجراء الحوار فإننا نستطيع أن نلمح إشاراته القوية إلي الآلام والمخاوف وأشكال الاضطهاد التي يتعرض لها المسيحيون المصريون «الذين تواجههم مشاكل كبيرة في عصر الإخوان» علي حد قوله، وفي إشارته إلي خروج رجال الأعمال المسيحيين من البلاد ورغم أنه لم ينس أن يقول إن بعضهم – مثل ساويرس – قد عاد لم يتطرق من بعيد أو قريب إلي المضايقات التي تعرض لها «ساويرس» وأسرته من قبل رجال أعمال الإخوان وتجارهم، كما في دوائر سلطة اليمين الديني التي دفع سلوكها السياسي الدكتور سمير مرقص المساعد السياسي للرئيس مرسي إلي الاستقالة.

كذلك قال البابا «تواضروس» إنه لا توجد لديه أرقام عن هجرة الأقباط لكن «الخوف يدفع الإنسان دائما للهرب»، ويضيف «لكن هناك مشاكل كبيرة تواجه المسيحيين في عصر الإخوان» لا توجد لدي أرقام عن هجرة الأقباط.. ولكن الخوف يدفع الإنسان دائما للهرب وهو تصرف إنساني مشروع.

بدا لي حديث البابا عن عدد المسيحيين وكأنه دعوة اعتذارية لتذكير كل من السلطة والمجتمع بأن وجودهم في بلادهم ليس هامشيا، وأتذكر في هذا الصدد قول مواطنة بسيطة في أحد البرامج التليفزيونية «علينا نحن المصريين أن نتذكر أن مصر كانت مسيحية قبل أن تصبح مسلمة».

ورغم الدور التحريضي الذي يلعبه الشيوخ والنجوم الإعلاميون لليمين الديني الحاكم فإن التراكمات المختلفة لما يسمي بالفتنة الطائفية وسياسة الكراهية بين المسيحيين والمسلمين والتي تضرب بجذور قوية الآن في علاقات المصريين ببعضهم البعض قد وصلت لأعماق المجتمع نفسه بعد أن كانت في البداية مظاهر عارضة علي سطحه وأصبحنا نشاهد قنوات دينية إسلامية متعصبة لابد أن يعاقب عليها قانون البلد المتحضر الذي يحترم مبادئ المواطنة، وعلي شاشات هذه القنوات نري صورا من البذاءة والإساءة لعقائد المسيحيين مما يدفعهم للشعور بالغربة في بلادهم فأخذوا هم أيضا ينشئون قنوات مسيحية وبعد أن كانوا قد أخذوا يسلكون كمواطنين أثناء وقائع ثورة 25 يناير، بل إن بعض شبابهم رفضوا الالتزام بدعوة البابا لهم بعدم الالتحاق بالثورة، وكانوا علي العكس من ذلك جزءا عضويا أصيلا في كل أعمال الثورة بما في ذلك تقديم الشهداء والمصابين، وحلل علماء الاجتماع والسياسة هذا الخروج علي الطاعة باعتباره رفضا للوصاية الأبوية للكنيسة كما رفض الشباب المصري عامة والذي لعب الدور الرئيسي في الثورة كل وصاية أبوية أخري بما في ذلك وصاية بعض رجال الدين الذين كانوا ينظِّرون لعدم الخروج علي طاعة الحاكم ثم أصبحوا بعد ذلك، وبقدرة قادر ثوريين وشركاء في الحكم.

أقول إن الرقم الذي ساقه لنا البابا عرضا يحمل لهجة اعتذارية إذ يبدو أنه يومئ إلي أن عدد المسيحيين ليس بالقليل كما يدعي البعض من مفكري الإسلام السياسي، ولا يجوز من ثم ممارسة أشكال الإخضاع والإقصاء والتهميش ضد هذا العدد الكبير.. أي أن مثل هذا السلوك جائر مع العدد القليل.

وأقول لقداسة البابا ما كان قد قاله المفكر الفرنسي اليساري الراحل «روجيه جارودي» حين قامت ضده حملة الدوائر الصهيونية في العالم كله وقادته إلي المحاكمة إثر نشر كتابه «الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية» والذي شكك في رقم الملايين الستة من اليهود الذين تقول الدوائر الصهيونية أنهم كانوا ضحايا المحرقة النازية، قال «جارودي» ردا علي نقاده إن حرق يهودي واحد أو اضطهاده بل حرق أي إنسان أو اضطهاده هو عمل مدان لأنه معاد للإنسانية.

إن اضطهاد مسيحي مصري واحد أو مطاردته حتي يغادر البلاد هو عمل ضد حقوق المواطنة ومعاد للإنسانية، هذا هو ما ينبغي لنا أن نكافح من أجله مسيحيين ومسلمين ويهود ولادينيين ولنتذكر أن التعايش بين أصحاب الديانات وبين أصحاب الأفكار المختلفة وإدارة الصراع بينها جميعا بعيدا عن العقائد الدينية التي ينبغي أن تظل شأنا شخصيا بين الإنسان وربه هو القاعدة الذهبية للدولة الوطنية العلمانية الديمقراطية الحديثة والتي كانت مفتاح تقدمها لتصبح جزءا من العالم المعاصر وتخرج من العصور الوسطي التي يجرنا إليها اليمين الديني بالتكفير ومعاداة المختلفين في الديانة والرأي وإفقار الحياة الروحية للشعب بإغراقه في قضايا تافهة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تحياتي أستاذة فريدة النقاش المحترمة
ليندا كبرييل ( 2013 / 5 / 29 - 08:05 )
لا يمكن للمسيحي أن يكره إلا في وجود مناخ كاره له في وسط يفاخر ولا يخجل من الطعن بمعتقدات الآخر
وما نشاط اليمين في البلاد الغربية والمذبحة التي قام بها النرويجي منذ سنتين إلا التعبير المادي هو وشريحته من المجتمع تجاه ما يفعله المهاجرون ولا سيما من المسلمين
نحن عنصريون أكثر من الغرب، وليدرسوا تراثهم جيدا ليعلموا أنهم غارقون في نظرية التفوق واستقصاء الآخر
إذا كالن رب البيت بالدف ضاربا؟ فشيمة أهله الرقص
أليس الشيخ الشعراوي الذي سخر من عقيدة المسيحيين فقال

الله عندهم أقانيم ثلاثة تشكل واحدا، نعم .. ولكن ليس (أحد) لماذا؟ لأنه ما دام الآب والابن والروح القدس جمعوا وعملوا لنا (معجنة) وطلعوا لنا (الله) يبقى ليس(أحد) وخرجوا عن نطاق الأحدية وإن لم يخرجوا عن نطاق الواحدية

يا للعيب والخجل
يسخر من الآخرين ولا يعلم أن عقيدته لو وضعت على المشرحة لفقعنا ضحكا مما بها
لست مصرية لكن شعور المسيحي أينما كان واحد
هل كان يتجرأ أحفاد الشعراوي اليوم أن ينالوا من المسيحية لو لم يتجرأ عليها أبوهم الروحي ؟
وهل كان المسيحي يتعرض لمعتقدات المسلم لو لم يبادئونه؟
إذا تكلمنا قالوا لا تقعوا في الكراهية والكره غارقهم


2 - تعليق
عبدالله خلف ( 2013 / 5 / 29 - 09:47 )
لا يوجد أي إضطهاد للمسيحيين في العالم العربي , و الدليل : لو كان هناك إضطهاد لما بقيّ مسيحي واحد بالعالم الإسلامي .


3 - المؤمنون؟
ادم عربي ( 2013 / 5 / 29 - 10:01 )
يا سيدتي تبا للدين والمتدينون ، فهم ليسوا الا سوسه تنخر في المجتمعات ، صوتهم يعلو لا سباب طبقيه ، حتى في الغرب المتجاوز شكليا الاديان نجد العنصريه لمن يدخل في صميم العلاقات المجتمعيه ...كلامك ياسيدة يشر بغضاء وعنصريه وانت لست اقل من الشعراوي البغيض ، كان الاتحاد السوفييتي على حق حين حارب الاديان وقطع كل الروابط مع مرجعياتها لخطرها على المشروع الاشتراكي ، ان رافعين شعار الدين لا يرفعونه الا لمصلحه طبقيه مقيته بغيضه ، انهم علمانيون تحت عباءة ربهم المزعوم


4 - يتهمني بالعنصرية كالشعراوي أستاذ آدم عربي المحترم
ليندا كبرييل ( 2013 / 5 / 29 - 13:48 )
سأفترض أن تعليقك الثالث موجه لي، وما كنت سأتنبه لذلك لولا ذكرك للشيخ الشعراوي الذي أتيتُ على ذكره في ت2
كلامي يشر بغضاء وعنصرية؟
أين وجدت ذلك يا سيد آدم؟
هل قولي إن المتطرفين يعتمدون على نظريات التفوق واستقصاء الآخر عنصري؟
أليست الحقيقة؟
الأستاذ خلف ينفي أن يكون هناك اضطهاد، وقد نسي كما يبدو أن الاضطهاد ليس فقط أن تعتدي على الإنسان وتقصف روحه ، بل الاضطهاد المعنوي موجود ويزكم الأنوف ، وإن كنت لا ترى في تطرف المسيحيين رداً على تطرف حفنة من الغوغاء فهذا عيب فيك
وإن كنت أوافقك في تعليقك الثالث على فكرة فهي على جملتك الأولى(تبا للدين والمتدينين فهم ليسوا إلا سوسة تنخر في المجتمعات)، نعم سيد آدم
الدين يدّعي أنه جاء ليؤاخي ويتسامح فإذ به يفرق أوصال الأمة ويزكّي نزعات العنصرية ولا أميز بين الأديان وأضعها كلها في سلة واحدة من وجهة النظر هذه
ولا يهمني تحليلك انهم يرفعون شعار الدين لمصلحة طبقية
أفهم أن الواقع ينبئني أن هناك اضطهادا معنويا واضحا واستقصاء للآخر
ماذا فعلتم حياله قبل أن يبلغ الذروة؟
فهل إذا رد المسيحي اليوم على طعناتهم تقول : عنصرية؟

يتبع من فضلك





5 - الأستاذ آدم عربي المحترم 2
ليندا كبرييل ( 2013 / 5 / 29 - 14:07 )
عندما كان الشعراوي وعمر عبد الكافي وغيرهما يثيرون مشاعر البغض لم يكن المسيحي يتجرأ على رفع صوته، كان لهم الصدر وكانت لنا العتبة
وحضرتك منْ تتهمني بالعنصرية لا بد أن تعرف أني أقف في مقدمة صفوف مكافحة العنصرية
وحتى تتعرّف إلى رأيي أكثر تفضل واقرأ مقالي قبل الأخير حيث أحاور سيدة بهائية في معتقدها الديني
أنا أرفض اتهامي وتشبيهي بأكثر من طعن بالأديان : الشعراوي وغيره
لقد شقوا أبناء الأمة لإعلاء صوت الإسلام، فصغّرونا ، وحقّرونا، وهزئوا ليس بالمسيحية فحسب بل بكل الأديان بما فيها الوضعية
أنا لو كنت كارهة للآخر المسلم لما تطوّعتُ في مسجد أجنبي لتعليم الأطفال الأجانب طريقة لفظ الآيات القرآنية بلغة عربية صحيحة
يدي بيدي المسلم والبوذي وعابد الشجر أعمل معه في كل مجال إنساني يخدم البشرية تطوعاً ومحبة ورجاء لبلوغ مستقبل أفضل للإنسان
اقرأ آرائي جيداً لتعرفني أكثر
كن منصفاً يا سيد آدم قبل أن تلقي اتهاماتك

تحياتي للأستاذة النقاش ولحضرات المعلقين الكرام


6 - 2 السيد عبدلله خلف تعليق
وسام يوسف ( 2013 / 5 / 29 - 15:54 )

تقول
لا يوجد أي إضطهاد للمسيحيين في العالم العربي , و الدليل : لو كان هناك إضطهاد لما بقيّ مسيحي واحد بالعالم الإسلامي
بنفس منطقك هذا
لايوجد اضطهاد للفلسطينيين في الاراضي التي تحتلها اسرائيل ، ولو كان هناك اضطهاد لما بقى فلسطيني واحد في القدس
اليس ذلك من نفس نوعية استنتاجك العبقري


7 - أستاذة ليندا
محمد بن عبدالله ( 2013 / 5 / 29 - 15:58 )
)))تطوّعتُ في مسجد أجنبي لتعليم الأطفال الأجانب طريقة لفظ الآيات القرآنية بلغة عربية صحيحة)))



وهل في عملك خير ؟


علميهم أي شيء آخر مفيد أو فلا !


8 - السيدة ليندا كبرائيل المحترمه
ادم عربي ( 2013 / 5 / 29 - 21:40 )
السيدة ليندا كبرائيل المحترمه
ترويج الافكار الدينيه لا يخدم المجتمع بل هو وصفة شيطانيه لهؤلاء المؤمنون ، طبعا اقصد ترويج جميع الاديان، ثم من قال ان الديانات جائت للتسامح؟ الدين في تشكل المجتمعات اساسا بنية فوقيه اقطاعية حيث ازدهرت الاديان وحكمت المجتمعات ، لذلك من يدافع عن اي دين هو شخص رجعي بامتياز ، ان البرجوازيه والراسمالية كرجعيه تتقاطع وتتلاقى وتوظف الدين ، فليس النرويجي ردة فعل ، فالنرويجي يمثل الراسماليه اينما وجدت في معاداة الاخر المختلف وهو نفس ما حدث مع اليهود في بداية تشكل الراسمالية وظهور مصطلح معاداة الساميه
اما عن وضع الطوائف والديانات في العالم العربي المتخلف والذي ما زال الدين فيه مكون اساسي ثقافي لجميع الاديان ، لا شك ان الاقليات الدينيه تدفع الثمن ، مثل المسيحيه ، الشيعه ، العلوي ، البهائي...الخ. على ان لا احد قليل في المقابل ، ابان الثورة المصريه تظاهر المصريين الاقباط في كندا مطالبين وضع صليب على العلم المصري....رحم الله ايام السوفييت حين ادركوا خطورة الدين
مودتي لك


9 - رد للأستاذ محمد بن عبد الله المحترم
ليندا كبرييل ( 2013 / 5 / 29 - 23:21 )
توقعت هذا الاعتراض من السيد آدم عربي، كنت في طريقي لتوضيحه عندما اختفى موقع الحوار المتمدن لسبب ما فانمحى كل ما سجلته في تعليق ثالث
أرجو من الأستاذة الكريمة النقاش السماح لي وشكرا
أخي عبد الله وكل عبد الله محترم
لو كان أمامي مجال آخر لِخدْمتهم لفعلت، فأنا منذ أربعة عشر عاما أشارك في برامج التطوع لخدمة المعاقين
التطوع يسري في دمي،في الثانوية كنت أرافق صديقتي إلى قرى بعيدة للمشاركة في محو أمية النساء في بلدي، وكنت أشعر بالسعادة في ذلك العمر المبكر والسيدات ينادينني معلمتي
حاولت هنا وأنا في أندونيسيا مؤقتا أن أحث السيدات على عمل يخدم المجتمع فلم أجد أية استجابة، وكان أن ذهبت للمسجد المكان الوحيد حيث أجد من يتكلم بعض العربية

أريد أن أخدم لغتي التي أعتز بها، أريدهم أن يقرؤوا بها ليس القرآن والأحاديث الشريفة فحسب بل الأعمال الأدبية والفكرية العظيمة
وبدأت معهم في رواية يوسف السباعي أرض النفاق، عندما جاء متعصب أعمى وقال نحن لا نريد إلا تعليم القرآن
حسنا، أنا أعمل بنيتي، ولك ما تريد. وأرجو أن يأتي اليوم الذي يستخدمون فيه العربية لقراءة إبداعات العرب وفهم الإنسان العربي أيا كان دينه ومذهبه