الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


التكفير والهجرة ، عصر الحروب المقدسة

أسعد البصري

2013 / 6 / 1
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


خطاب الشيخ يوسف القرضاوي اليوم " الجمعة 31/5/2013" فيه مشكلة كبيرة . إنه يُكفّر العلويين صراحة و علنا . هذا خطأ كبير ، يمكنك أن تتهم قادتهم بالطائفية ، والفساد . لكن تكفير العلويين ، من قبل شخصية إسلامية كبيرة ، و نافذة كالقرضاوي يعتبر كارثة كبيرة . الشيخ القرضاوي بهذا الخطاب وضع كل المثقفين السنة العرب في موقف محرج . ماذا نقول ؟ . الشاعر العربي سليمان العيسى كافر ؟ . الشاعر أدونيس كافر ؟ . الكاتب المبدع سعد الله ونوس كافر ؟ . الشاعر بدوي الجبل كافر ؟ . الأديب ممدوح عدوان كافر ؟ . هذا كلام سبب لنا جميعا إحراجا كبيرا هذا اليوم . إلى درجة أننا ، لا نشعر برغبة بالكتابة . يبدو أننا حقاً نعيش اليوم فتنة تاريخية ، من ذلك النوع الذي يتوجب فيه الصمت والخرس . أليس عندكم مستشارون يطلعون على الخطاب قبل إذاعته ؟ . ما هذه الكارثة يا إلهي . شعوب بأكملها ستدفع ثمن ما قاله الشيخ يوسف القرضاوي اليوم بدمائها ، و فلذات أكبادها . أين صوت العقل ؟ . ومن جهة أخرى لا أحد يُصدّق بأن السيد حسن نصر الله ، الذي كان قبل أعوام قليلة فقط ، بطلا عربيا ترتدي الفتيات الجزائريات والمصريات صورته ك جيفارا . هو في الحقيقة فاشي ، و ملك من ملوك الطوائف . لقد جر الجنوب اللبناني كله إلى الحرب ، بدخوله الوحل السوري لإنقاذ النظام العلوي في سورية . مع أنباء عن تحرك ميليشيات شيعية عراقية ، للمساهمة في الحفلة الجماعية بذبح الشعب السوري العظيم . وقد أكد مصدر يمني «أن مشاركة الحوثيين تأتي في إطارها الرمزي للتأكيد على تماسك المنظومة المتحالفة مع نظام الأسد، وهي منظومة محكومة ببعدها الطائفي»، وأضاف المصدر أن «الحوثيين يرغبون في رد بعض الجميل للنظام السوري الذي أتاح لهم الكثير من التسهيلات في الجوانب التدريبية أثناء جولات الصراع مع حكومة الرئيس السابق». هذا الشعب السوري الباسل اليوم ، يواجه الغزاة على أرضه . نتوقع انفجار الوضع في لبنان و العراق " حروب أهلية " قبل أيام كانت أنباء عن سقوط صاروخين في الضاحية . كما صرح الشيخ العراقي علي حاتم بأن أهل الأنبار سيطردون الجيوش العراقية المحتشدة في الأنبار . وقال إن المالكي يريد تأمين نقل المتطوعين ، والمسلحين الخمينيين للقتال ضد الشعب السوري . السؤال هو ، هل يمكن لرجل دين ، زعيم ميليشيا مسلحة مؤمن بولاية ألفقيه الأعلى في طهران ، مثل حسن نصر الله أن يدخل بمقاتليه بلدا آخر ويدعي " أنا ذاهب لمحاربة التكفيريين ؟ " وكأنه الحزب الشيوعي أو الأمم المتحدة ؟؟ . هذا الوجه الأسود للحرب المقدسة ، يلقي بظلال ثقيلة هنا ، على مصير الشعب العراقي ، و بغداد العربية حاضرة الرشيد .
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
لم يبق عندنا سوى الذكريات . توقَّفَتْ حياتُنا تماماً ، ربما لأن هناك شيئا مهما و ضروريا ، أخذوه منا . الوجدان ، والأرض ، والهدف من الحياة . لا نستطيع حتى زيارة العراق . كيف تزوره وأنت هدف الكواتم ، والسجون السرية ، والخطف ؟؟ . إنك خائف ، أو هارب . كان هناك فتى اسمه مثنى الدليمي ، وصل إلى كندا بعد رحلة شاقة من أذربيجان و روسيا . كنتُ أراقبه يحاول الإندماج بعراقيين مهاجرين مثله ، قدموا قبله إلى كندا ، من مخيم رفحاء السعودي . بكل أسف كان يصطدم بحقد طائفي طبيعي ، بسبب ظروف العزل ، والإحتجاز في مخيم رفحاء ، وحوادث جرت قبل سنوات في السعودية . اختلط الدليمي " مثنى " بالجزائريين ، والمغاربة بسبب الرفض غير المعلن ، و عدم الترحيب الذي شعر به من أبناء وطنه العراقيين الشيعة . فهو " دليمي " و ليس جنوبيا أصلا . لم يستطع مثنى التكيف مع الجزائريين ، والمسجد ، والتعصب الديني السني ، فبقي وحده ، إلى أن أصيب بجلطة دماغية . زرته في المستشفى مرتين ، كان يتكلم معنا باللغة الروسية ، يفهم ما نقول لكنه يكلمنا بالروسي . بعد أسبوع هرب من المستشفى ، ثم عثرت عليه الشرطة بعد شهر من البحث في شوارع أدمنتون ، مدينة تبعد ثلاثة آلاف كيلو مترا عن المستشفى التي هرب منها .
الطائفية أصبحت طردا من الوطن ، والوجدان ، والشعب . لا تزور بلادك ، ولا تتاجر معها ، ولا تشتري فيها بيتا . لأنك مطرود . وهذا الطرد يتحول إلى طرد نفسي ، واجتماعي ، وثقافي ، إلى وسيلة قتل معنوي ، و حصار . ربما السبيل الوحيدة ، أن تكون طائفيا أيضا ، لكي تستطيع العيش . لابد من وجدان يملأ رئتيك الوجوديتين لتستطيع البقاء . الهزيمة صعبة ، وفقدان الوطن صعب ، والغربة صعبة . هل تحرر جبران خليل جبران في غربته بأمريكا من الحنين إلى لبنان ، و من محبة السيد المسيح ؟؟ . الذكريات هي الوطن ، هي ذلك الشعور الذي فقدناه ، حين كان لنا ، وطن رغم سلبياته و مساوئه . نحن الآن مطرودون من العراق ، و منزوعة هويتنا ، و تربتنا ، و رتبتنا العراقية . هذه حقيقة وليست مزاحا . هؤلاء الشيوخ البسطاء في الأنبار حين يقولون ساحة " كرامة " ، و جمعة " هوية " ، و جمعة " إقليم " ، و جمعة " العراق خيارنا " . يعبرون بذلك التناقض الحزين السوداوي ، عن وجع عميق ، و عشق خائب ، من طرف واحد للوطن . نحن في الحقيقة لا نحب صدام حسين ، لكننا أحببناه فيما بعد . لأنه كان زعيمنا جميعا . اليوم ذهب الشيعة بزعمائهم ، وذهب الأكراد بزعمائهم . فبقينا بثياب السجون الصفراء والبرتقالية ، أو عراة تماماً في المنتصف . نحب صدام حسين لأنه آخر رجل ، وافق أن يكون زعيما لنا . ها نحن الآن بلا زعيم . السيستاني ليس زعيمنا ، ومسعود البارزاني ليس زعيمنا . فمن هو زعيمنا ؟ . طارق الهاشمي الإرهابي الهارب المحكوم بالإعدام ؟ . العيساوي المطرود الفاسد ؟ . هؤلاء ليسوا زعماء ولا يمثلون أحدا . نريد زعيما نشتمه ، ونتهمه بالفساد ، لكننا نمشي في بغداد رغم شتمنا له ، و مظاهراتنا ضده . هل هذا ممكن ؟ . أين هي أرضنا ؟ و أين هو أماننا ؟ . السنة عليهم أن يقاتلوا الحكومة ، لا يوجد حل آخر . يقولون هناك حرب إقليمية عظيمة ستحدث ، نقول " ياريت " . أخشى أن تكون مجرد كذب . لو تحدث حرب ، تعقبها مفاوضات ، و نحصل على شيء ربما . نحن الآن ، لا شيء عندنا ، سوى هذه الحياة الذليلة التي تنتهي في المصحات ، والسجون السرية ، والمقابر . سوى حبلٍ من مَسَدْ ، شنقوا به صدام حسين ، وربطونا جميعا به . سوى مساجد موسومة بالإرهاب ، تفوح منها رائحة عمر بن الخطاب ، و رائحة عائشة الكريهة عند هؤلاء القوم . نعيش ظلاما دامسا ، كظلام البرامكة في سجن هارون . نخاف أن يَتَخَطَّفَنا الناسُ من حولنا ، كما حدث للأمويين في العهد العباسي . نركض بأقصى سرعة ، لا نعرف إلى أين ، نسمع طبول حرب ، فننهض مستبشرين ، لنكتشف ، حين تطلع الشمس ، أنها دقات قلوبنا الواهمة . لا يوجد فرار للشعوب المقهورة إلى هذا الحد ، يجب أن ندخل النار ، حتى تجف قلوبنا من الكآبة والدمع و الحياة . المثقف في كل العالم يتقدم على السياسي بكثير . السياسي محكوم بالواقع والظروف ، المثقف عقل حر طليق . ما فائدته إذا شيخ عشيرة ، أو رجل دين يتكلم أفضل ، و أكثر حرية من المثقف العراقي . هذا غير معقول . كلنا يحتفظ بالكلمات الثقيلة لليوم الثقيل . فإذا ضاق نَفَسُ أحدكم بي ، فليعلم بأنني أعمى تماماً ، لا أعرف أحدا سوى الحقيقة . أنا المتلمّس لخدّيها في ظلام الأمَم ، المعانق لشفتيها في عُقم المقالات المخنثة . إن اللحظة التي قبلنا فيها بالإسلام السياسي ، فإننا قبلنا أيضا بإبادة الوطن والوطنية العراقية . لا يوجد عراقيون في الحسينيات ، بل يوجد مؤمنون حسينيون شيعة ، من كل أنحاء العالم . يسمعون بضريح زينب الكبرى محاصر بأحفاد معاوية . جميعهم يهبون بالمال ، والأنفس ، و فلذات الأكباد وبكل ما هو غال و نفيس للقتال بلا تفكير . وكذلك لا يوجد عراقيون في المسجد ، المسجد فيه المسلمون من كل أنحاء العالم ، يسمعون بأن عمر بن الخطاب مقيّد بالسلاسل ، وأسير ، في بغداد الرشيد ، بعد أن أحرقوا لحيته وشعر رأسه للتسلية . وأن الفتاة التي اسمها عائشة ، اغتصبوها في سجن سري حتى أنْجَبَتْ سِفاحاً عدّةَ مرّات . يهبون بمئات الآلاف ، من طنجة ، والقاهرة ، و بن غازي ، و مكناس ، و عمّان ، والخرطوم ، للقتال في بغداد الذكريات والمجد العربي الإسلامي الآفل . الإسلام السياسي معناه ، موت الدولة القطرية العربية الحديثة ، والحدود ، و سايكس بيكو . لاحظ كيف دخلت قوات حزب الله اللبناني علنا ، لحماية الدكتاتور العلوي في سورية ، وكيف رفعت الحكومة السورية رسوم السياحة الدموية عن العراقيين إلى سورية . لماذا لا يحترمون إرادة الأغلبية السنية في سورية ؟؟ . خلف هذا المشهد الجنوني هناك عقلاء ، بأطماع ومخططات دولية و إقليمية معقدة . هذا غير مهم ، هل نعرف كيف تفكر إيران حتى نعرف كيف تفكر أمريكا ؟؟ .. نحن نعيش هنا ، في الضفة الأخرى من العقل الكوني ، في الجنون المطلق . نحن اليوم تحكمنا أحزاب عميلة ، تسرق الثروة وترسلها إلى طهران " ولاية فقيه " . لإدارة حرب مصيرية إقليمية مقدسة قادمة لا محالة . لا تريد إيران شبابا مرفها ، و سعيدا ، مخافة أن لا تكون بهم طاقة للقتال فيما بعد . حتى جامعة هارفرد لا تجعل مقاعد الطلاب مريحة جدا ، مخافة أن يشعر الطالب بالنعاس والنوم . فهل تجعل إيران حياتنا مريحة جدا ، بحيث نتعلق بها ونرفض الشهادة ؟ . كل هذا التفجير والعنف هو سياسة إيرانية لمنع المجتمع العراقي من الشعور بالطمأنينة ، والتفكير بشيء آخر غير الطائفية و الموت . التفجيرات والإغتيالات الدائمة إضافة إلى فكرة المهدي المنتظر " صاحب الزمان " الذي قد يظهر في أية لحظة . هي آيديولوجيا إيران الكبرى في العراق ، ووسيلتها الكبرى لغسيل العقل العراقي من الفكر والعقلانية . وإبقاء الوعي الطائفي في يقظة مستمرة . مليون جندي عراقي و حوالي ثلاثة ملايين ميليشيات . إضافة إلى نصف مليون رجل دين مُعَمَّم شيعي . هذا خزان بشري تريد إيران استخدامه في الساعات الحرجة . الأحزاب الدينية ليست فاسدة ، بل هي في منتهى الوفاء ، والإخلاص ، والنزاهة ، والإيمان . إيران احتضنتهم ثلاثين عاما ، وتكفلت بنفقاتهم ، و تنظيماتهم ، و تدريبهم ، و تعليمهم . اليوم هم في السلطة يحلبون العراق و يرسلون ثرواته إلى المركز الإسلامي في طهران . سبعمئة بليون دولار أرسلتها حكومة المالكي حتى الآن . هل كنت تظن حقا بأن هذه سرقات ؟؟ . حتى المشاريع التجارية في الخارج بأسماء مسؤولين عراقيين ، لها حسابها و نظامها في لحاظ إيران . هذا هو الواقع . أنا أحاول ، أن يكون لنا قول أيضا ، لا يُعقل أن يكون طرف واحد هو الحكومة و هو المعارضة ، هو الذي يحكم و هو الذي يشتم . هو المشكلة و هو الحل . خصوصا هناك ترويج لمقولة نحن ننتقد " الدولة - الطائفة " من داخلها " و كأن الآخر لا يحق له النقد والكتابة فهو من "الخارج" . لابد أن نحاول إيصال صوتنا بطريقة ما ، ولو تعليق في الهامش لا مشكلة . المهم أن لا نكتفي بالدور المفروض علينا ، وهو دور السجين ، والإرهابي ، و الناصبي . لن أفجّر نفسي في سوق شعبي ، بل سأحاول دائماً تفجير الحقيقة ، و العذاب ، ورسم العالم العراقي كما يبدو من شرفتنا الآفلة . بيتنا الذي استدبر الشمس ، وجدارنا الذي يحجب القمر . هذا المشهد الكئيب أيضا جزء من الحقيقة ، و جزء من الواقع العراقي . ألا ترى معي أننا فوجئنا بالمظاهرات المليونية في المحافظات السنية الخمس ؟ . أين كان كل هؤلاء الناس ؟ ، أين مقالاتهم ؟ و رواياتهم ؟ و كتبهم ؟ و فضائياتهم . هل كل هؤلاء مجرد عملاء لقطر ؟ . هذه المفاجأة بسبب الطائفية التي جعلتنا لا نجد كاتبا عراقيا "سنيا " إلا نادرا . وإذا وجدناه فلا أحد ينشر له ، وإذا نشروا له فلأنه لا يكتب شيئا مهما أو لأنه " ضد نوعي " يحارب أهله و ناسه ، في سبيل النقود و حزب الدعوة الحاكم . يجب أن نحاول ، الحوار مع جميع الأطراف . ذلك يؤدي في نهاية المطاف إلى أفكار حقيقية ، نحاول الخروج من الحلقة المفرغة ، وهو طرد " السنة " من الثقافة العراقية وتصفية عقولهم بالكواتم . النتيجة هي أن طائفة واحدة تنتقد المالكي ، والحكيم ، والصدر على مدار السنة ، ثم تعيد انتخابهم ، وهكذا . ينتقدونهم و ينتخبونهم باستمرار . طائفة واحدة تتكلم مع نفسها كالمجنون . هذا بسبب الخوف من الطرف الآخر ، وانعدام الثقة . المواطن الشيعي يعاني نقص الخدمات ، والعوز ، والموت اليومي بالمفخخات . لكنه يحمل سلاحه ويدافع عن الحكومة لو هاجمتها الأنبار . فقد تم ترسيخ فكرة أن هذا هو " حكم دولة علي الذي انتظره الشيعة " و كل المعاناة بسبب رفض النواصب لهذا الحكم . إيران ترفض موضوع الحوار الثقافي ، بين السنة والشيعة في العراق . حتى تبقى الفتنة ، والإشاعة ، والعزلة في عملية تبقي العراق ملتهبا باستمرار . لو نتحاور سنجد في النهاية أفكارا مهمة ، بدلا من " اللغو " الذي لا نهاية له . لقد أصبح نقد الحكومة أشبه بأفيون ، الغرض منه التسلية ، والضحك . أكثر من البحث عن أفكار مؤثرة ، تقود إلى تغيير. العظيم كارل ماركس علمنا أن الأفكار خطيرة و قد تغير العالم ، أليس كذلك ؟ . كل صباح أرسل مقالاتي إلى الصحف العراقية ، وكل صباح يلقون بها إلى الزبالة .

نحن اليوم من الذين لا يدينون بدين الدولة الحق ، مجرد موالي معكوسين ، " ذميين " في نظر القانون العراقي الحالي ، نعطي الجزية عن "يدٍ " ونحن صاغرون بكل أسف . البصرة التي ألهمتنا صوت الريح في سعف النخيل . و قفزنا فيها تلك الجداول معا ، كنا فيها حقا أخوة . كنت أتمنى لو كان يمكن لأبنائنا أيضا ، أن يلعبوا معا . كنت أتمنى ، لو لا يتحتم علينا بيع بساتين النخيل ، وبيوتنا القديمة ، للهجرة مرة أخرى . وكما كان فراق نجد صعبا علينا قبل مئات السنين " تَمَتَّع من شميم عرار نَجْدٍ / فما بعد العشية من عرارِ " / الصمة القشيري ، فإن فراق البصرة تتكسر له العظام ، و تتقطّعُ له نياط القلب . تأمل بيوت اليهود ، والمسيحيين في البصرة .الشناشيل المتهدمة على الغياب . تأمل يا أخي بيوت الزبير ، و أبو الخصيب و البصرة القديمة ، وهي تنهار على فراق السنة البصريين الذين هاجروا . تأمل تحت كل نخلة حزينة ، ألا ترى أشباحا من الأمم المهزومة المقهورة ، بالدمع ، والخوف ، والحنين . لقد أحببنا البصرة إلى درجة أن مقابرنا فيها . هذا الظلام الحالك / المُطبق سينقشع يوما ، ويعود الشغف بالعلوم ، والرقص ، والرياضة ، واللغات الأجنبية ، والأناقة ، والثياب الجميلة ، والفنون ، والعَرَق المسيَّح ، والعشق الذي كان مبذولا كالمطر والرياح في العراق . وهذا الكون الفسيح الذي منحته نظرية آينشتين سحرا عجيبا ، نسبية الزمن .... ربما نعثر على كوكب آخر فيه حياة و حضارة بعد مئة عام ... سوف يعود الكلام الجميل ، كما كان أيام السبعينات والثمانينات من القرن الماضي .لكن اليوم العالم ضيّق جدا ، هناك جثث في مستشفى الكاظمية يخاف أهلهم استلامهم ، أن تصطادهم الميليشيات التي قتلتهم ، فالجثث اليوم طعم ، و فخ . الكلام ثقيل ، يضيّق الصدر ، ويكدّر الخواطر غير أن رجالا منا ، عليهم أن يقولوه ولو تقرّحَت أحشاؤهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي