الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أديان اليوم مع ماركس ونتشه

صليبا جبرا طويل

2013 / 6 / 2
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني



إنسان، مثقل بالهموم، يغرق في أوهام في خرافات بالية تشده بقوة، بجنون إلى زمن بعيد سحيق، ينتظر معجزة سماوية كي تحرره من عجزه وتغير واقعه الأليم، يبحث فيه عن مكان له تحت الشمس، في عالم يسير باطراد سريع لا يعرف الكلل أو الملل نحو التطور والتقدم العلميين كي ييسر ويحسن نوعية حياة الإنسان على الأرض، وإنقاذه من بؤسه. إنساننا العربي يتوه ويدور في خلاط الماضي والحاضر الجامدين لعله يتوصل لحلول مستقبلية في زمن كثرت فيه الأفكار العقلانية واللاعقلانية، العقائدية والأيديولوجية التي تغلو في تطرفها أو تتشدد في طرحها، ولا تنصت للصوت الصريح العقلاني الواضح الذي تقره تعاليمها .لا يدري في أي زمن يستقر وكيف ينتهي به المصير. تركنا الثقافة والعلم جانبا، تركنا أنفسنا فريسة للجهل، ألغينا العقل، ابتعدنا عن المنطق، ركضنا وراء قراصنة وسماسرة من الدجالين اخترقوا حواجز عقولنا وأصبحنا منسين. نزحف مكبلين محملين ببؤسنا وإحباطنا نحو مستقبل ضبابي، لا أمان فيه لإنسان سوى كالعادة لمن يضرب بسيف السلطان.

تعلمنا وتربينا أن الله خالق الكون والحياة والإنسان، موجود في السماء وفي قلوب المؤمنين، عرفنا أن العقل موجود في الدماغ، يشترك فيه بنفس القدر والكمية العاقل والمجنون، الأنثى والذكر، وكل أجناس البشر. الدين صنعه الخالق. تفسير الدين ترك للإنسان، والإنسان قد يخطي أو يصيب. الإنسان جزء من حركة التاريخ بها يدور، والتاريخ يخضع لمتغيرات الزمان والمكان. الزمان والمكان متغيران غير ثابتان يخضعان لمتغيرات التقدم والتطور الفكري الفلسفي والعلمي....نستنتج بذلك أن الدين خاضع للمتغيرات التي تواكب عجلة التقدم، وبالتالي يفسر كوجه لواقع متغير باستمرار. وكحدث يجري اليوم وليس أمس...عجلة التاريخ تستمر في الدوران، لذلك من الواجب تفسير الدين بما يتلاءم مع روح العصر والإنسان، وليس إلغاء أو تشويه فكرة الله الدّيان ،فالدين الذي لا يتلاءم مع روح العصر يندثر، ويصمد متعكزا على عقول المتزمتين الذين يخافوا من التغير، لأن مصالحهم ستتضرر، فالدين الذي لا يساير التطور والتقدم في المجالات الحياتية الطبية، والفضائية، والصناعة، والنفسية، والاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية…لن يخدم هدف الخالق مبدع الكون والعقل، الذي خلق الإنسان ليفكر ويرسل، لا ليستقبل ويغفو، بل ليجتهد ويعمل لا ليتكاسل.

فيلسوفان فجرا ثورة فكرية، وغضبا عارما، انقسم معهما العالم إلى قسمين، بين مؤيد أم مناهض لهما. كل قسم يدلو بدلوه ويجتهد في المناصرة أم المنازعة. في معركة اشترك فيها الفلاسفة والأدباء، واللاهوتيين فقهاء الدين، والسياسيين...الأول كارل ماركس (5/ أيار/ 1818- 14/ آذار/ 188) فيلسوف ألماني، صحفي، سياسي، ومنظر اجتماعي قال: " الدين أفيون الشعوب". والثاني فريدريك نيتشه (15/ تشرين أول/ 1844- 25/ أب / 1900 ) فيلسوف وشاعر ألماني، مهد لعلم النفس، عالم لغويات قال: " مات الله". لن أدافع عن كارل ماركس أو نيتشه ولكنني سأحاول أن اجتهد فمن اجتهد وأصاب له حسنتان، ومن لا يصب له حسنة واحدة...كما وإنني اترك للقارئ مهمة البحث عن انجازات القرن التاسع عشر الفلسفية والأدبية، والإحداث التاريخية والحركات الثورية، والعلمية ، والعسكرية ... وغيرها كي لا يقع فريسة لأكاذيب يشيعها مغرضون يمنعون الحقيقة والمعرفة ويحجبونها كي يمرروا فكرهم المسموم. فمن لا يمتلك المعرفة عليه بالصمت والاستماع لمن يملكها كي لا يبقى الفرد والمجتمع ألعوبة تدار بأيدي الجهلاء...كما عليه أن لا يكون محاربا أعمى يندفع بجهله ليدمر مجتمعه.... المعارف التي توصل إليها في القرن التاسع عشر أعطت دفعة قوية مشكلة متتالية هندسة تراكمية علمية وقاعدة عريضة لنهضة القرن العشرين، والحادي والعشرين...

لاحظ كارل ماركس كيف يخدّر الناس باسم الدين، بمعنى أوضح كيف يستغّل الدين من قبل رجال الدين وأهل والسياسية للتسلط على عقول البشر. وهمّه كان بيان أثر استغلال الدين في حياة الشعوب. وفضح ممارساتهم. أما نيتشه همّه كان أن يكشف سلطة رجال الدين والسياسيين معهم وتعريتهم. فمحاولته كانت إحياء الدين وصحوة العقل وتنشيط الفكر من خلال قتل صورة الله الرهيب الذي زرع في عقولنا، ومخيلتناـ ووعينا، وتربيتنا الخاطئة التي علمتنا أن نخاف منه في طفولتنا بدلا التقرب منه ومحبته... بالتالي نستنتج أن محبة الله، والإنسان، والكون الواحد الذي نعيش فيه ومعه وبه هو نموذج متكامل لخلاص البشرية ودعوة للتعاون العالمي المشترك من قبل أهل الأرض جميعا.

الدين لن يكون أفيون الشعوب إذا كانت مهمته تنحصر في...عدم تجرد الإنسان من إنسانيته، لا يدفع الإنسان لتكفير أخاه الإنسان، لا يحشر نفسه في السياسة، لا يجيز لوعّاظه الإساءة للمتدينين والملحدين، لا يشيد معابد لتفريغ العقول، لا ينشئ مفرخة للإرهاب، لا يدعو لقتل الأخر والتفنن في أساليب القتل، لا يحارب أفكار الناس وتوجهاتهم وحرياتهم ومعتقداتهم، لا ينشر مفهوم أفضليته عن الأديان الأخرى، لا يبحث ويركز على عيوب الآخرين.......

أتساءل هل اللاهوتيين والفقهاء هم ورثة الله على الأرض؟ ولسان حاله؟ هل الحكمة والمعرفة عندهم وصلت إلى مستوى العصمة؟ مع علمنا أن العصمة لا تكون إلا لنبي .من يخدمون الله؟ أم أنفسهم ؟ أم إطماع الحكام؟ أم أجندة أجنبية؟...الله المحبة لا يبغي شيئا سوى الخير للبشرية جمعاء، هذه هي رسالة الدين.

التلاعب بالعقول والتستر بالدين طريقة سهلة، يغرّر فيها الجاهل، والمحتاج، والمهووس من قبل من اختطفوا الدين وصادروه ليعرضوه، ويسوقوه سلعة على مقاس مصالحهم...فهو مستعد لتصديق أي شيء كي يغير واقعه المرير. الموت يصبح رحلة تبعده عن عذبات الحياة القاسية، مأساة عندما تتحول الخرافات الدخيلة على الدين إلى حقائق. ومأساة المآسي إن لم نخرج العقل من عقاله ونفكر بعقائدنا ومصادرها بعقلية كما أرادها الله أن تكون لكل زمان ومكان... فالدين يسر وليس عسر .. لنقرأه ونفهمه ونعيشه في سياقه التاريخي للقرن الحادي والعشرون.

الدين حرية وليس عبودية، محبة وليس كراهية، حياة وليس موت، بناء وليس هدم، علم وثقافة وليس جهل. انه المستقبل الجميل للبشرية جمعاء إذا عرف وأحسن استخدامه. أو وسيلة دمار وقتل إن أسيء استعماله. رحمة الله على أمي التي علمتني استخدام العقل، كانت تقول:" الله ما شافهوه بالعقل عرفوه".








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. 155-Al-Baqarah


.. 156-Al-Baqarah




.. 157-Al-Baqarah


.. 158-Al-Baqarah




.. 159-Al-Baqarah