الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خدمات ما بعد البيع

عامر الدلوي

2013 / 6 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


هناك سياق دأبت عليه معظم شركات التصنيع الكبرى " وبات عرفا ً دوليا ٌ تقريبا ً " سواء للأجهزة المنزلية أو السيارات لا بل حتى للأسلحة في بعض الأحيان .. حفاظا ً على سمعتها وجودة منتوجها لضمان إستمرارها في سوق المنافسة القوية القائم حاليا ً و بسبب من الثورة التقنية الهائلة والتي تسير بسرعة قاربت من سرعة الضوء .. وهذا السياق بوب تحت عنوان " خدمات ما بعد البيع " في سوق التجارة الدولية .
ولم يقتصر هذا السياق على الشركات المصنعة ودولها .. بل إن الكثير من الشركات في بلدان التخلف الإقتصادي " الدول المستهلكة " والتي تقوم بإستيراد وبيع تلك المنتوجات , أخذت وبإتفاق مع الشركات المصنعة تعمل على إيجاد مثل هذا النظام في بلدانها , تلافيا ً لوفرة من المشاكل الفنية التي باتت تخلفها عمليات الإنتاج الكمي الواسع والأتمتة في بلدان التصنيع , وخير دليل على ذلك , هو الأخبار التي تصلنا بين الفينة والأخرى عن قيام هذه الشركة بسحب أعداد كبيرة من منتوجاتها من الأسواق لظهور الخلل والعيوب فيها .
في بلدان التخلف الإقتصادي سادت مفاهيم مناقضة كليا ً لهذا السياق , ففي كل عمليات الإنتاج المحدود للصناعات البسيطة والتي تجلب هامش ربح كبير جدا ً " الأغذية ومشتقاتها , الحلويات , المشروبات الغازية والعصائر .. إلخ " ساد مفهوم صنع وأرمي في السوق ولا تلتفت إلى النوعية , وكما ساد مفهوم هنا في العراق أثناء الحروب والحصار والإنفتاح على اسواق بلدان الجوار إنك حتى إذا ما قمت بتعبئة التراب في أكياس و رميته في السوق العراقية فإنه سيباع دون النظر إلى محتوياته أصلا ً .
ولقد لعب هذا المفهوم دورا ً كبيرا ً في تخريب الواقع الإقتصادي في البلد , في ظل توقف الإنتاج المحلي لا بل إنعدامه تقريبا ً .. وأمتد هذا المفهوم الخطر ليشمل كل جوانب الحياة .. فالتاجر الدنئ " ونستثني منهم القلة الشريفة " لا يهمه ماذا سيحصل حتى لو مات مليون أنسان جراء توزيع بضاعته التي هي عبارة عن تراب معبأ بأغلفة جميلة وبراقة وفقا ً لمفهومه السائد في أوسخ عملية إقتصادية رافعا ً شعار " التجارة شطارة " , لذلك تراه وقد لجأ إلى كل الوسائل القذرة من أجل إدخال بضاعته إلى السواق وضمان إنسيابيتها , قدم الرشى إلى سلطات المنافذ الحدودية " الكمرك والصحة والبيطرة " وجند شبكة من فاقدي الضمير والذمة ليكونوا موزعين لها .. وأستخدم نفوذه وصلاته بالمسؤولين لنقل أي موظف هناك لا يتقبل منه الهدايا والرشى .. لا بل في أحيان كثيرة استخدم قتلة مأجورين للتخلص منهم .
ومن المؤسف جدا ً أن يمتد هذا التخريب إلى المؤسسات العلمية آنذاك , فتخرجت أجيال من المدارس والكليات لا تتقن أي شيء مما درسته خلال تلك السنين , وأنظم الآلاف منهم إلى جيش العاطلين عن العمل والذي تنامى بشكل فظيع خلال سنوات الحروب والحصار , وخصوصا ً بعد فقدان الوطن للكثير من الكفاءات العلمية الواعدة , بين قتيل ومعوق وأسير وطالب لجوء سياسي أو إنساني .
وانا أستعرض هذه الصورة البائسة , والتي تمر تفاصيلها أمام عيني كشريط سينمائي , حدثت إنتقالة في العرض , كما تسمى في علم السينما " فلاش باك " ولكن إتجاه هذه الإنتقالة كان إلى الأمام وليس كما يعنيه المصطلح السينمائي المذكور آنفا ً .
إذ ترآءت لناظري لقطات هي بإعتقادي المتواضع من أصعب اللحظات التي تمر على الناس الوطنيين الشرفاء ألا وهي لحظات " تحرير " بلدهم الذي عجزت أحزاب الدعارة السياسية المسماة زورا ً و بهتانا ً بالمعارضة العراقية عن الإتيان بفعل ثوري يزيح النظام البعثي المنخور والفاسد بقواها الذاتية فلجأت إلى من ارتضت لنفسها أن تكون عبدة لهم من الشقاوات الكونيين لتنجز لها مالم تستطع هي من القيام به .. وفق شروط ذليلة .. أولها .. أن يكون العراق سوقا ً مفتوحا ً للبضائع .. وأن تقوم تلك العبدة بدور ... شركة تقدم خدمات ما بعد البيع .
وأول البضائع التي تم تسويقها بنجاح .. الطائفية .. كيف ذاك ؟
في أول حكومة شكلت .. ألغيت وزارة الأوقاف .. وصار هناك وقف سني و وقف شيعي .. الكم الهائل " ما شاء الله " من الأضرحة والمقامات " المقدسة " و ما تدره من إيرادات هائلة سنويا ً سال لها لعاب أئمة الكفر والضلالة .. فما باتوا يقبلون اليوم بالعودة بهذه المؤسسات إلى السقف الذي كان يجمعها والذي كان معبرا ً بحق وحقيق عن وحدة العراقيين وأعني بذلك وزارة الأوقاف والشؤون الدينية .. لذلك صاروا ومن أجل الحفاظ على منابع الثروة هذه يروجون لأتعس بضاعة في التاريخ خلفها أتعس إختراع لبني البشر منذ الخليقة .. وأوصلوا الإمور إلى ما آلت إليه من بحر دم ٍ لا يقبل التوقف عن الجريان ولم تتمكن كل سدودهم اليوم وبعد أن أكتوت أصابعهم بناره من وقف سيله العارم الذي لم يستثنى حتى الأخوة من أتباع الديانات الأخرى .. فتركهم بين قتيل و مهجر في الداخل إلى لاجئين في بلدان العالم .
وظل العراقي البسيط آملا في بعض المؤسسات الدينية وأعني بها المرجعيات الدينية والحوزة العلمية وتفرعاتها من جهة و مفتي الديار العراقية ورابطة علماء السنة وكليات الفقه القائم على أسس المذاهب الأربعة وتفرعاتها في أن تجد له مخرجا ً من أزمته المستعصية على الحل غير مدرك بأن أمنيته تلك ما كانت تمثل إلا عشم إبليس في الجنة , وغير مدرك بأن هذه المؤسسات هي من عنيت من أول حرف كتبته في هذا المقال .
أما كيف ؟ قد يتسائل بعضكم .. فأجيب ببساطة ..
الشركة المصنعة للسيارة مسؤولة عن أي خطأ مصنعي فيها .. قد يتسبب في حوادث تؤدي لقتل راكبيها أوغيرهم من مستخدمي الطرقات العامة .. لذلك نجدها تسارع في سحب سيارتها المنتجة والموزعة في دول مختلفة من العالم وبأرقام قد يصعب على صاحب عقل محدود الآفاق مثلي تصور عملية جمعها وإعادتها إلى بلد المنشأ .. وهذه الأرقام قد تصل أحيانا ً إلى الملايين .
إذن لماذا لاتكون الحوزة العلمية والمرجعية الدينية و صنوها في الجانب الآخر مسؤولين بالتكافل والتضامن عما يروجه خريجوا مدارسهم وجامعاتهم من سفاسف تستخف بالعقل البشري لحد الإستهبال ؟
ولماذا لا يقومون مثلاً بسحب الشهادات الممنوحة لهؤلاء ومنعهم من أرتقاء المنابر في كل المناسبات الدينية وتعميم ذلك بكتب ملزمة لكل المؤسسات التابعة لهم في كل ارجاء الدنيا .. مثلما حسنا ً تفعل شركات صناعة السيارات العالمية في سحبها للسيارات الفاشلة من السوق .. مع الفارق طبعا ً في أن خطر السيارات الفاشلة أقل خطرا ً على الناس إذا ما علمنا بأنها هفوات تكنولوجية بسيطة يمكن تصليحها بساعات .. من خطر أصحاب العقول والذين لا يعرفون سوى عملية غسيل الأدمغة التي يمارسونها على مستمعيهم المساكين .. عبر سيل من الروايات القائمة على معجزات خرافية لم يأتي بها كتاب و ما أنزل الله بها من سلطان .. وعبر تغذية لروح الكراهية للجانب الآخر .. الأمر الذي قاد منذ القرن الهجري الثاني وغلى الآن إلى صراعات دموية لها أول وليس لها كما يبدو آخر .
لماذا لم نسمع صوتا ً معارضا ً على الأقل لما يطرحه هؤلاء من سفاسف إستهبالية من قبل المراجع العليا السنية والشيعية ؟
هل لأن السكوت هو علامة الرضا !!!!!!!!
ليفتنا أحد وله الأجر والثواب








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بالأرقام: عمليات المقاومة الإسلامية في لبنان بعد اغتيال الاح


.. عبد الجليل الشرنوبي: كلما ارتقيت درجة في سلم الإخوان، اكتشفت




.. 81-Ali-Imran


.. 82-Ali-Imran




.. 83-Ali-Imran