الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


السرعة ومفهوم المكان والزمان المكثفان

هيبت بافي حلبجة

2013 / 6 / 4
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


السرعة ومفهوم المكان والزمان المكثفان !!
هيبت بافي حلبجة
ماذا لو قال لك أحدهم مباشرة ودون مقدمات وأنت في سوق الحميدية : أنت لست موجوداً ! لن تتصور مطلقاً أنه جاد ويدرك كامل الإدراك ما معنى حديثه ذاك إليك . وسوف تتهانف بشيء من الخجل وبكثير من التهكم والسخرية : إذن مع من تتحدث ! هل تتكلم مع خيالك ! أم هل مسك جنون !! فيحاول أن يخفف عنك وقع الصدمة وآثارها البيوفيزيائية : ليس إلى هذه الدرجة صديقي .
ماذا لو قال لك صديق آخر وأنت تمر من سوق الحميدية إلى سوق العشائر : أنت لاتراني ، أنك تعتقد أنك تراني ! تملكك الدهشة مرة أخرى ، وتلوي رأسك إنكاراً وأستهجاناً : إذن كيف أسمع سؤالك ، إذن كيف أحدق أتجاهك ، لماذا لاأتجه بنظري نحو تلك المقاهي أو هذه الحانوتات الصغيرة ! وعلى فريضة إني لاأراك ، فهل تراني أنت !! يجيبك ببرودة أعصاب : أنني أراك بكل تأكيد وإلا لماذا بادرتك بالتحية وبالسؤال ! أم هل لك شك في ذلك ! ترد عليه بكل بساطة وعفوية : لا طبعاً ليس لدي أدنى شك في إني اراك كما إنك تراني بنفس الدرجة ! يرد عليك بكل ثقة : بنفس الدرجة ! هذه بلادة معرفية ، إنك ما زلت من النيوتونيين ! من الأقليديين ! من الأرسطويين !
ماذا لو قال لك صديق ثالث ، وأنت قد غيرت رأيك وعرجت نحو سوق الخياطين : أنظر إلى الشيخ الجليل مصطفى الأحمد وكأنه يمد يده ليصافح شخصاً ما لكن لايوجد أحد في قربه . فتحدج حيث أشار فلا تبصر شيئاً ، لا الشيخ مصطفى الأحمد ولا غيره ، لكن تسمع صوتاً من أحد المارة وهو على ما يبدو يعرف الشيخ الجليل مصطفى الأحمد : يا ربي ، ماذا أرى ، الشيخ الجليل مصطفى أحمد يصافح الشيخ الجليل أحمد المصطفى ، كم هذا رائعاً !!
تعتريك رعشة باردة تصطحب معها قشعريرة ترتعد بسببها أوصالك كلها : يا إلهي ما الذي يجري في هذه الأيام ، ما الذي تغير في هذا الكون ، هل أنقلبت الموازين والتصورات وحدود الأشياء ، هل تداخلت المجرات وتشابكت ونحن لاندري ، هل تحتضن المجرات مجرات أخرى مثلما تحتضن مدينة روما دولة الفاتيكان ، هل تمتص الأبعاد نفسها ، هل تولد الأبعاد أبعاداً أخرى ، هل الموضوع يمتص ذاته أو يمتص غيره ، هل الموضوع يولد مواضيعاً أخرى ، هل نحن خاضعون في وجودنا لمفهوم السرعة ، بل هل وجودنا هو وجود سرعوي – تسارعوي ، وكيف يمكن أن نكون تحت رقابة سلطة محتوى السرعة ، وفي الحقيقة ما هي السرعة .
هل يستطيع أسحاق نيوتون ، ألبرت آينشتاين ، غاليليو غاليلي ، أرخميدس ، جوزيف طومسون ، مايكل فاراداي ، بويل ، أرنست ماخ ، جيمس ماكسويل ، الإجابة على هذا السؤال !!
هل يستطيع هيجل ، كارل ماركس ، فيثاغورث ، ديكارت ، توماس الأكويني ، أوغسطين ، عمانويل كانط ، فيورباخ ، جان بول سارتر ، كارل ياسبر ، وليم جيمس ، كل على طريقته وحسب أختصاصه ، الإجابة على هذا السؤال !!
ودعونا نتجاوز هؤلاء السادة برؤية موضوعية ، ونتفادى الإجابة عن السؤال السابق ، ونتساءل ماهو دور السرعة في مسألة أو محتوى ، أو مفهوم المكان ، بعيداً عن مفهوم المادة أو الكتلة بالمعنى الدارج حتى الآن ، أو حتى الربط المقبد أو الجارح للتحليل فيما بينها على أساس إن أحدهما هو شرط وجود الثاني ، او بالعكس .
ثم ما هو دور السرعة في مسألة تحديد طبيعة الزمن بالذات بعيدا عن مفهوم المسافة الجامدة ، أي وبعبير أدق ما معنى السرعة في تحديد وجود المكان والزمان أي ، مرة ثانية ، هل المكان يأخذ مدلوله من خلال محتوى السرعة ، وكذلك الزمان ، أو ربما أحدهما دون الآخر .
قديماً لاحت هذه المسألة على صورة معادلة محددة ، فلقد قورن المكان بوجود المادة أو بدونها ، وكذلك قورن الزمان بوجود الحركة أم بدونها .
ونيوتون الذي أفترض وجود المكان دون مادة قبل به على شكل دفعة واحدة ، وكأنه فراغ مطلق معطى بصورة أزلية على غرار جوهر مستقل ، الأمر الذي حاول كانط تجاوزه من خلال الربط ما بين وجود المكان وشرط معرفة الأشياء من خلاله ، في حين إن لايبنتز وأرسطو نفيا وجود المكان دون المادة التي هي ، حسبهما ، الشرط الأول والضروري لأمكانية وجود المكان .
وأما ديكارت الذي أفترض وجود عنصرين لاثالث لهما ، وهما عنصر الفكر وعنصر الأمتداد ، أكد إن الكون مملوء بالمادة بالضرورة أو بتعبير آخر إن المادة هي شرط أمتلاء الكون ، وهكذا خلص إلى نتيجة مفادها إن إمتلاء الكون هو عنصر الأمتداد ( طبعاً لسنا بصدد أرتباك ديكارت حول جدلية هذه النقطة ) .
إلا إن جويس ، ثم ريمان ، وأرنست ماخ ، وآينشتاين فلقد تصوروا هذه المسألة من خلال مفهوم الترابط المنطقي للهندسة الفراغية منسجماً في كلياته مع ما عرف فيما بعد بمبدأ ماخ .
وإذا ما أرتبط المكان بالمادة ، فإن الزمان أرتبط بالحركة ، وكعادته في رؤية هذه الأطروحات أفترض نيوتون وجود الزمان كجوهر أولي لايحتاج إلى الحركة ، في حين أعتمد أبن سينا على رأي يتفارق عن ذلك الذي يخص نيوتون وحتى عن ذلك الذي يعتمده كل من كانط والرازي ( شرط ذاتي أساسي للمعرفة ) ،والذي حسبه إن الزمان حركة مستديرة ومتصلة ، وبما إن الحركة المستديرة المتصلة مملوءة بالمادة ، فإنه توصل إلى مايمكن أن نسميه بمادية الزمان .
وننوه فقط للتذكير إن الأمور تطورت بعيداً في هذا الخصوص ، حيث حل الحقل ( المجال ) مكان الحركة ، كما حلت الكتلة محل المادة . ومهما كانت مسوغات هذا الرأي أو ذاك فإننا نرى ضرورة أبداء الملاحظات التالية :
الملاحظة الأولى : لامناص من أدراك الفيزيائيين لأمر قد يغير مساحة كبيرة فسيحة في المعطيات السابقة وهو إن السرعة ليست مجرد معادلة تقسيم المسافة على الزمن ، بل هي عنصر يخترق الطبيعة من خلال الحركة ، وقد تكون أكثر من ذلك ، ولذلك أطرح هنا مفهوم السرعة العضوية التي تمثل خاصية لصيقة في وحدة الذات أو في موضوع الذات .
الملاحظة الثانية : لايمكن أن يكون ثمة وجود للمكان ( في حال وجوده ) إلا من خلال مفهوم السرعة التي إن غابت ( لسبب لاأعرفه ) غاب المكان وتلاشى وكأنه أمتص ذاته ، إذ يستحيل قيام المكان ( بصورة محضة أو على شكل مادة أو كتلة أو طاقة أو أي مفهوم جديد يخص هذا الموضوع ويكتشف مستقبلاً ) خارج تلك السرعة العضوية .
الملاحظة الثالثة : كما لايمكن أن يكون ثمة وجود للزمان ( في حال وجوده ) إلا من خلال مفهوم السرعة التي إن غابت ( لسبب لاأعرفه ) غاب الزمان وتلاشى وكأنه أمتص ذاته ، إذ يستحيل قيام الزمان ( بصورة صرفة ، أو على شكل حركة ، أو مجال ، أو أي مفهوم جديد يخص هذا الموضوع ويكتشف مستقبلاُ ) خارج تلك السرعة العضوية .
الملاحظة الرابعة : من المستحيل إدراك المكان أو الزمان أو كليهما ( الزمكان ) خارج نسق وحدة الكون ، تلك الوحدة التي من شأنها إن ترجمت بالصورة الفيزيائية الصحيحة أن تطور النظرية النسبية لآينشتاين أو أن يتم تخطيها ، وعلى أثرها يدرك الكون بمصوغات جديدة .
الملاحظة الخامسة : في مجمل المجالات السابقة أني أطرح مفهوم ( التكثيف والخلخلة ) الفيزيائية ، وبما أننا نتحدث عن الزمان والمكان فأني أطرح صيغة الزمان المكثف ، المكان المكثف ، الزمان المخلخل ، المكان المخلخل ، وهذا ينطبق على كل مفهوم يحل محل الزمان أو المكان أو كليهما .
الملاحظة السادسة : إذا ما صدقت الملاحظات السابقة فأننا سنكون إزاء جملة نتائج منها :
النتيجة الأولى : تنكسر أعمدة المسألة الأساسية في الفلسفة والتي بموجبها يتم التفريق ما بين الفلسفة المادية والفلسفة المثالية ( أيهما سبق الآخر ، الوعي أم المادة ) .
النتيجة الثانية : لا وجود لجوهر مستقل ، لإن الجواهر ستفقد جزءاً من معناها الفلسفي لصالح علاقاتها فيما بينها ، بحيث تتولد معادلات فيزيائية جديدة دون المساس بلب الجوهر .
النتيجة الثالثة : تتعزز فكرة ولادة الكون التي نرجحها حتى هذه اللحظة على غيرها ، ونقصد بالولادة أضفاء بعدا خاصا على مفاهيم التحول والتطور ، وأقصاء محتوى الخلق .
النتيجة الرابعة : يتحول الوجود الفردي ، كما قلنا في المقدمة ، إلى وجود تابع لوحدة المرجع ، فيمكن أن ترى مالا يراه شخص تابع لمرجع منفصل تماماً عن مرجعك .
النتيجة الخامسة : ثمة نتائج عديدة وخطيرة ومهمة ، لكن أرتأي أن أعالجها في أماكن خاصة بها على درجة من الشدة ، إن هناك سيكون لها دفق أقوى ، ومحتوى أشد ، ومعنى متكامل وأفضل . ( وإلى اللقاء في الحلقة السادسة عشر ) .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تحدي الشجاعة داخل الفلج.. مغامرة مثيرة لمصعب الكيومي - نقطة


.. رائحة غريبة تسبب مرضًا شديدًا على متن رحلة جوية




.. روسيا تتوقع «اتفاقية تعاون شامل» جديدة مع إيران «قريباً جداً


.. -الشباب والهجرة والبطالة- تهيمن على انتخابات موريتانيا | #مر




.. فرنسا.. إنها الحرب الأهلية!