الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الرموز لغة صورية حية

صبري المقدسي

2013 / 6 / 1
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات


كان الانسان منذ عصور ما قبل التاريخ ولايزال حتى اليوم، يُسجل الأحداث التي تجلب إهتمامه وذلك عن طريق الرسومات والأشكال التي ينقشها على جدران الكهوف وعلى جدران البيوت وفي الطرقات. وكثيرا ما نجد تماثيل للآلهة في الحضارات المختلفة وصورا للحيوانات التي كان يصطادها وصور للمعارك التي يقوم بها مع أعدائه.
وكان الانسان القديم يستخدم الرموز أيضا كعلامات ودلائل للطرق والاتجاهات وكإشارات سرية لأبناء العشيرة للتعرف على بعضهم البعض أو كإشارات للغرباء لغرض التخويف والحذر. ولانزال نجد كل يوم رموزاً حوالينا في الحياة اليومية، سواء كانت، دينية أم سياسية أم ثقافية أم مدنية. وهي منتشرة في كل مجال من مجالات الحياة. نستخدمها مثلا في مجال الصداقة Friendship عندما نُسلم ونبتسم ونحييّ بعضنا بعضا، أو عندما نرسل الورود والزهور والهدايا وكارتات المعايدة لأحبائنا والذين نعزّهم في حياتنا (رمزا للصداقة والمحبة)، أوعندما نستخدم أحرفا وأرقاما رمزية تقديرية للطلاب الناجحين والمتفوقين. وكذلك عندما نستخدم الأجراس المُنبّهة Bells في المدارس والساحات للشعور بالوقت وقيمته، وكذلك العَلم Flag الذي نرفعه ونحبه كرمز للوطن، وهو أيضا رمز تعبيري كبير لمعظم شعوب العالم.
قد يكون الرمز من الحديد أو الخشب أو الورق أو الذهب، وهي كُلها تُريد أن تنقل لنا رسالة علينا أن نفهم قراءتها وأن نعرفُ طريقنا من خلالها، حتى وإن كنا متخلفين وأمييّن.
وقد يسأل البعض عن المغزى من الرموز؟ أو معناها؟ وهذه أسئلة لا يمكننا تجاهلها، إذ من الممكن أن تخطر في فكر كل مُطلع يُريد أن يعرف المزيد عن الرموز. والجواب طبعا هو أنها: تبسيط لفكرة ما وتقريبها من الناس، وأن يُؤتى بها كشيء محسوس للدلالة على ما ينطوي عليه من جوهر وقيمة للتعبير عن الشيء غير المحسوس.
وجدير بالاشارة انه لايمكن للأنسان أن يعيش من دون استخدام الرموز في حياته اليومية، إذ تنطوي الرموز على المعاني الجميلة التي تُقرّب المرء من هدفه سواء من خلال قراءة الرموز المرورية أو من خلال قراءة الرموز الدينية وذلك لتقريبه من الحقيقة، ولزيادة الاهتمام في ميادين إحياء الطقوس الدينية التي في معظمها هي رموز دينية غنيّة جدا.
فالرموز إذا: تعبير أو تمثيل لشيء ما، أو هي لغة بشرية بطريقة صُوَرية بحد ذاتها، كانت ولا تزال تُنقل الأخبار من خلالها الى كل أنواع البشر، وفي كل مواضيع الحياة اليومية. ولها دور لا يُنكر في معظم الديانات العالمية. إذ كانت الأديان تُعبّر عن نفسها وعقائدها وإيمانها من خلال هذه الرموز ولا تزال تشرح الكثير من أسرارها وعقائدها.
واللغة الرمزية في طبيعة الحال، لغة أحاسيس أو هي شىء نفعله أو نريده لكي يكون رمزا لعقلنا ولروحنا. إذ توجد علاقة صميمية بين الرمز والشىء المرموز إليه. أي قد يكون الرمز شيئا يتعلق بالذي يُمثله تعلقا شديدا، فعلى سبيل المثال، الصليب Cross الذي هو رمز مهم في المسيحية وهو متعلق بها ويُفهم من خلالها، ولكنه ايضا تعبير شامل لعقائدها وأسرارها وتعاليمها. وكذلك الحال بالنسبة الى الهلال Crescent في الاسلام والنجمة السداسية Star of David في اليهودية والمطرقة والمنجل Hammer & Sickle في الشيوعية وغيرها من الرموز التعبيرية للأديان والعقائد والآيديولوجيات الفلسفية. إذ هناك رموزا للوجودية السارترية وللاحزاب والمنظمات السياسية والاجتماعية والمدنية تحمل كلها رموزا تدل على نشاطاتها وفعالياتها اليومية.
ولكن قد يكون الرمز شيئا تقليديا متعارف عليه شعبياً مثل الوردة الحمراء Red Roseالتي ترمز الى الحبLove أوغصن الزيتون Olive Branchالذي يرمز الى السلام Peace أو الهالة التي ترمز الى القداسة Holiness ، أو اللون الأسود black color الذي يرمز الى التعاسة والحزن Sadness .
ففي الحقيقة وجدت الرموز منذ أن شعر الانسان بوجوده وبدأ يعيش في تجمعات إجتماعية في الكهوف والمغارات. إذ بدأ يرسم الأشكال على الحجارة، وفي معظمها كانت تدل على الصيد والقتال أو الحياة والموت، وما ينتج عنه من حزن ومآساة بفقدان عضو مهم في مجتمع صغير يحتاجه للعمل والدفاع عن القبيلة وعن الوجود والمصير.
ومن الرموز الأولية للبشر هو الرقم واحد (1) ولم يكن يُرسم بهذه الجمالية طبعا، ولكنه كان مجرد خط قد يكون مستقيما أو منحنيا أو حلزونيا أو متوازيا. ويؤكد العلماء اليوم أن العلوم كلها لم تكن موجودة لولا هذه الخطوط الأولى التي بدأ الانسان يرسمها على جدران الكهوف والأحجار وفي الطرقات والبراري. إذ أن شكل الخط الذي نجده في معظم الكهوف، يدل على سلوك طريق ما أو الى تقدير المسافة المعيّنة للوصول الى هدف ما.
ومن النقوش الأخرى، رمز الدائرتين المتلاصقتين وتدلان على التقارب الجنسيّ والألفة والمحبة بين شخصين. أوعلامة المثلث أو الهرم المتجه نحو الأعلى، الذي يدل على حاجة الأنسان القديم الى العلاقة مع الآلهة في السماء. أو شكل الدائرة التي تدل على الكون أو السماء الذي يحيط بالانسان من كل الجوانب. أو شكل المربعين المتلاصقين معا الذي يرمز الى الوحدة بين عائلتين أو عشيرتين أو شخصين. أو شكل البيت أو الكهف الذي كان يدل على العشيرة أو العائلة. والحيوان المفترس الذي يدل على خطورة العيش في المكان المُشار إليه، والحذر من شىء ما يهدد الحياة أو مجاعة ما قد حدثت لهم. وكذلك رمز الأنسان والبيت الذي يُعبرعن حالة الرخاء والسعادة في المكان الذي يعيشون فيه.
وكلما تطور الانسان بمرور الزمن تطورت معه رموزه الدينية وغير الدينية(المدنية)، إذ بدأ يصنع من الخط شكل نصف دائرة، التي كانت رمزا للسماء، وكان ينظر اليها ويتأملها وُيعبّرعنها بهذه الطريقة، أو يقصد بها رمزا للبيت أو الكهف الذي يعيش فيه. ثم تطور فكره برسم الدائرة الكاملة التي كان يرمز من خلالها الى العائلة والعشيرة والحب ( Family, Tribe, & Love).
وتطور الفكر البشري بعد ذلك فأخذ يرسم المثلث والمربع والمستطيل، فتكونت اللغة التدوينية الأولى للانسان منقوشة على الأحجار وعلى جدران الكهوف والصحاري التي يعيش فيها.
فالرمزية اذاً هي: استعمال الرموز والشعارات والعلامات، للتعليم وتقديم الحقائق الدينية والفكرية والفلسفية والآيديولوجية. ويمكننا أيضا إعتبار الكلمات نوع من أنواع العلامات، وإن كانت الكلمات في بعض الأحيان تقف عاجزة عن التعبير، فتأتي الرموز لتدعمها لأن القوة التعبيرية للرمز أقوى من ألف كلمة. ويأخذ الرمز دوره في التعبير والتفسير والشرح، ولكن بأخذهما معا (الكلمة والرمز The Word & The Symbol) يجعلان من الحقيقة الروحية أسهل إستيعابا وفهما وقبولا. وتُعدّ هذه حقيقة واقعية اليوم كما كانت بالأمس، ولاسيما عندما كانت الثقافة محصورة في فئة قليلة من الناس، والمطبوعات لم تكن معروفة بالمرة.
ويُمكننا تشبيه الرموز بالنوتة الموسيقية Musical Notes ، التي تتكون من رموز معينة يقرؤها الموسيقي ويستطيع أن يشق طريقه من خلالها في التعبيرعن نفسه. وهكذا بالنسبة الى الرموز التي تُضيف جمالية سرّانية مقدسة لامثيل لها في الأديان والثقافات المختلفة.
وقد تكون معاني هذه الرموز ايجابية مُشجعة تدعو الى الخير، أو قد تكون سلبية تدعو الى الشر وتشجعه. فالسمك Fish مثلا وهو رمز مهم وكثير الاستعمال في المسيحية، قديما وحديثا، لكنه يُستعمل رمزا تنجيميا وسحريّا أيضا في الثقافات الأخرى. والصليب Cross أيضا، وهو رمز للخلاص في المسيحية ولكنه يُستعمل من قبل بعض الديانات الشيطانية وبصورة معكوسة كرمز للشر والظلام كرمز النازية (السواستيكا) مثلا أو ما يسمى بالصليب المعكوف الذي اكتشف أولا في وادي الرافدين واستعمل من قبل السومريين والهنود والأتراك والصينيين واليابانيين والهنود الحمر والعشائر الألمانية وكذلك من قبل الحزب النازي الألماني. ويعود تاريخه الى أكثر من3000 سنة.
ومن الملفت للنظر أن استعمال بعض انواع الصلبان في القرون الوسطى الأوروبية، يعود تاريخ استعمالها الى ما قبل المسيحية بقرون عديدة. ففي هذا النوع من الصليب مثلا والذي يرمز الى اورشليم الجديدة في المسيحية، ولكن في القديم كان رمزا لأله الشمس ويُرسم بشكل دائرة يتوسطها الصليب وهو في الحقيقة مُستمد في الاصل من الثقافات الآشورية الكلدانية قبل المسيحية بقرون عديدة. وكذلك رموز الصليب الأخرى التي كانت منتشرة جدا في جميع الثقافات القديمة قبل المسيحية. ففي هذا النوع من الصلبان والذي يرمز الى آلهة المناخ، ويدل على الكمال وجهات العالم الأربعة. وكان الرمز يُستعمل ايضا في العلوم التنجيمية القديمة كرمز للمادة والطبيعة أو كرمز الى العناصر الأربعة المتمثلة بالأذرع الأربعة للصليب. والصليب الذي تتساوى فيه الأذرع استعمل أيضا قبل المسيحية 3200 سنة ق.م، أي في عهد العصورالأوروبية المتجّمدة، والذي نجده اليوم على أعلام عدد من الدول الأوروبية. وغيرها من الرموز البدائية المشتركة بين شعوب وأديان عديدة والتي تعدّ بعضها مقدسة الى يومنا هذا.
وعلينا أن نكون حذرين جدا من إستعمال البعض من الرموز العالمية الأخرى، لكونها تمثل الشر والقوة الظلامية في العالم. ففي الشكل الشبيه بالنجمة السداسية hexagram وهو رمز عالمي، يُستعمل في بعض الديانات رمزا للروحانية الناقصة. وكذلك الرمز الخماسي Pentagram الذي يدل على القوة السحرية ويُستعمل في حلقات الشعوذة والسحر خلال قرون عديدة، ولكنه يُستعمل في المسيحية رمزا الى قوة الله الخلاقة. وكذلك رمز النازية " الصليب المعكوف " Swastika الذي أستعمل رمزا لتفوق الجنس الآري من قبل النازية الألمانية، وكان يُستعمل في الديانات الآسيوية رمزا للكمال الروحي. ورمز الدائرة Circle الذي يُستعمل في السحر والشعوذه Wicca ، ويُستعمل أيضا رمزا للمعرفة والحظ والحياة في الديانات البوذية والهندوسية.
فإذا ما قمنا برسم رمز من الرموز فما علينا إلا برسم دائرة وأن نجعل مثلثين في وسطها، أحدهما متجه نحو الأعلى والآخر نحو الأسفل، وما يعنيه هذا الرمز في الثقافات القديمة هو اللقاء والألفة بين أثنين (الذكر والأنثى) Male & Female .
فعلى الرغم من أن الرموز تنتشر في كل مكان إلا أننا لا نستطيع أن نُفسّرها بالطريقة نفسها كل مرة. فهي تشير غالبا الى المعاني العميقة التي نختبرها في حياتنا وثقافاتنا وأحلامنا. ولربما تقودنا هذه الرموز الى فهم أحسن لحياتنا، حيث تُدخلنا الى أعماقنا وأحاسيسنا الداخلية.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رغدة تقلد المشاهير ?? وتكشف عن أجمل صفة بالشب الأردني ????


.. نجمات هوليوود يتألقن في كان • فرانس 24 / FRANCE 24




.. القوات الروسية تسيطر على بلدات في خاركيف وزابوريجيا وتصد هجو


.. صدمة في الجزائر.. العثور على شخص اختفى قبل 30 عاما | #منصات




.. على مدار 78 عاما.. تواريخ القمم العربية وأبرز القرارت الناتج