الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بين عبد الرحمن بدوي وسارتر

سلمان محمد شناوة

2013 / 6 / 6
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع


يقول عبد الرحمن بدوي " كل شي بالصدفة , وبالصدفة أتيت إلى هذا العالم , وبالصدفة سأغادر هذا العالم , وأية ذلك انه لو لم تتطاير ورقة وتسقط على الأرض فينحني والدي لالتقاطها , لكان قد ودع الحياة في ذلك اليوم من شهر أكتوبر سنة 1913 , فقد استأجر احد خصومه قاتلا , جاء إلى حيث يجلس في بيت العمودية في مساء ذلك اليوم , وأطلق رصاصات في اتجاهه وفي هذه اللحظة بالذات تطايرت الورقة فا نحنى لا لتقاطها فلم يصاب إلا الطرف العلى من العمامة ... ويقول كان ميلادي بعد ذلك بأربعين شهرا ..
هل نستطيع من ذلك ان نفهم كيف أصبح عبد الرحمن بدوي وجوديا ...

يقول عبد الرحمن بدوي , لقد ظلت الوجودية بمنأى عن عبث الجهال من الكتاب والصحفيين والوعاظ حتى سنة 1945 حين صارت الوجودية موضة من الموضات الأدبية والاجتماعية في فرنسا غداة انتهاء الحرب العالمية الثانية وقد دارت هذه الموضة حول شخص جان بول سارتر ( 1905 – 1980 ) فأنشئت في باريس نواد ليلية في حي سان جرمان دي بلريه , والذي انتقلت له الحياة الأدبية والفنية بعد إن كان مقرها في مونبراس , ويقول الدكتور عبد الرحمن بدوي .. لا ادري ماهو الدور الحقيقي الذي لعبه جان بول سارتر ,في خلق هذه الموضة ولكني حين زرت باريس لأول مرة في يونيو 1946 وجدت هذه الموضة استشرت في ذلك الحي , وكان المنتسبون إليها والمتشوقون إلى معرفتها ومعايشتها , يتخذون من مقهيين في ذلك الحي مقرا لهم , وهما مقهى الفلور ومقهى les deux maggots بالإضافة إلى ناد ليلي في شارع سان بنوا , وقد دعاني حب الاستطلاع إلى الذهاب إلى هذه الأماكن الثلاثة وسؤال المترددين عن الوجودية , ويقول لم أجد شخصا واحد يعرف إي شيئا عنها وقصار انه يردد اسم سارتر وحين سألته هل قرأت له شيئا كان يتلعثم ثم يبين إلى انه لم يقرءا له شيئا وإنما قرأ اسمه في الصحف , فا أثار هذا في نفسي ضيقا شديدا لهذا العبث بمذهب هو غاية في الجد والصعوبة وأصابني الغثيان من الحال الفكرية التي انحدر إليها الناس في فرنسا ...

ويكمل عبد الرحمن بدوي لم أكن اعرف لسارتر قبل 1945 إي علاقة في الوجودية لقد قرأت له قبل ذلك كتابه في علم النفس التخيل 1936 مقال عن " علو الأنا " ولا صلة للمقالين بالوجودية بل هو تأثر فيهما بعلم النفس عند هسرل وأول وأخر كتاب لسارتر في الوجودية هو كتاب ( الوجود والعدم ) سنة 1943 ويقول لم أشاهده ولم إقراءه إلا في باريس سنة 1946 لما زرت باريس لأول مره ولما قرأته وجدته كل البعد عن وجودية هيدجر وخليطا من التحليلان النفسية فدهشت من زعم سارتر إن هذا الكتاب إسهام في المذهب الوجودي خصوصا ( الانطولوجيا = علم الوجود ) ومنذ قراءتي له لم اشعر نحو سارتر بأي تقدير من الناحية الفلسفية وعددته مجرد أديب وباحث نفساني يستند إلى منهج الظاهريات ولم اعتبره أبدا فيلسوفا وجوديا قد أسهم بأي إسهام يذكر في تكوين المذهب الوجودي ... ( مذكرات عبد الرحمن بدوي ) ..

أو تكون صورة الوجوديون تتشابه مع ما رآه عبد الرحمن بدوي في باريس في نواديهم ومقاهيهم ...كما يقول (رمضان لاوند) في كتابه (وجودية ووجوديون):

«فبدت لأول مرة في أزياء فريق الشبان والشابات أشكال غريبة، وبدت هذه الغرابة نفسها في السلوك والأندية التي فيها يجتمعون، والأبهاء التي فيها يتواعدون، كما ظهرت عندهم ميول شديدة نحو اللامبالاة، والرغبة في اقتناص الفرص، والاستمتاع بأكبر قدر ممكن من الملذات والمسرات، يقابل هذا كله بذل الأقل الممكن من الجهد في العمل المتعب، والإنتاج الايجابي، والتأنق في الملبس والمطعم والمشرب، وتصفيف الشعر والنظافة، بحيث أصبح الوجوديون في نظر المراقب اللبناني: موطناً للكسل والخمول، والوسخ والبوهيمية البلهاء، واللامبالاة بكل قيمة، وبكل عمل ايجابي ــ ثم يقول: ــ وأتاحت لي مجاورتي لأبناء الحي اللاتيني أن اتصل بالوجوديين الذين كانوا يجتمعون في أندية في مشارب شارع سان ـ جرمان ـ دي ـ بري، فكانت صورتهم هناك ـ أي في باريس ـ شبيهة بصورتهم في بعض زوايا بيروت ومشاربها».

حين كتبت سيمون دي بو فوار " المثقفون " , فإنها كتبت عن روح العصر , هذا الذي وصفه عبد الرحمن بدوي وتفأجا به حين زيارة فرنسا في ذاك الوقت بأعقاب الحرب العالمية الثانية , وربما إن مشكلة عبد الرحمن بدوي إن كان يفكر بمثالية و ولم يكن أبدا يفكر بواقعية هذا العصر , مثالية المذهب الوجودي , انه يسير خلف المؤسسون أمثال كير كجارد وهيدجر وواقعية هذا العصر إن سارتر يمثل القلق واليأس الذي شعر به المجتمع الفرنسي أعقاب الحرب العالمية , وهذا اليأس والقلق صاغ حياة التمرد والتي عاشها إبطال هذا المذهب مثل سارتر وألبير كامو وسيمون دي بوفوار ...

لذلك نجد سارتر يؤكد دائما في مقولاته (إن الإنسان في جوهره (تصميم) أو (مشروع لتحقيق إمكانيات لا نهاية لها كلما حقق جانب، سعى إلى تحقيق جانب آخر) (دراسات أوربية أنيس منصور ) ....

(ويحدثنا سارتر عن العدم باعتبار انه داخل في نسيج الوجود دخولا موضوعيا يمثله وجود هذه الأشياء المادية التي يصفها لنا باعتبار إن تطورها الذاتي قد انتهى وأصبحت تمثل في الكون وجود استاتيكية وجودات في ذاتها، وجودات صماء صلبة، كثيفة مظلمة، غارقة في ظلامها من شأنها إن تجمد العقل الإنساني وتعوقه، وتحيل حركته إلى سكون) (الوجود والعدم سارتر ) ......

المثقفون رائعة سيمون دي بوفوار تمثل هذا العصر بكل قلقه ويأسه ورهبته , ولم يكن عبد الرحمن بدوي وهو القادم من مصر يعيش بهذا القلق وهذا اليأس , ولم تكن روحه تشع غضبا وتمردا , من هذا ربما نفهم هذا الاختلاف بين عبد الرحمن بدوي وسارتر , لان المذهب الوجودي , هو مذهب فردي يعمق فردية الإنسان من خلال البحث عن ذاتية الفرد , وانه الأساس في كل شيء ...

في الحقيقة إن الفلسفة الوجودية التي اقترنت بكير كجارد الدانماركي لم تكن ذات سمات محددة أو إبعاد كما في الفلسفات القديمة والحديثة بل هي عند كير كجارد مجرد بحث في الخطيئة الأزلية في مدى جدوى الوجود أي رحلة بحث وتقضي. ولكن من خلال الذات إما عند سارتر وسيمون ومن قبله هيدجر فهي ليست موضوعات للمعرفة، بل أصبحت (أدوات) استخدمها الإنسان في حياته اليومية. لذلك فأن سارتر رفض الاتجاهات المثالية في المعرفة، تلك الاتجاهات التي أحالت الوجود، وجود الأشياء أو 0الظاهر) إلى مجرد (إدراك) لها (إن للأشياء في وجودها شخصية تملي نفسها بتا على الشعور)
(ما هي الوجودية د. يحيى هويدي ــ مجلة الهلال ) ..

من هذا ربما نفهم سيمون دي بوفوار حين تقول ((" اذكر إني شعرت بسكينة عظيمة ( قرأت هيجل فوق مقاعد المكتبة الأهلية في باريس , في أب 1940 ولكن عندما ألفيت نفسي مرة أخرى بالشارع , في حياتي , خارج ذلك النسق قدم معاذيره باللا متناهي ( الفلسفي , تحت السماء الحقيقية , لم يعد النسق يفيدني بشئ ( الله ) عزاءه لي عن الموت , ولكني مازلت راغبة في الحياة بين أناس أحياء ) ....

أو حين يقول سارتر (( ألان عندما هممت بدخول حجرتي وقفت فجأة في مكاني ولم استطع إن أتقدم خطوة واحدة ذلك لأنني أحسست إن شيئا باردا لمس يدي وأملى عليّ وجوده في (شخصية) لم استطع إن أنكرها، ثم فتحت يدي، لقد لمست يدي قبضة الباب ليس (إلا) ) مسرحية الغثيان سارتر ....
أو حين يقول «كل موجود يولد دون مبرر، ويعيش بسبب ضعفه وخوفه،ويموت بفعل المصادفة».
وهو يقول كذلك الإنسان كائن محكوم بالحرية , يحمل عبء العالم على كتفيه فهو مسئول عن العالم وعن نفسه كطريقة للوجود.
هؤلاء المثقفون والذين كتبت عنهم دي بوفوار هم من شكلوا الحياة الثقافية للمجتمع الفرنسي بعد الحرب العالمية الثانية كان تأثير المثقفين في المجتمع، لاسيما في الشريحة الشابة منه، في تلكم العقود، هائلاً. وقد أصبح أدباء ومفكرون أمثال جان بول سارتر وألبير كامي وسيمون دي بوفوار ومرلو بونتي وكويستلر أيقونات معبودة من قبل الشباب الذين رأوا فيهم ممثلين لعصر مغاير ولمستقبل آخر. وصارت فلسفاتهم ذات النَفَس الوجودي موضة ذلك الزمان. والتي أفصحت عن عقلية مذهلة تعطي إجابات صادمة ومحفِّزة عن أسئلة بات يفرزها واقع لم يعد يشبه، بأي شكل، واقع ما قبل الحرب. فكانت تعبِّر عن ضمير إنساني يقظ يحاكم ويقوِّم من دون هوادة.. وهؤلاء الفلاسفة اتفقوا في ما بينهم، ومع غيرهم، واختلفوا، بشأن مسائل الاشتراكية والحزب الشيوعي والاتحاد السوفييتي ومعسكرات الاعتقال ومحنة المستعمرات، الخ، لكنهم كانوا، وعلى حد تعبير دي بوفوار "يزوِّدون حقبة ما بعد الحرب بإيديولوجيتها". ...

أليس هذا كافيا إن تسود فلسفة سارتر المجتمع , ربما هو كذلك , ولكن لم يكن سارتر يعطي إجابات إنما كان هو ومذهبه الوجودي يصف الحال كما هو ...

المشكلة بين عبد الرحمن بدوي وسارتر هي المشكلة الأخلاقية , صحيح إنهما يشتركان بالوجودية , والوجودية تعني (( إن الوجود يسبق الماهية ,وهم بذلك اختلفوا مع الفلسفات الإنسانية والتي تؤكد على إن الماهية تسبق بكل تأكيد الوجود , ولكن الوجوديون بصفة عامة ومنهم عبد الرحمن بدوي وسارتر , اقتنعوا إن هذه الماهية لا يتكون مفهومة أبدا بدون وجود الإنسان , والإنسان حين يوجد , فهو يشكل قيمة حقيقية بذاته , ولا يمكن أبدا إن يتشابه إي إنسان مع الإنسان الأخر , وان وجود إي قوانين أو صفات لا يمكن إن تتشابه بين اثنين . ومشكلة الماهية والوجود إذا أردنا إن نوضحها , مثل الطبيب وفني التمريض الذي يدرس المشتركات بين كافة الإمراض والتي تعالجها معا وكذلك الممرض ويدرس كل مرض بصفاته العامة , وحين يجلس مع مريض سوف يطبق ما تعلمه في كلية الطب , ولكن لان كل مريض يخالف عن الأخر بصورة تامة نجد إن الأطباء يولون حالات معينة كل اهتمامهم لأنها تعتبر اختلاف كبير عن كل ما تعلمه في كلية الطب , مع إن المرض واحد وإعراضه واحدة , كذلك الفني في التمريض وهو قد تعلم رعاية كل المرضى بشكل واحد , إلا انه يواجه مرضى يضطر إلى معاملتهم بصورة تختلف , لأنه لا يكفي إن تتعامل معهم فقط بالمشترك من علم التمريض , هذه هي الوجودية والتي تعطي كل إنسان ميزة مستقلة عن الأخر ....

قلنا إن الفارق بين سارتر وعبد الرحمن بدوي هي المشكلة الأخلاقية , ولقد قال عبد الرحمن بدوي إن الناس في باريس منحلون أخلاقيا منذ مئات السنوات وقبل إن يأتي سارتر , لذلك إي مذهب سوف يأتي سوف لا يختلف أبدا عن المجتمع الذي يعيش فيه ويولد ويترعرع , فهل نفهم من ذلك لماذا هذه العلاقات الجنسية الصريحة بين سارتر وسيمون دي بوفوار , او قد نفهم أيضا هذه العلاقة الثلاثية بين سيمون دي بوفوار وسارتر وتلميذتها والتي تحرشت بها , والذي يحدث في فرنسا لا يحدث في مصر , فعبد الرحمن بدوي ابن البيئة الإسلامية المتحفظة , حين يصبح وجوديا فهي وجودي يخضع للبيئة والمجتمع في الإسلامي المحافظ , ولذلك حين يزور فرنسا يصدم بالحياة الباريسية ...

لذلك نجد عبد الرحمن بدوي يقول " ...
لا زلت منذ درست الفلسفة أسير في اتجاهيين مختلفين , أولا اتجاه الفلسفة الإسلامية حيث قمت بتحقيق الكثير من كتب الفلاسفة المسلمون الكندي والفارابي وابن سينا وابن ماجه وابن رشد .. وهو قد دافع في أخر حياته عن الثقافة الاسلامية وشخصية النبي محمد , وهذا سبب حالة تعجب لمن تابع حياة عبد الرحمن بدوي ...
والاتجاه الثاني هو الاتجاه الوجودي حيث قدمت كتبا كثيرة بحيث صارت الوجودية رافدا أساسيا في تكوين غالبية المثقفين العرب وهذا يدل على قوة الفلسفة الوجودية في النفوذ إلى وعي المثقفين ....








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - باريس
نجيب حمزاوي ( 2013 / 6 / 6 - 09:32 )
وانا اقرا المقال استذكرت قرار الحكومة الفرنسية قبل ايام حين شرعوا زواج المثليين لا ادري هل الباريسيين سباقين الى فهم لغة الجسد قبل غيرهم وبالذات حين نتذكر ان الموضة باريسية والعطور الجذابة باريسية ايضا وكل مايتعلق بالاناقة والذوق كلها باريسية ولكن هل كلام الاستاذ بدوي عنهم وكماورد في المقال بانهم منحلين اخلاقيا قبل مئات السنين صحيح ؟
من الصعب الجزم بمثل هذه الامور لان هذا الامر يحتاج الى دراسة جينية وتاريخية واجتماعية وهذا امر يصعب تحقيقه
اما تاثير البيئة على فكر الرجلين سارتر وبدوي فهو امر لايمكن اغفاله او التغاضي عنه ن

اخر الافلام

.. سودانيون يقتاتون أوراق الشجر في ظل انتشار الجوع وتفشي الملار


.. شمال إسرائيل.. منطقة خالية من سكانها • فرانس 24 / FRANCE 24




.. جامعة أمريكية ستراجع علاقاتها مع شركات مرتبطة بإسرائيل بعد ا


.. تهديد بعدم السماح برفع العلم التونسي خلال الألعاب الأولمبية




.. استمرار جهود التوصل لاتفاق للهدنة في غزة وسط أجواء إيجابية|