الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مزامير الاغنياء

احمد عبدول

2013 / 6 / 3
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني


ما إن يعلو بنيان احد رجالات المال والعز والجاه والأبهة , حتى نكون إزاء قراءة لوحة بارزة تتوسط واجهات قصورهم الفخمة ودورهم الفارهة وهي تتضمن بعض الآيات القرآنية المنتقاة بدقة متناهية بالإضافة إلى بعض الأحاديث النبوية والحكم والمواعظ التي أخرجت هي الأخرى بعناية مركزة من قبل أصحاب المال الوفير ,والفضل العميم, هؤلاء الأغنياء الذين يحرصون كل الحرص على ان تتوسط واجهات قصورهم المعوذتين على وجه الخصوص لغرض ضمان الحصانة من أعين المارة التي تريد إن تأتي على ملكهم الذي شيدوه بدمائهم وأحاطوه بجهودهم بينما تكاسل الآخرون وتواكل الباقون فلم يحظوا بما حظي به أولئك العصاميون (يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ).لا شك إن هؤلاء الأغنياء لم ولن يرفعوا المعوذتين وهما الآيتان اللتان لا يحسنون غيرهما من كتاب الله ليس حبا وتيمننا وتبركا بمضمونهما ولكن لما تشكلانه تلك الآيتين من دعامة دفاعية وقائية لدرء ما يسمونه الحسد ولدفع ما يعتقدونه شرا مطلقا يستهدف قلاعهم ويعصف بممالكهم ويقلب أوراقهم.
قصور الأغنياء اليوم لا تقتصر على المعوذتين فهنالك آيات وعبارات أخرى تصب في نفس ذلك الاتجاه حيث نقرا قوله(ادخلوها بسلام آمنين )وقوله (الملك لله ) علما إن قصور هؤلاء الأغنياء لا يدخلها سوى النخبة من علية القوم وأسيادهم كما ان لسان حال أصحاب هذه الدور الفارهة يوحي للجميع ان الملك هو ملكهم والذي لا يشاركهم فيه فرد صمد , وكيف لا وقد حازوه بعرق جباههم ,وعظيم بلاءهم ,وجميل صبرهم , على الرغم من أنهم لن يحركوا حجرا على حجر أخر كما يقال .
الأغنياء في كل زمان ومكان يحرصون كل الحرص على رفع الآيات القرآنية التي تندد بالحسد وتتوعد الحاسدين بالويل والثبور انهم يرصدون هكذا آيات ومقولات وحكم ومواعظ لأنهم بأمس الحاجة إلى ما يدفع عنهم أعين الحاسدين من المارة خوفا من الضرر البالغ الذي قد يحل بساحتهم عندما يحسدهم العوام لما أتاهم الله من فضله وأغدق عليهم من نعمائه ليكونوا أفضل أهل زمانهم وأحسنهم خَلقا وخُلقا ومنطقا .
الأغنياء يجدون في قرارة أنفسهم أنهم ما شبعوا إلا على حساب بطون غرثى وما ارتووا إلا على حساب قلوب حرى , وان عروشهم لم تقم إلا على حساب جهود وأحلام الفقراء والمساكين ,لذلك تجدهم يحوطون أنفسهم بمجموعة الآيات والأحاديث والحكم التي توفر لهم مقدارا من الاطمئنان النفسي داخل ذواتهم المضطربة ,هذا ما توفره تلك الآيات القرآنية في جانب منها لأولئك الصنف من الناس , كذلك فهي سوف تعطي انطباعا للآخرين بأنهم أي الأغنياء إنما اغتنوا وشبعوا بأمر ومباركة من السماء لذلك نراهم يسارعون في عملية تسخير ا الكثير من النصوص القرآنية بما يرونه مناسبا لتوجهاتهم موافقا لمشاريعهم التي تدر عليهم مما لا عين رأت ولا إذن سمعت , ولا خطر على ذي قلب . فنحن مثلا لا نقرا من على واجهات قصورهم الفارهة قوله (والذين لا يريدون علوا في الأرض ) أو قوله (والذين يكنزون الذهب والفضة ) كما لا نطالع المقولة النبوية الشهيرة (إنهم يبنون القصور وينسون القبور ),ولا شك إن هكذا أمر يؤشر إلى ان الأغنياء ليس لديهم الشجاعة الكافية التي تجعل احدهم يرفع فوق واجهة داره مثل هكذا عبارات تقض مضاجعهم وتزلزل عروشهم ,انهم أناس انتقائيون يأخذون من السور والآيات ما يروق لهم ويهديء من حيرتهم بينما يلقون بالقسم الأخر من السور والآيات والحكم والمواعظ في اليَم . يبدو ان هاجس الحسد يشكل لدى هؤلاء الأغنياء خوفا مزمنا ومستديما على دورهم وعمرانهم بل انهم يعتقدون ان الحسد هو أهم واخطر ما يهدد وجودهم على الأرض , فالحسد هو العدو الأول والأخير لأولئك الأباطرة , فكيف يبعدونه عن ساحاتهم , انهم يبعدونه بالتمائم والنصوص والأحاديث .
إن هؤلاء الذين يتَمَتْرسون خلف جدار سميك من النصوص والآيات القرآنية المنتقاة لا يخافون سوى أعين الفقراء ولا يخشون سوى تنهدات البسطاء من الذين يرونهم دونهم في بسطة العلم والمقدرة والكفاءة والجد والاجتهاد والسعي لا سيما إن جل هؤلاء الأغنياء إنما اغتنوا عن طريق الصدفة أو الوراثة أو التلاعب والتحايل على المال العام .
البسطاء هم العدو الذي يخشاه الأغنياء لذلك يحتاطون له عبر سلسلة لا تنتهي من الرسوم و الاشكال الغريبة والتمائم والتعويذات ,انهم يعلمون علم اليقين أنهم لم يغتنوا بشكل سلس وطبيعي ومتوازن لا يثير انتباه الآخرين ولا يحفز أسئلتهم واستفهاماتهم حيث جاء غناهم كفلتة من فلتات الزمن وضربة من ضربات الحظ ,كما انهم يعلمون تمام العلم ان البسطاء والمعدمين سوف يتساءلون عن سر هكذا تفاوت وسوف يفتشون عن حقيقة ما يقف وراء مثل هكذا غنى من عوامل وأسباب .
الفقراء لا بد ان يتبينوا تلك الأسباب التي جعلت هؤلاء يتربعون قمة العز والرفاهية بينما بقي هم في الدرك الأسفل من نار العوز والفقر والحرمان , فإذا لم يجدوا ما يشبع نهمهم للمعرفة تحول ذلك إلى حنق وتمرد على أنظمتهم الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ولربما كان للسماء نصيب من نقدهم ومقدار من حنقهم بسبب ما يجدونه غير مفهوم وغير مبرر من جانبهم على اقل تقدير .
إن الأغنياء لا يخافون سوى البسطاء والمعدمين فهؤلاء في نظرهم جميعا حاسدون يريدون زوال ملكهم وذهاب ثرواتهم .لقد فات هؤلاء الأغنياء ان الحسد الوارد في قوله (ومن شر حاسد إذا حسد )وقوله (أم يحسدون الناس على ما أتاهم الله من فضله ) ليس هو الحسد الذي يخافه الأغنياء بل هو حسد من نوع أخر وسنخ أخر بقرينة ان الرسول الذي أنزلت عليه تلك النصوص القرآنية لم يكن يمتلك من حطام الدنيا شيئا يذكر سوى قوت يومه وقد تمر عليه أيام وليال ولا عهد له بالقرص.
الرسول لم يكون من الأغنياء حتى يخاف الحسد على ما امتلكه من أموال وبيوت وقصور وضياع كما هو حال الأغنياء اليوم .لقد فات هؤلاء السذج ان الحسد الوارد في السور والآيات القرآنية إنما هو الحسد المتعلق بمن آتاه الله بسطة في العلم وسعة في المعرفة , وثراء في الخصال الحميدة ,والمواهب الفريدة, لذلك أحب ان اطمئن الإخوة الأغنياء ان لا يخافوا وان لا يحزنوا وان يقوموا برفع المعوذتين وسائر الأحاديث والحكم والمواعظ من على واجهات قصورهم فأنهم لم ولن يمتلكوا من العلوم والمعارف ما يخافون عليه الحسد ويحتاطون له من أعين النظارة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. انقطاع الكهرباء في مصر: -الكنائس والمساجد والمقاهي- ملاذ لطل


.. أزمة تجنيد المتدينين اليهود تتصدر العناوين الرئيسية في وسائل




.. 134-An-Nisa


.. المحكمة العليا الإسرائيلية تلزم اليهود المتدينين بأداء الخدم




.. عبد الباسط حمودة: ثورة 30 يونيو هدية من الله للخلاص من كابوس